Monthly Archives

January 2006

2006, مقالات, نشرة رعيتي

فضائل الكاهن والأسقف/ الاحد 29 كانون الثاني 2006 / العدد 5

في رسالة اليوم (1تيموثاوس 4: 9-15) يتوجه بولس إلى تلميذه تيموثاوس وقد أقامه أسقفا أو رقيبا في آسية الصغرى. فبعد أن قال له إن الله مخلص الناس أجمعين، يطلب إليه أن يعلّم المؤمنين هذا. الوظيفة الأولى للكاهن أو الأسقف هو أن يعلّم. لا بد له إذًا أن يعرف العقيدة أي فحوى الكتاب المقدس وتفسيره وما قاله آباؤنا في الإنجيل مفسرين إياه، وقد استندوا في تفسيره إلى أقوال المجامع.

المطلوب إذًا أن يغوص الكاهن على تراثنا أقلّه في الأساسيات ولو لم يقدر أن يعرف كل شيء. وينضمّ، إلى هذه الأساسيات، تاريخ الكنيسة والخِدَم الإلهية ومعرفة أشهَر القديسين. فالذي لا يعرف شيئا أو يعرف القليل أنّى له أن يعلّم. لذلك لن أستجيب لطلب من يريدني أن أُدخل في الكهنوت إنسانا قليل المعرفة لمجرّد انه تقي. كلنا مدعوّ إلى التقوى.

غير أن العلم لا يكفي، فيؤكد الرسول أن الإكليريكي وجب أن يكون مثالا في الكلام أي في الكلام العفيف الذي لا غضب فيه ولا تشنج ولا تحامل ولا تحزب ولا نميمة. ثم يتابع: في التصرف، وهنا تأتي لائحة من الفضائل لا تنتهي، منها التعفف عن حب المال الذي يتعرض له الكاهن في قيامه بالأسرار الإلهية، وهنا يميز المؤمن بين اكليريكي يشتهي المال بصورة مَرَضيّة، واكليريكي يكتفي بما يُعطى ولا يعترض على أي مبلغ وإذا لم يعطَ شيئا لا يتأفف ولا يطلب. وإذا أحس الكاهن بالعوز، يشكو أمره للمطران فقط لئلا يكون لأحد عليه منّة.

بعد هذا، يُبرز القديس بولس الرسول ثلاث مزايا تبدو عنده الأهم: المحبة، الإيمان والعفاف. المحبة هي الذروة لأن «الله محبة» كما يقول يوحنا الإنجيلي في رسالته الأولى الجامعة. يحب أبناء رعيته جميعا. يحب الذين يحبونه والذين عندهم تحفظ عليه أو شكوى منه. هؤلاء يذهب إليهم ويكاشفهم ليفهم ما لهم عليه، فيقبل ملاحظاتهم ان كانت محقة ويصبر عليهم إذا ظلّوا على عداء أو جفاء ويقوي خدمته لهم ليربحهم للمسيح.

وأخيرا يذكر العفاف. هذه فضيلة تعني العفة في المال كما تعني السلوك الطاهر مع نساء الرعية بما فيه اجتناب المزاح مع الرجال والنساء وبعامة يجتنب الخفة.

بعد ذلك يطلب الرسول إلى تلميذه أن يواظب على القراءة. في زمان بولس هي قراءة العهد القديم، لأن العهد الجديد لم يكن قد كُتب بعد. وأما اليوم فوصية القراءة، تعني قراءة كل الكتاب المقدس والكتب الروحية المختلفة بما فيها طبعا ما تَيسَّر للكاهن والأسقف من كتب لاهوتية قديمة وحديثة في اللغات التي يعرفها. وله أيضا أن يقرأ ما تيسر له من الكتب الثقافية المختلفة، وعندي أنه ينبغي أن يقرأ الصحف ليقف على أحوال البلد والعالم ليعرف أوجاع الناس وما يهمّهم من هذه الدنيا.

ثم يحضّ بولس تلميذه على الوعظ والتعليم. أما الوعظ، فتفرضه القوانين المقدسة في كل خدمة ولا سيما في القداس الإلهي. أما في الوضع الذي لا يكون الكاهن فيه متقنا أساليب الخطابة، ولم يطّلع على تعاليمنا بما فيه الكفاية، ويسمع المؤمنين يتذمّرون من وعظه، إذا اقتنع بحججهم فالأفضل الا يعظ أو يقول فقط كلمات توجيهية بسيطة على الا يطيل لأن القداس عندنا لا مكان فيه لعظة طويلة.

وما يسميه بولس التعليم فهو شيء آخر عن الوعظ. هو التعليم النظامي للأطفال والبالغين ولا ينبغي أن نهمل البالغين. وهذا يكون في السهرات الإنجيلية أو في صف التعليم المسيحي، في المدارس أو في محاضرات. هذا ليس كل اكليريكي مؤهّلا له.

وأخيرا يطلب بولس الا يهمل تيموثاوس الموهبة التي تلقاها في الرسامة بل، أن ينمّي طاقاته جميعا لأننا نتعلم كل يوم ونسعى إلى اكتساب الفضائل كل يوم ليظهر تقدمنا للمؤمنين فيمجدوا الله فينا.

Continue reading
2006, جريدة النهار, مقالات

زكا الجابي / السبت 28 كانون الثاني 2006

في علاقة يسوع الناصري بالناس شيء لافت أن السيد كان يأكل مع العشارين والخطأة (متى 11: 9) والعشارون هم جباة الضرائب، ولامه على ذلك الفريسيون المنتسبون الى حركة دينية متزمتة لأنه خالف بذا أحكاما صارمة للربانيين. غير أنه قال: “ليس الأصحاء بمحتاجين الى طبيب، بل المرضى”. الواضح أنه كان يكلّمهم على الله. في خط التهمة ذاتها قال عنه هؤلاء: “هوذا رجل أكول شريب للخمر صديق للعشارين والخطأة” (متى 11: 19). الداعية اليهودي يرفض أن يكلم الساقطين لئلا يعتبر ذلك معاشرة. بخلاف ذلك كان المسيح الذي لم يتحرج أن يقبل دعوة الى مائدة أقامها له لاوي العشار الذي هو متى الإنجيلي وكان اليه جماعة كثيرة من العشارين وغيرهم.

شيء شبيه بهذا صار بين المعلم وعشار اسمه زكا. هذا كان رئيسا للجباة في أريحا أو منطقة أريحا وكان غنيًا. كان المخلص أحيانًا يقبل دعوة الأغنياء لأنه على انتمائه الى الفقراء وشدة كلامه على الأغنياء كان يسعى الى خلاص الجميع. هذا الرجل “قد جاء يحاول أن يرى من هو يسوع، فلم يستطع لكثرة الزحام، لأنه كان قصير القامة. فتقدم مسرعًا وصعد جميزة ليراه، لأنه أوشك أن يمرّ بها”.

هل يطلب كل منا أن يرى في قلبه من هو يسوع. قد تكون هناك عوائق كثيرة دون هذه الرؤية. كل منا قصير القامة الروحية. يظن الكثيرون أنهم مع المسيح وهم مع شهواتهم. لا يرون أن هذه عقبات دون التواصل به. كثيرون يقبلون كلمة يسوع مع ما هو ضدها. فهم لا يسلمون له النفس.يريدون رغباتها المؤذية والرب معًا. الجديون في الجهاد الروحي قلة. الإلتصاق بالله يكلف كثيرًا.

