Category

1991

1991, محاضرات

الملكوت والفقراء / كلية اللاهوت للشرق الادنى NEST – رأس بيروت / الثلاثاء 26 تشرين الثاني 1991

الملكوت والفقراء موضوع يتطلب الرؤية المسيحية للمُلك. هل من مُلك؟ عندنا نحن أتباع يسوع الناصري. طرحي أن المسيحية لا تقول بالمُلك، أن الملك ليس حقًا من الحقوق يقابله الموجبات. ولكنه تفويض إلهي بحيث يكون الإنسان مؤتمنًا على ما بين يديه. وليس لما بين يديه له. ولكنه مؤتمن لمن إحتاج إليه.

 هذه هي الأطروحة التي سنحاول من خلال التراث والإنجيل أن نتبين الحق. هذا إستغرق وقتًا طويلاً إلا أني محدود هذه الليلة بسبب زميلي الكريم للنقاش.

ننطلق من كوننا شراكة قديسين في الملكوت فإن كل شيئ لكم وأنتم للمسيح والمسيح لله. وفي الملكوت النهائي عندما نصل إلى إكتماله يبطل المُلك. وبمقدار أن الملكوت الأخير يشع هنا، ويتحقق هنا في جسد المسيح في الكنيسة يكون الملك للإستعمال منه إلى كونه جوهرًا متصلاً بالخلق.

هذه الشراكة بين الرب والمؤمنين، وفي ما بين المؤمنين، نرمز إليها بسر الشكر

ففي اليونانية الكلمة هي KinOnIa، مشاركة، COMMUNION، العربية المستخدمة لم تلبي الأصل اليوناني. وترجمنا فقط إفخارستيا لسر الشكر. ولكن يعوزنا أن نقول في هذا السياق سر الشركة. فالشركة هذه الإفخارستيا في جسد المسيح تعطى للمؤمنين، والقرابين الإلهية واحدة مشتركة تحسم ما يهيؤها أي الخبز والخمر. وبالتالي كل ما في الأرض مشترك أيضًا. لأنك لا تستطيع أن تصل إلى ما يجمعك بالآخر على صعيد أعلى فرد مسيحي إلا إذا كنت مجتمعًا بالإنسان الآخر، بما دون هذا السر، بالمادة الطبيعية للخبز والخمر.

فالمُلك في الجماعة الكنسية التي هي دائمًا الجماعة الإفخارستيا. ليس أحد بمفرده. وكان كل شيء بينهم مشتركا. هذا يبقى مثالاً ليس فقط قاعدة لكنيسة أورشليم. هي قاعدة إختيارية لبعض منهم. يبقى مثالاً يحتذى في كل جماعة الإفخارستيا.

هذه الرؤية الكتابية التي سأعود إليها تفصيليًا، رآها في القرن الرابع أولئك الآباء الذين ذاقوا الفقر إختيارًا، بعد أن عاشوا في بيوتهم في النِعم، إلتصقوا بالفقر الإختياري. وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، لأن كل التراث الآبائي شرقًا وغربًا في القرن الرابع ومطلع الخامس، بلا إستثناء، من إنطاكية إلى كبادوكية، إلى أوغطسين، إلى أمبروسيوس في ميلانو، كل هذا التراث ينفي المُلك.

يبدو أن مفسري باسيليوس الكبير الأكادميين يخفضونه عندما يقولون إن المُلك له وظيفة إجتماعية، ُيستخدم في سبيله.

لا يبدو لي أن الفكر الجقيقي لباسيليوس الكبير هو إنكاره. أي نحن امام لاهوت. نحن لسنا امام مواعظ وأمام حضّ الناس على التطهر. المسيحية لا تعرف التطهر. هذه مرحلة أخرى لاحقة من بعد أن ملّ قادة الكنيسة من الأغنياء. تنازلوا ليدعوا الناس إلى الإحسان. المسيحية ليس فيها إحسان. المسيحية تنكر المُلك.

إن الشيئ العجيب أن الاباء لم يقرأوا بعضهم بعضًا. هذا شيء لافت. إنطلقوا كلهم من معين واحد، من الأنجيل وفهموه بطريقة واحدة.

الذهبي الفم يقول : لقد أعطاكم الله سقفًا دون المطر لا لترصعوه ذهبًا، في حين أن الفقير يموت جوعًا. وأعطاكم ملابس لتتستروا لا لتزكشوها بالذهب، في حين أن المسيح يموت بردا. أعطاكم منزلاً لا لتسكنوه وحدكم بل لتستقبلوا فيه الآخرين والأرض لا لتأخذوا مواردها والموارد والراقصات والممثلين وعازفي المزمار والقيثارة، ولكن لتطعموا الجياع والفقراء. من قال: أحسب المسيح من عداد عبيدك. حرره مثله من الجوع والعوز والسجن والعراء ثم يكمل فكره أن الأغنياء والبخلاء هم لصوص على نوع ما. هم أيضاَ يترصدون عند كل الطرقات المطروقة المارة ليطمروهم بمنازلهم أو في مغاور ثروة الغير. ما عندي الغني هو ثروة الغير. أساس التوزيع ليس الحنان أو الشفقة لأن كل شيء مشترك بين الناس.فإذا كانت السماء والأرض والبحر وما فيه امور مشتركة. المائدة المقدسة الواحدة وجسد الرب ودمه وموعد الملكوت وحميم الولادة الجديدة وتطهير الخطايا والبر والتقديس والفداء والخيرات التي تتجاوز كل وصف. فهل نكون عاجزين في أمور الغنى؟ فلنحفظ أمور الحق.

ننطلق من الإفخارستيا، هي تتحكم بأمورنا. جسد المسيح المشترك يفرض علينا أن كل شيء مشترك. وهكذا في هذا الخط باسيليوس يقول “لا تظن أن ما تنعم به إنما كان لمتعتك الخاصة، تصرف بما بين يديك وكانه ملك الآخرين فإنه قد يفتنك إلى حين إلا أنه سيتلاشى”، إلى أن يصل إلى هذا المقطع الرهيب الذي صار كلاسيكيًا. يقول البخيل: إلى من أسيء إذا أنا إحتفظت بما املك. ولكن قل لي ما هي الخيرات التي تملكها حقًا؟ من أين جئت بها؟ أنت أشبه بإنسان جلس في المسرح يريد منع الآخرين من الدخول ويبغي التمتع وحيدًا. كذلك الأغنياء يظنون انفسهم أنهم أسيادًا على الأملاك العامة التي إستولوا عليها لأنهم جاءوا أولاً. لو أن كل منا لا يحتفظ إلا بما هو ضروري بسد حاجاته العادية ويترك ما يفيض عنه للمحتاجين لمحي الفقر والغنى. ألم تخرج عريانًا من أحشاء أمك. ألن تعود إلى الأرض عريانًا؟ فمن أين أتاك مالك الحل؟ إن اجبت من الصدف كنت جاحدًا ملحدًا لأنك لاتعرف قوانين خالقك. إن إعترفت أنها من هبات الله قل لنا ما سبب غناك؟ هل هو من ظلم الله الذي لم يقسم الثروات للإقتسام بين الجميع؟ لما كنت غنيًا وكان ذاك غنيًا؟ إلى أن يقول: إذا كنت بخيلاً ألست إذًا سرّاقًا؟ الخيرات التي دفعت إليك للتعهدها إستوليت عليها. من يجرد رجلاً من ثيابه يدعى نهّابًا ومن لا يكسو عري المسكين وهو يستطيع ذلك أيستحق إسمًا آخر؟

الخبز الذي تخبؤه هو ملك الجميع وملك العريان ذاك المعطف، وملك الحذاء لحافي القدمين، يعود الحذاء الذي يحترق في بيتك، وللمعوز يعود للذي تتدخر.

هذا الفكر الآبائي في القرن الرابع يصل إلى ذروته عند سمعان اللاهوتي الحديث القائل : المال وكل ما هو لك ملكك المشترك لكل الناس.

من بعد هذا يأتي كهنة الأغنياء وأساقفتهم ليقولوا لهم ما يروق.

نحن إنطلاقًا من هذا العيش نقول إن سلطان المال حسب قول المزامير، للرب الأرض وكل الدنيا وكل الساكنين فيها. فإذا أشرفنا على هذا الموضوع من التراث نعود إلى الكتاب الإلهي في العهد الجديد. تذكرون أنه في العهد القديم كيف أن الله يعظم أولئك الفقراء الذين كانوا ملتصقين بالله، وخصوصًا هذه المرحلة السابقة للعهد الجديد، حيث عرفنا جماعة في فلسطين هي الفقراء إلى الله وكانت منهم مريم عندما تقول أخفض عن الكراسي ورفع المتواضعين وأشبع الجياع من خيراته والأغنياء أرسلهم فارغين، منهم سمعان الشيخ، وكل هذه الجماعة الطيبة التي كانت بسيطة بيسوع.

كان عندنا إرتباط بين الفقر المادي والفقر إلى الله. كانت القناعة قائمة على أن المحتاج هو دائمًا يرجع إلى الله.

عندما نجيء إلى العهد الجديد نرى فكرًا يمثله لوقا وهو فكر الفقير، النزعة الفقرية. وفكرًا آخر في متى عندما يقول : طوبى للمساكين بالروح فإن لهم ملكوت السماوات.

نجد في متى الفكر الذي يؤكد على التواضع. المساكين بالروح هم الودعاء والمتواضعون الذي يرتاحون إلى الله.

القولة الصالحة في العهد الجديد في لوقا “روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين”. ثم يتكلم عن شفاء الأمراض وحرية الأسرى. واللافت أن لوقا يقول إن المسيح هو مبشر المساكين. لا يقول إنه يبشر الناس. وكأنه يقول إنه وحده يسمعهم. هم يستمعون إلى أنفسهم وشهوات أنفسهم وينفذونها. ويصل فكر لوقا إلى هذا التصريح الحاد “طوبى لكم أيها المساكين بالروح لأن لكم ملكوت الله”.

السؤال التفسيري الذي يفرض نفسه هو هذا: ما القراءة الأولى. ماذا صدر عن فم المعلم؟ هل تفويضك حسب متى “طوبى للمساكين بالروح” أي نحن في مجال الوداعة والتواضع أم أن القولة التي صدرت عن المعلم هي “أيها المساكين” أي نحن في حركة فقرية؟

يبدو لي من كثير من المفسرين أن متى هو الذي لطف العبارة اليونانية، وأن لوقا هي الأصلية.

مهما يكن من أمر أعتقد أن هذا جدل لا ينتهي. فإن سياق لوقا هو ان الفقراء آنذاك كانوا روحيين، سواء قال لوقا “أيها المساكين” هكذا فقط، أم قال الإضافة في متى. عند لوقا أن الفقراء الذين كانوا على هذه التقوى هم مغبوطون.

مجمل المفسرين يقولون لنا إن السيد ليس عنده إكبار أو تعظيم لأية حالة إجتماعية لا يمكن أن نقول إذا رأينا غنيًا،الله أنعم عليه. من يقول إن الله أنعم عليه؟

من لا يقول إن الشيطان أنعم عليه؟ إذا جاء بالمال من التهريب، أو بتبيض الأموال، هل يعني هذا أن الله أنعم عليه؟

إن الشعب لا يزال علىفكرة العهد القديم بأن الله أعطى إبرهيم، وأيوب أعطاه الله من مال وخيرات. من يقول إن الفقير إن الله إختاره؟ بعد نعمة ليس بعدها من نعمة. الله ينعم بالفقر لا ينعم بالمال، وكثيرًا ما ينعم بالفقر، كما ينعم بالمرض.

