Category

1998

1998, مقالات, نشرة رعيتي

إنكار الأنا/ الأحد 20 أيلول 1998 / العدد 38

الكثير من مواقف الانسان عندنا يتلخص بهذا: انا قلتُ هذا وأبقى عنده، واذا خالفْتَني أَتشدد وأتمسك بما قلتُه، والشخصان يصبحان حزبين. ازاء هذا شكْلُ الصليب المؤلَّف من خشبة عمودية وخشبة أفقية. عموديا، المسيح ممدود الى الله ابيه وأفقيا يضم الناس الى صدره. انت اذا لم تمتد الى الحقيقة، وهي ذات الله وكلامه وفعله، لا تكون قابلاً أحدا من الناس إطلاقا. ان لم تقل لصديقك او خصمك إن كان على حق: انا اقتنعتُ بما تقول وأَتركُ فكري،  تكون خارجا عن طريق المسيح، هذا الذي لا يعرف الا الحق مقرا لك، وهو القائل: “وتعرفون الحقَّ، والحقُّ يحرركم”.

          هذا ما اراده يسوع في إنجيل اليوم: “مَن اراد ان يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني”. في الحقيقة مجرد تنازلك عما تقوله -اذا تبين لك انه خطأ- وأن تجهر بفكر آخر أصح هو نفسه حَمْلك للصليب. ان تكون انسان الحق هذا يعني اتباعك ليسوع لأن يسوع هو الحق.

          في هذا المنحى يقول السيد: “ماذا ينتفع الانسان لو ربـح العالم وخسر نفسـه”. يمكن ان تـربح مـال الدنيا والنفـوذ والوجاهـة، ولكن اذا كانت نفسك معاندة للحق ومتشبّثة بالباطل يكون كل ما عنـدك وما فيك باطلا. لا يمكن ان تدخل الملكوت اذا كنت معاندا للحق. لا شيء يعادل بقاء روحك في حقيقة الله والصدق والنقاوة. لهذا قال: “ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه؟”.

          الانسان هـو القلب وليس المال الذي في جيبه او مصرفه. ان تكـون انت مرجعيـة الحق بحيث لا يرقى الباطل الى فمـك وسلوكـك ونيتك يجعـلك اقوى انسان في الوجود. يكون ملكـوت الله قد نزل عليك منذ الآن.

          السؤال الأساسي عند من اعتنق ديانة الصليب هو: هل أَقبلُ انا ان اكون مصلوبا كما طلبَتْ مني معموديتي؟ هل انا مستعد أن أُسمّر شهواتي لأحيا مع المسيح؟ فإني ان لم افعل هذا يصبح الصليب مجرد شكل من خشب او ذهب معلق بعنقي، اي رمزا بلا مرموز اليه. دعوتنا نحن ان نذهب من الرمز الى معناه، والمعنى هنا الحياة الجديدة. واول شهوة تُصْلَب هي عبادة الشخص لذاته، لآرائه. هذه هي الكبرياء بالذات، والمتكبر ساقط لأنه يتصرف كأنه يعتبر نفسه إلها ولا يرى اخاه، الانسان الآخر، ولا يعانقه. انه يعبد ما يقول والمواقف التي وقفها. والدنيا تأتي من ترتيبه هو ومما يقرره هو، والناس يجب ان يندرجوا في تصميمه. انه لا يقبل ان يُكسَر له تصميم.

          ان صليب المسيح يبقى اغنية جميلة إنْ لم نؤمن أنّ وضعنا الشخصي وضع مصلوبية، حالة نكران للذات وإصغاء للآخر واحترام له وأن يجعل القلب يحس بآلام الناس وحاجاتهم. الصليب هو ضَمّي الناسَ الى قلبي، وصعودنا معا الى المسيح الجامع.

