منذ سنوات عديدة أسمع مسيحيين من كنائس مختلفة يتمنّون اتّفاقا على تاريخ واحد للعيد ويضيفون الى هذا أن هذا التفاهم يوحِّد. خشيتي أن يكون الكثيرون مقتنعين أن ليس بيننا خلاف غير هذا. والأخطر من هذا أن الكثيرين يذهبون الى أن العقائد التي تُفرّقنا صناعة اللاهوتيين وأن الأساقفة أو بعضهم مهدّدون بخسارة ما تسمّيه العامة مراكزهم مع أن الكنائس مقتنعة أن الكنيسة في حال توحّدها لن تطلب الى أسقف أن يستقيل والأساقفة قلّة في العالم عزيزة.
من هنا إحساسي أن الإلحاح على وحدة التاريخ عند بعضٍ تُخفي موقفًا من العقائد خافضا لأهميتها وهي تفوق موضوع العيد الذي هو على مستوى أدنى من مستوى العقيدة ما في ذلك ريب.
وحدة الوجدانات المسيحية تبدو لي مقاربة لمشكلة الوحدة المسيحية من أضيق زاوية او من زاوية مَن يجهل أن هناك سلّة من الخلافات الأفضل التصدّي لها معا.
الخلاف على يوم الفصح كان معروفًا في القرن الثاني لمّا كانت الكنيسة واحدة. في آسيا الصغرى كانوا يقيمونه في 14 نيسان وفي الاسكندرية وروما يوم أحدٍ فحاولوا ضمن الوحدة أن يُثبّتوا تاريخا واحدا فأتى هذا يوم أحدٍ. رأوا أن التوحيد أفضل ولكن اختلاف اليومين ما شكّل بينهم خلافا.
ماذا أفادت وحدة التاريخ للعيد بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الإنجيلية وبقيت الخلافات على أشدها خلال أربعة قرون ونيّف. عندما اختار الأرمن الأرثوذكس في العشرينات من القرن الماضي التاريخ الغربي هل اندمجوا بالغرب على صعيد العقيدة؟ طبعا لا. وصعوبة انتقائهم لتاريخ واحد معنا تأتي من وحدتهم الكاملة مع كنيسة أرمينيا في الوطن الأمّ. أرمن لبنان والمشرق العربي لن يتبنّوا يوما دون التشاور مع كنيستهم الأمّ، ولذلك لن يشمل توحيد التاريخ في لبنان الإخوة الأرمن.
# #
#
الفصح له قاعدة وضعها المجمع النيقاويّ (المسكونيّ) المنعقد السنة الـ 325 والقاضي بأن نبدأ حساب العيد من الاعتدال الربيعي الواقع في 21 من آذار، ثم ننتظر البدر اللاحق له، والأحد بعد البدر يكون العيد، وثبّت الاجتماع المسكونيّ المنعقد في حلب السنة الـ 1997 هذا المبدأ القديم.
بعد إصلاح البابا غريغوريوس الثالث عشر للتقويم اليوليانيّ في السنة الـ 1582، ذلك الإصلاح الذي لم تقبله الكنيسة الأرثوذكسية، صار الـ 21 من آذار اليوليانيّ (الأرثوذكسيّ تطبيقًا) غير الـ 21 من آذار الغريغوريّ الذي تبعته الدول. وتاليا صار الكاثوليك يتبعون آذارهم وينتظرون البدر ليعيّنوا العيد بعد «بدرهم»، وصار الـ 21 من آذار الأرثوذكسي يقع في هذا القرن 14 يوما بعد ذاك وينتظرون هم «بدرهم» ثم الأحد الذي يليه وهو فصحهم.
فحسب حركة القمر يكون لنا تاريخان للعيد او تاريخ واحد بحيث اذا اقترب البدر من 21 آذار الغريغوري يكون على الأرثوذكسيين أن ينتظروا البدر الآخر ليجعلوا عيدهم في الأحد الذي يليه، ويتباعد هكذا الفصح الأرثوذكسي. وأما إذا تباعد القمر عن الاعتدال الربيعي الغريغوري يكون العيد في يوم واحد. المشكلة تكمن اذًا في أن الكثلكة تبنّت التقويم الغريغوري، والأرثوذكسية لا تزال على التقويم اليولياني الذي تركته روما في عهد البابا غريغوريوس الثالث عشر.