الملكوت يقتضي في الملكوت الأخير أن الناس اصحاء. قد تكون الصحة هنا على الأرض رمزًا وإشارة إلى الحرفية الروحية في الملكوت. انا لا اعرف الكثير من الناس اصحاء بحالة التواضع أمام الله أو يشكروه أو خفرين.

أنا اعرف أن الجمال يعادل بثمانين بالمئة مقرونًا بالإدعاء والإفتخار. فإن الوجع بالتواضع والوداعة إذا أردنا ان نفكك هذه الأشياء، ليس من عندنا دليل موضوعي على نعمة الله على صعيد المال والفقر أو الغنى والصحة.

إذًا لا تعظيم لأية حالة إجتماعية. يمكن أن يكون الفقير إنسانًا يائسًا، محييرًا. الفقير يمكن ان يكون كافرًا. ليس عندنا تعظيم للفقر. علينا ان نفرق بين الفقير والغني. عندنا دعوة إلى الفقراء وعندنا حالة فقرية إذا قضيها الإنسان ليرتقي منها إلى العدل، إلى مطلب العدل. وإذا إرتقى بها إلى رؤية النعمة على انها الغنى الوحيد. الفقر طاقة للرؤية. بحد نفسه ليس شيئًا يغبط الإنسان عليه. وليس الغنى بحد نفسه حالة من الكفر. إن ما وجب قوله بإختزال هو ان القناعة بالوجود ليست من الفضائل. القناعة كنز لا يفنى. الإستسلام لجبرية الحاجة هذا ليس من الإيمان. جل ما يمكن قوله أن سكنى الله هي في الفقير الذي يرتضي هذه السكنى الإلهية فيه. ليس الذي يرتضي الفقر ذلك أن إرتضى بؤسه يشارك في ديمومة الظلم. ما يروق الله فقط فقر نختاره تطهرًا وقربًا شهادة على الحاجة الوحيدة للملكوت الآتي.

الرهبانية كانت المستحث التاريخي لإكتشاف لاهوت الفقراء عند الآباء الكبار الذين نكرمهم. الفقر الإختياري ليس فقط في الرهبانية المقوننة، ولكن في أي عهد يعيشه المتزوجون في العالم. أي الحد من الحاجة. الفقر الإختياري شرط ملازم للإمساك الكامل وهو معنى الإمساك. عندنا عفة رهبانية لا يمكن ان تعاش إلا بالفقر الإختياري. هذان ركنان مترابطان. والعفة بمعنى الإمساك الجنسي هي تطلع إلى الملكوت الآتي. هي قفزة فوق هذا العالم من اجل الملكوت والسلم إلى هذا الملكوت. في هذا المنهج السلم إلى الملكوت هي الفقر الإختياري.

هنا عندنا في الإنجيل مسألة الإفتخار. إذ تذكرون هذا المثل، الإنسان الذي زادت غلته وأخذ يهدم الأهرام التي عنده ليبني أهراء أخرى، وقال: يا نفسي تمتعي الآن. وإعتبره الإنجيل جاهلاً.

موضوع الإفتخار في الإنجيل هو موضوع ظرفي ويتماشى مع الحضارات الزراعية. لأنه في فلسطين الفقراء كانوا الأكثرية الساحقة. وبالتالي الإفتخار يكون ضده. إن لم تعطهم فهم يموتون جوعًا. ولكن في حضارة كهذه التي نحن فيها القائمة على النظام المصرفي لا بد من الإفتخار. إذ لانأخذ هذا المثل الإنجيلي أنه سيهدم ويوسع الأهراء. هذا بصورته المادية لا يستقيم معنا الآن. فالذي يستقيم معنا أن الإفتخار ممكن في حضارة إقتصاد السوق. ولكن يبقى المعنى الأساسي من المثل الإنجيلي وإن لم تبق صورته الآن. المعنى الأساسي هو الإستقلال الداخلي عن الخوف، إستبعاد المال عن أن يكون بعدًا في العلاقات الإنسانية. إنه بعد في العلاقات التجارية. الشخص هو صاحب العلاقة، هو في مقابلة ومشاركة مع الشخص الاخر. المال بعد فقط من ابعاد العمل في إقتصاد السوق. وأما العلاقات الشخصية فهي صداقة ام حب. تعاطي الفن، تعاطي الفلسفة، تعاطي الفكر، تعاطي المهنة. هذا شيء شخصي إنساني.

إذا تابعتم الحياة كما كانت هنا في لبنان وفي هذا المشرق فهي لم تكن قائمة على المال. كانت قائمة على أن هناك نجارًا يبقى ستة أشهر لصنع خزانة جميلة جدًا وتدوم.

أنا عائش في مجتمع كان الحذاء فيه شيئًا جميلاً والإسكافي يعمل من أجل ان يكون جميلاً. الناس كانوا يعملون للجمال. لم يكن المال هدفًا حياتيًا.

خلاصة التأمل أن المسيح في الفقراء وليس في الفقر إلا الفقر الإختياري ذو النهج الرهباني. المسيح في الفقراء لأن المسيح في السجبن. المسيح في المريض. المسيح ليس في المرض. هو ساكن كل المحتاجين إلى الرحمة وإلى الحب. المسيح في المشاركة لأن المشاركة هي المحك الحقيقي لستر المحبة.

وببساطة المحبة تيقى كلمة شعرية إن لم تكن مقرونة بالعطاء المالي. فالمحبة التي لا تترجم بالمال ليست مغلوبة.

س – هل يعاش الفقر فرديًا أم يعاش جماعيًا ؟ فلماذا الكنيسة لا تشهد لفقر

يسوع ؟

ج- الكنيسة في التاريخ معترّة.

إن كل ما بين ايدينا علينا أن نتربى على انه للجميع. في التاريخ المسيحي إخترع شيئ جميل جدًا وهو الأوقاف. يقتطون مالاً تكون فوائده للمؤمنين لكل الأجيال ولفقراء الكهنة. إن ما يعوزنا في الكنيسة تبين لنا في بعض الرعايا أنه هو نفسه هو المشاركة المالية. فالكنيسة لا تكتفي بلم الصواني. ومعظم الأرثوذكس عندهم ثلاث مواسم ليذهبوا إلى الكنيسة، وقت يولد وقت يتكلل ووقت يموت. معنى هذا أنهم لا يعطون شيئًا. علينا أن نتربى على العطاء المستمر. هذا إذا حكينا عن عمل العطاء ضمن الكنيسة وهذا يجب ان ينفذ بالدعوة بالنداء وبالإقناع بحيث نحمل بعضنا بعضًا.

يوليانوس الجاحد قال: إن مسيحيي روما بعصره في القرن الرابع ليس فقط يدعمون فقراء المسيحيين ولكن يدعمون كل فقراء مدينة روما.

ففي القرن الثاني الميلادي، هذا النظام الذي إسمه الصوم لم يأت من تقشفهم وأنما المسيحيون يحرمون أنفسهم من الطعام لكي يعطوا للمحتاجين في الرعية. فالكنيسة كان عليها أن تفهم هذا اللاهوت الحقيقي أن الذي لك إنما يؤخذ منك عن طريق التطوع، لأنك انت مؤتمن عليه. فأنا أكون اعتتدي على أمانة إلهية. ولكنك أنت مبعث المشاركة يدفعك للعطاء.

يقول نيقولا بردياف: إن الرغيف الذي أنا سآكله هذا موضوع مادي. الرغيف الذي سأعطيك إياه هو موضوع روحي.

توجد المحبة لله التي هي طاعة له. ولكن توجد المحبة التي بين الإنسان والإنسان. لا أتكلم عن العشق بين الرجل والمرأة ولكن عن المحبة التي حكى عنها يسوع الناصري، وعبر عنها بنوع جلي في إنجيل الدينونة بقوله: كنت جائعًا فاطعمتوني. فهذا الجائع إذا قلت له: الله يعطيك. هذا كلام ليس فيه ألوهية أبدًا.

عليك ان تحكي بكلمة من الله، من المحبة. وإذا كانت المحبة محصورة بالوعظ حتى يكون بين الناس طراوة عاطفية هذا جميل جدًا. ويجب ان يمارس.

ولكن كيف تظهرين محبتك ِ للفقير؟ هذا هو السؤال. أنا الذي أقوله ليس ماديًا. هو قمة الروحانيات. ليس من تعبير عن المحبة حقيقي فعلي يكلف، يوجع إلا هذا العطاء الذي ظاهره محبة وجوهره ذروة.

Continue reading
1991, محاضرات

حول تعميد الأدب والفن / دير مار جرجس – الحميرة / 26- 8- 1991

لا بد أن نحيط بكلمة الشهادة أن نحاول تحديدها. كذلك لا بد من أن نحيط بمفهوم الفن لكي نرى العلاقة الممكنة بينهما. قد أشتم من هذا العنوان كما وضع أن أصحابه يريدون أن يسخر الفن والأدب لتبليغ رسالة يسوع. هذا المسيحي موجود فنيًا وشعريًا لذلك هو مكلف بتأدية الشهادة للسيد في المجال الذي يظهر به. ربما كان هذا كامنًا في عقول الذين صاغوا هذا العنوان. ولهذا لا بد لنا من ان نعرف الشهادة ونعرف الفن لكي نرى إمكان اللقاء بينهما.

لقد بينت في دراسة لم تنشر في هذا البلد أن الشهادة –خصوصًا في الكنيسة الأرثوذكسية- هي نفسها القداسة. ليس هناك قداسة إلى جانب وعلى حدة وكهذا على حدة. من الطبيعي أن نؤكد في الشهادة على أنها كلامية ، على أنها تبليغ الإنجيل، ليس فقط هذا، ولكن هي الإشعاع بنور المسيح. مضمونها وزخمها (القداسة)، السير إلى الله والغلبة على الأهواء وإدراك ومحاولة إدراك الجمال الإنجيلي. هذا نفسه هو الشهادة. يمكن أن تكون صامتة. وكثيرًا ما كان القديسون صامتين أو عاجزين عن الكلام. ليس من المفروض على الإنسان المتقدس أن يعرف الكلام. هذا ليس ضروريًا. يستطيع القديس أن يكون بائع خضار أو حمالاً في الرفأ. ليس من إرتباط بين القداسة والكلام. كثيرًا ما يكون الإنسان صامتًا لا يعرف أن يعبر.

ولكن قد يعبر كلاميًا ويتكلم عند ذاك بما يعلم ويشهد لما رأى وهو يكشف الثالوث المقدس.

إذًا نحن في الشهادة مع مقولة الحياة في المسيح ومع قدرة التبليغ  في الكلام. هذه القدرة آتية من كون المؤمن يرى المسيح كما قال هذا الرسول الثالث عشر الذي إختير بعد خيانة يهوذا، وكان المفروض أن يختار من كان معنا منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي صعد الرب إلى السماء ليكون شاهدًا لقيامته. فالشاهد المسيحي هو الذي يبلغ في حياته وأحيانًا في كلامه عن زخم القيامة به أي تحويل القيامة بحياته. هذه هي المرحلة المهيأة لشهادة الدم إن طلبت.

