Monthly Archives

October 2014

2014, جريدة النهار, مقالات

صلاة الفجر / السبت في ٢٤ تشرين الأول ٢٠١٤

يا رب نجّ نفسي من البَغْي لأتمكن من صلاة الفجر «الصلاة خير من النوم». في الصباح الباكر استلمها نازلة من عندك كأنك أنت الداعي والمدعو. في كنيستي يقال خير الصلاة اذا صمت الكلام ودعا القلب. أنا ما بلغت هذه الحال. الصلاة الحق حكايتك فيّ حتى أدرك السماء حيث يبطل النطق. المهم كلامك على اللسان حتى تزول الازدواجية بين كلام اللسان وما تريده منا. يا ليتنا نلغي كلامنا لنقول ما تريده أنت منا.

تكلم ليسمع الناس. هؤلاء يريدون كلامك آتيا ليس من الكتب ولكن من الأنقياء. متى يصير المصلي كلمة؟ هل ننقل بألفاظنا معاني الله؟ أعطنا ان نجوع إلى كلمات من فمك حتى لا نصطنع كلمات لا شبع فيها. تكلم اننا مصغون.

كثر كلام الناس في سنين عبرت وأحسسنا اننا لا نزال جياعًا. كلمتك وحدها الطعام. «خذوا كلوا». سنأكل الطعام سيدي اذ قررنا الا نموت. هل يعلم أتباعك ان المؤمنين كانوا في القديم يأتون كبيرا منهم ويقولون له: «أعطنا كلمة نحيا بها»؟ وكان جوابه أبدًا: «اني لم أتكلم من عندي… ما أتكلم به أنا أتكلم به كما قاله لي الآب» (يوحنا ١٢: ٤٩ و٥٠). لعل خطيئتنا اننا لسنا جائعين أبدا إليك. هاتِ، ربّ، كلمتك لنحيا. البشر لا يحيون من كلمات البشر. أنت قلت: «أنا النور والحياة». الا يعني ذلك انك كل الحياة عمقا ومدى؟ نحن لا نفتش عن شيء أنت خلقته. نحن نفتش عنك. تعال اذًا واسكن فينا وطهرنا حتى نذهب منك إليك، حتى لا نتيه بمدى نتوهمه. إذا سكنتنا تعلمنا فنصغي.

الناس يفتشون عنك فينا. البشر الخالون منك لا يهمون أحدا. تعال وانطق فنسكت وكلمتك شافية. نحن لسنا شموسا. نحن لك مرايا. قد يسأل بعض من ناس عنا. ان كنت فينا هذا يغنيهم. يرتوون. نحن لسنا طعاما لأحد. أنت خبز الحياة. حسبنا ان نوزعه ونختفي. تعال سريعا.

تعالَ لأننا إليك نرتاح اذ لا سعي منك إلى سواك. ان استقرارنا فيك يحيينا. أما قلت أنت: «أنا الطريق والحق والحياة»؟ الناس فيهم مظاهر حياة. أنت الحياة كلها. إذا كنا فيك تشبعنا منك.

لا نبقى اذًا جياعًا. وإذا ارتاحت نفوسنا إليك لا نقلق اذ لا يزيد أحد عليك شيئا. أنت «خبز الحياة» تغذيها ونبقى معك. لازِمنا يا سيد، لازمنا فلا نجوع ولا نعطش.

سيدي، علمني ان أصلي بكلمات جديدة، صاعدة من قلب تكون انت قد سكنته. أخشى قلبي. تعالَ اليّ لتتكلم فيّ نفسك، لأعرف اني منك. لا تفصلني عنك. انا لا أرضى ان أكون قد أتيتُ من أبي وامي فقط. اذا لم أعرف اني منك أتيه في متاهات نفسي. اجعلني منك لأشعر اني صرت شيئا.

