الطاعة/ الأحد 23 أيار 1999 / العدد 21
في زمن التفلت وتمرد الأولاد على الأهل، في بيئة تسمع فيها عن حرية الزوج والزوجة أحدهما من الآخر يأتي الكلام في الطاعة أمرا عتيقا. أجل أعرف أن بين المؤمنين شورى، ولكن الشورى لا تقوم إلا إذا قصد المتشاور أن يطيع الحقيقة إذا أتته من آخر. الغلبة للحق، والشورى ليست أن نسجّل مواقف مختلفة ولكن أن تنتهي المشاورة إلى موقف، لا موقف الأكثرية العددية بل ذاك الذي يرتضيه الله.
الكتاب الإلهي يتحدث عن الطاعة لله، وطاعتنا للبشر محددة بكونهم يقولون كلمة الله، بكونهم يذكّروننا بها. فلا طاعة لمخلوق بسببٍ من مقامه ولكن بسبب من كونه يحمل الكلمة الإلهية. هي إذًا من خلاله طاعة للخالق. أنت تطيع في الكنيسة مدبريك لأنهم يسهرون على خلاصك. إنه، مبدئيا، جيء بهم إلى حيث هم لأنهم قبل اتخاذهم المسؤولية تعلّموا أن يسهروا على خلاصك.
مرة كنت أعظ أحد الناس فقال لي: أنت تتكلم هكذا لأنك أسقف (أراد بذلك أني أردد كلمات تفرضها عليّ وظيفتي). قلت له لا، أنا لا أتكلم هكذا لكوني أسقفا بل أتوا بي أسقفا لأني كنت أتكلم هكذا.
وعندما يتحدثون في الرهبانية عن الطاعة للأب الروحي، عن المرشد الذي يرشد الرهبان فليس السبب إنه كاهن مستمع إلى الاعترافات. مَن سميناه أبًا روحيا هو الذي بلغ قامةً عليا في معرفة المسيح وتاليا في معرفة القلب البشري من جهة ومعرفة الكلمة الإلهية من جهة. لكونه لا يتسلط وليس عنده غرض يرشدك إلى ما ينفعك. الطاعة أساسها الثقة في هذا المجال وإيمانك بأن أباك الروحي مطرح الله.
كل هذا يبدأ بطاعة الابن للآب إذ “أخْلى ذاته متخذًا صورة َ عبدٍ لمّا صار في شبه الناس، وظهر في مظهر إنسان، واضعَ ذاته، وصار مطيعا حتى الموت” (فيليبي 2: 6-8). هذه الطاعة كانت طريق السيد إلى القيامة.
نزولا من عند الرب، إذا نظرنا إلى علاقتنا الأخوية، نرى أن الله يطلب إلينا أن نكون “خاضعين بعضنا لبعض بمخافة المسيح” (افسس 5: 21). في هذه الدعوة نرى أن الشيخ يمكن أن يخضع للفتى والفتى للشيخ والمرأة للرجل والرجل للمرأة. ليس من طبقة خاضعة وطبقة أخرى مخضوع لها. تخضع لمن يقول الحقيقة الآن أيًا كان رأيك فيه. تخضع لمن كان عنده روح الرب دائما. فإذا لمست عند أحد روح الرب تطوّع إرادتك له.
قبل كل شيء لا ترَّد طلبا عادلا ولا تغلق قلبك عن طالب. واستمع بعدل لكل من حاججك. انفتح للناس حسب قول يسوع:”من سخَّرك ميلاً فأمشِ معه ميلين” (متى5: 41). بهذا يتمجد الآب.
Continue reading