نحن إذًا في الشهادة مع حالة وجدانية، مع حالة تقديس. غني عن ألأمر، غني عن القول إن الشهادة نعمة تأتي من فوق ، ولا علاقة لها بأية موهبة طبيعية. أؤكد على هذا أنها هبة إلهية. والمواهب الطبيعية لا تنفع فيها. قد تستخدم وقد لا تستخدم. كيف نأتي من الأله الذي هو الآخر بالكلية؟

أما الفن فهو موهبة طبيعية موجودة عند هذا الإنسان أو ذاك. كما ان الصوت الجميل الرخيم هو مجرد وضع للأوتار الصوتية -وضع بيولوجي بحت- لا علاقة لله بالصوت الجميل. فلا نخلط نحن بين المواهب القائمة في الطبيعة والمواهب التي تأتي من الروح القدس.

ما الفن؟ هي رؤية لهذا الكون غير الرؤية القائمة عند الكثير من الناس. إذا أتينا مثلاً بفلاح من هذه المنطقة إلى هذه القاعة فكل ما يرى فيها أول كلمة يقولها: هذه قاعة تسع لثلاثمائة شخص وعملنا لهم فيها سفرة فيأكلون فيها وأنها مؤلفة من حجارة قوية صامدة وينتهي عند هذا. ليس له علاقة بجمال القاعةز ربما البعض عنده شيئ من التحسس الجمالي، ولكن إذا أتى مهندس معماري يقرأ هذه القاعة قراءة خاصة به. ينتقل من هذا الجمال. ما نسميه جمال هو قراءة. هو لقطة. هو قراءة خاصة لإنسان معين.و بمجموعة بشر. ولكن هذا خروج عن الواقع الإلزامي، عن الواقع الجامد. من هنا تتبينون مثلاً الفرق بين صورة فوتوغرافية وبين صورة فنية. لا يمكن أن تكون لوحة فنية مطابقة % لصورة الآلة الفوتوغرافية. فالآلة الفوتوغرافية إذا إستعملت بطريقة تبرز أن لهذه القاعة أبعادًا مختلفة من النور والطول والعرض قد تقرب الصورة الشمسية من اللوحة. ولكن الفن يبدأ إذا إنتفض إنسان وترجم الواقع إلى شيء آخر. في الفن نحن مع تحول دائمًا وإنتقال. اذًا الفنان يأخذ شكل مادة هذا الكون التي تكون اساسًا بلا شكل ويجعل لها شكلاً آخر. بالعين المجردة أنتم تشاهدون هضبة أو جبل أو غابة وما إلى ذلك التي لها أبعاد هندسية معينة. يأتي هذا الفنان ويحس أبعادًا أخرى ويحس بصلات قائمة بين الغابة والجبل والشمس أو القمر أو ما إلى ذلك. يرى ليس بالعين المجردة ولكن يرى من قلبه. يبدأ الفن حيث تكسرّ الطبيعة وتختلط وتقال –بصورة أخرى- شعريًا. أن تقال شعريًا يعني أن تقال بلغة ليس لها بديل. الإنسان العادي يقول الطبيعة كما هي ليس عنده حس آخر أعلى من عينيه. يصف الشيء في ماديته. عندما يأتي الفنان يجبل الطبيعة بشيء آخر. يجبلها بما عنده داخليًا بما عنده من حس وإتصالات فوق المرئي وفوق المسموع ، وينشء هذا العالم نشأة أخرى. ولهذا إذا كتب الشعر أو ما يعتبر شعرًا فهذا لا يمكن ترجمته نثريًا. فنقاد الشعر العربي دارسو القصيدة للمتنبي وبالحاشية يترجموها نثريًا هذا عمل ليس تحليليًا. فعندما نسأل في القصيدة مع معاني أو مع ألفاظ؟ معنى أو مبنى؟

بالضبط لا يكون شعرًا إذا ردّ كليًا إلى المعنى. فاللفظة شيء أساسي ولا يمكن إطلاقًا فك الجوهر. فعندما نقدر أن نفك الجوهر عن شكله نحن لسنا مع الشعر. نحن مع كتابة علمية. الكتابة العلمية يمكن أن تكون في هذه الصيغة ويمكن أن تكون بصيغة أخرى. مثلاً الكتابة الوصفية للأفكار.

إذًا عندنا نحن حس جمالي،رؤية جديدة. فرؤية العاشق الذي يكتشف في لحظة في طرفة عين أن هذه الفتاة لن تبقى كالفتيات، لن تبقى واحدة من جنس النساء. إنها وحدها في الكون أو إنها الكون. هذه فتاة تشرح كباقي الفتيات ولها طول معين ولها عرض معين. هذه هي النظرة النثرية الواقعية الصحافية. هذه النظرة صحيحة ولكن نظرة العاشق أنها وحدها موجودة بين النساء وأن النساء كلهن أقتلن أي محين محيًا. هذ القراءة الجديدة للعاشق قراءة هي أيضًا صحيحة ولكن لها صحة أخرى، ينشأ العالمَ نشأةً أخرى، كما يقول القرآن.

ولكن في كل هذا نحن في عالم الجمال، ولسنا نحن في عالم الجمال بما معناه الإنجيلي. إذًأ عندنا في الإنسان الواقع المؤمن بيسوع، حياة جهادية أو موقف جهادي وهو موقف مكره لا ينفع لشيء. وعندنا في الفن حس وجمال.

هل يمكن أن يكون هناك شعور بالجمال دون أن يكون شعور بالله؟ تصوري أن كل فن هو نقلة ما غير واضحة للفنان نفسه، من هذا الدهر إلى الدهر الآتي. هناك تجليات الله أو إذا شئتم إلهية ما في كل عمل فني. سنكتفي بهذا التعريف الشائع أن الفن هو عالم الجمال أن الشهادة هي عالم الحقيقة، هي عالم الحق إذا أردتم هذا التعبير من إنجيل يوحنا أن الحقيقة المعاشة في أعماق الإنسان والمبلورة له والتي تجعله في تجليات من النور الإلهي. يجب أن يتم لقاء بين المطلقين، بين عالم الشهادة وبين عالم الفن. يجب أن يتم هذا اللقاء في مكان ما. اللقاء بين الشهادة وبين الجمال، بين الحق الإلهي بين الدفق الإلهي أو القداسة والجمال يتم في شخص الشاعر أو الفنان. عندنا بالتالي إذا أردتم أن نجعل الشهادة فكرًا مبلَّغًا في شخص واحد تتم الرسالة المبلغة والقلب الذي يحس بها.

لماذا يميز تمييزًا واضحًا بين عالم الحق والذي تكلم عنه إنجيل يوحنا، بين عالم الجمال. لأن الرسول إذًا يعلمنا أن النعمة يمكنها إذا نزلت على الطبيعة فالطبيعة تقوي الطبيعة ولكن على صعيدها. النعمة من جهة قد تقدس هذا الشاعر أو الفنان. ولكن النعمة لا تجعله أكثر شاعرية أو أكثر فنًا. هي تقدس شخصيته. تقدس شخصه. النعمة لا تعلمه النحوي.النعمة لا تجعلني خطيبًا. ليس من إختراق بين القداسة وبين المواهب الطبيعية. ولكن أين هو المفصل بين الشعر أو الفن عمومًا وبين الفكر؟ المفصل هو الحرية. الجامع بين الإنسان والفن هو الحرية أي ما يجعلنا خالقين مبدعين هو الحرية الداخلية. القدرة على كسر الموجود اللفظي في الشعر مثلا وإعطائه معاني أخرى فصاحة أخرى. إذا لاحظتم عند الكتاب الكبار بأية لغة تعرفونها تشاهدون ان المفردات لا تعني عند هذا الكاتب تمامًا كما تعني في القاموس. في القاموس في المفردات لها حد معين مصبوبة صبًا هكذا. عندما يأخذها كاتب كبير ويجبلها بسياق كلامه ويضع فيها عاطفته وتتلون وتصير ترقص غير شكل بكتابه عما تكون في كتاب آخر. معنى هذا انه كسرها وجبلها من جديد. إذًا نحن في عالم الجبل في عالم الرؤية كيف يتم هذا؟ يتم هذا بالحرية. وهنا دور الإنجيل  الذي هو خالق الحرية بالنسبة إلى التراث القديم. أنتم تعلمون أن الإغريق لم يقولوا بالحرية وأن الناس طبقات ويوجد أحرار وعبيد ورجال ونساء.

لا يقدر ان يطلع جمال حقيقي كبير إلا إذا كان الإنسان يتوق إلى الحرية الداخلية إلى حرية ما ليس إلى حرية كاملة لأنه إذا وصل إلى حرية داخلية كاملة فهذه هي القداسة. عندئذٍ قد يؤثر الصمت. القداسة لا تفضي بالضرورة إلى الكمال أو إلى المعرفة أو إلى الموسيقى. ولكن هناك إنعتاق ما من الضغوط الداخلية حتى يستطيع الإنسان أن يتكلم أو أن يرسم أو أن يلحن. ومن هنا قولي إن الإنسان يُستعبد كليًا لا ينشأ فكرًا ولا جمالا.

أنا لم أقل إن البر وحده ينشأ الفن. بإعتقادي أن الفن يأتي من أمرين: يأتي عند إنسان في حالة التأجج وفي حالة الصراع وفي تطلع إلى البر إلى النقاوة. هذه إمكانية لأن هذا الإنسان المتوتر داخليًا لا يمكن أن يحس بالجمال.

أو يأتي الجمال من فيض فرح. فيكون الإنسان قد تجاوز هذه التوترات الداخلية فوصل إلى الرؤية وإستقر في الفرح الإلهي. الفرح الإلهي يعطينا قراءة جديدة للفن. ولكن إذا كان الإنسان لفظيًا ليست عنده تجربة داخلية، وحرية داخلية. يفقد الشعر قيمته ولا يكون الفن ذا قيمة. ولإنعدام الحرية أو ضعفها أو لإنعدام التجربة الداخلية، تصوري أن معظم الشعر العربي ذا لطف لأن ليس فيه معاناة. نرى معاناة  عند أبي فراس الحمداني او أبي نواس وما إلى ذلك. ثم نقفز قرونًا عديدة حتى نصل إلى خليل حاوي أو إلى نزار قباني.

لماذا عندنا في العصر الحديث شعر؟ لأنه عندنا تجربة لأنه عندنا تطهر من نقطة الواقع هذا وقراءة جديدة لهذا الواقع. هذا أتى من أذواق التنوعات وهذا أتى من ألم. أما قبل ذلك بقرون القصة قصة نظم. من هنا أيضًا إذا لم يكن من تفلت في الرسم من التصوير الواقعي الجاد البارد لا يكون عندنا. دائمًا يكون عندنا تحرر ما. كثرة من الشعراء التقليديين ساقطون لأنهم بلا خبرة داخلية. وكثيرًا من الشعراء من المعاصرين ساقطين لأنهم بلا فكر. يريدونك أن تدخل في الحس دون العقل. عندنا ضبابية و رفض للكلام. ليس عندنا صورة حقيقية.

لا بد لنا من شيئين حتى ندخل في عالم الفن : لا بد من موهبة تكون ضامنة لنوعية العمل الفني ولا بد من نعمة الشهادة تلتقيان بالموهبة الفنية والشهادة، تلتقيان بالشخص الواحد.

