Monthly Archives

January 2013

2013, مقالات, نشرة رعيتي

يسوع رئيس الكهنة / الأحد 27 كانون الثاني 2013 / العدد 4

بالمقارنة مع الذين سُمّوا رؤساء كهنة في العهد القديم يُبرز كاتب الرسالة الى العبرانيين أن المسيح هو وحده رئيس كهنة لأنه قدّم نفسه ذبيحة على الصليب فهو رئيس الكهنة الوحيد لأن ذبيحته على الصليب هي الذبيحة الوحيدة التي تقبّلها الآب.

ويسمّيه كاتب الرسالة بارّا بلا شر ولا دنس، ولكونه كذلك، صار رئيس كهنة بالمعنى المطلق صاحب كهنوت جديد أَسمى من كهنوت العهد القديم. وليس من كهنوت غير كهنوته، والكهنة في الكنيسة ليس لهم كهنوت خاصّ. هو وحده الكاهن لأنه وحده كان المقرّب (بكسر الراء) والمقرّب (بفتح الراء) بمعنى أنه هو الذبيحة ومُقدّم الذبيحة بآن. وكاتب هذه الرسالة الذي وضَعَها للمسيحيين من أصل يهوديّ وللذين كانوا كهنة في الهيكل كان عليه أن يُفهمهم أن يسوع ليس مثل رؤساء كهنة اليهود الذين لم يبق عندهم شيء ليُقدّموه اذ بطلَ كهنوتُهم اللاويّ عندما جاء كهنوت المسيح الذي مارَسَه يسوع مرة واحدة على الصليب وليس من ذبيحة اخرى.

واذا سُمّي القداسُ الإلهي ذبيحةً فهو ليس ذبيحة ثانية بعد ذبيحة الصليب اذ ليس من ذبيحة جديدة. القداس ليس ذبيحة جديدة اذ ينقل إلينا ذبيحة الصليب بشكلي الجسد والدم وصورتهما الخبز والخمر.

بعد إتمام يسوع هذه الذبيحة مرة واحدة بدا مكمّلا في الجسد. ذبيحة القربان تستمرّ، وهي واحدة في كل كنيسة وفي كل كنائس العالم. ليس هناك ذبائح بل ذبيحة واحدة تمّت مرة على الخشبة، وهي نفسها تتكرّر في القداس أو تبدو في القداس وليس هو ذبيحة اخرى.

بعد أن أتمّ يسوع ذبيحته الواحدة، صعد الى السماء وجلس عن «يمين عرش الجلال في السموات، وهو خادم الأقداس والمسكن الحقيقيّ الذي نصبه الرب لا إنسان».

وهنا يشير الرسول الى الصعود حيث كرّم الله ناسوت ابنه بقبوله عن يمينه في السموات. وهنا يشير الرسول ايضا الى أن المسكن الحقيقيّ هو ذاك الذي يسكنه المسيح بجسده في السموات.

تم الصعود بالجسد، وأما ألوهية المسيح فكانت فيه وفي السموات معا. بالصعود كرّم الله الآب بشريةَ المسيح وشرّفَها بشرف اللاهوت، وبدت مساوية بأُلوهية الرب في الكرامة.

الرب يسوع يدعونا الى أن نُشاركه كرامة لاهوته، وأن نُتمّم في عقولنا وقلوبنا الصعود دائمًا الى الفكر الإلهي.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

الأرثوذكس في الميزان / السبت 26 كانون الثاني 2013

هنا حملة على الأرثوذكسيين لأن فريقا منهم تقدم بمشروع سياسي يتعلّق بنظام التشريع الانتخابي. هنا لا بد من التوضيح ان الأرثوذكسيين الذين يعرفون أنفسهم كنيسة فقط يرفضون ان تكون لهم صفة أخرى اذ لا يعترفون هم أنفسهم انهم مجموعة سياسية موحّدة ينبثق عنها رأي حزبي، لأنهم لو أجمعوا على موقف سياسي لألفوا طائفة في التركيبة اللبنانية وهم يرفضون هذا من حيث المبدأ. اما اذا وصفتهم الدولة في دستورها مجموعة سياسية فهذا قول فيهم وليس رأيا لهم. لذلك ليس في شؤون الدنيا موقف يلزمهم أو تدعوهم الكنيسة اليه. وكنيستهم لا تتحدث بشأن سياسي وسبق لها ان اتخذت مواقف وطنيّة بمنطق وطني.