كن انت سلامي اذا دنت ساعة موتي لألقى وجهك عند موتي. يكفيني وجهك. وجهك الفجر يا رب.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

حضن‭ ‬الله / السبت 18 تشرين الأول 2014

هل يلوم أي منا نفسه على خطيئة اقترفها أم أحيانا يستلذها ويستطيب العيش بها؟ أليس لهذا أو ذاك انبساطه على الخطيئة يستتر فيها ويتدفأ بها هربا من فضيلة تكلفه تعبا شديدا؟ لماذا هذا الشعور السائد بأن العيش الصالح متعب؟ أما قال السيد: «احملوا نيري عليكم»؟ هل الفضيلة تبقى تكليفًا من فوق أم تتقبلها قلوبنا بفرح؟

في التعليم عندنا ان الخطيئة ما اكتسبناه ضرورة اذ ليس من صالح. الانسان يتقدس أي يولد حاملا بذار الخطيئة، ميالا إلى ما يدنسه. نجاسة الانسان فيه. ليس عليه ان يدور العالم ليجدها. هذا سؤال لا حل له كيف جاءتنا الخطيئة. ليس عليك ان تنقب عن أصل الشر فيك. هو هنا وأنت منه. ان كنت انسانا إلهيا تلحظ الشر فيك. لا تستطيع ان كنت واعيا ان تهرب من رؤيته. هو ضاغط باستمرار وان كنت لا تراه تكون عدمت الاحساس البشري. ما يطلب الله منك ان تخرج منه. الإيمان عندنا يقول أنت تقضي عليه فقط بقوة الله. ليس عندنا نحن حديث عن خلاص غير المؤمنين. نحن نتكلم فقط عن الخلاص بالله. الكلام السائد في أوساط المؤمنين ان الخلاص في مؤازرة الله للمؤمن. هذا صحيح اذا فهمنا هنا الكلام انه يعني استجابة لعطاء الله الكامل. المؤمن لا يخلص نفسه. دوره فقط ان يتقبّل خلاص الرب.

غير انه يجب ان نفهم ان الخلاص ان كان هدية من الله فعليك ان تتقبله. أنت لا تحدثه فيك، ترثه من فوق. هو لا ينشأ فيك منك. الخلاص فيك بدءه إيمانك انه هدية من ربك وآخره شكر ربك.

بعد ان ترث الخلاص يصير لك. تصير انت منه. تصبح عشير المسيح واذا ادركت العشرة حقا يزول منك الخوف. كل القصة ان تدرك انك صرت للمسيح وصار هو لك واذ ذاك لا تكون لأعدائه.

في وقت من اوقات الرضاء تشعر ان المسيح هو الحبيب ولا تطلب نفسك شيئا آخر. ترتضيه بعد علمك انه ارتضاك. تحس انه يكفيك وانك قائم عنده.

سعيك الوحيد ان يرضى الرب عنك. هذا لا تعرفه هنا. هذا من سره ولكنه في اليوم الأخير يقول لك: «تعال يا مبارك أبي رثِ الملك المعد لك منذ انشاء العالم». عند ذاك تفرح وتبكي ويجذبك حضن الله.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

التزام الحقيقة / السبت في ١١ تشرين الأول ٢٠١٤

لست اظن ان الأرثوذكسيين يقولون ان المجمع المقدس يقود الكنيسة باعتباره رئاسة تنفيذية مقابل من قال ان للكنيسة شخصًا واحدًا يقودها… هم غير مهيئين للقول، اذا أردنا التدقيق، ان عندهم للقيادة الروحية هيئة إدارية. يرفضون أساسا التشبه بالتنظيم المدني ولكن استقلالا عن مقولاته عندهم حس بالجماعية، بالتوافق وهذا ما يسمونه مجمعا مقدسا، الأمر الذي لا صورة له في النظام المدني.

هو ليس برلمان أساقفة. هو سعي إلى وحدتهم ولا قيمة فيه للعدد الا رمزا لاتجاه في المعتقد أو الرعاية. المبتغى مشيئة الله وتبينها من خلال عقيدة إلهية مسكوبة أحيانا قوانين هي فوق الإدارة المألوفة أو تبنيها من خلال تراث تاريخي مرتبط بالعقيدة. السعي إلى معرفة مشيئة الله في موضوع مثار وليس هو القول بنظام ديمقراطي اذ ليس من كلمة الا كلمة الله.

فاذا تكلم المسيحيون المشارقة عن المجمعية هم لا يقيمون نظاما ديموقراطيا مقابل نظام الفرد فيما لو اعتبر موجودا في المسيحية. الكثلكة نفسها لا تقول بالنظام البابوي على انه نظام الفرد. هي في المبدأ كالأرثوذكسية تقوم على الجماعة. ولكن كون الرئاسة جماعية لا يعني ان الكنيسة ذات نظام ديموقراطي. ليست الرئاسة المسماة جماعية، الا تعبيرا رمزيا للدلالة على القصد الواحد وهي تاليا سعي. الجماعة عندنا ليست بديلا عن الفرد. هي مجرد سعي إلى ان تكون صورة عن كلية الإيمان الموروثة عبر الأجيال وهو الإيمان المسلم إليها من الرسل.