عودًا الى النص: “فلما وصل يسوع الى ذلك المكان، رفع طرفه وقال له: “يا زكا انزل على عجل، فيجب عليّ أن أقيم اليوم في بيتك”. زكا تعني المزكى. قد تكون التسمية من لوقا راوي هذه الحادثة ليدل على المعنى الروحي الذي يحمله هذا اللقاء. فالمهم نهاية اللقاء. غير أن المعلم ابتغى أن ينقذ الرجل من الخطيئة. “انزل على عجل” مع أن الجميزة ليست عالية ولا يتطلب تركها وقتًا طويلاً. الا أن المعلّم يريد لقاء عظيما يتطلب كل جهد الإنسان. ترجمة أخرى مألوفة تقول: “ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك”. المعنى واحد في الترجمتين. لماذا ألحّت نفس يسوع عليه ليقول: يجب أو ينبغي أن أقيم عندك؟ المعنى واضح بالتأكيد وهو أني لن أرتاح حتى آتيك بالخلاص. أنا لا أتحمل أن أتركك على خطيئتك. هذه توجعني. لن أدعك ترتاح اليها.

“أن أقيم في بيتك”. سأمكث معك ساعات يحلو لي فيها الحديث عن ملكوت الله. وسأتعشى معك. فسوف يضع أحد تلاميذي على لساني هذا الكلام: “هاءنذا واقف على الباب أقرعه، فإن سمع أحد صوتي وفتح الباب، دخلت اليه وتعشيت معه وتعشى معي” (رؤيا 3: 20).

#   #

#

وبعد أن أمره أن ينزل على عجل “نزل على عجل وأضافه مسرورًا. فعل كما أمره السيد. لم يبطىء. سرعة الهداية جزء من الهداية. هذه لا تردد فيها ولا مفاوضة في النفس بين طهارة تدعى اليها ونجاسة هي غارقة فيها. ذلك أن الطهارة على الصعيد النفسي جذابة كالخطيئة واذا أنسكبت حقيقة في النفس تعطيها فرحا أعظم من اللذات التي كانت مستحكمة اذ يقول باسكال العظيم: “لا يترك الانسان لذة الا ابتغاء لذة أعظم”. غير أن الغارقين في الخطايا لا يعرفون ذلك ولا يعرفون كيف يتحرك البار ويحسبونه غبيًا. البار وحده يفهم منطق الشرير، والشرير لا يدرك منطق البار. ولا يفهم اذ ليس عند الخاطئ ذكاء الله.

هذا الرجل اضاف يسوع مسرورًا مع أنه يعلم أن المواجهة لن تكون سهلة لكونه يعرف وضعه ويعرف موقف يسوع من الخطيئة. المعلم لطيف بالخطأة وكاره لأعمالهم لا يتشنج أمام الخاطئين لأن التشنج استعلاء ويبعد المرتكب عن التوبة. والبار لا يدين ويخشى الزلة اذ ليس من انسان محصن الا بالدعاء والنعمة التي يستجاب بها الدعاء. النعمة النازلة علينا من فوق هي العصمة ونحن دوما فقراء اليها ولا نعتبر أنفسنا شيئا”.

كما هو منتظر، تذمر الفريسيون لكون يسوع “دخل منزل رجل خاطىء ليبيت عنده”. هم لم يكونوا فقط ضد الخطيئة ولكن ضد الخاطئين، تحت كل سماء وفي هذه الحقبة أو تلك من الزمان كان يقع القمع على هؤلاء. ويخترع بعض المدعوين أبرارًا خطايا ينسبونها الى خصومهم. يتهمون بعضًا بالبدع وليس من بدع ويتهمون كثيرًا من الناس ولا سيما النساء بالزنا وليس من زنا. هناك دائمًا من له غيرة مزعومة على الدين واذا كان الدين قويًا فمن يهدده؟ هل هو زجاج يسقط عند رمية أول حجر؟ هل هو مجهول الى حد أن الناس اذا قرأوا كتابا ضد الإيمان أو يبدو كذلك ينهار ايمانهم؟ هل الدين قسري أو يقوم على الإكراه؟ كل هذه المؤسسات الرقيبة واقعة هي في الخوف وتريد أن يتفشى الخوف. هل العقيدة بلا قناعة هي رسوخ النفس فيها؟ الفريسيون ليسوا فقط حزبًا قديمًا في بلاد اليهود. الفريسية نمط ينمو في النفوس القامعة التي تتخذ الدين قوة لها تفرضه على العوام الضعفاء حتى تسيطر هي لا إلهها.

#   #

#

بعد ان دخل السيد هذا البيت قال له زكا: “يا رب، ها إني أعطي الفقراء نصف أموالي، واذا كنت قد ظلمت أحدًا شيئًا. أرده له اربعة أضعاف”. في الشق الأول من الاعتراف: “اعطي الفقراء نصف أموالي” فهم الرجل أن التوبة تعبّر عن نفسها بالعطاء لأنك تتوب ليس فقط لتقيم وحدك في البر ولكنك تتوب لأجل المشاركة. فلعلّهم يعودون الى ربهم اذا كنت عدت اليهم بالحنان. هناك قضية بين الميسور والفقير لا تنتهي فقط بالعطاء. تنتهي عند الميسور بالتواضع أمام المحتاج وبالحنو. العطاء لا يجعلك دائمًا محبوبًا لأنه يحتمل خطر المنة.

والشق الثاني من الاعتراف: “اذا كنت قد ظلمت أحدًا شيئًا…”. هذا لم يكن من باب الإفتراض اذ الواقع المعروف أن العشارين كثيرًا ما كانوا يتقاضون من المكلف أكثر مما فرض عليه فالسلطة كانت تحميهم ولا يحمي أحد الفقراء وكثيرًا ما كانوا يتعاطون الربا. كان عندهم اقتناع بعض أنّ من سرق الدولة ليس بسارق وتبرير ذلك أن الدولة لا تنفق ما هو مطلوب منها بالموازنة ولكن أنّى لها أن تنفق إن سرقها الكثيرون. ولعل هناك اقتناع عند بعض أن من سرق الغني لا يسرق.

أنا لا أخشى السارقين اذا سرقوا ولكني أخشى تزكيتهم لما يرتكبون. هذه هي الخطيئة الكبرى أن تقتنع بالخطيئة.

بعد هذه السماحة الكبرى عند العشار، بعد تحسسه العظيم بما فعل من شر “قال يسوع فيه اليوم حصل الخلاص لهذا البيت”. فالله لا يرجىء الغفران. فاذا تحرك قلبك الى الله ينزل الله اليه توًا ويتم خلاصك ولا يقيم ربك عليك خطيئة وتحلو في عينيه كما يحلو البار ولا يعلّي الرب البار عليك.

ثم يقول السيد “فهو أيضا ابن ابرهيم”. ليس معناها أنه تحدر من ابرهيم هذا ليس له قيمة. انه ابن ذاك الذي قيل عنه: “آمن ابرهيم بالله فحسب له ايمانه برّا” (رومية 4: 3 وسواها). ثم يتابع المسيح: “لأن ابن الإنسان جاء ليبحث عن الهالك فيخلّصه وفي ترجمة أخرى: “عمن هلك”. لا أحد مكتوب اسمه في سجل هلاك لأن التوبة تمحو كل تسجيل للخطيئة وينتقل اسم هذا الإنسان الى سجل الحياة توًا?