يمكن لكم أن تنظموا شعرًا وتعزفوا موسيقية كلاسيكية فلن تصيروا قديسين. هذان امران مختلفان. يمكن أن يهيأ احدهما الآخر. ولكنه لا يفتعل الآخر. ولذلك لا يمكن أن تؤدي الحياة المسيحية إلى الفن بقدر نفسها إن كان هذا الفن غير موجود. فلا يكفي أن كلف شاعرًا من أوساط الشباب أو غير الشباب دائمًا عميقًا من أن نقول له بأن يعمل نشيدًا. يطلع نشيدًا تافهًا مثل نفس الإناشيد الموجودة. تافه شعريًا أي ليس له قيمة شعرية. هذا مجال للدعاية. ولكن ليس هذا شعرًا. ولا يمكن أن يُكلف شاعر كبير بنشيد مسيحي.

إن المسيحية بيئة تتفتق فيها المواهب. هي حاضن لأن المسيحية بحد نفسها هي الشعر الكبير. أنا لا أعرف قصيدة حب أجمل وأبلغ من تلك القصيدة القائلة: إن الله هكذا احب الناس حتى بذل إبنه الوحيد لكي يخلص كل من يؤمن به. شيئ يذهل بحد ذاته بأن الآب نفسه بصورة إنسان يأتي ويتودد العروس التي هي البشرية جمعاء وأنه يبذل نفسه عنها في الدم المسكوب. غني عن القول بأن الحب في تعبيره الأخير، في الحياة الزوجية هي دم مسكوب. هذه هي الصورة التي أعطاها الإنجيل عن علاقة يسوع العريس الإلهي بالكنيسة العروس.

إذا كنتم تعرفون  قصيدة عشق أيلغ من هذه فدلوني عليها.هي بحد نفسها تفتق طاقات الحب في القلب البشري. ولهذا أنتجت رموزًا،وعبادات لتقول إخلاصها للمخلص. وبهذا إستوعبت أساطير قديمة، صورة قدموس وموته وقيامته وإنبعاثه. وكل إنسان عنده طاقة شعرية أو طاقة فنية يدرك تجارب بينه وبين المسيح. ولهذا -إذا شئتم- ليس للمسيح بالحقيقة أعداء، ما عدا النافذين المناضلين الذين يسجنون البشر. ولكن لا نجد عداوة لشخص يسوع الناصري ولكن وجدنا عداوة كبيرة للكنائس. هذا شيئ آخر. الكنائس فيها مطارنة وأكليروس وفيها ممارسات جيدة وغير جيدة. وإستطاعت المسيحية أن تعبر عن القلب البشري ببيئة مهيأة للتفتق الفني، لأن المسيحية موت وقيامة، أي إنها تتكلم عما يجري في الإنسان. ما الموت والقيامة؟ يعني أن كل إنسان يموت هكذا.كل إنسان عنده موت وقيامة. كل يوم عنده هبوط وسقوط وحزن ويأس ومرض ومواجهة للموت. وعند الموت فرح ورجاء. هذا الذي يحدث في القلب البشري. بتصوري أن المسيحية هي وحدها الديانة الواقعية لأنها ديانة القلب البشري. فلا ندعي بأننا نعرض على الناس ديانة واقعية بما أكثرهم بما يقدرون أن يفعلوا؟ أكثرهم يحبون إمرأة واحدة ولذلك نعطيهم أكثر. واكثرهم يحبون الأكل ولذلك نشرح لهم ما الأكل الذي يحبونه. هذه ديانة إحصائية. نعملها للأكثرية. المسيحية وحدها الديانة الواقعية لأنها ديانة القلب البشري الذي يمر دائمًا بالموت وينتقل إلى القيامة.

إنما ديانة هذا القلب المعلق الذي نعطيه نحن قدرة عيشة إذا نفذت في يسوع الناصري. وإذا نفذت في واحدة يمكن أن ننفذها في الآخرين.

المسيحية إذا ادركناها على أنها إيمان بالحب الإلهي، التوق الجاري بين الآخرين. وإذا أدركناها حبًا متجسدًا فهي تطلق الإنسان إلى الرؤية العظيمة. بمعنى ما كل المسيحية شاعر. لأنه يرى الإنسان فوق نفسه ويراه في دعوته ويراه في توقه. ولهذا الشهادة لا تسخر تسخيرًا لإنتاج كتابة أو فن. ولكن الشاعر شاعر، والمسيحي مسيحي.لذلك لا تقدر أن تصدر الكنيسة لإنسان أن يكتب جيدًا وتكون شاهدًا. هذا شيء مصطنع. ولكن تقول إن الموهبة الشعرية الفنية تنمو على صعيدها.

Continue reading
1991, محاضرات

حوار حول المشاركة في الأسرار / دير العازاريين – ضهر الصوان / 21 آب 1991

سأبدأ مباشرة بممارسة حياة المسيحيين الأولى. فنحن سنطل على هذه المشكلة التي أمامكم من الواقع المسيحي الذي كان يعاش. الواقع المسيحي هو أنه من بعد الإصطدام الهائل الذي صار بين الكنيسة في المجمع المسكوني الأول الذي سن دستور الإيمان. هذا كان أول قنبلة في العالم المسيحي وأهمها. خرج من الكنيسة الذين يقولون بأن المسيح ليس إلهًا. بقي من كان يسمون باللغة اليونانية الأرثوذكسيون -المستقيمو الرأي– الذين يؤمنون بأن المسيح إله. ويقي خارجًا الذين لا يؤمنون بأن المسيح إله.

نتيجة لهذا الإنقسام ظهرت كنائس مختلفة ومتصادمة. وأعتبر المسيحيون المستقيمو الرأي  أنه لا يقدرون أن يشتركون بالمناولة الذين ينكرون ألوهية المسيح.

فيما بعد صارت مجامع مسكونية أخرى. والكنيسة الكبرى أي الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة اللاتينية تقولان بأن له طبيعتان إلهية وإنسانية معًا في شخصية واحدة. وكان الفريق الآخر الذي ذريته اليوم الكنيسة الأرمنية والقبطية الذي لا يقبل بهذا الإعتقاد. يقول بأن المسيح طبيعة إلهية واحدة. نتج عن هذا إنقسام وعدم المشاركة في تناول الأسرار.

عندما وصلنا سنة 1054م إلى خلاف بين كنيسة روما وكنيسة القطسنطينية. فالعالم المسيحي كان منظمًا إداريًا على اساس خمس بطريركيات: روما، القسطنطينية، الإسكندرية، أنطاكية، أورشليم. يقتسمون رقعة العالم متحدين مع بعضهم البعض. عندما نشأ خلاف بين بابا روما وبطريرك القطسنطينية، بابا روما حرم كنيسة القطسنطينية ومع بطريركها. نتج عن هذا أن بطريرك القطسنطينية إنفصل بالصلاة لبابا روما. إعتبر حاله مفصولاً وفاصل. كل مفصول يكون فاصلاً بنفس الوقت. فعندما اترك انا بيت أخي لأني زعلان أكون هو طردني أم أكون قد طردته؟ يكون نحن الإثنان قد طردنا بعضنا البعض. فالذي بقي في االبيت هو الذي يحق له الدخول إلى البيت.

في العالم المسيحي تاريخيًا الذي يقول رأيًا غلطًا يسموه مهرطقًا أو هرطوقيًا مثل الأريوسيين الذين أنكروا ألوهية المسيح. والذي يشق عصا الطاعة ويتمرد على السلطة الروحية يخرج أيضًا إلى خارج. من المسؤول؟ هذا موضوع آخر. هذا موضوع تاريخي. في واقع الحال كنيسة باقية في وحدتها وفي نظامها، وكنيسة ثانية لا تبقى معها في حالة الوحدة بحالة التفاهم، فإذًا تروح إلى غير محل. وينتج عن هذا أن الذين لا يتناولون مع بعضهم. على سبيل المثال إذا المطران أوقف كاهنًا عن الخدمة بسبب انضباطي. هذا باقي ضمن كنيسته. يقول له: أنت لا يحق لك أن تقدس إلى إشعار آخر. المؤمنون لا يحق لهم أن يتناولوا مع  هذا الكاهن المحروم أو الموقوف عن الخدمة. ويخطؤون إذا صلوا وراءه. وبالتالي يوجد واجب البقاء على الوحدة. لا نقدر أن  ننشق عن المطران الشرعي ويوجد واجب البقاء على الإيمان الصحيح السليم. إذا سميناه أرثوذكسي أي الذي آمن بألوهية المسيح. لماذا تنقطع المشاركة في الأسرار لأن ليس من اسرار إلا شرعيتها إلا مرتبطة بالإيمان المستقيم. يأتي كان ويبارك هذه الكأس الملوءة ماءً ويباركها بكلمات التقديس هذا لا يعني أنها تحولت ميكانيكيًا بكلمات يقولها. هذا يجب أن يعمل ضمن القداس والشخص أو الجماعة التي تعمل القداس وإمانها كذا. هذه الجماعة يجب ان تكون عقيدتها سليمة. إذا عقيدتها ليست سليمة نحن لا نعرف ماذا يصير بهذا الخبز والخمر. يتحول أو لايتحول هذا ليس عملنا. من أجل هذا لا نقدر أن نقول أنه رغم وجود جسد المسيح أنا أروح وأتناول. اين هو غير موجود جسد المسيح؟ أنا لا أعرف ولكن أنا أعرف أن كلمة جسد المسيح تعني بنفس الوقت القرابين وتعني الكنيسة. ما في قربان مفصول عن الكنيسة. الكنيسة المستقيمة في عقيدتها المرتبطة بالرسل بإستمرار تاريخي أوبأخلاص إيماني. هذه الكنيسة المستقيمة بعقيدتها هي التي تقيم القداس. ما ممكن أن نفك عملية التحول وتقديس الأسرار وتقديس القرابين عن سلامة العقيدة. لذلك الإنسان لا يتناول في أية كنيسة في العالم بل في الكنيسة المستقيمة. هذه قاعدة يقبلها الأرثوذكس والكاثوليك في العالم على فروعهم ويقبلها عدد كبير من البروتستانت. إبتدات نغمة جديدة في العالم منذ ثلاثين سنة في العالم البروتستنانتي أنه يتناول أين يريد.وأن هذه محاولة حتى نتقارب من بعضنا. إذا تناولنا مع بعض نكون نتقارب. أنا أقول أننا أذا نتناول مع بعض فنحن نختلط مع بعض. نقول: موقف هؤلاء وموقف أولئك مثل بعضهما. لا يهمنا أي موقف في العقيدة. إحكوا مثل ما تريدون وأن هذا لا يؤثر على وحدتنا.

