Monthly Archives

August 2015

2015, جريدة النهار, مقالات

لبنان المرجو / السبت في ٢٩ آب ٢٠١٥

لبنان المرجو لبنان الحق. هذا يعني ما كان فوق التفاهم السياسي إلى ما هو وحدة القلوب. ان يقتنع كل منا ان الفرق باقٍ أساسًا ومرجو استمراره. لبنان كثير المناحي الفكرية وفيه ديانتان والدين منحى وجود ولا نستطيع بعلمانية سطحية ان نلغي اختلاف العقائد وهي فاعلة ولكنا قادرون ان نتجاوز تباعد القلوب إلى ما فيه وحدتها.

هل الوحدة هي، بالضرورة، العلمانية حسب المنهج الفرنسي أي ان نصرف النظر عن انتمائنا الديني؟ هل من حياد ممكن ان كنا مؤمنين أم ان الخلاص هو في قبول الفريق الآخر والاعتراف بأنه آخر وبأننا محاولون صادقين ان نعيش بعضنا مع بعض بلا قتال؟ هل وحدة القلوب تمنع التنوع في العقيدة؟ إذا كان التنوع الديني موقف كل فريق هل يمنع هذا التعايش الصادق والمحبة، هذا ما يجب ان تقدمه هذه البلاد نموذج عيش سليم صادق للإنسانية كلها.

لست أنكر الصعوبة النظرية في التعايش. قلت النظرية لأننا تعايشنا مقتنعين بعضنا ببعض أي قابلين بالاختلاف عائشين معا في المحبة وعرف الكثيرون منا امكان التلاقي بين الاختلاف في العقيدة والمحبة، تاركين لله الحكم علينا في اليوم الأخير ومجتهدين ان نعيش معا على الأرض في المحبة والتعاون صادقين وهذا ليس بالحلم لأن الكثيرين منا عاشوا محبة صادقة وعرفوا أن التعايش الكريم ممكن ومنتج. هذا كالزواج. أنت تعطى امرأة من بيئة مختلفة بالكلية ولكن بوعد الحب المشترك تصبحان واحدا. المحبة وحدها هي الوجود.

لا بد ان نتعلّم ان وحدة القلوب ممكن ان تنسجم مع تعدد الأفكار وتضادها. الوحدة ليست الانصهار. هي قائمة بين مختلفين ولكنهم على محبة واحدة. المحبة ليست بالضرورة في الاندماج، انها في تلاقي القلوب.

لبنان ثمرة اجتهادها. الوطن يُبنى ولا يُعطى نهائيا. المحبة تربيها فيك وفي الآخرين. بلدك ان أردته كبيرا تجعله كبيرا. تخلقه أيضا. الوطن مفهوم متحرك وموروث معا. الماضي لا يكبلك بالضرورة وأنت تشده إلى الآتي. الماضي لا يعمل وحده الوطن. أنت تربيه وتاليا تصنعه. هذا هو الرجاء.

Continue reading
2015, جريدة النهار, مقالات

الذين ذهبوا عنا / السبت ٢٢ آب ٢٠١٥

الذين ذهبوا إلى الرب هم معنا ونحن معهم في الصلاة. انها هي القيامة الأولى. التراب ليس بشيء. «المحبة أقوى من الموت» (نشيد الأنشاد). الرؤية طبعا وجود ولكنها ليست كل الوجود. القلب، بمعنى الوجود الكامل، لا يموت. فلا فرق إذا بين ان الله قبضنا بالموت وانه لم يقبضنا. إذا كان الله هو الوجود الكلي والكامل فلا معنى للموت الا من حيث انه من العالم الظاهر. كيف تتربّى على ان الباطن والظاهر واحد في الرب؟ الكنيسة الأرثوذكسية لا تقول ان الذين ماتوا هم في المجد. تقول انهم في الملكوت أي في سيادة الله عليهم. إذا كانوا في السماء فلماذا تصلّي من أجلهم؟ هم في انتظار السماء لأن المجد الكامل يأتي مع المسيح في مجيئه الثاني.