يقّرأ هذا الفصل في الكنيسة الارثوذكسية غدا واذا سمعناه نعرف أن الفصح قد اقترب واننا سنمنح في الصيام وقتًا طويلاً لنعرف محبوبيتنا عند الله ونرد له محبته اليه بارتمائنا على دفء أحضانه.

Continue reading
2006, مقالات, نشرة رعيتي

رسالة اليوم (1تيموثاوس 1: 15-17)/ الأحد 22 كانون الثاني 2006 / العدد 4

انها الرسالة الأولى إلى تيموثاوس، وأُرسلت اليه رسالة ثانية. مع الرسالة إلى تيطس هما تُشكّلان الرسائل المعروفة بالرعائية وهي موجَّهة إلى أفرادٍ لا إلى كنائس.

يبدو تيموثاوس أُسقفًا أو مشرفًا على أساقفة في آسيا الصغرى، ثابت المكان، يختلف عن الرسول من حيث إن هذا متجوّل. إلهام بولس أن الرسول لا يكفي لحفظ الإيمان فلا بدّ مِن تعيين مسؤول في كل منطقة ليتحقّق القوةَ الروحية في الجماعة وأن يكون هذا المسؤول متحلّيًا ببعض الفضائل الأساسية حتى لا يُجَدَّف على اسم الله بسبب الإكليروس.

هذا حدّ أدنى من الميزات المطلوبة من خادم الهيكل حتى يقال له: «مُستَحق».

من هذه الرسالة أَخذت الكنيسة مقطعًا (1: 15-17) يبدأ بقول الرسول: «صادقة هي الكلمة» وبها يهيّء بولس تلميذه إلى قناعة مذهلة عنده: «أن المسيح يسوع إنّما جاء ليُخلّص الخطأة الذين أَوّلهم أنا». ليس المُراد فقط أن المسيح يسوع جاء، ولكن التأكيد أنه جاء ليُخلّص الخطأة الذين أَوّلهم أنا. ما أعظم هذا التواضع، والرسول يعرف الكثير من الفضائل التي يتحلّى بها. ولكنه لا ينسبها إلى نفسه ولكن ينسبها إلى النعمة. أليس هو القائل: «بالنعمة أنتم مخلََّصون»! كان من الطبيعي أن يرصف بولس نفسه بين الخطأة كأن يقول: ليُخلّص الخطأة الذين انا منهم، ولكن أنت لا تعرف قوة النعمة الا إذا أَحسستَ أنك آخر الناس.

يمكن أن تتجلّى، ولك أن تعرف طاقاتك حتى تُوظّفها. ولكن إنْ عرفتَ مواهبك لا تفتخر لأن «مَن افتخَرَ فليفتخِرْ بالرب» أي بالرب المعطي كل موهبة. ثم مع تأكيده خطاياه، يؤكد رحمة الله فيقول: «لأجل هذا رُحمتُ ليُظهر يسوعُ فيّ أنا أوّلاً كل أناةٍ». ما غاية إظهار السيد رحمته في بولس؟ لأنها تكون «مثالا للذين سيؤمنون به للحياة الأبدية»، وكأنه يقول: تقديسي أنا غايته تقديسُ الآخرين إذ نتشبّه بعضُنا ببعض ونرتقي روحيّا بسبب الفضائل التي نراها عند الآخرين، فإذا لمسنا صدقا حظّنا كبير أن نصير صادقين، وإن لمسنا تواضعا نتّجه إلى التواضع، وهكذا ننمو معًا ويبني أَحدُنا الآخر في جسد المسيح، وتصبح كل الجماعة المؤمنة بهيّة. لنا إذًا رؤيتان: رؤية خطايانا ورؤية وجه الله، فلا نيأس بسبب خطايا لأن نور الرب ينسكب علينا ويبدّدها فيرتسم علينا هذا النور لتَتحقَّق قولتان للسيد: «أنا نورا أَتيتُ إلى العالم» و«أنتم نور العالم». وإذا رآنا المؤمنون مشرقين، يفهمون أن ليس لنا نور من ذواتنا ولكنه النور الإلهيّ الذي اقتبسناه فأضأنا به الإخوة.

بعد رؤية النور في الجماعة يرتفع بولس إلى التسبيح فيقول: «فلِمَلك الدهور الذي لا يعروه فساد ولا يُرى وحده الكرامة والمجد إلى دهر الدهور». هذا اعتراف أن إيماننا ومحبتنا يصدران من رب المجد الذي لا يخالطه فساد وليس فيه ظلال لأنه ضياء كلّه، ونحن بالإيمان نعرف ذلك إذ يَسكنُ اللهُ نورا لا يُدنى منه ولكنا نعرف أننا نجيء منه. فنُعليه على كل الوجود ونعترف أن له وحده الكرامة والمجد. وإذا علمنا ذلك، نفهم قوله في الرسالة إلى العبرانيين عن الإنسان: «بالمجد والكرامة كلّلتَه»، ذلك لأن الله يُنزل علينا المجد والكرامة. وكما هما له إلى دهر الدهور يُبقينا على المجد إلى دهر الدهور لأن الملكوت الذي يرفعنا إليه نقيم فيه بالمجد والكرامة إذ الملكوت سطوع الله فينا من الآن وإلى الأبد.

Continue reading
2006, جريدة النهار, مقالات

قلبنا على لبنان / السبت 21 كانون الثاني 2006

قلبنا على لبنان كما لم يكن لان وحدته تتعسر ولعل تركيبته الطوائفية تجعله صعب المراس حتى يشبه مراسه استحالة اذ يتعذر اكثر من اي زمان مضى ان توحد ناسه عليه. وحدته مرجوة عند الخيرين ولكن لا تبدو معالمها مهيأة لتصوير وجه له يرضي كل ابنائه. فلا يبدو اننا متفقون على ثوابت وعلى اصول فما هو تحت النقاش عندي ليس كذلك عندك. ولما افترقنا كثيرا في الحرب قلنا اننا تجاوزنا ميثاق 1943 ولست ارى اننا تفاهمنا حول ميثاق آخر. كلام البيان الوزاري لحكومة المغفور له رياض الصلح ان “لبنان ليس للاستعمار مقرا ولا الى جاراته العربيات ممرا”. وكان ذلك ليتباعد بعض عن فرنسا وبعض الا يؤذي بلدا عربيا آخر بتصدير الاستعمار اليه. غير ان هذا الميثاق بسبب الوحدة العربية لم يخطر على بال اصحابه آنذاك بسبب الاخاء العربي اننا قد نكون مطمعا لعرب آخرين ولم نصنع ميثاقا جديدا يقول هذا فأتت الرياح بما لم تشته سفينتنا فاستصغرونا بسبب من صغر حجمنا.

والوطنية تعني ان البلد ولو تحالف يصر على ذاتيته لانه لم يكن عنده او فيه ذات تأتي احلافه غير صادقة او غير متينة وانه يفوض امر مصيره او مساره الى آخرين. وتترك كل كتلة او شريحة الى هواها التاريخي او الى ما تريد ان تستقوي هي به وعندئذ تتلاشى الوحدة.