الذي يهمني أن ندركه ونفهمه أنه ليس من ممكن تجزأة القربان على سلامة العقيدة. فإذا كان من كنيستين الكنيسةالأرثوذكسية والكنيسة الكاثولكية. يوجد بينهما فروق في العقيدة. بدنا نذلل هذه الفروق. إما نقنع بعضنا البعض بهذا الشيء. وتبين لنا أن الذين سميناه فرقًا ليس فرقًا. يقدر اخ وأخاه أن يختلفا على الميراث مثلاً. يأتي ثالث مصلح ويقول: لستما أنتما مختلفان في الحقيقة. تقولان نفس الشيء بعبارات ثانية. معنى هذا أننا نقول أنه ليس بينهما إختلاف جوهري. إذًا نكتشف أنهما كنيسة واحدة. وإذًا تتاولان مع بعضهما البعض. أو نقول حسبما نفهم الآن اليوم. هذا كثير أن يفهم الشخص الثاني. حتى اللاهوتيين الكبار بكنيستي أنا لا يفهمون تمامًا موقف البابوية ومجمع الفاتيكان الأول المنعقد سنة 1870م حيث قيل إن بابا روما له رعاية مباشرة على كل العالم. هو رئيس العالم المسيحي كله بتفويض إلهي من المسيح وأنه معصوم عن الخطأ.

حتى يفهم لأرثوذكسي هذا عليه ان يقرأ مجلدًا كاملاً باللغة اللاتينية. ليس من الهين أن يعرف الواحد بدقة بشكل فني الإعتقادات اللاتينية. مضت خسون سنة ولم يعرف أحد عن الكنيسة الشرقية بالغرب كله.

علينا أن نتظر أن تزول الخلافات عندئذ نكتشف أن هذا وحي. عندئذ زالت المشكلة. فنتناول عند بعضنا البعض. في الوقت الحالي نحن مقتنعون بأنه توجد خلافات. لها اهمية وليس لها أهمية؟ لها أهمية. لماذا؟

إلى عشية 1870م كانت الخلافات بين الأرثوذكس واللاتين أنما هذه لم تُجعل عقيدة. يوجد فرق في الكنيسة بين رأي أو تعليم وبين شيء يسمى عقيدة أي موقف إلزامي للمؤمن. كنا نتقاتل في الكتب ونتصارع وأحيانًا ليس في الكتب لسوء الحظ، بالدم بين شرقيين وأرثوذكس. ليس في بلادنا وأنما صار في بلاد الأرثوذكس في أوروبا. ذبحوا بعضهم. ظاهرها سياسي. لماذا في صربيا يقتلون بعضهم بعضًا؟ طبعًا توجد أسباب سياسية. ناس يعني لهم الأميركيون. مواقع الحال كل الكروات كاثوليك وكل الصرب أرثوذكس. وكأنه يوجد إختلاط من الناحية السياسية ومن الناحية المذهبية.

كل هذه الذكريات المؤلمة التي فرقت بين الكنيستين من حروب الصليببين وخلعهم لبطرك الأرثوذكس. ورحلنا. وأتوا بالرهبان اللاتين بالحملات الصليببة وأتوا ببطرك وطارنة إلى هذه البلاد. هم مسلحون ونحن لسنا مسلحين. هكذا الأشياء تصير بين الكنائس.

الآن لننسى هذه الأمور الجارحة. هناك أشياء لا مجال لتجاوزها. هناك دستور الإيمان فهي كلمة أساسية. فالكنيسة القديمة المشتركة كانت تقول: وبالروح القدس المنبثق من الآب فقط.  أتت الكنيسة اللاتينية وقالت إن هذا تحريف لدستور الإيمان وإن المضمون غلط وحتى الموقف غلط. إذأ توجد مشكلة قائمة. لا نقدر أن نقول إذا كنا علمانيين نتعاطى الطب والمحاماة والزراعة والتجارة. قالت: كلمة بالناقص أو بالزائد؟ الناس تفهم. يعرفون الفرق بين الكلمات ويعرفون ما معناها هنا وكيف يتغير معنى الكلمات من الكتاب المقدس.

رأيي الشخصي أنه توجد خلافات أقل أهمية فأنا شخصيًا أن الولد يعتمد بالتغطيس هو مثل الولد نعطيه ماءً بالرش. لأنه أذا ألنص الإلهي هكذا معنى هذا أننا نتقيد بالنص الألهي. وليس للبشر أن يقولوا: هذا سيغمى عليه. نحن اوروبيين ومرتبين آتين بفساتين حلوة. هل الخوري سيغطسه ويطرطشنا؟ ليس من هكذا. يوجد نص مكتوب. عليك ان تبقى في النص. لا تقدر أن تغير. مكتوب في النص: إشربوا منه كلكم هذا هو دمي. لا تقدر أنت  وتغير هذا. لا تقدر أن تغيره.

عندي أهم من ذلك أن نشرب من الكأس. يهمني النص.

بابا رئيس الكنيسة يقول أن رأيه هو رأي الكنيسة أو أن يقال بتوافق الكنائس للتنسيق.

يقول القديس مكسيموس المعترف بأن للمسيح إرادتان إلهية وإنسانية. في حين 3 بطاركة من خمسة قالوا بأن للمسيح له طبيعة. وكان مكسيموس محبوسًا وأتى السجان وقال له بأن هذا إمضاء 450 ضدك. الكنيسة كلها ضدك. قال له: أنا الكنيسة.

الكنيسة هي إستقامة الرأي وليس العدد. أنا لا أقدر أنا أن أتبع إنسانًا يبدو لي رأيه غير رأيي.

فصلنا بعضنا عن بعضنا البعض بالترتيب الكنائسي.

ما علاقتنا نحن أنتم أيها المطارنة؟ إذهبوا  وأوجدوا حلولاً. نحن الشعب ماذ علاقتنا؟

أنا أفهم هذا الجرح وأفهم أن الشعب لم يعمل الإنقسام وليس هو مسؤولاً عنه. إنما في نفس الوقت ليس اللاهوتيين الذين يجعلون الإنقسام مستمرًا. هذا الحكي الشعبي أن المطارنة كل واحد بدو يأمن حاله لأن يبقى مطرانًا. فمن مصلحته الخلاف. لماذا؟ إن مصلحته الإتفاق.

إن مصلحة المطران متعبة وإحتمال غلاظة الناس. هذا حكي سطحي بأن هذا حكي مصالح مطارنة وكلهم يحبون الإنقسامات. نكون نطلب من واحد 10 آلاف كتاب لاهوت ويرمي كل اللاهوت ويقول بأنه علينا أن نستقيم بالجهل. لا نقدر أن نستقيم بالجهل ولكن بالفهم.

الشيء الثاني الذي أريد قوله بأن كل العلمانيين في العالم قابلون واللاهوتيين غير قابلين هذا لا يصير. هذه مثل كل شيء، عندي وجع لست طبيب جراح.

يوجد ناس ملتصقين بهذه الدنيا وعندهم إخلاص وعندهم طهارة والذين يدافعون عن موقف هذه قناعتهم.

أهم شيء بالوحدة أن نحس بثقل الإنقسام وبالإذى الذي يحصل ونحمل صليب الإنقسام ونحس بالجرح.

توجد ادعية متخصصة للأمراض المختلفة. إذ ليس لأنه قررنا أن نتناول معًا معنى هذا أننا إتحدنا.

يأتي لعندنا الموارنة في بيت مري في عيد مار إلياس ليتناولوا. هم على بعد 100 متر من كنيستهم لأنهم معجبون بمار إلياس. أو عندما أمضي 3\4 ساعة مع إمرأة مارونية زوجها أرثوذكسي تريد ان تعمد إبنتها بدير مار شربل لأنها هي نادرة. كيف أفهمها أنا أن العواطف ليس لها قصة بهذه الأمور؟ لا تقدر أن تغير القانون الكنسي وأن البنت الأرثوذكسية تكون في كنيستها الرعوية.

الشعب المؤمن خطا خطوات بعيدة جدًا ليست هي مؤسسة على اللاهوت ولا مؤسسة على القانون ومشت. وبإعتقادي بأن المسؤولين الكبار يجب أن يتخذوا موقفًا لاهوتيًا أكثر ويهديونهم ولكنهم لم يفعلوا شيئًا. منذ 25 سنة مجمع الفاتيكان إنتهى. أطلق مجمع الفاتيكان عند الكاثوليك رغبة الوحدة أي قواها. تكلم كثيرًا عن الكنيسة الرثوذكسية. فإنتقلنا بين ليلة وضحاها عند الشعب الكاثوليكي أن هذه كنيسة مسروقة ومنشقة ولا ندخل إليها ولا نرسم إشارة الصليب قدامها. وأنها هي الكنيسة العظيمة المعشوقة. هذه النقلة جعلت الكاثوليك يطلبون المناولة عند الكاثوليك.

هل تعرفون ما للكاثوليك على الأرثوذكس؟ الكاثوليك الكبار الذين يفهومن لاهوتيًا يقولون بأن الكنيسة الكاثوليكية لم تغلط بشيء.

الآن تقولون بأن هؤلاء حبوبين ويحبون يسوع وعندهم العذراء والقديسين؟ وأن الروم الأرثوكس غير غلطانين.

إذا إعتبروا بابا رومية رئيسًا عليهم نجد لهم تفسيرًا لمرارة هذه القصة ونضع لهم حكاية وينبلع بابا رومية. ولكن الأرثوذكس لم يغلطوا بشيء.

يوجد مسيرة مصالحة عند اللاهوتيين الذين يجتمعون. الان المصالحة معرقلة لأن الكاثوليك الشرقيين الذين غورباتشوف أطلق حريتهم إنطلقوا بحريتهم وأصبح المسلمون يعملون لهم قتلة.

يوجد بيننا العملية متوقفة ولكن نظل نلتقي لأننا نحن أوادم حتى نذلل هذه الخلافات. ولكن بجو مشحون إذا إخواننا بروسيا ويوغوسلافيا عم ياكلوا قتل. مشروع الوحدة بعيد عنا. حتى الله يروق القلوب ونرجع إلى مسيرة المصالحة. في إنتظار ذلك كل واحد يبقى في بيته ليس قلبه في بيته ولكن جسمه في بيته. يكون في كنيسته يتناول في كنيسته. وليس معنى هذا أنه أقل محبوبية.

إذا أنا بقيت مع إمرأتي وأولادي ببيتي وانام في بيتي هل أكون اسب اخي؟ لا. أزوره.

لا أحد يشتم احدًا إذا تناول كل واحد في كنيسته وانقذها بالنهضة الروحية وجددها. لا أقدر أعطي نصائح للكنيسة المارونية فهم لا يسمعون لي. الماروني يعطي نصيحة لكنيسته. وإذًا يجوّهر كنيسته ويقويها ويجملّها. فعندما يبقى الواحد في المسيح محل ما هو موجود. نحن نكون قد إرتقينا بأعمال المسيح. فالوحدة مع المسيح وليس بين بعضنا. هي كل وحدة شخص مع المسيح، وحدة كل كنيسة مع المسيح هي أن تتنقى كل كنيسة بالمسيح لا أن نأتي ونقول: أنا أتناول عندك وأنت تتناول عندي، ونحن أبناء الشعب قررنا أن نبقى بهذه الطريقة ونتحد والذي لا يعجبه يدق رأسه بالحائط. هذا غير موجود. لا أحد يدق رأسه بالحائط. علينا أن نبقى بكنيستنا. الكنيسة الكاثوليكية لم تسمح لأبنائها أن يتناولوا مع الأرثوذكس إلا مع بصورة إستثنائية. من الصور الإستثنائية إذا إنسان أرثوذكسي يموت في بشري طبعًا يأتي الكاهن الماروني ويجنزه. وإذا واحد ببشري يسكن في أميون ويموت في أميون فيأتي الكاهن الأرثوذكسي ويدفنه. هذه لم نختلف عليها. فالخدمات الظرفية من دفن بحياتنا لم نختلف عليها. هي موضوع يتعلق بالمناولة الأولى. بالدرجة الأولى هي تعابير عن الوحدة الكاملة. فالوحدة الكاملة غير موجودة فنحن نسعى إليها.