الذين ذهبوا يجعلونا معهم في صلاتهم. نحن قبل القيامة العامة لسنا في السماء. نحن في وعد السماء. فقط المسيح في جسده هو في المجد الكامل. الذين أخذهم ربهم عن هذه الأرض هم ايضا ينتظرون المجد الكامل عند عودة المخلص. ليس أحد في المجد الا رب المجد. القديسون أنفسهم تحت الرحمة. ليس من إنسان تمجد كاملا. له ان ينتظر مجيء المسيح الثاني. لأن الرب يريد ان يخلصنا معا مجتمعين. من ندعوهم قديسين ليسوا في المجد الكامل. انهم ينتظرون المجيء الثاني ليكملوا. لذلك لك ليس فقط ان تصلّي إلى القديسين ولكن لأجل القديسين لأنهم لم يكتملوا. الذين ذهبوا عنا يصلّون معنا على رجاء مجدهم ومجدنا في اليوم الأخير. توقهم إلى المجد هو توقنا نحن أيضا إلى المجد. ليس من كامل في السماء الا المسيح يسوع. أهل السماء هم أيضا ينتظرون المجد الظاهر عند مجيء الرب ثانية. لم يحصل أحد على المجد الكامل الا الشهداء لأنهم اتحدوا مع الرب بالدم.

الذين ذهبوا عنا في حاجة إلى المجيء الثاني ليكملوا. «لم يصعد واحد إلى السماء الا الذي نزل من السماء ابن البشر الذي هو في السماء». القديسون أيضا هم في انتظار السماء.

Continue reading
2015, جريدة النهار, مقالات

مريم / السبت في 15 آب 2015

المسيحيون التراثيون أي الأرثوذكس والكاثوليك لا يؤلهون مريم. هذه تهمة باطلة ليس لها أساس تاريخي. ما ساواها أحد بالمسيح. انه الوسيط الوحيد بين الله والناس وبه تحقق الخلاص وإذا قلّنا انها شفيعة فلا نحملها معنى غير انها تصلي من أجلنا وليس في معتقدنا انتقاص من اننا نرى ان المسيح هو وحده وسيط الخلاص. إيماننا بأن المسيح وحده مخلص العالم لا ينقص من اعتقادنا بأن الذين مجدهم الله واقفون في حضرته مصلين.

نحن ما قلنا مرة ان القديسين فاعلون الخلاص. هم أخذوه مثل كل الناس وما زادوا شيئا عليه. مريم ما رأت نفسها الا خادمة للرب. هل يظن حقيقة الذين يرفضون استشفاعنا للقديسين اننا ننتقص من إيماننا بأن الرب يسوع هو الشفيع الوحيد بين الله والناس؟ هل صحيح ان الذين لا يريدون شفاعة القديسين يحبون الرب يسوع أكثر؟ واضح في ممارساتنا الحقيقية ان تقديرنا للقديسين لا يعني انتقاصا من شأن المسيح.

عندما نستشفع القديسين نريد اننا نخاطبهم كما يخاطب الأحياء بعضهم بعضا لأن كل واحد في الكنيسة يصلي للآخر أكان باقيا في الدنيا أم صار في الملكوت. من مات اجتاز الموت إلى الحياة بفعل قيامة المخلص. مريم اجتازت الموت إلى السماء قبل القيامة العامة.

نحن نخاطب مريم لكونها اجتازت الموت. حديثنا مع القديسين مؤسس على انهم أحياء عند الله بفعل قيامة المخلص. صح انك أنت تدعو المسيح ولكن صح أيضًا انك تدعو الذين احبوه لأنهم أحياء به. هذا لا ينتقص اطلاقا من كونه الوحيد. للذين يحبونه هم لا يزيدون شيئا عليه. في استدعائنا إياهم نعترف انهم معه.