ان تكون هذه الطائفة او تلك قوية فهذا جميل اذا وضعت قوتها في خدمة الوحدة واذ ذاك لا تكون الطوائفية مشكلة او لا تكون مشكلة مستعصية. نحن اذا في حاجة الى ترويض روحي لكل فئة لتحس بأنها تحيا بالفئات الاخرى. وهذا يعني ان ليس من وطن يكون فيه لأية طائفة سياسة خارجية وتبقى السياسة للدولة التي تبطل تحديدا سياسة الطوائف منفردة. وهذا هو الميثاق الجديد الذي يكمل ميثاق الدولة في عهد الثنائي بشارة الخوري – رياض الصلح.

كنت شابا لما قرأت البيان الوزاري الذي صدر في 8 تشرين الثاني 1943 وتظاهرت بعد ثلاثة ايام في طرابلس مع من تظاهر احتجاجا على الفرنسيين ومشت على اجساد رفقائي هناك دبابة فرنسية ومات منهم احد عشر شابا. وتحولت تحولا كليا بعد ان شاهدت بحرا من الدماء وأشلاء رفاقي من شاب مسيحي يرتضي الانتداب الى رافض له رفضا عضويا وأحسست أني واحد مع هؤلاء الشبان المسلمين الذين قتلهم عسكر الانتداب وشعرت ان الدم المراق وحّدنا انا وهؤلاء الشبان.

لا يستطيع الوطن ان يقوم على احتدام عواطف وهي اليوم نار تحت رماد. هناك أسس موضوعية مشتركة لا تتبدل بتبدل الاحوال السياسية. ان يكون لبنان الى الابد صديقا لاحدى الدول ليس من الثوابت. ان ننهي الحرب مع اسرائيل أمر خاضع للنقاش. ان نرفض التعامل مع اسرائيل الى الابد مع توقيع ما للتهدئة أمر مقبول. هناك تفاهمات داخلية بين أطياف الشعب اللبناني تؤسس لاجماع وطني.

الدستور كرّس العيش المشترك أمرا تاسيسيا لا يجوز الخروج عليه. عبارة “العيش المشترك” تتضمن في تصوري فكرة تلاقي الطوائف على نوع من الوحدة الاجتماعية وعلى توافق وتعاون بينها ينفي وجود حكم ديني ويفترض حكما مدنيا كما سماه بعض العلماء المسلمين ومفكريهم ولا سيما الشيعة منهم.

خارجا عن التوترات الحالية أفهم ان تستمر الزبائنية السياسية في لبنان. كانت عندنا زبائنيات كثيرة وذلك منذ أجيال ولعل ذلك يعود الى ان بعض الجماعات كان لها في الدول الكبرى مرجعيات سياسية تحميها وتدافع عنها او يظن ان هذه الدول كانت على مقدار من الفاعلية. ربما صح القول اليوم ان لبعض منا ما يجعله يستقوي بالغير. هل الاحزاب اللبنانية المدعومة من الخارج قادرة على ان تقول لا عند الاقتضاء؟ ما طبيعة العلاقة بين كتلة صغيرة من البشر ودولة في الخارج؟ هل هذا حلف أم تطوع أم ولاء؟ امام الاختلاف في التطوع بين اللبنانيين هناك أكثر من قراءة للبنان وليس ثمة عيش مشترك.

اذا هدأت العاصفة التي هي في قوتها أشد من عاصفة الـ1975 لا مفر من ان نرى الى الاحزاب والتيارات نظريا وذلك بما ينفع منها لبنان. عند الأمم التي سبقتنا في نظام الاحزاب مع مشابهتها الاحزاب المماثلة في البلدان الاخرى كانت كلها تتكيف بتاريخ بلدها وطبائع أهله ولانهائيته. كان الحزب الشيوعي في فرنسا مثلا قائما على الماركسية ويتعاطف والاتحاد السوفياتي بسبب من العقيدة الماركسية وشيء من التآزر العملي ولكنه كان يسمي نفسه الحزب الشيوعي الفرنسي. وكذلك كان الايطالي.

لم يكن في تلك البلاد حزب ذو عقيدة دينية. الاحزاب المسماة ديموقراطية مسيحية لم تكن تطلب من اعضائها ان يشاركوا في القداس يوم الاحد. الحزب يدعو، يقيم مؤتمرات ويلتقي وفودا من بلدان اخرى ويرى ان من صالح البلد ان يتفاهم وبلدانا اخرى من طريق الدولة.

وفي التأزم الحالي لن اتكلم على حزب اذ قد يعد هذا انخراطا والوقت للتهدئة. في وقت مناسب لا بد للبنانيين ان ينظروا ناضجين الى كل الاحزاب وليس من مقدس. كما ان النظام الحزبي القائم عندنا على غرار الجمهورية الرابعة في فرنسا قد لا يكون نظاما مؤسسا في المطلق. هناك بلدان تقوم على حزبين وليس عند المواطنين فيها احتدام سياسي خارج زمن الانتخابات التشريعية. فالاختلاف السياسي الحقيقي بين الناس ليس فيه تعدد لا يحصى. طبعا لا ادعو الى تشريع اعتباطي في هذا المجال ولكني ادعو الى نقاش المقدس في الحياة الوطنية اذ ليس من مقدس على صعيد الحياة الحزبية.

في هذه الايام العصيبة يبدو لي لبنان ثمرة صلاتنا اجمعين بسبب من هروب تكويناته منه. غير اننا اذا قلنا القول الواحد في قوام الوطن والتزمنا طاعته وحده قد يكون لنا ان نبقى معا في صدق. لقد استلمنا هذا الوطن واستمتعنا به وما من بديل. ارجو ان يبارك الله له ويحفظنا فيه مع اولادنا بكرامة ومحبة.

Continue reading
2006, مقالات, نشرة رعيتي

التجدد الروحي/ الأحد 15 كانون الثاني 2006/ العدد 3

توجد هرطقة المتجدّدين وهي لون من ألوان الحركة المعمدانية وهي تقول إن الإنسان يأتي الله إليه مرة في حياته ويخّلصه فهو مخلَّص نهائيا. في الرسالة التي نحن نقرأها اليوم (كولسي 3: 4-11) لا يصير المسيح كل شيء فينا إذا لم نترك الشهوات. فنحن بين صعود وهبوط حتى، إذا تبنا توبة صادقة وكنا مع السيد حين ظهوره في اليوم الأخير ولم نحالف الخطيئة، يبرّئنا السيد في الدينونة. في هذه الدنيا يقول لنا بولس: «تمِّموا خلاصكم بخوف ورعدة». نحن خالصون على الرجاء وليس الخلاص جواز سفر يُدخلنا آليا إلى السماء.

الرسول يطلب إماتة شهواتنا. هذا ما قصده بقوله: «أميتوا أعضاءكم التي على الأرض». يريد بكلمة أعضاء العناصر السيئة المكوِّنة لكيان الخطيئة الذي يشبّهه إلى جسم لأن الرذائل متماسكة تستدعي إحداها الأخرى.

عند بولس لائحة من الشهوات، الأولى تبدأ بالزنى وتنتهي بالطمع، والثانية تبدأ بالغضب وتنتهي بالكذب. قد لا تستغرق اللائحتان كل الخطايا، ولكن الواضح عند الرسول أنك لا تستطيع أن تصير إنسانا جديدا إذا كنت لا تزال غارقا في إحدى هذه المخبأة فيك، وعليك أن «تتجدّد للمعرفة على صورة خالقك»، والمعرفة هي معرفة للرب وكلامه وتصرفات مسيحه في هذا العالم التي تكشف لك انك حبيب الله. المعرفة هي معرفة ان الله يحبك. فقط إذا عرفت ذلك تكفّ عن ارتكاب الخطيئة وتصبح إنسانا جديدا.