فالذي صار في لبنان آسف أن اقول لن أريد أن انتقد أحدًا ن فأنا آسف أن اقول أنه طلب من الشعب بعد المجمع 25 سنة أن يعمل ما يشاء. لا أحد لم يعمل له ملاحظة.اخذ هو حريته. لم يُمنع. ربما لم تعد من هيبة او سلطة عند الكهنة حتى ينبهوه. هذا غير موجود أن هذه الشبيبة هي المجاهدة مع المسيح.

أنا متـأكد أنه لن يقل عمق المودة وقلة الإحترام إذا بقي كل واحد يتناول في كنيسته. مع إحتمال الصليب ومع الجرح. ولكن هذا الصليب يزيدنا عزمًا على تزليل العقبات وقوة على الدرس.

وطالما كل واحد يعتقد أنه يأخذ جسد الرب فإذًا توحد مع الآخر حتى إذا لم يقف معه الآن على المائدة المقدسة. ولكن سيقف معه لاحقًا. هذا إذا تمت الوحدة. ستتم أم لن تتم؟ أنا لا أعرف. لكوني أحد الناس الذين يتعاطون هذه القصة من 43 سنة أي لكوني مندوبًا رسميًا بأعلى حوار بين المنطقتين. أقصد أعلى مسؤولية. شعوري أن هذه ستصير بسرعة. تقدرون أن تفهوا أن الناس تعودوا على أمور وتقاليد.

كنت في مقابلة شعبية مع البابا. ياخذون بطاقة ويدخلون عليه. يطل عليهم البابا وأحينًا ينزل إلى عندهم. وقفت انا ليس على الأوديونس. قلت بأنني سأرى هذا المشهد. أخذت قدح بوظة. أطال بإطلالته.  وناس مثقفة. قلت في نفسي ما يأتي: أنا مطران مثل المطارنة. كهنوتيًا مثل بعضهم. أنا يدخل إلي أي إنسان بعد أن يدق الباب. وإذا لم يكن عندي إجتماع يدخل بدون موعد. هذا يهلكني من الصباح حتى المساء. ويقعد ويأخذ فنجان قهوة. هكذا أسلوبنا.

هؤلاء الأوروبيين اسلوبهم مع رئيسهم الروحي غير شكل. فأنا الأرثوذكسي الشرقي لا أقدر أن أعمل هكذا عمل. فهي كل القصة أنه يشرف من البلكون ويقول بضعة كلمات ويباركني.

توجد روحيات مختلفة. هذه الشعوب لن تتساوى بالعقليات. يوجد نظام هرمي في الكنيسة الغربية. يوجد نظام شورى في الكنيسة الشرقية. فبتصوري لا نقدر أن نقول لشخص بطريقة من الطرق والكلمة الأخيرة له ونقول له بأن ترجع لحجمك لمتروبوليتك في أسقفية روما بالشرق ليس لك علاقة وأن الشرقيين عندهم عقل كافٍ وأخلاص كافٍ لينتخبوا بطريركهم ومطرانهم. ليسوا بحاجة لوصي من خارج البلاد. الشرق الأرثوذكسي هكذا مصنوع. ونقول له بأنك قاصر هناك من يعين لك مطرانًا. وأنك لست مخلصًا ونحن افهم منك لأننا أوروبيين وأنت من العالم الثالث.

بإعتقادي أن هذه الوحدة لن تأتي غدًا أو بعد غد. صعبة جدًا جدًا وقد لا تحصل قبل اليوم الأخير في الملكوت. أنا مثلما أراكم هكذا أنما أقله ليس أحد منا عنده روشاته حتى ينفذها. كيف ستصير وما شروطها وما مضمونها؟ لا أحد يعرف.

إذا ذهب كل الروم الأرثوذكس إلى عند الكاثوليك وتناولوا عندهم هذا لن يغير شعرة. هذا يقول هذا موافق لكلام الاباء وهذا غير موافق لكلام الآباء. حسب المعطيات لا نعرف كيف ستتم. الله ينورنا ونحن نطلب أن ينورنا. بهذه الأثناء نحن إثنان وليس واحدًا. نحن واحد في قلب المسيح. نحن واحد في الملكوت. هنا في التنظيم الأرضي كما هو نحن لسنا واحدًا. لا نتظاهر على اننا واحدًا. ونكون نتظاهر كيف أننا واحد إذا تناولنا من الكأس الواحد. هذا يعني أننا اكملنا الوحدة أنجزناها. بينما نحن لم ننجزها. يوجد تناقض بين الإشارةأي العمل الظاهر الذي هو التناول وبين النفس. ففي النفس البشرية نحن لسنا واحدًا. في كل حال هذا الإنضباط الكنسي في الكنيستين. فالأرثوذكس ليسوا أشدًا من القانون الكاثوليكي. فالقانون الكاثوليكي هو نفسه. هذا القانون الأرثوذكسي. ماذا تفعل الأفراد بعد أن مشت في هذه المسيرة بعد 25 سنة؟ لا أعرف. أنا أتمنى أنه إذا كان عندنا قدرة أن نفهم هذا الذي قلته الآن يكون عال. وأرجو أن نروح إلى الشيء بالعمق. يقدر الواحد أن يكون واعيًا مثل الحياة الزوجية. الفرق بينه وبين مسيحي آخر ومحبته أزود من الذي لا يعي الفرق. يقدر الواحد أن يكون متزوجًا وواعيًا تمامًا عيوب إمرأته. فيها 27 عيبًا بقدر أن يضعها على الورقة. وهي واعية أن عنده 54 عيبًا. يحبون بعضهم بعضًا أكثر من الناس الذين عندهم عشق حماّري ويتقاتلون كل يوم. المحبة ليست ضد الوعي. التعاون الخيري الإنساني ليس ضد الوعي. ليس علينا أن نبالغ ونخترع فرقًا بحيث لا توجد فروق. ولكن لا نقول بأن الفروق هي غير موجودة لأنه هكذا عنّ على بالنا وضاق صدرنا وليس لنا صبر على الفروق. يوجد. فلا نبالغ في الشيء ولا ننقصها. بل نعيها. ونأخذ المطلوب على رجاء أن يوحدنا السيد. فأنا مثلما أعرف المطارنة والبطاركة بالعالم كله وأجلس مع العلماء الكاثوليك. هذه وظيفتي. مثلما أعرف الأشياء نحن في مسيرة بطيئة. أرجو أن لا تسوء الحالة في أوروبا الشرقية والوسطى لتأخرنا بضع سنوات. أرجو الله أن يلطف العلاقات بيننا ويعطينا بنفس الوقت الوعي بذاتية الكنيسة وفرادتها وضرورة لحمة الأبناء مع بعضهم. الله يعطينا الوعي والفرادة وبنفس الوقت ضرورة التعاون على مستويات أخويات وإجتماعات ليلية إنجيلية وتعاون على كل صعيد ومحبة وصداقات شخصية  وإرتقاب هذه الوحدة والصلاة من أجلها.

بفرنسا واوروبا عمومًا عندما تتم زيجات مختلطة بين أرثوذكسي وكاثوليكي أو العكس ليس عنده نظام طوائف. يوجد نظام طائفي في الدولة. الدين مفصول عن السياسة. يوجد نوع من المشاركة في موضوع الزواج. إفتراضًا إن البنت أرثوذكسية أتفقوا في فترة لأنه عند اللاتين هذا الزواج قائم بالتراضي. فالتراضي هو اللذي يعمل الزواج والخوري ليس مكملاً لسر الزواج. المكملان للسر هما العريس والعروس.

ما هي بعض المظاهر وبعض التعابير التي ممكن أن تعمل سوية؟

أهم شيء عندي هو تقديرنا للكنيسة الأخرى ولجمالاتها ولما تقول وأن نتعلم عن قديسيها وعن فنها الطقسي . ليست القصة أننا أحببنا بعضنا البعض وعملنا بضع إشارات مشتركة وأقنعنا حالنا بأننا  تقاربنا. ليس لهذا الأسلوب من تقارب. أنا أخشى أن مسيحيي لبنان لا يحبون أن يتكلفوا أن يدرسوا شيئًا ويقروا الآخرين بتاريخهم وبروحانيتهم. ونقول فلان يعمل عزيمة بضيعته بعد أن قوص هو والآخر على بعضهم بعضًا فهذا يرسل له إمرأته إلى العزيمة. كيف يصير هذا؟ عليكم أن تتوبوا بالأول. قبل أن تتوبوا تقرون أن تذهبوا لعند بعضكم البعض؟ قبل أن يعتذر الواحد للثاني ويقول له بأنني أخطأت بحقك وحرب قذرة من الأول ليس لها أسباب إلا حتى نشتغل من أجل الأجانب. بالبساطة عما مضى وختم الجرح على زغل.

عندما كنا لا نصلي مع بعضنا البعض قبل المجمع كانت تربطنا والكهنة الموارنة والكاثوليك صداقات وحقيقية وحارة وفيها فهم كثيرًا بدون هذه التعابير.

Continue reading
1991, محاضرات

الإسلام / محاضرة في كفرعقا – الكورة / الأحد 4 آب 1991

عندكم مئة طريقة لتعرفوا عن الإسلام. في بلادنا عندكم إذاعات وليالي رمضان والتي أوصيكم أن تتابعوها فيما يختص بالوعظ. عندكم هنا المساجد. وفيما يختص بالزيارة صار مباحًا لكل المواطنين أن يزوروا المساجد. وكتب عديدة إذا أردنا معرفة دقيقة صادقة أي متوفر عندنا الآن هو كتاب جديد هو الإسلام بقلم الأب يواكيم مبارك ويباع في البلمند وفي المكتبات. كتاب صغير الحجم يقدر أن يقرأه كل إنسان. إذا أردنا أن نعرف أكثر بصورة حقيقية لا بد من قراءة القرآن. هذا أهم شيئ، أهم مصدر في معرفة الإسلام وأحاديث الرسول الشخصية هي غير القرآن الذي نزل من الله وهو كلام الله. انا أحكي باللغة الإسلامية. هكذا يفهم المسلمون. أنا أحكي مثلما هم يحكون وليس مثل أسقف أرثوكسي يحكي. هم يعتبرون أن القرآن نزل من الله والحديث الشريف هو حديث النبي بإعتباره شخص . إنما لا يمكن معرفة الإسلام بدون معرفة الأقوال التي قالها الرسول. فالذي هو في متناول أيديكم هو القرآن. وهذا ليس سهل المنال. ينبغي معرفة اللغة العربية جيدًا. إنما تقدرون أن تلجأوا لتفسير نسبيًا بسيط أبسط التفاسير هو تفسير الجلالين حيث عندكم النص القرآني وعندكم التفاسير حولها. هذا أول إتصال بينكم وبين الإسلام. هذا الكتاب تفسير الجلالين. لمن يريد أن يتخصص اكثر هناك تفاسير أخرى.