لا معنى تاليا لمفهوم العدد في مجمع الأساقفة اذا اجتمعوا. المبتغى هو التراث أي الأصالة والخضوع لما سلم «مرة واحدة للقديسين». الإجماع أو شبه الإجماع في المجمع المقدس صورة مبدئية عن التزام الحقيقة. فاعتماد قرار قائم على أكثرية الأصوات مجرد اتفاق عملي غرضه بحث قضية ولا يعني إطلاقا تقييد ضمير أي أسقف. أجل هناك حياة إدارية عامة تظهر بالتوافق أو شبه التوافق. غير صحيح القول ان مجمع الأساقفة لا يخطئ اذا اجتمعوا فالكنيسة كفرت على الأقل مجمعا واحدا في القرن الرابع جمع مئات من الأساقفة. الحقيقة أو الحكمة لا علاقة لها بعدد المقترعين أو الناخبين. هي فوق المجامع والكنيسة تسعى إليها سعيا ولا يستطيع أحد ان يدعي ان مجمعًا اكليريكيًا في أية دورة له عصمة الله. هذا يقتضي قبولا كنسيا جامعًا يعرف بعد سنين في حياة الكنيسة وبعد صراعات ويتجلى للأطهار. لا أعرف كنيسة واحدة في العالم المسيحي تدعي لرئاستها المسؤولة عصمة تلقائية بمجرد صدور قرار تعليمي أو رعائي. القول الشائع ان المسيحيين الأرثوذكسيين يعتقدون بعصمة المجامع المسكونية لا يعني إطلاقا ان المؤمن مدعو ان يقبل بقرار مجمعي لمجرد صدوره. هذا يعني قبولا تدريجيا للمؤمنين كافة أي تكرار القبول من مجمع إلى مجمع وتبين قناعة في الأمة المقدسة.

الحقيقة سعي لأن التفسير سعي. ليس عندنا أصول محاكمات تجعلك تؤمن آليا بأي قرار صدر عن مجمع. هناك ما نسميه إجماع الآباء. كيف يكون هذا وليس من إحصاء ولا تبين وقائع؟ إجماع الآباء يعرف في التاريخ أي بعد ظهوره وتدريجيا وبعد مناقشات تطول. ليس في الكنيسة ما يشبه القانون المدني في ظاهره. هناك تفسير وتأويل وأخذ الأشياء إلى حقيقة التاريخ وإلى أقوال الأقدمين. تؤخذ الحقيقة بالسعي لا بقرار سلطوي بدليل ان قرار كل سلطة خاضع لتفسير السلطات اللاحقة. الحقيقة قبل اليوم الأخير سعي في القداسة ومحبة الإخوة واذا استفحل الجدل فلا قداسة.

أول مجمع مسكوني أي النيقاوي المنعقد السنة الـ٣٢٥ والذي أوضح ألوهية المسيح وأصدر دستور الإيمان استغرق أجيالا لقبوله. ليس المجمع أية كانت قدسيته قبولا فوريا وتلقائيا من المؤمنين. المجمع عندنا ليس سلطة. هو صورة قبول من المؤمنين اذا قبلوه. ليس من سلطة كنسية لها ان تقول لك نحن اجتمعنا فعليكم أيها المؤمنون ان تقبلوا اذ للمؤمنين الأطهار والمؤمنين أحيانا ان يردوا: “اجتماعكم يعنيكم ولا يعنينا”. القول للكنيسة مجتمعة بالروح القدس وليس لسلطة بشرية بحد نفسها. الله لا يساوي نفسه بأية سلطة اذا اجتمعت اذا قالت الحقيقة واعترفت بها الكنيسة في جامعيتها تصير سلطة. ليس عندنا من قوة أو فاعلية لسلطان بسبب من مركزه. القوة والفاعلية هما لما قيل وليس لمن قال. الرئيس الوحيد للمسيحي هو الحقيقة.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

التوق / السبت في ٤ تشرين الأول ٢٠١٤

أنا أعرف نفسي في التوق. أرجو ان يكون هذا إلى الله. كل اشتياق إلى غيره ليس مؤسسا.