وإذا أنت امتحنت قلبك وكنت صادقا في فحصه، ترى ربما أنه علق عليك شيء من هذه الخطيئة أو تلك. كافح بالصلاة الدائمة وقراءة الإنجيل والغفران للآخرين وأعمال البِرّ يطهّرك الرب.

إضِرب خطيئة واحدة من تلك التي ذكرها الرسول ترَ أن باقي الخطايا أخذ ينهار. وإذا ربحت الفضيلة المعاكسة تلاحظ بعد فترة أن الفضائل الأخرى أخذت تنزل عليك.

كشف لنا الآباء وسائل للتطهير إلى جانب الحرب الروحية العامة (صلاة، قراءة روحية، صوم، إحسان). كل خطيئةٍ التحرر منها له وسيلته. فإذا أخذنا الزنى، يقول بولس في موضع آخر «اهربوا من الزنى». هذه شهوة لا تكافَح الا بالهروب من شخص أو معاشرة أو ظرف، ولا يستعظِمْ أحدٌ قواه في هذه الحرب.

أمّا الطمع فلا يكافَح إلاّ بالعطاء لتتدرب على ألاّ تتعلق بمال تكسبه. يجب أن تنجو من عشق الأموال حسب القاعدة الكتابية: «بدَّد،َ أعطى المساكين فيدوم بِرُّه إلى الأبد».

الكذب نكافحه بمحاربة الخوف، بالتروض على الشجاعة والصمود أمام الجميع إلى جانب وسائل الحرب الروحية الأساسية أعني الصلاة والقراءة والإحسان الذي يشفي من كل الخطايا.

فإذا تحرّرت من هذه الميول والسقطات التي تنبع منها تلبس الإنسان الجديد أي المسيح، وفيه لا يبقى خلاف بين وثني ويهودي ولا بين عِرْق وعِرْق، وتذلّل كل الفروق الاجتماعية. غير أن هذه الوحدة التي دعانا إليها بولس غير ممكنة الا إذا تحررنا من الهوى والشهوة وأَسلَمْنا للمسيح.

Continue reading
2006, جريدة النهار, مقالات

رعاية الله ورعاية الدولة / السبت 14 كانون الثاني 2006

ان يوجدك الله برضاه والنعمة وان تقوم على تراب الارض وهمك الناس والدولة، ان تنوجد من فوقك ومن جنباتك هذا مأمنك في الدنيا قبل ان يجتاحك الملكوت بدفئه في اليوم الاخير. فاذا كنت عظيم الايمان تحيا في كل الاوضاع التي يوفرها لك مجتمعك. بالحق والظلم، في الحاجة والبحبوحة، في الصحة والمرض. لكن الناس ليسوا كلهم عظاما في الايمان فتسندهم لقمة عيش وتبعث فيهم عدالة الدولة طمأنينة ويرتاحون الى جسد سليم. حياتهم مجموعة هذه العناصر، يرصفونها في ما بينها ويأملون ان الدولة تسهر عليهم بحيث تتوافر لهم طبابة ومدرسة وطريق واضاءة وماء حتى يدركوا ان هذه العناصر ليست كلها متوافرة او ليست متوافرة بالمقدار المبتغى. ويرجون قيامة دولة تعي هذه الامور ولكن ليس من دولة فيرتدون الى رعاية انفسهم وبعضهم بعضا بلا حكم قائم ولكن على رجاء ان يقوم المجتمع الطيب، اللطيف مقام الدولة بمقدار.

مشكلة الدولة او احدى مشاكلها انها ليست مؤلفة من حكام الهيين. ومن ليس إلهيّاً يقيم وزنا لذاته وربما لمنافعه فلا تكون الدولة راعية. وفي هذا قال حزقيال: “لم يكن راع ولا سأل رعاتي عن غنمي ورعى الرعاة انفسهم ولم يرعوا غنمي “(34: 9) ويتوسع النبي في الكلام حتى ينسب الى الله انه يرعى بعدل ثم يبين ان الرعاة ظلموا الرعية وشتتوها.

بأي معنى يرعى الله بعدل؟ المعنى انه لا يحابي الوجوه وفي هذا كلام كثير في وصف العدل الالهي. فالميزان الذي يزن الله به الناس واحد. وعقاب الخطيئة الواحدة واحد حتى نبلغ المستوى الاعلى للعدل الالهي وهو المحبة اي اننا نكون قد تجاوزنا نظام المحاسبة ودخلنا الرأفة. يهم الرب اولا ان يقضي للمظلومين لئلا ييأسوا من رحمته ويفقدوا، اذا ذاك، كل ملجأ.

الا ان الله يكشف عدله في هذه الدنيا ليس فقط مباشرة ولكن بالعاملين معه في حكم الارض ما يعني ان معيارهم هو معياره وانهم لا يحابون الوجوه ولا ينقادون الى هوى فلا يؤثرون غنيا متسلطا على فقير ولا ابن طائفة على ابن طائفة اخرى وما الى ذلك من فروق، وفي الادارة لا فضل من منطقة على منطقة لان البلد يعيش بهذا التوازن ولان العدل البشري اذا اقيم في كل مجلس انما يكشف لك ان بهاء العدل الالهي قد هبط على الارض فكما ان الله محبة يمكن ان يمارس المسؤول هذه المحبة الالهية بوسائل الناس.

#   #

#

في بلدنا العدل بين البشر عسير لكوننا منقسمين عشائر او طوائف ولان الحاكم قد يحس نفسه قريبا من ابناء عشيرته فيحيد عن سواهم والجهد الروحي – وليس بسيطا ولا هينا – يتطلب منك ان تقف على مسافة من طائفتك في التركيبة الاجتماعية دون ان تنأى عنها روحيا او ثقافيا لئلا تفتقر. ويتصور في نفسك المجتمع المدني وتنضم داخليا اليه لكي تحكم بالانصاف ولا تنقل احساسك بطائفتك او شريحتك الى الحكم اذ يفوتك، اذ ذاك، ان تنظر الى الناس في وحدتهم.

هكذا يرى الله الى ابنائه البيض والسود والرجال والنساء وابن هذا الدين وذاك ولا يفرق في ابوته بين الصالح والطالح وان اختلفت اساليب تربيته. هكذا في العائلة انت تمارس ابوتك بحيث تحب ابنك الطيع وابنك المشاكس حبا واحدا ولو تباينت طرق ترويضك لهذا وذاك.

الا ان الدولة ليست بالحاكمين فقط لكونها ثمرة المجتمع وليست فقط راعيته. فأنت لا ينبغي في المعاملات والتلاقي الوجداني ان تفرق بين شيعي وسني او ماروني وارثوذكسي ومن اليهم لأنك تنوجد بالعطاء والخدمة كائنا من كان المعطى له، اذ المحبة لا علاقة لها بالوجوه، انها حركة قلبك الى القلوب. واذا عامل المواطنون بعضهم بعضا بتهذيب ولطف يصعد هذا الى صعيد الحكام والقضاة لكونهم من طينة هذا المجتمع الذي يكون قد تآلف على العدل الذي فيه دائما رأفة ورحمة.