Continue reading
1998, مقالات, نشرة رعيتي

سكنى الكلمة فينا/ الأحد 29 آذار 1998/ العدد 13

نسمع كلمة الشهوة فينا. تصرخ فينا، تضج، تخاطبنا أن اتبَعوني. وإذا أطعناها نقتنع بها أو نُقنع نفسنا بها. المسكر يقول لك امشِ ورائي. وإذا أدمنتَ كثيرا تفكر ان الأمر جيد. وإذا أدمنتَ السلطةَ وتحكمتَ بالناس وعرفتَ مكانتك، تذوق لذة السلطة وتصير الى التفكير بأن هذا جيد. تتكون فيك مجموعة قناعات، شبكة قناعات تصل الى وقت تدينُ انت بذلك، واذا كنتَ صادقا يصير هذا دينك الحقيقي.

          عبثا تحاول ان تُسكت صوت الشهوة فيك إن لم تؤمن انها ضارة. ولا يسعك ان تصل الى هذا الاقتناع الا اذا لمست ان هناك ما هو انفع من الشهوة المؤذية وأبقى. ولكن من هو الذي يقول لك ان الصدق انفع لك من الكذب بمعنى انه ينجيك حقيقة؟ لعلك تعترض عليّ وتقول كيف ينجيني صدقٌ أخسر به وظيفتي ونجاحي في الدنيا؟ لا يمكنك ان تقتنع بضرورة الصدق الا اذا شعرت انك بالكذب تؤذي آخرين أو أقله انك تخسر شجاعتك وتتقزم. إن أحسستَ ان موقف صدق يصل بك الى انتعاش داخلي والى سلام، تدخل فيه طريق الصدق.

          يجب ان يظهر مـن يقول لك ان هـذه الفضيلـة او تلك تحيي هذا الجانب او ذاك من شخصيتك. يجب ان يـرشدك الى ذلك كائن مقنع، كائن لا يخطئ بكلامه، لك فيـه مـلء الثقة لأنك موقـن انه يعرف وانـه فهيم وانـه يحبك.

          هـذا الكائن الفريد مـن نوعه هو المسيح. هـذا تكلم مرة واحدة ونهائية في الإنجيل. وهـو يخاطب فيه شخصَكَ كما أنت في كل ضعفاتك ليجعل منـك انسانا عجبا. فإن شئتَ أن تتخلص مما يـؤذيـك تُسْلِم لـه لِعلـمك بأنـه يحب لك ما لا تحبه لنـفسك وانـه يعرف مصلحتك الحقيقية وانت لا تعرفها. كيـف تسأله عـن مصلحتك؟ هـو قال لك في إنجيلـه وفي كلام رسلـه ما يجعـل منـك انسانا سويّا. قال لك انـه يجب ان تترك ما يعرقل وصولك الى حياة صالحة كما قال لبطرس وأنـدراوس أن يتركا شباكهـما ويـلحقـاه وكما قال ليعـقـوب بـن زبـدى وأخيه يوحنا ان يتركا شباكهما وأباهما ليتبعاه.

          هناك دائما انسلاخ عما كان يبدو لك من لذة، عن عشق المال الذي يعرقل بناء شخصية لك مستقلة، سائدة على المال. يقول لك اترُكْ عشق السلطة وتواضَعْ وانت في السلطة لأن فيها عشقا لنفسك يكبّلك. ويقول لك أن اترك الجنس الذي خارج الزواج مهما بدا لك مغريا لأنه يدمرك ويزيل حريتك.

          المسيح فيك هو كلمته فيك. وهذه تؤتاها انت من الإنجيل ان قرأته كل يوم وجعلت عقلك يتكيف به. ولهذا قال بولس: “فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع” (فيليبي 2: 5). جهادك ان تترك الفكر الذي كوّنَتْهُ فيك الخطيئة وجعلتك تنطق به. فكر المسيح اذا نزل في قلبك يُصيّر عقلك مثل عقل المسيح. ولهذا قيل: “خبأتُ كلامك في قلبي لكيلا أخطئ اليك” (مزمور 118: 11).

          هذا هو مفتاح التوبة أن تختزن فيك كلمات الرب كي تَرُدَّ بها الكلام الذي يريدك الشيطان ان تسمعه. فإذا قال السيد ان الإنسان يحيا بكل كلمة تخرج من فم الله (متى 4: 4) يريد أن هذه الحياة الجديدة فيك تجعلك ترفض توّاً كلمات الموت التي يوحي لك الشرير بها. أن تسكن فيك كلمة المسيح تلك هي التوبة اليه.

Continue reading