أحد مرفع اللحم/ الأحد 26 شباط 2006 / العدد 9
العبارة تعني أننا، في اليوم الذي يلي هذا الأحد، نمسك عن أكل اللحم في أسبوع استعداد للصيام المبارك، والقراءة فيه هي إنجيل الدينونة كما ورد عند متى، والمقول فيه أن المسيح يدين كل الأمم على قياس واحد وهو قياس المحبة، والناس خراف وجداء أي ناس عاشوا المحبّة وناس لم يعيشوها. في الحقيقة لا تقتصر الدينونة على هذا اذ يسألنا الرب عن الوزنات التي استثمرناها أو أهملناها.
ماذا يقول يسوع لمن أجلسهم عن يمينه أي الذين كانوا يحبونه وبسبب من هذا أعدّ لهم الملك؟ يقول: إني جعت فأطعمتموني وعطشت فسقيتموني الى آخر الأقوال المشابهة. يقول: هؤلاء المعوزون الى طعام وشراب وإيواء وافتقاد، اذا أعطيتموهم ما كانوا في حاجة إليه، فإنكم فعليا قدمتم هذا لي. السيد يتماهى معهم أي يوحّد نفسه بهم. فأنت فعليّا تقدّم لهم ليس فقط شيئا من هذا العالم ولكن تقدّم لهم نفسك. واذا أنت أعطيتهم أو سألت عن أحوالهم تكون قد قدمت هذا للمخلّص نفسه.
أجل اذا تصاعدت نفسك الى المسيح بالصلاة والتوبة وانشددت اليه بكلمته تكون قد صرت ذبيحة له. ولكن كي تمتحن صدق صلاتك، وعمقها وتوبة نفسك لا بد من أن تذهب منها جميعا الى الانسان. لا يعني هذا أن السيّد المبارك لا يسألك عن صلاتك ولكن هذا يعني أنك لم ترتفع بها حقيقة الا اذا ذهبت الى القريب وأعنته، فبلا صلاة وتوبة لا تخرج أنت الى الفقير والمريض وهما الفئتان المحتاجتان بنوع خاص في الانسانية. واذا ذهبت الى هؤلاء يكونون هم سبب تقديسك ويرفعونك ذبيحة الى المخلّص وتندمج هكذا بآلامه وعند ذاك لك القيامة.
ثم اذا التفت الديّان العادل الى الذين هم عن يساره يقول لهم: “اذهبوا عنّي يا ملاعين الى النار الأبدية المعدّة لإبليس وملائكته”. وكأنّه يقول لهم: إنكم في الجحيم لأنكم لم تحبوا لأني جعت فلم تطعموني وكنت عريانا فلم تكسوني الى آخر أعمال الرحمة التي لم يقوموا بها للمعوزين والمنفيين من الوجود والمتعطّشين الى الحب. ويسألون كالخراف: متى رأيناك جائعا أو عطشانا أو غريبا… اذ ذاك يجيبهم: “الحق أقول لكم بما أنكم لم تفعلوا هذا بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي لم تفعلوه”.
أمام الخراف والجداء يسمّي المحتاجين الى خبز وافتقاد وعطف وحنان إخوته الصغار وهذه عنده تسمية دلال. ثم ينتهي الفصل بقول الانجيلي: “فيذهب هؤلاء (أي الذين لم يكن عندهم رحمة) الى العذاب الأبدي والصديقون الى الحياة الأبدية”. هذا قول قاطع فالذي لم يصنعها الرحمة مع البشر لا ينتظرها من الرب. لم يكن له مع الرب علاقة هنا فلن تكون له في اليوم الأخير.
السيد لا يعطي الرحمة اعتباطا ولا يمسكها اعتباطا. هذا الانجيل يبيّن أنّ الرب يسوع يحب الذين يريدون حبّه. ليس هو لطيفا بميوعة، إنه أيضا ديّان. الايقونات منها أيقونة الضابط الكل أي المسيح في وسط قبّة الكنيسة كما في دير “دفني” في ضواحي أثينا. هي تظهر ملامح وجهه قاسيا لأنه لا يحتمل الخطايا. نحن لا حق لنا أن نتكل على رحمته دون أن نصنع رحمة، أو على غفران إن لم نتشدّد بالتوبة. فلا مغفرة بلا استغفار.
لماذا وضعت الكنيسة هذا الإنجيل قبل الصوم؟ ذلك أن بعضا من الصائمين يظنّون أنّهم “يشترون” المسيح. الصيام ليس استعطافا لله الا اذا دعوته ليملأ قلبك. وتريد الكنيسة منّا الصوم كجهاد نتروّض فيه على محبّة القريب، فإذا أمسكنا فلنعطي ما لنا للجائع ونعود المريض ونؤوي الغريب وما الى ذلك. ليس الصوم رياضة جسديّة. ماهذه الا وسيلة لترويض القلب على المحبّة. واذا عشناها صادقين يضمّنا السيّد الى صدره كما ضمّ التلميذ الحبيب في العشاء السري.
وما يقربنا بعضنا الى بعض في زمن الصيام هو الاحسان فإننا في قصد الصدقة اساسا نمتنع عن طعام فنعطي الفقراء ثمنه، هكذا بدأ الصيام في الكنيسة الأولى. وهذا يبقى واجبا حتى اليوم لنستحق الجلوس على مائدة الرب في السماويّات.
Continue reading