واذا كانت المحبة تطرح الخوف خارجا كما يقول يوحنا الانجيلي فهي تتأكل التباعد القائم من حين الى آخر بين هذه الطائفة وتلك وهذا على المستوى السياسي اذ لا بد ان نتربى على ان المواهب التي ورثتها هذه الطائفة او تلك من تاريخ آلامها ومجدها انما هو ارث لنا جميعا. ما هو جميل عند الماروني والشيعي والسني والدرزي هو جميل في إن انا اقتبسته. وهذا خاضع للدراسة العلمية وليس فقط للخبرة التي كسبناها من تعايشنا. عندنا ناس هادئون او هدوئيون – كما يقول الروحانيون الارثوذكس – انعزلوا عن اهوائهم وعصبياتهم يستطيعون ان يصفوا لك حسنات كل طائفة في طبائعها واخلاقها بحيث تفرح لما تسمع وتتمنى ان تكون انت على الجمالات التي توصف لك. وربما جعلك هذا تفهم تباين مواقف سياسية تتصل بتاريخ الطوائف وليس فقط بمنافع زعمائها ولك ان تفرق هذا عن العصبيات وان ترى محللا الايجابيات المحتواة في هذه المواقف.

لست اعلم اذا استطعنا ان يقبل بعضنا نقد طائفته من انسان خارج عنها هذا على الصعيد السياسي. ايضا وايضا اريد ان اشهد لمثقف ماروني بحث في الحرب في الروم الارثوذكس على صفحة كاملة في احدى الجرائد وكان هذا نقدا علميا نزيها لو استثنيت هنة او هنتين بسبب من قلة اطلاع. ربما نحتاج الى مستوى في معرفة التاريخ والعقائد الكبرى وفلسفة السياسة لننقد ذواتنا للآخرين في سبيل بناء للوطن مشترك وهذا مما يساعد على تبديد الخوف من ان الاخر ظالم لنا او لا يعرفنا فنرفع الخوف الى مستوى الحكم.

عندنا بعض العلماء القادرين على ان يبحثوا في الدين الاخر بهدوء وعلم ويتلاقى هؤلاء العلماء في صدق وصداقة عظيمين واخذنا نلمس هذا التقارب في برامج متلفزة. ربما كان الحديث في العقيدة بسبب من الاحترام المتبادل اسهل من تعاطي السياسة لكونها تمس مصالح الارض. ولكن لا بد من تروض عظيم لكي ادافع عن السني ولست سنيا او عن الشيعي ولست شيعيا او عن الاكثرية وانا من الاقلية.

غير اننا في الفكر المحض وفي السياسة في حاجة الى رؤية الله في رعايته فانك عاجز عن ان تنصف الاخرين بتقديرهم وتعظيم تاريخهم في مكامن العظمة ما لم تكن قريبا الى الله لترى رعايته لعباده جميعا.

في الظرف الذي نعيشه القناعة الاساسية عندي ان الله يريد لبنان حرا ليتسنى لابنائه ان ينموا ويتعاضدوا وينتجوا ويبدعوا ويتنقّوا ليتمكنوا من رؤية الله. استقلالهم في حسباني هو من رعاية الله اياهم. الاستقلال في هذا الظرف التاريخي عدل الهي قبل ان يكون عدلا بشريا. ذلك ان الله يريدنا ان نعيش وان نربي اولادنا وذلك غير ممكن ان بتنا بلا كرامة.

غير ان الحرية ان بدت منه من السماء تحتاج الى ان تحفظها وتحبها وتموت من اجلها وما من قيامة بلا موت. هناك نقاط تلتقي في نفسك بين رعاية الله اياك ورعاية جهاد لنفسك. وهذا شيء من الفردوس.

Continue reading
2006, مقالات, نشرة رعيتي

الظهور الإلهي / الأحد 8 كانون الثاني 2006/ العدد 2

بعد ان اعتمد يسوع وبعد ذهابه إلى البرية ليُجرّب من إبليس، وبعد أن أُسلم يوحنا المعمدان إلى هيرودس انصرف المعلّم إلى الجليل، إلى الشمال. ولكنه لم يقصد وطنه الناصرة ربما لأنها كانت معادية لابنها، فسكن في كفرناحوم التي رأى فيها موقعا صالحا لانتشار البشارة، مدينة اختلطت فيها الشعوب، فيها حركة اقتصادية اذ كانت على طريق التجارة بين دمشق ومصر. وقال الإنجيلي إنها عند البحر، أي بحر الجليل الذي هو بحيرة طبرية، وأوضح متى أن المعلّم جال في تخوم زبولون ونفتاليم، وتذكَّر، عند ذاك، أن أرض زبولون ونفتاليم مذكورتان عند إشعياء.

عبْر الأردن، هي ما كنا نسمّيه شرقي الأردن حتى سُمّي الآن المملكة العربية الهاشمية. الجليل يعني الدائرة أو المنطقة. جليل الأمم أي جليل الوثنيين اذ كان منهم مَن يسكنها آنذاك. ثم يُكمل متى اقتباسه من اشعياء :«الشعب السالك في الظلمة». حتى يصل إلى «أَشرقَ عليهم نور».

أي نور هذا؟ في الآية 17 من متى التي تُنهي قراءة اليوم يقول: «من ذلك الزمان (أي من وصول السيد إلى الجليل) ابتدأ يسوع يكرز ويقول: توبوا قد اقترب ملكوت السموات». ماذا فهم السامعون من كلمة «توبوا»؟ في اللغة اليونانية معناها: غيّروا فكركم أي افهموا جيدا ما يريده الله منكم فيستقيم سلوككم. عند اليهود التوبة هي أن يحزن الإنسان لخطاياه. فكرة الندم مسيطرة عندهم. كذلك أن يقرر الإنسان عدم العودة إلى الخطيئة. طبعا لا تكون التوبة عميقة الا اذا عاوده الإغراء ثانية وثالثة وقاوم. اقترب ملكوت السموات أو ملكوت الله. معنى العبارتين واحد. الفكرة هي أن يكون الله سيدا عليكم بحيث يملك على قلوبكم ولا يملك شيء آخر. الذين يرفضون كلمة الله لا يملك الله عليهم. غير أن مُلْكَ الله يتحقق اذا أَسلم أحدنا قلبه له وأخذ على نفسه «نير الملكوت». رجاؤنا أن يملك الله على كل إنسان.

والدعوة إلى الملكوت تعليم أساسي عند يسوع. الملكوت عنده آت ومكتمل فيما بعد، ولكنه أيضا اقترب لأن المَلِك هنا بيننا. أجل يتهيأ الإنسان بأعماله للملكوت، ولكنه بالدرجة الأولى عطاء الله. ومع أن الملكوت لا يكتمل الا بعد القيامة حيث يكون الله «الكل في الكل»، الا أنه ابتدأ بأعمال يسوع.

في الصلاة الربيّة «ليتقدس اسمك. ليأت ملكوتك»، هذان أمران مرتبطان. البشر يدخلون الملكوت منذ الآن. الذين يحفظون التطويبات (طوبى للمساكين وغيرها) هم في الملكوت منذ الآن. إلى هذا مجموعة التلاميذ الإثني عشر دشّنوا الملكوت. إمتدادا لهذا، الملكوت حالّ في الكنيسة ولو كان فيها خطأة. الا أنّ المسيح الذي هو فيها بالأسرار المقدسة والغفران يُذيقنا الملكوت منذ الآن إلى أن يهبنا مِلأه في اليوم الأخير.