عند الأرثوذكسيين ما يسمى المجمع المقدس أي مجموعة الأساقفة القائمين في سوريا ولبنان والعراق وقد اتخذ في السنوات الأخيرة التي عشناها مواقف تتعلّق بالمنطقة العربية ولا سيما فلسطين المحتلة رافضا لاسرائيل ومنها مواقف تتصل بسوريا أو بلبنان وليست فيها اية اشارة إلى الأرثوذكسيين وحدهم. لم يقف واحد منهم أو اثنان أو ثلاثة ليقولوا هذا موقف طائفتنا لأن احد ليس موكلا هذا التعريف ولأن وحدة «الروم» في الحيّز السياسي نرفضها رفضا كاملا لكوننا نسعى إلى وحدة الشعب اللبناني والروم يعيشون معا فقط  في صلاتهم وخدمتهم للناس. اما اذا اجتمع بعض منهم بسبب من تقارب فكري فيما بينهم لخدمة الوطن فمن له عليهم؟ أليس كل الناس يعملون هكذا؟ فلماذا كل هذه الحملة كأن بقية اللبنانيين يعفون عن الدفاع عن أنفسهم ومصالحهم واستمرار مناصبهم وامتيازاتهم في الدولة، كأنهم ملائكة وصلوا إلى رؤية مدنية للوطن أو علمانية. يتهم الأرثوذكسيون بالانكماش الطائفي وكأن الآخرين عفّوا عن الطائفية. «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بأول حجرة». لا أعرف طائفة لا تسعى إلى المحافظة على ما كسبت في هذا العيش المسمى مشتركا.

الا ترون معي مطلبا طائفيا وراء مواقف مسكوبة كلاميا باللغة الوطنية وهي عتيقة في طائفيتها. وهنا لا أعتقد ان احدا يستطيع ان يعطي الآخرين درسا في العفة. ولست أرى طائفة تجردت عما كسبته لتذبح تاريخها الطائفي على مذبح الأمة. واذا أحسستم اليوم وهنا ان بعض الأرثوذكسيين تطيف قليلا أو كثيرا فلأن هذه اللوثة مبثوثة في البلاد.

إلى هذا فالأقلية الدينية لا تستطيع ان تحسم أي سجال وطني لأن الأكثريات وحدها فاعلة. أفهم ان تكون احدى الأكثريات راقية، وطنية، مستعدة الا تسيطر ولكن الواضح ان الأقليات تعطي مبادئ ومواقف روحية ولا تغير شيئا في راهن السياسة.

ليس متتبع لشؤون هذا الوطن قادرا ان يقتنع ان طائفة واحدة سبقت غيرها في ضرورة إقامة وطن على أسس غير طائفية. أنا لا أصدق من راشق الآخرين باعتبارهم طائفيين لأنه وهو وجماعته دخلوا فردوس العلمانية.

كان الناس يكتبون ضد الطائفية ثم أضافوا من وقت قريب كلمة المذهبية بسبب ما اعتبر خلافا بين أهل السنة والجماعة من جهة والشيعة من جهة أخرى إلى ان بعثوا الكلمة ليرشقوا بها الأرثوذكسيين وكأن بقية المسيحيين منزهون عن حب هذه الدنيا وأمجادها. التعصب الفاعل في كيان الوطن يتطلّب عددا كبيرا لأصحابه. كيف يمكن للأرثوذكسيين وهم لا يتجاوزون ثلاثمئة وخمسين ألف نسمة في أمة من أربعة ملايين ان يهددوا سلامة الأمة ووحدتها؟

في هذه الأيام تعثر في كثير من الأدبيات على ذكر الأرثوذكسيين مدحا بهم أو ذما ويراهم أصدقاؤهم أو خصومهم جماعة مسيسة على منحى واحد وهذا غير صحيح. هم ليسوا خير أمة أُخرجت للناس لأن منهم من يأمر بالمعروف ومنهم من يرتكب المنكر ولكنهم جماعة متمايزة لا تحلم بحكم البلد ولو وجدت فيه وترغب في الخير لكل الناس لشعورها بأنها في خدمتهم ولا تبعدها العقيدة عن خدمتهم بما أعطيت من مواهب.

قد لا تستهين بها لقلتها وقد يغريك فيها ما ورثته من تاريخ غني ومن عبادات بهية فهيمة هي معراجك إلى ربك ان شئت. ولكون هذا الجمال والحق هما من ربها تفتخر بهما ولا تفخر بنفسها لأنها مسؤولة عما نزل عليها وتهمل ما وصل اليها لتعبد نفسها وتتيه.

يحق للإنسان عنده كل جمال العبادة البيزنطية ان يحس انه مخطوف إلى فوق حيث يحق له فقط ان يلمس انه لم يصل إلى العرش ولكن يحق له ان يبصره من بعيد.