ليس في كنائس التراث أعني الأرثوذكسيين والكاثوليك من قال مرة ان القديسين يزيدون شيئا على المسيح. نحن نقول انهم مع المسيح ولذلك نخاطبهم. أنت لا تحبه منعزلا من أصحابه وإذا أحببتهم لا تساويهم به. إذا فهمت ان القديسين لا يزيدون على المسيح شيئا وانهم معه في معية لا يبقى عندك احتجاج على مخاطبتنا إياهم.

ماذا لك علينا ان أحببناه وأحببناهم معا؟ من اطلع على ما نقوله في مريم انى له ان يدعي اننا نؤلهها؟ ما هي كلماتنا التي فيها تأليه؟ الكلام الجميل فيها عندنا هو من باب الشعر. لا يحتمل اطلاقا اننا نرفعها فوق مقام البشر. نحن نقول لك اننا نحبها لأنها أحبت يسوع. هل لك اعتراض على هذا؟

لست أعرف من أين جاءت الخرافة اننا نؤله مريم. هذا قول من باب الجهل أو من باب الافتراء عند ناس يكذبون. لم يوجد إنسان واحد ألّه مريم. انها تبقى مخلوقة في قولنا انها أعظم المخلوقات.

Continue reading
2015, جريدة النهار, مقالات

التجلي / السبت في ٨ آب ٢٠١٥

ما يسميه الإنجيل تجلي المسيح هو ان نوره الذي كان محجوبا عن أعين التلاميذ بسبب ظهوره إنسانا انكشف في التجلي لهم وفيه حدثهم عن آلامه ليقول انها هي النور.

هو كان أخفى النور الذي كان في كيانه ليتمكن من ان يتعاطى البشر ويروه بشرا. لماذا رأى يسوع ان يتسربل النور ليتحدث عن آلامه. كل إنجيل يوحنا في هذا انك لا تفهم شيئا عن ضياء المسيح الا في أوجاعه وصليبه. هذه هي حقيقة المسيح انك لا تعرف نصره الا من خلال آلامه هو لم يتحدث عن ظهور له بعد القيامة الا مرتبطا بالحديث عن أوجاعه. ربما لأنه هو رجل الأوجاع كما سماه إشعياء ولم يجرده الإنجيل عن هذا اللقب. وكأن القيامة في عمق رؤية الآلام ليست تجاوزا للآلام. هذا ما يوحي به إنجيل لوقا لما قال وحده بين الإنجيليين انه مع موسى وايليا على جبل التجلي كان يتحدث عن آلامه.

في الحقيقة ان المسيح ما تجلى بمعنى ان نورا إضافيا لم ينزل على نوره. التلاميذ رأوه يتجلى لأنهم ما شاهدوه متجليا قبل ذلك. ونحن لكون الخطيئة أعمت عيوننا لا نراه مقيما في الضياء. التجلي لم يحدث. هذا كان كشفا للنور الملازم المسيح أبدا.

حجب المسيح النور عن جسده في حياته على الأرض كان ضرورة ليعرف البشر انه منهم وانه ليس كائنا خارق المنظور. فما سماه الكتاب التجلي ما كان الا تجليا للبشر، لأعينهم ولكن السيد لم يكتسب شيئا جديدا في حادثة ثابور أو حرمون. انكشف انكشافا. التجلي جعل السيد يظهر النور الذي فيه ولكنه لم يزده شيئا.

اخفى المسيح اذًا نوره ليعرف الناس انه منهم وبعد هذا سيعلمون ان نوره لم يغادره. هذه الحادثة سميناها تجليا ليس لنقول ان السيد اكتسب ضياء ما كان عليه ولكن لنقول ان أعين البشر رأت ما كانت لا تراه. المسيح دائما في النور. ما تجلى في ذاته. وأنت في العيد وخارج العيد تراه في ضياء نفسه.

المسيح دائم ونوره دائم. تراه إذا كانت عيناك مفتوحتين. النور الإلهي لا ينطفئ. افتح إذا عينيك.