اليوم اذا ذهبنا إلى سر التوبة في الكنيسة أو تَقدَّمْنا من القرابين الكريمة ينبغي في الدرجة الأولى أن نطلب إلى الله أن يمنّ علينا بالتوبة، والا يكون عملنا سطحيا وغير جدي. واذا انطلقنا إلى النوم فطلب التوبة أساسي لنرقد بسلام الرب، خشية أن يخطفنا الموت ونحن غير مستعدين. وبصرف النظر عن الموت، المهم طلب التوبة محبة بيسوع.

Continue reading
2006, جريدة النهار, مقالات

لبنان المرتجى / السبت 7 كانون الثاني 2006

ما لم تكن من كبار الاثرياء فالعيش في لبنان متعب. ومتعب ايضًا للاغنياء اذا اندس احدهم في مجالسهم ولم يراقبوا لسانهم ولا يستطيع احد منهم ان يبعد عنه خطر الوشاية فقد تحسب انك لا تستحق الموت ولكن الذي يصمم قتلك له حسابات اخرى وقد لا تُغتال لاهميتك اذ المبتغى ان يشل البلد وان نيأس ونرحل. المصيبة مما يحل بنا ان الكثيرين منا يحسون بعبثية هذا النوع من الميتات والتعب الشديد يجعلك لا ترى فداء بل تمسي بلا فهم، يبدو لك عند الرعب ان الحياة على تعسها افضل من الشهادة وابلغ. الشدة الغليظة المكثفة لا تُنشئ صبرًا الا عند الذين تحرروا من وطأة الارض كليًا فلا يتوطنون في مكان والابدية فيهم تأكل زمانهم.

مع ذلك لا بد ان نعيش ولا نشترط على لبنان ان يكون فندقًا بخمس نجوم على قولة غسان تويني. ولكن ان نعيش هو ان نعيش معًا. لقد قلناها مرارًا ان الآخر ضروري لوجودي. ان اقرأ الآخر فيما انا اقرأ نفسي بحيث اقرأ الاثنين في وحدة. الوحدة الوطنية لا ترثها لانها مصنوعة ابدًا بجهودنا بحيث لا اطلب لنفسي شيئًا فأطلب كل شيء للمعية. انا معك وانت معي لا تعني اننا نعيش في اختلاط بحيث ألغي نفسي بالانصهار بك ولكنا نحيا معًا بالحجة والسماحة التي ابدع فيها اخي فيحب ابداعي اياه واحب ان يبدعني بدوره لتوليف مجتمع جديدة ابدًا وحدته ومكوناتها متآنسة لاكتمال صورة البلد المرتجى.

البلد من اصعب الموجودات لانه مركب تريد ان تجعله واحدًا بحيث لا تلغي العناصر التي تركبه اذا فني بعضها ببعض وتتكامل وتسعى الى صورة عن الوحدة قد لا تكون في بلد آخر وتصنع هذه الوحدة من بعد خبرة الواحد للآخر بحيث تشتهي ان يبقى الآخر ولو تعبت من التلاقي بين فترة وفترة. هناك صور للتلاقي تختلف بين بلد وبلد فقد تتعدد اللغات كما في بلجيكا وسويسرا والصين وقد تتعدد الاعراق كما في العراق وتختلف المذاهب كما في لبنان. هناك على رغم التنوّع قرار المعية مهما كلف ذلك من تضحيات.

هذا التوق الى الوحدة والجهاد في سبيلها لسنا نرغب حقًا فيهما كما يبدو لي. وذلك بسبب خوف الماضي او خوف المستقبل واحيانًا هما واحد. وكل هذا يتعلق بالقوة التي انت عليها او بما تحس به من تهديد. كان لك دفء في طائفتك الكبيرة العدد او اطمئنان الى ان طائفتك الصغيرة لا تزلزل احدًا اذ لا تدخل في الموازين. وليس من طائفة قليلة قادرة عندنا على ان تتحالف وقوى خارجية اذ لا تقدر قوة خارجية على ان تمطها او تعطيها حجمًا لا تقدر عليه.

#    #

#

تشذ عن هذه القاعدة طائفة الموحدين الدروز التي تعوض قلة عددها بعظمة تاريخها وبارتباطها العضوي بجبل لبنان محور لبنان. هي الطائفة الوحيدة التي لا يلعب العدد فيها دورًا حاسمًا. لا مهرب لك اذا من تعاطيها.

هناك مجموعات قد لا يكون لها فعل تاريخي حاسم يذكر وهي لم تندرج في النظام الطوائفي اندراجًا عندها محبوبًا ولكن لها نكهتها الروحية والثقافية وفعلها التقويمي وانفتاحها على المنطقة وتحسسها المشرقي العربي يجعلها حرة من الخضات نسبيًا ولو تألمت من البلد وفي البلد لكنها تلازمه لاحساسها بأنها ساهمت في انشائه حضاريًا ولو لم تتحمل عبء تمزقاته. ربما صح هذا الوصف على الجماعة الارثوذكسية التي لم تستطع او لم تشأ ان تتخلى عن لا طائفيتها لتساعد على فتح البلد على التاريخ. انا لست وحدي لاقول هذا القول. عثرت على مثله عند ميشال ابو جوده، جهاد الزين وسمير عطالله لما تكلموا على الروم. انهم رأوا ذلك في تتبعهم السياسي قبل ان يقرأوه في حلاوة صداقاتهم.

الطوائف الصغرى من مسلمين ومسيحيين لم تربح شيئًا من وطنيتها على حساب لبنان بل احبته مجانًا رعاها ام لم يرع ولا مهب لها منه ولا تريد مهربًا. يبقى الوزن للموارنة والسنة والشيعة ولكن ليس بالاستقلال عن مؤازرة “الصغار”. وليس لي ان اوصي احدًا بشيء او ان اوحي بحكم مدني كامل لم يظهر بعد. فنحن وراء تذليل الصعاب ولسنا في صدد بناء حقوقي لم تكتمل عناصره. النظري في السياسة لا يسبق الواقعي وقد يتقاطعان. ينبغي ان نبدأ من مسلّمة اساسية وهي ان احدًا منا لا يخفي علاقات مع اسرائيل اذ لا يسعنا ان نعالج اي امر من امورنا ان لم نوقن يقينًا كاملاً ان ليس بيننا عميل للصهاينة.

تاريخ القهر في بلدنا وفي المشرق لا يعذر فريقًا ان يحالف وحده دولة خارج لبنان اذ نكون بهذا جددنا نظام الحمايات الخاصة. انا تساءلت عن امكان حماية للبلد كله تأتينا من حيث نتفق عليها وعلى مصدرها. مصلحة الكل تتعدى مصلحة الجزء، ان أي طائفة لا يجوز ان تبغي سلطانها على البلد ولست اتهم أو أظن السوء. ذلك لانك لا تتحلل من الجزئية الا بالتوحد والتوحد هو في الموقف الذي نتخذه معا وهذا يمكن ان يكون شرعة.

أظن أننا في حاجة الى ما يشبه ميثاق الاستقلال المسنون في الضمائر السنة الـ1943. خلاصته كانت ان نجتمع حول لبنان بحيث نأتي جميعا ومعا منه ولا نأتي من أي بلد آخر لاننا كما أعطينا مجد لبنان معا نؤدي كلنا ومعا خدمة للبنان واحدة.