سأوضح الإسلام بالنسبة إلى البيئة التي كانت في الجزيرة العربية في القسم الثالث من القرن السادس الميلادي حيث ولد الرسول في مدينة مكة. وهو محمد بن عبد الله المطلب الهاشمي وابن زينب. وعاش أبوه قليلاً جدًا بعد ولادة هذا الصبي. لذلك جاءت الآية التي تتكلم عن يتمه وعاش في ظل عمه الذي كان أبا علي أبي طالب. وكان يعمل كسائق الجمال عند خديجة. وتزوجته خديجة. هي في أل 45 وهو في أل 25. البيئة التي نحن فيها هي بيئة من المشركين . يعني العرب في مكة حواليه كان عندهم معبد يدعى الكعبة. وهو لا يزال إلى اليوم. أبقى عليه المسلمون. وفيه عبادات مختلطة. كانت فيه صورة والدة الإله والطفل يسوع. فيه عبادات تنصب تختلط مع بعضها. ولكن الشيء الأساسي كان فيه عدة أصنام في الجزيرة العربية. هذه الأصنام ليست واضحة مثل الأصنام اليونانية. ليس عندنا في مكة طائفة مسيحية. لم نجد لها أثر ولذلك هذا الحكي الشعبي بأوساطنا بأنه قرأ المسيحية وإتصل بالكعبة. وليس من كنيسة مبنية. في الحجاز ليس من كنيسة مبنية. في اليمن في صنعاء عندنا كنيسة مسيحية ولكن أيضًا اليمن بعيدة وليس عندي أنه ذهب إلى العراق. ولكن عندي دليل أنه ذهب إلى أبواب دمشق. معنى أن إتصاله بالمسيحيين ضعيف كثيرًا وإتصاله بالراهب بحيرى ضعيف كثيرًا لأننا كل ما نعرفه من سيرة الرسول أنه عندما كان صبيًا يأخذونه إلى ضواحي دمشق. وهذا الراهب النسطوري على طريقة الأشوريين وعلى طريقة السريان الأرثوذكس. لا نقدر أن نعرف. قال: رأيت خاتم النبوة. أوحى له قليلاً أنه قد يكون نبيًا. كان مؤسسًا على طائفة مسيحية منظمة. كان عندنا ورقة بن نوفل ابن عم خديجة وربما كانت خديجة متأثرة بالنصرانية. من أين نحن نعرف هذه المعلومات؟ نعرفها من سيرة محمد، من كتاب حياته الذي كتب بعد موته بكثير بعد مئة وخمسين سنة من وفاته. وهذا يذهب بالتواتر. ولما تزوج من خديجة كان يذهب إلى غار حيراء خارج المدينة ويصلي. لمن يصلي؟ والنبوة لم تأت بعد. علينا أن نعرف أنه يوجد إتجاه بالجزيرة العربية نحو الإله الواحد عند العرب وليس عند اليهود، فاليهود لم يكونوا كثيرًا موجودين في مكة بل في يثرب. فالعرب شيئًا فشيئًا مثل كل الشعوب القديمة كانوا يخرجون بالتدريج من الوثنية إلى التوحيد.

بإعتقادي أن كلمة الله راسبة من تلك الأيام. “الله أكبر من بقية الألهة”. وأفعل التفضيل ليس عندي شك على أننا نحن في إتجاه نحو الإله الواحد. الإله الواحد موجود بكل الجو اليهودي والنصراني حول الجزيرة. النصارى موجودين في العراق على المذهب النسطوري، على مذهب الكنيسة الأشورية القائل بأن المسيح هو في السماء إله وعلى الأرض إنسان وبينهما حنين. وليس مثلنا بحيث نجعل إتحادًا بين الناسوت واللاهوت. هذا مذهب كفرناه في المجمع المسكوني الثالث في القرن الخامس. ولكن كان مذهبًا قويًا جدًا في العراق.

وكان عندنا المذهب اليعقوبي ، مذهب السريان الأرثوذكس في جنوب سوريا بشكل أساسي وقليل من الرحالة المسافرون يأتون منة هنا ومن هناك إلى مكة.

عرف الرسول شيئًا من النصرانية في هذه الإتصالات القليلة. لذلك أرفض كل هذا الحكي الشعبي في أوساطنا المسيحية بأننا المسيحية أتت إلى الجزيرة. المسيحيون كان عددهم قليل لا يذكرز عندهم طبعًا معلومات من اليهود فيما بعد. ولكن الشيء الواضح عندنا أنه كان يذهب إلى المغارة في حيراء خارج مكة ويصلي. وهناك حسب أقوال المسلمين ظهر له رجل فجأة وقال له: إقرأ. قال له: ما أنا بقارئ. ثم قال: إقرأ باسم ربك الذي خلق الإنسان من علق، علم الإنسان ما لا يعلم، علم الإنسان بالقلم. هذا –ما نقوله بالغة الإسلامية- اول نزول أي اول ما أوحي إليه محمد. هذه عقيدتهم.

عندما عاد إلى إمرأته خديجة كان مضطربًا وهمّ بقتل نفسه في الوادي لأنه إضطرب كثيرًا. عاد إلى خديجة فأتت بابن عمها ورقة بن نوفل النصراني الذي قال: قدوس قدوس قدوس. لقد أتاه الناموس أي الشريعة. والله إنه لنبي.

فأول من تلفظ بكلمة نبي أمامه كان هذا الوجيه النصراني.

وإستمرت الآيات تنزل عليه وهو يتلوها. عنده نوع من الإضطراب والهزة. كان يوجد نوع من الهزة العصبية لأنه بسورة المدثر تجدونها.  ويتلو وتسجل على ورقة من جلد غزال أو على نوع من البردي أو على العظام وتحفظ هذه الآيات. وهذا هو القرآن ما سُجل على هذه الصحائف أو ما حفظه الحفظة وجُمع فيما بعد. فعندما رأوا ان المصاحف المختلفة قرروا اأن يعرفوا ما الله الذي قاله. عندئذٍ أمر عثمان بن عفان الخليفة بأن تتلف كل المصاحف ويبقوا على مصحف فصحى إحدى زوجات الرسول ويتبنونها وثبتوا ما هو النص.

هذا هو المصحف العثماني الذي أوضحه عثمان بن عفان.

عندنا شيئ هام أنه عندما مات ورقة بن نوفل هذا النصراني فتر الوحي.  ما معنى هذا؟ لا أعرف.

عذب هذا الرجل. هو من قبيلة قريش في مكة التي في يدها المال والتي تحفظ مكة. هم كانوا الناس الذين كانوا يحفظون هذا المعبد. ولكن هو من بني هاشم وليس من الفصائل العليا وليس من الفروع –الجبّ- الضعيفة. من هنا نشأت الخصومة. ولكنه إعتمد أن يلتف حوله الأكابر ولكنهم لم يلتفوا حوله. بني أمية اقرباؤه من قريش. كانوا ضده لأنه يوجد خطر لأنه إذا مشى هذا التيار تزول الزعامة منهم. في الأخير إنضموا إلى الإسلام ورأوا أنهم لا يقدرون ان يحافظوا على الوجاهة إلا من ضمن الإسلام.

سنة 622م يترك مكة ويذهب إلى يثرب وهذ الهجرة. من هنا إبتدأ تاريخ الهجرة. وصارت مدينة الرسول.

كانت عنده مشكلة كبيرة مع اليهود لأنهم يتظاهرون بأنهم هم معه. وفكر أهل قريش أن يهجموا عليه. وعمل خندقًا حول المدينة وإنتصر عليهم. إعتبر هذا إنتصارًا لله. فمشكلته مع اليهود انه هو الرئيس الأوحد على المدينة وهم لهم حريتهم النسبية التي يعترف بها القرآن.

وعلى العموم نقدر أن نقول أن القرآن عنده موقف عدائي من اليهود. وكان عنده موقف إيجابي من الدين اليهودي. هذا دين سماوي. “إن لم تقيموا التوراة والإنجيل فلستم على شيء”.

أين التواراة والإنجيل؟ كيف تثبتهما؟ ما من شك أنه في القرآن كلام عن التحاريف التي في التوراة. ليس عنده كلام عن تحريف النصارى للإنجيل.

هو أكثر قليلاً إيجابيًا منا نحن. مشكلته الأساسية مع اليهود فعندما نقرأ الطبري المفسر الأكبر للإسلام لماذا لا تقدرون أن تتخذوهم أصدقاء لأنه يعطي حالات صدامات صارت بين الرسول وبين اليهود والنصارى. ولكن من الواضح عند الطبري وباقي المفسرين بأن العداء يتجه خصوصًا إلى اليهود بالدرجة الأولى فأزعجه اليهود وقتل قبيلة أفناها بكاملها وأجلى قبيلة أخرى إلى أن توفاه الله عند عائشة زوجته الثانية سنة 632م وله منة العمر ستون سنة.

عندنا سؤال أساسي، كيف محمد هو واع نفسه، كيف هو فاهم نفسه؟ ما الذي وعاه؟ كيف القرآن وبأي معنى ينكر الإسلام المشركين؟

بإعتقادي كدارس للإسلام ونأخذ النص الذي أمامنا ماذا نجد؟ نجد في كل القرآن أن كل الأنبياء هم مسلمون أي موسى وعيسى ومحمد. هذه لفظة تطلق على كل الأنبياء من قبل محمد. إذًا ليست هي لفظة تدل على مذهب معين. هذه مقطوعة مفصولة في القرآن نفسه الإسلام ليس دينًا معينًا جديدًا إلا في حالات حيث قال “اليوم أكملت لكم دينكم وأكملت عليكم بنعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا” هذا آخر ما نزل على الرسول. فهذه آخر كلمة سمعها هي هذه. هكذا يتكلم المسلمون. أنا أتكلم هنا كالمسلمين ماذا يقولون عن نفسهم.

إذًا ختم هذه النبوة وختم الرسالة. وعند علمائهم بهذه الآية الوحيدة، الإسلام أعتبر دينًا جديدًا أخيرًا. أنا أرى أنه ما زال دين موسى وعيسى وإبرهيم وما إلى ذلك.

إذًا محمد وعيه لنفسه بأن آتٍ بنفس الرسالة وليس برسالة جديدة. وإنما هو آت بأحكام جديدة أي بنظم معينة إنما بإعتقاده أن الدين واحد والدين هو لله ولا يقدر الدين إلا أن يكون واحدًا.

إذًا عندنا الإسلام وعندنا مقابله الشرك الذي هو إدخال آلهة كاذبة على الإله الحقيقي وأختلاط آلهة مع بعضها.

ليس عندنا ابدًا كلمة مسلم أو إسلام تدل على دين معين إلا أنه دين التوحيد الذي له مظاهر مختلفة أو مراحل مختلفة في عصر وموسى وعيسى. وكأنه يقول إن الله يردد كلامه أو يجدد كلامه ولكن الله لا ينزل دينًا جديدًا على الناس. ففي فهم محمد لنفسه ليس الإسلام رسالة جديدة. هو إستمرار للرسالة ذاتها، لها هذا الشكل ولها هذه الذهنية ولها هذا الإغراء.