Continue reading
2015, جريدة النهار, مقالات

الرجاء / السبت أول آب 2015

الله لا يقحم نفسه فيك. يريدك مريدا للخلاص. والخلاص أنت ترجوه فإنه في الله كامل وهو يعطيك إيّاه كاملا وأنت تقبله. وإذا قبلت فهذا هو الإيمان. وفي اللغة الإيمان ان تعرف الله مأمنًا لك أي مكان أمنك بحيث لا يكون لك وجود خارجا عنه. هذا هو السر ان تكون قائما في الله أي انه هو حيزك. هو فقط حيزك وأنت لست هو ومع ذلك أنت فيه. هذا كله لا تفهمه الا بالحب. أنت في الله تعني أيضا انك اليه لأن كل علاقتنا به حركة. أهل الحب يفهمون هذا الكلام لأنهم تحرروا من الحيز.

وجودنا في الله حركتنا اليه والحركة اليه هي منه أيضا. وهذه الحركة هي الرجاء الذي يجعلنا الرب فيه إذا شاء. نحن راجون أي اننا نصير إلى ما نرجو لأن الله آت. هو ما أتى فقط وانتهى مجيئه. هو دوما آت وتراه في كل إطلالة منه وتراه جديدا. الله ثابت بمعنى انه وفي لنفسه أي انه لا يقلل أبدا مما يعطيك اذ لا يعطيك اقل من ذاته. وهو إيّاه «أمس واليوم وإلى الأبد». وإذا رجوت تعرف ان ما ترجوه هو عندك ومعك.

أنت ترجو الله أي تطلب الآتي منه كل يوم لأنك تعرفه أمينًا لذاته وانه معطيك ما عنده أي كل شيء. الرجاء هو إلى ما سوف يأتي ولكن في الله الآتي أتى أي انك تطلب دوام العطاء الإلهي اليك. فإذا كان الإيمان تحديدا هو الثبات في الله يكون الرجاء ما تنتظره من عطايا الرب الدائمة. ترجو معناها الحقيقي انك تتحرك إلى ما جاءك لأن ما يعطيه الرب انما كان وهو كائن وسيكون. نحن مع الله في الحقيقة لسنا إلى ما يأتي ولكن إلى هذا الذي لا يتغيّر. مع الله نحن في الدوام.

ليس الرجاء ان تنتظر للغد ما كان أفضل مما جاءنا في الأمس. الرجاء هو الإيمان الحقيقي بدوام العطاء الإلهي وبأن ما يعطيه هو إيّاه ما أعطاه بالأمس. أنت ترجو لأن لك في الغد ما كان لك بالأمس لأن ربك هو إيّاه وهو على العطاء الواحد.

عندما نتكلم على الرجاء لا نتكلم عن شيء ما عرفناه وذلك لأن الله واحد مع نفسه. نحن نريد ان يكون الرب هو إياه معنا ولا يزاد على هذا شيء. في الحقيقة او في العمق اذًا الرجاء والإيمان واحد. ليس الا الإيمان بمعنى انك لا ترجو الا ما تؤمن به أي لا ترجو الا القائم.

ضد الرجاء الإذعان إلى المتغيّر. أنت تعرف ان الله لم يأت فقط ولكنه آتٍ أبدًا ويأتي هو إيّاه أي في محبته. أنت لا تؤمن ان الغد أفضل من الأمس. تؤمن ان الدائم الإلهي يرافقك ويجعلك موافقا إيّاه ومرافقا. الرجاء هو الثقة بأن الله موافق لذاته لأن الزمان لا يغيره. ويبقى على تغييراتك مرافقا إياك.

ليس الرجاء الاعتقاد ان الغد بما يحمل من متغيرات أفضل من اليوم ولكن بمعنى ان الله بمحبته واحد مع نفسه اليوم وغدا. ومن هذا المنظار ليس الرجاء غير الإيمان. فلكون الله هو إيّاه يعطيك اليوم ما أعطاك بالأمس. أنت مؤمن بشيء واحد وهو ان الله أمين لنفسه. من هذه الزاوية أمكن القول ان الرجاء هو إيّاه الإيمان.

Continue reading