أقول هذا بعد ان عيّد المسيحيون معا لاصطباغ المسيح في نهر الاردن على يد يوحنا (أو يحيى) وهذا ما تدعوه العامة الغطاس. معنى ذلك ان السيد نزل في مادة الحياة التي هي الماء ليبث الحياة في كل الوجود والحياة هي الحرية والحب وان نتلاقى في الصدق والعدل ودوام العطاء. والمعمودية عندنا صورة مزدوجة للموت والحياة اذ تغرق في الماء ثم تخرج منه. وبهذا المعنى الرمزي اذا سيسناه نعمد لبنان تعميدا كبيرا بحيث نزيل الخطأ الذي يعرقل نموه ونسمو به الى حياة عظيمة تسكبها عليه النعمة وجهد ابنائه معا.

أشياء كثيرة فينا وعندنا ان لم تمت لا تفيد هيكليات للبلد جديدة. الله روح وانت روح اذا تنقيت. هل أريد أن أجعل اللبنانيين أمة الله؟ ان لم يشتهوا ذلك فمن هم عابدون؟ وان لم يعبدوا الاله الحقيقي الذي ينقذ الانسان من الرشوة والدولة من السرقات فماذا تنفعهم معابدهم وعلام يقوم البلد؟

قال الله ليسوع عند صبغة يوحنا اياه: “انت ابني الحبيب”. آخذها الان سياسيا لأقرأ هكذا: كذا يقول الله لأي مسؤول لبناني ان أمات شهواته في الحكم: “أنت ابني الحيبب”. انت الهمك مسعاك الصافي وأعضدك وأحفظك وأعمدك كل يوم بمعنى اني أزيل عنك خطاياك وأرحمك وأجدد رضاي عنك وأجعل من هذا البلد الصغير كبير التطلعات وقادرا على رفع الانسانية كلها بعدما بات لحمة أبنائه بسبب تبتلهم الواحد وتبديد فوارقهم وكشف تجليات فيهم.

انا واثق من ان مشكلتنا الاساسية مشكلة أخلاقنا. نحن لا يعوزنا ذكاء، ولو أعوزنا الجهد أحيانا. ونحن قادرون على ان نعقل أمورنا بفهم واخلاص وان نضيء عقولنا بالايمان ولو كان هذا في حاجة الى تجدد وتعمق. أظن ان الليل يتناهى والنهار يقترب. والاعداء يتربصون بنا حتى نزل ويضمحل البلد. والبلد مسؤولية لا لنفيد منه مآرب في الارض ولكن لنزداد فيه حياة فنحيي الآخرين.

نحتاج الى عقل عظيم وهادىء معا في جوانية القناعات الكبرى من أي تراث جئنا اذ نستطيع ان نتكامل وتشتد سواعدنا متآزرة وقلوبنا متوافقة في صدق لنرقى الى ذرى المجد ونصبح واحدا ما أمكن ذلك البشر ونسير على دروب منتهاها بركات الله علينا وضياؤه.

Continue reading
2006, مقالات, نشرة رعيتي

2006 / الأحد 1 كانون الثاني 2006/ العدد 1

السنة الكنسية عندنا تبدأ في أول أيلول، السنة المدنية في هذا اليوم. ولكن اصطلح الناس أن يرتّبوا شؤونهم حسب النظام المدني. نحن نذكر اليوم ختانة الرب في الجسد لكونها حدثا في حياة المخلّص ذكره الإنجيل، ويعني لنا خضوعه في جسده لشريعة موسى حتى يحرّرنا منها بدمه فندخل حياة جديدة بالمعمودية. ولكوننا انعتقنا من أيّة علامة في الجسد، صار الإيمان وحده الصلة بيننا وبين الله. فالذين صاروا فوق في ملكوت المسيح لا تنفعهم أيّة علامة محسوسة، ولهذا أبطلنا ختانة الصبيان المسيحيين. من أرادها لابنه من ناحية صحية فلا نعارضه مع أن الطب الحديث يقول إنّ الختانة لا نفع لها.

غير أنّ أحد المعلّمين الكبار في الإسكندريّة، أوريجانس، كتب صفحة جميلة عن الختانة إذ يقول إنّنا نختن كل حواسنا عن الخطيئة، نختن حاسة السمع فلا نصغي إلى ما يخالف العفة، ونختن حاسة البصر لئلاّ ننظر إلى ما يهين كياننا المسيحي إلخ… بتعبير آخر نباشر السنة الجديدة بالتعفّف ولا نقضي ليلة العيد بالقمار أو اللهو.

ثم وضعت الكنيسة ذكرى أسقف مِن أعظم أساقفة التاريخ المسيحي، باسيليوس الكبير المنتقل السنة الـ 379 عن 49 سنة من العمر. استحق صفة الكبير إذ كان عظيما في النسك وتنظيم العبادات والرهبانية والعمل الاجتماعي ومقاومة السلطة السياسية التي كانت ضد الأرثوذكسيين، وساهم إسهاما كبيرا في اللاهوت. أول كانون الثاني، كنسيّا، يوم مليء. ندخله على الرجاء إذ نأمل من الله أن يمدّنا بأزمنة سلام أولاً، وأزمنة ازدهار اقتصادي ثانيًا. ونصلّي كثيرا من أجل بلدنا المعذّب بالجرائم الرهيبة التي ارتكبت ضد الآمنين والأبرياء. وتاليًا لا بد أن يركز كل منا في صلاته الفردية على الأمن ليطلبه لنا جميعا، حتى يعطينا الله السلام بيننا، بين كل شرائحنا، وألا يطعن بنا أحد من الخارج لنحاول تأمين سبل عيشنا وتربية أولادنا.

وإلى الصلاة جهد آخر وهو أن يتطوّع كل من شاء لصوم يوم أو أكثر فيأتي إمساكنا هذا، نوعا من الدعاء ليأخذ الرب لبنان في رحمته ورضاه. السنة 2006 ستكون جديدة إذا تجدّد القلب وتطهّر. فقط إذا بلغنا التوبة وقرّرنا البقاء عليها والإقامة فيها، نصبح معا جددا فلا نكره ولا نحقد ولا نشتم، لعلّ الله ينظر إلى هذا فلا يمتحننا أكثر من طاقتنا ويقطع يد أي من أراد أن يقتل قادة الحياة الوطنيّة عندنا والإعلاميين فنسير حيث نريد أن نسير ولا نخاف.

يحزنني أن أرى المؤمنين في هذا اليوم قلّة. خالِفوا هذه العادة السيّئة وتعالوا إلى مائدة الرب لتكون نفوسكم جميلة، حرة من الشر وترتفعوا معا إلى وجه المسيح. الزمان يعبر، وغدك من حيث الطعام والعمل والحياة العائليّة سيكون هو اليوم الذي أنت فيه. والحياة الاقتصادية في صعود وهبوط. وغالبا ما تكون أنت أضعف من المافيات السياسيّة التي تشوّش حياة البلد وتخلّ بنظامه.

ربما ما بقي لك أن تصير أنت إنسانا حسنا في سلوكك الفردي. اسعَ إلى تجميل نفسك روحيا وتحسين أهل بيتك. إذا عمل هذا كثيرون لا بد أن ينشأ مجتمع جميل ودولة راقية.

Continue reading