التصرف العملي لم يكن بعد ولكن إذا كان الإسلام هو الدين ويظهره على الدين كله. معنى هذا أنكم لا تقدرون أن تستعملوا كلمة الدين المحمدي. هذا من الإستعمار الفرنسي الذي أدخله إلى هذا البلد. أنتم تقتلون المسلم عندما تقولون له بأن محمدي. هو ليس محمدي. هو بإيمانه يتبع الله ولا يتبع مخلوقًا. نحن ليس عندنا مانع أذا كنا أعتبرنا حالنا مسيحيين أن المسيح هو الإلهز إذًا نحن ننسب نفسنا إلى الإله. إذا أنتم نسبتوه إلى محمد تكونون تنسبوه إلى مخلوق. وهذا ما لا يرضاه القرآن. هذا إستعمال إداري في لبنان.

بماذا يؤمن المسلمون؟ يؤمنون بأركان الإسلام  أي الأسس الكبرى مثلما عندنا دستور الإيمان. فالذي يقول دستور الإيمان “أؤمن بإله واحد…”. يكون مسيحيًا. توجد صيغة حتى تؤدى حتى يدل المؤمن على إيمانه.

بالإسلام توجد أركان ، الشهادتان ، الصلاة ، الحج، الزكاة، الصوم. الزكاة تعني إعطاء 2.5 % من الرأسمال للفقراء. الحج إلى الأماكن المقدسة لمن إستطاع. صوم رمضان الذي هو الصوم من الفجر إلى المغرب وعدم الأكل وعدم الشرب. الصلاة التي هي الخمس الصلوات في النهار التي تقوم على اوقات محددة. الصلاة الإسلامية يؤديها الإنسان في الشارع بدون أن يضطر إلى الذهاب إلى المسجد ولكنه مضطر أن يذهب إلى المسجد الجامع يوم الجمعة عند الظهر. هذا إلزامي.

ماذا يعني أن أشهد أن إله إلا الله وأن محمد رسول الله؟ قبل الإسلام كان في الجزيرة العربية القمر هو الإله والشمس زوجته والزهرة هي إبنة الإله. إذًا عندنا تثليث كوكبي، في اليمن وفي كل مكان من الحجاز وتدمر. وهما إلهان بدون الله أي أدنى من الإله الكبير. أتى محمد وضرب هذا الشيء. هذا هو التوحيد انه يوجد إله واحد ولا أحد يدخل إليه.

فالذي هو مهم بقدر توحيد الله عندهم هو ضرب الإنسان لشهوات نفسه لتوحيد نفسه. لأنه ما الشرك؟ هل عبادة الأصنام هي الغلط؟ لا. الأصنام عند الوثنيين مثل الأيقونة عندنا. فالغلط في الوثنية أن عبادة الشهوات إله الحرب، إلهة الحب للخصب الجنسي، إله الخمر. نحن لسنا ضد أن تضع الشعوب صورة. هذه رموز ولكن أذا عبدت شهواتها وتجسمها وتقول أن أصلها في السماء. أتى محمد وأبطل كل هذا وأعتبر نفسه رسولاً من قبل الله ليؤدي الرسالة نفسها التي لعيسى وموسى. ويأتي بأحكام معينة فيقول بأن حظ الأنثى كحظ الذكر. يرث الذكر كقدر أختين له. تذهب إمرأتين للتكلما بنفس الوقت أمام المحكمة أي شهادة شاهدتين تقابل شهادة رجل. والحصص الأرثية هي أحكام. وهذه منزلة من عند الله. أنما جوهر العقيدة أن لا إله إلا هو وأن محمد هو رسوله.وتوجد إعتقادات مثلها قريبة مثلها كالإيمان بالله  وملائكته واليوم الآخر والقضاء والقدر وشره وخيره. توجد إعتقادات في القرآن مفسرة وإعتقادات واضحة كالجن أي أرواح أحيانًا وأحيانًا غير شريرة. يوجد إعتقاد بالملائكة وبقيامة الأموات في اليوم الأخير. إنما الإعتقاد عندهم بأن الإنسان يبقى كما كان في هذا العالم. ليس من تجلٍ وتغير روحي. وأنما إستمرار لما كان في هذه الحياة على اجمل وأحسن. إنما ما من شك أن روحية الإسلام بأشياء كثيرة هي قريبة من روحانية الرهبان عندنا. وبنفس الوقت يؤكدون على لذات العمر ويأخذ منها قدر ما يقدر. ولكنهم يركزون على أن الأشياء الروحية هي من الله. فالمال والبنون زينة الحياة والدنيا والباقيات الصالحات للأشياء الروحانية. عندهم أنتفاع نحو الحياة الروحية نحو التواضع وإن كان عندهم إستعمال المحاكم. “كتب عليكم القصاص.. الحر بالحر والعبد بالعبد”. ولكن ليس من ثأر. والزواج شائع عندهم معروف كيف هي أحكامه وكيف هي طريقته. الطلاق من طرف واحد وتعدد النساء.

ما موقف المسيحية من كل هذا؟ أنا سأجاوب بشيئين: هناك فرق عندنا بين الإسلام وبين المسلمين. التعليم شيء والأشخاص شيء. فكل إنسان من مكسيموس المعترف يعمل وصية الله وغفرنًا صحيحًا صادقًا ومحبة حقيقية صادقة يكون الثالوث الأقدس موجود. ليس من مسلم أو بوذي أو هندوسي أو يهودي أو ملحد يكون غفورًا ورحيمًا الله فيه.

إذًا تعاملنا مع المسلمين هو على هذا الأساس تعامل المحبة كاملة بدون تحفظ ونفرق بين العقيدة وبين المحبة. مثلما قال الإسلام: لكم دينكم ولي ديني. نحن نقول عندنا عقيدة وهي أن المسيح هو ابن الله الحي الذي أتى إلى العالم ليخلص الخطأة الذين أنا أولهم. نقول هذا وننتهي إذ ليس من مزج بين هذا وشيء آخر. أو إذا شئتم الله عندما كلم الآباء والأنبياء كلمهم بأنواع وطرق مختلفة شتى كلمنا في هذه الأيام الأخيرة بإبنه. إذًا المسيح هو كلمة الله ويقول كلام الله. وينهي نبوة العهد القديم وهو يكشف الله. هو مقر الله وهو الله. هذا إنتهى إذ لا يحتمل أبدًا رسالات أخرى. الكلام السياسي الشائع في هذا البلد والكلام الخطابي أننا كلنا مثل بعضنا البعض في العقيدة غلط. أرفضه. كلنا مثل بعضنا البعض بالمحبةبالعطاء والإصلاح. يوجد مليون واحد أحسن منا. إذًا ليس من فرق بين الأشخاص. ولكن يوجد فرق بين العقائد. نحن ننقح ولا نزيد على رسالة يسوع. هذا لا يمنعي أن أرى جمالات خارج هذه الجمالات.

عندما نقول إن المسيح مخلص فليست هذه حكاية. نحن نمارس هذا ونحقق هذا. إذا قدر أن يخلصك ما الحاج لمن يسندك سندًا ويدعمك دعمًا؟ العطاء الكلي ألكبير أعطيت إياه. لا تقدر أن تأخذ من غير شيء. نجد إنعاكسات وإشعاعات من نور المسيح في هذا المذهب أو ذاك بهذه الطريقة أو تلك ،حسن. فعندما نجد أشياء متناقضة هنا علينا أن نعمل من أجل التقارب.

مثلاً “لم يتخذ الرحمن ولدا”. فالله لم يتخذ رجلاً من الدنيا وعمله إبنه وكأنه يرد علينا. نحن لا نقول هكذا. لم نقل بأنه إتخذ ولدًا. بل قلنا بأنه كان عنده منذ الأزل. هو إبنه وليس متبناه. هو ابنه الأزلي.

إذًا ما يعتبره المفسرون على أنه ضدنا هو ليس ضدنا بالواقع مثلما نعرف نحن أنفسنا. هنا ينقطع الحوار لأنهم لا يعلمون ماذا نقول عن أنفسنا. هذه هي المشكلة الكبرى على الصعيد العلمي. وهذا ما يحدث دائمًا بيننا من صعوبات بالمؤتمرات . كل مؤتمرات الحوار الإسلامي المسيحي نصل فيها إلى مثل هذا. عليك ان تأخذ وقتًا حتى تفهم ما هو الثالوث الأقدس كيف أنا احكي عنه. كيف أنهم ليسوا ثلاثة آلهة وأنه يوجد أولهية واحدة وقدرة واحدة ومحبة واحدة.

الحوار بالواقع منقطع الآن بالرغم أننا نستمر بلقاءات ولكننا لا نتلاقى لأنه ما لم يقل الآخر ونصغي له  حتى نفهم ماذا يحكي عن نفسه ما من لقاء.

أنهي قولي هذه الجلسة بقولي بأننا نستمر نحن كمسيحيين بالحوار. ونستمر بصلابة الإيمان المسيحي وليس معنى هذا أنه أي منا مؤهل للحوار. هذه مهنة قائمة بحد ذاتها. أترجاكم أن تتعاطوها ليس كيفما كان لأنه عليكم أن تعرفوا القرآن جيدًا وتفسيره للتاريخ الإسلامي جيدًا والحديث والفن الإسلامي.

ومع بقائنا على صلابة الإيمان يكون عندنا الإكتفاء الشخصي والإنفتاح الشخصي أي التعامل اللطيف والمحب والمتواضع لجميع الناس. نحن لا ينكشف وجه يسوع إلا بنا. ينكشق بنا عن طريق اللطف وعن طريق التعاون وعن طريق الإخلاص وعن طريق الخدمة. طبعًا نحن نستقبلهم في بيوتنا بحرارة كبيرة ونخدمهم بحرارة كبيرة. عندنا في الكنيسة مال كثير نعطيهم مثلما نعطي غيرهم. نحن الأرثوذكس منفتحون إلى ما لا نهايةز الإنفتاح الكلي هو إلى الأشخاص. تتركون للعلماء بيننا الأخذ والعطاء. فعلى سبيل الأخذ والعطاء مات المسيح أم لم يمت في الكنيسة؟ في القرآن المسيح مات؟ وما صلبوه وما قتلوه. ما معنى هذا؟ حسب إيمان الرازي أنه عندما مات قضي على رسالته . أي ما صلبوا رسالته وما أبادوا رسالته. ولكن عندما يقول “السلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث”. معنى هذا أنه يوجد إقرار بموته. ولكن ليس من إقرار بأن هذا الموت هو معنى الفداء ومعنى الخلاص. ليس من إقرار أن هذا الموت له معنى الفداء بكل الدين. نحن نقوم مع المسلمين بحوار محبة وبتعاطي محبة بإستمرار. ونحن نشهد بما نعلم . نحن نقول للمسلم بأننا نكرم جميع الأنبياء. نحن نكرم جميع الأنبياء موسى وعيسى. إذا كان من صالون محترم نقول بأن يوجد فرق. يجب أن تقولوها ويجب أن تسكتوا عن دستور الإيمان. أنتم تقولون بما تؤمنون. إذ توجد شهادة ليسوع على أنه هو الإله الخالق والفادي. لا تقدرون أن تجادلوا أكثر من هذا ولكن يشهد المؤمن لإيمانه بدون أن يطعن بغيره. يقول ما موقفه. بعد هذا لا يجادل إلا بالحسنى ويختصر الجدل لأننا نحن الأرثوذكس ليس موقفنا موقف جدل. نحن موقفنا موقف محبة للأشخاص. فأنا أفرق بين الأشخاص وبين رسالته.

والسلام.

Continue reading