يبدو لي أننا اذا تمسّكنا بقاعدة المجمع المسكوني الأول أي الاعتدال الربيعي ثم البدر الذي يليه لا بد للأرثوذكس أن يتخلّوا عن التقويم اليولياني. هذا يتطلّب تفاهم كل الكنائس الأرثوذكسية في مجمع عام لها او تبادل الرسائل بين رؤسائها، وهذا يبدو عسيرا في الوقت الحاضر لأن القرار الأرثوذكسي وإن صدر قانونيا عن رؤساء الكنائس الا أن هؤلاء يراعون شعور شعوبهم، وفي اطّلاعي على مشاعرها لا يبدو لي أنها متحمسة للتغيير. انها مؤلّفة من رعايا وأبرشيات أدنى هي الى التمسّك بتراثها وتُحسّ أن تاريخ العيد هو جزء من تراثها. البطاركة ورؤساء الأساقفة عندنا ليسوا أسيادا على شعوبهم بصورة مطلقة بسبب من نظامها الذي ينسق بين الإكليروس والعوام.
ذلك أن الكنائس الأرثوذكسية في واقعها التاريخيّ منصهرة في الواقع مع إثنيات، وفي البلقان إثنيات كاثوليكية مثل كرواتيا جرت دماء بينها وبين الإثنيات الأرثوذكسية. هذه هي تركيبة أُمم مختلفة لا يبدو أنها مهيأة لتغيير تحسّ به أحيانا أنه مخالف للعقيدة. انت تتعامل مع شعوب ولا تتعامل فقط مع كنائس. انا لا أتوقّع اذًا انقلابًا سريعا في الشعوب الأرثوذكسية.
يبقى أن التغيير اذا تعذّر في الوقت الحاضر ممكن على الأصعدة الإقليمية.
# #
#
هذا ما رآه البابا بولس السادس في الستينات من القرن العشرين أثناء انعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني فسمح للأقليّات الكاثوليكية في البلدان التي أكثرها أرثوذكسي أن تتبع الفصح الأرثوذكسيّ، وعلى هذا سار المسيحيون الكاثوليك في مصر والأردن وفلسطين المحتلّة. ودرس هذا الأمر موارنة لبنان وأوشكوا أن يعيّدوا مع الأرثوذكسيين في اجتماع عقدوه في قبرص. وأذكر أن بطريركيّتهم أعلنت انها ستطلق استفتاء لدى الشعب الماروني حول هذا الموضوع، ولكن يبدو أن هذا الاستفتاء لم تقم به هذه البطريركية او قامت به ولا نعلم نتيجته.
ثم قالت الأدبيات الصادرة عن بعض من علماء الكنيسة المارونية أن الموارنة في لبنان ليسوا بأقلية وأن سماح البابا بولس السادس لا ينطبق عليهم. لم تُجادل البطريركية الأرثوذكسية هذا الموقف. ولكن الكلام الذي سُمع من أفواه أرثوذكسية مختلفة أن لبنان ليس وحدة كنسية ولكن الوحدة هي المدى الأنطاكيّ، أي عليك أن تعتبر أن الكنائس قائمة كل منها في الحيّز الأنطاكي القائم في سوريا ولبنان معا. واذا اتّخذنا هذه القاعدة تنطبق أمنية البابا بولس السادس بأن يعيّد كاثوليك المنطقة السورية-اللبنانية وفق النظام الأرثوذكسي.
إقليميا حتى الآن نحن في مأزق. على الصعيد العالمي غير معقول أن الأرثوذكس المحليين (في سوريا ولبنان) ينفصلون في تعييدهم عن الروس واليونانيين على مختلف بلدانهم والبلغار والصرب وغيرهم ليختاروا يوما لبنانيا للعيد. دعاة توحيد تاريخ العيد في مناطقنا كثيرون. الأرثوذكسيون يقولون-في تصوري- لكاثوليك الشرق: الأُخوّة بيننا تقضي عليكم أن تعيدوا معنا ما دام أُعطي لكم السماح، ويضيفون افهمونا يا أحباء إذا قلنا إننا لا نستطيع أن ننفصل لهذه القضية عن إخواننا في العالم الأرثوذكسي. وانتم لا تتراجعون عن شيء اذ صدر الأمر من مرجعيّتكم الأولى. ليست ماهيّة أحد في الكنيسة مرتبطة بتاريخ عيد، والتوحّد في تاريخ واحد يعتبره الشعب المسيحي كله تعبير محبة أخوية. فلنعش هذه المحبة على الصعيد الإقليمي ان لم نستطع عيشها الآن على المستوى العالمي.
Continue reading