هذا أرى على دفتري اني كتبته منذ أيام. كل نفس تائقة إلى ما فوقها أو ما إليها. هي مشدودة لتكون لأنها خلقت مشاركة. ليس مخلوق مغلق. لا أحد يكتب لنفسه، ليقرأ نفسه. صح ان تحرك نفسك علمت أو لم تعلم توق ظاهر إلى ناس ولكن بعد الناس تنتهي إلى الله لتسكن. أنت تسعى إلى ما يجعلك في سكون أبدي «كل شيء يجري» كما قال هيراقليط والا لما ساد الفكر.

الإنسان لا يمشي الا بحركة إلى ما هو إليه. اذ ينعتق من عتاقته. كل سعي إلى مخلوق منغلق فيه صدمة. بالعمق اذًا أنت ساع إلى غير المحدود وغير المغلق. بوضوح أكبر أقول أنت ساع إلى الله علمت أم لم تعلم لأن كل سعي محدود لا يرويك. أنت، انسانا تائقا إلى ملء الوجود، لا يوقفك شيء.

ولكن تبقى الأشياء أحيانا محجوبة عنك. بينك وبينها ستر خطاياك، مزقه ان أردت السعي. الخطيئة وحدها تحجب عينيك. في الحياة الروحية عيناك كل شيء. اذ ليس فيها أفق محدود. كل شيء مفتوح حتى النهاية. ونحن في الله نرى كل شيء. ذلك انه هو وحده الرؤية. الوجود أحيانًا قراءة وأحيانا حجاب. طوبى لذلك الذي يقدر ان يشاهد ربه مباشرة اي من خلال القلب. انه فيه كامل. وما كانت الكتب المقدسة بديلا عن القلب. تساعده على الإحساس مساعدة.

غير ان التوق لا يكفي ليكشف لك الرب. الرب يستعين بالتوق اي انه هو يعلن عن نفسه فيك بهذه الطاقة التي جعلها فيك وسميناها التوق. الرب فوق كل شوق ويساعدك على معرفته بالاشتياق. انت لا تخلق الله بامتدادك اليه. هو بنعمته يجعلك تشتاقه. صعوبة علاقتنا به اننا نحس احيانا اننا نحن نقوم بالعلاقة وهذا خطأ لاهوتي. هو يعمل فينا القداسة. انت لا تخطو خطوة اليه الا اذا رسمها. هو مبدئ كل علاقة به وخطيئتك لا تنهي العلاقة لأنه يحبك وانت في خطيئتك. واذا انت متّ فالمسيح رفيقك في التابوت لأنه حياة الموتى.

المسيح مبدئ حياتنا معه. انت لا تبدأ. انت تتقبل. كل دورك ان تقول له: «تعال ايها الرب يسوع». المسيح مع كونه شريكا لك في الحب هو يبدأه.

اذا انضممت الى المسيح لا ينتهي التوق لأن المسيح لا ينتهي ولا يأتي يوم تعرفه كاملا فيك فإن شبعت منه ينتهي فيك. الينبوع يجري دائما.

ان أحسست انك دائما مشدود اليه تكون قد وصلت اليه. لا ينتظر شيء آخر بعد هذا. ولكن لا تصل الى الله بصورة نهائية لأنه دائما أبعد من الطريق. جاذبيته انه لا يوقف جاذبيته فيك. هو دائما أمامك وهو ما رأيته أمس، وما ستراه غدا ولكنه دائما جديد. انه لا يعتق. انه يريد ان يظهر لك جديدا حتى لا تعتق انت. ان وصلت اليه غدا لا تراه أجمل مما كان. انت تكون أصبحت أجمل. انت تدرك الرب في فاعليته اي في انعكاسه فيك. هو رب السماء والأرض بمعنى انه ينزل دائما الى الأرض والأرض قلبك.

أنت لا تحس انه في السماء الا اذا شعرت انه في قلبك. ما لك سوى قلبك اي الله نفسه في قلبك. انت لا تسمو اليه الا اذا شعرت به ساكنا في روحك. عند ذاك يصح فيك قول من قال: «أنا من أهوى ومن أهوى أنا». هذا هو سر الحب الإلهي. أنت ان اختطفك حبه تصير ذاتك فتسكن.

Continue reading