هذا لا يدقق في ما يبصره الآخرون فما من شك عندي ان البشر جميعا ورثوا الكثير من النور أخلصوا له أم لم يخلصوا ونحن اليهم بالرجاء الذي فينا. ليس احد يخلص الا من رأى هذه الرؤية واقتبس منها ما يستطيع.

الأرثوذكسيون اذا انحصروا في أجسادهم ودنياهم ليسوا بشيء اما اذا اعتبروا انهم في تراثهم ومن تراثهم قادرون ان يصيروا ملوكا يكونون صاروا هكذا من الله. من مارس عباداتهم يفهم ما قاله إرميا: «روح أفواهنا مسيح الرب». الأرثوذكسي يصبح شيئا اذا لم يميز بين فمه وفم الله أي اذا تحقق بالتقوى انه قادر ان يطلق من فمه كلام الإنجيل بعد ان انصهر فيه.

هو عارف انه «هكذا يعبر مجد العالم». هو يهزأ بالذين يسعون إلى تقاسم مجد العالم. هؤلاء باقون في العالم ولا يتقدسون. اما الذين ورثوا الملكوت فإنهم يسلكون الدهر الآتي استعدادا لاختطافهم إلى الزمن الذي يأتي فيه المسيح ثانية ليدين الأحياء والأموات.

اذًا لا مشكلة للأرثوذكسيين مع أحد وتاليا ليسوا هم المشكلة.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

الأرثوذكس في الميزان / 26 كانون الثاني 2013

هنا حملة على الأرثوذكسيين لأن فريقًا منهم تقدم بمشروع سياسي يتعلّق بنظام التشريع الانتخابي. هنا لا بد من التوضيح ان الأرثوذكسيين الذين يعرفون أنفسهم كنيسة فقط يرفضون ان تكون لهم صفة أخرى اذ لا يعترفون هم أنفسهم انهم مجموعة سياسية موحّدة ينبثق عنها رأي حزبي، لأنهم لو أجمعوا على موقف سياسي لألفوا طائفة في التركيبة اللبنانية وهم يرفضون هذا من حيث المبدأ. اما اذا وصفتهم الدولة في دستورها مجموعة سياسية فهذا قول فيهم وليس رأيا لهم. لذلك ليس في شؤون الدنيا موقف يلزمهم أو تدعوهم الكنيسة اليه. وكنيستهم لا تتحدث بشأن سياسي وسبق لها ان اتخذت مواقف وطنيّة بمنطق وطني.

عند الأرثوذكسيين ما يسمى المجمع المقدس أي مجموعة الأساقفة القائمين في سوريا ولبنان والعراق وقد اتخذ في السنوات الأخيرة التي عشناها مواقف تتعلّق بالمنطقة العربية ولا سيما فلسطين المحتلة رافضا لاسرائيل ومنها مواقف تتصل بسوريا أو بلبنان وليست فيها اية اشارة إلى الأرثوذكسيين وحدهم. لم يقف واحد منهم أو اثنان أو ثلاثة ليقولوا هذا موقف طائفتنا لأن احد ليس موكلا هذا التعريف ولأن وحدة «الروم» في الحيّز السياسي نرفضها رفضا كاملا لكوننا نسعى إلى وحدة الشعب اللبناني والروم يعيشون معا فقط  في صلاتهم وخدمتهم للناس. اما اذا اجتمع بعض منهم بسبب من تقارب فكري فيما بينهم لخدمة الوطن فمن له عليهم؟ أليس كل الناس يعملون هكذا؟ فلماذا كل هذه الحملة كأن بقية اللبنانيين يعفون عن الدفاع عن أنفسهم ومصالحهم واستمرار مناصبهم وامتيازاتهم في الدولة، كأنهم ملائكة وصلوا إلى رؤية مدنية للوطن أو علمانية. يتهم الأرثوذكسيون بالانكماش الطائفي وكأن الآخرين عفّوا عن الطائفية. «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بأول حجرة». لا أعرف طائفة لا تسعى إلى المحافظة على ما كسبت في هذا العيش المسمى مشتركا.

الا ترون معي مطلبًا طائفيًا وراء مواقف مسكوبة كلاميا باللغة الوطنية وهي عتيقة في طائفيتها. وهنا لا أعتقد ان أحدًا يستطيع ان يعطي الآخرين درسًا في العفة. ولست أرى طائفة تجردت عما كسبته لتذبح تاريخها الطائفي على مذبح الأمة. وإذا أحسستم اليوم وهنا ان بعض الأرثوذكسيين تطيف قليلاً أو كثيرًا فلأن هذه اللوثة مبثوثة في البلاد.

إلى هذا فالأقلية الدينية لا تستطيع ان تحسم أي سجال وطني لأن الأكثريات وحدها فاعلة. أفهم ان تكون احدى الأكثريات راقية، وطنية، مستعدة الا تسيطر ولكن الواضح ان الأقليات تعطي مبادئ ومواقف روحية ولا تغير شيئا في راهن السياسة.

ليس متتبع لشؤون هذا الوطن قادرًا ان يقتنع ان طائفة واحدة سبقت غيرها في ضرورة إقامة وطن على أسس غير طائفية. أنا لا أصدق من راشق الآخرين باعتبارهم طائفيين لأنه وهو وجماعته دخلوا فردوس العلمانية.

كان الناس يكتبون ضد الطائفية ثم أضافوا من وقت قريب كلمة المذهبية بسبب ما اعتبر خلافا بين أهل السنة والجماعة من جهة والشيعة من جهة أخرى إلى ان بعثوا الكلمة ليرشقوا بها الأرثوذكسيين وكأن بقية المسيحيين منزهون عن حب هذه الدنيا وأمجادها. التعصب الفاعل في كيان الوطن يتطلّب عددا كبيرا لأصحابه. كيف يمكن للأرثوذكسيين وهم لا يتجاوزون ثلاثمئة وخمسين ألف نسمة في أمة من أربعة ملايين ان يهددوا سلامة الأمة ووحدتها؟

في هذه الأيام تعثر في كثير من الأدبيات على ذكر الأرثوذكسيين مدحا بهم أو ذما ويراهم أصدقاؤهم أو خصومهم جماعة مسيسة على منحى واحد وهذا غير صحيح. هم ليسوا خير أمة أُخرجت للناس لأن منهم من يأمر بالمعروف ومنهم من يرتكب المنكر ولكنهم جماعة متمايزة لا تحلم بحكم البلد ولو وجدت فيه وترغب في الخير لكل الناس لشعورها بأنها في خدمتهم ولا تبعدها العقيدة عن خدمتهم بما أعطيت من مواهب.

قد لا تستهين بها لقلتها وقد يغريك فيها ما ورثته من تاريخ غني ومن عبادات بهية فهيمة هي معراجك إلى ربك ان شئت. ولكون هذا الجمال والحق هما من ربها تفتخر بهما ولا تفخر بنفسها لأنها مسؤولة عما نزل عليها وتهمل ما وصل اليها لتعبد نفسها وتتيه.

يحق للإنسان عنده كل جمال العبادة البيزنطية ان يحس انه مخطوف إلى فوق حيث يحق له فقط ان يلمس انه لم يصل إلى العرش ولكن يحق له ان يبصره من بعيد.

هذا لا يدقق في ما يبصره الآخرون فما من شك عندي ان البشر جميعا ورثوا الكثير من النور أخلصوا له أم لم يخلصوا ونحن اليهم بالرجاء الذي فينا. ليس احد يخلص الا من رأى هذه الرؤية واقتبس منها ما يستطيع.

الأرثوذكسيون إذا انحصروا في أجسادهم ودنياهم ليسوا بشيء اما إذا اعتبروا انهم في تراثهم ومن تراثهم قادرون ان يصيروا ملوكًا يكونون صاروا هكذا من الله. من مارس عباداتهم يفهم ما قاله إرميا: «روح أفواهنا مسيح الرب». الأرثوذكسي يصبح شيئا اذا لم يميز بين فمه وفم الله أي اذا تحقق بالتقوى انه قادر ان يطلق من فمه كلام الإنجيل بعد ان انصهر فيه.

هو عارف انه «هكذا يعبر مجد العالم». هو يهزأ بالذين يسعون إلى تقاسم مجد العالم. هؤلاء باقون في العالم ولا يتقدسون. اما الذين ورثوا الملكوت فإنهم يسلكون الدهر الآتي استعدادًا لاختطافهم إلى الزمن الذي يأتي فيه المسيح ثانية ليدين الأحياء والأموات.

إذًا لا مشكلة للأرثوذكسيين مع أحد وتاليًا ليسوا هم المشكلة.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

انسكاب النور / الأحد 20 كانون الثاني 2013 / العدد 3

الله الذي خلق النور هو الذي خلّصَنا بنور المسيح. الرسول رأى هذا النور على وجه المسيح القائم وانسكب في القلوب أي لم يبق نورًا محسوسًا. نور القيامة صار نورًا في القلوب. بعد ان رآه الرسول على وجه المسيح الذي ظهر له، انكشف على وجوهنا وتسلل إلى كل حياتنا. هذا انسكب في القلوب ليعطيها «مجد الله في وجه يسوع المسيح».

هذا العطاء الإلهي يسمّيه بولس كنزًا ولكنه في آنية خزفيّة وهي بشريّتنا ليبقى فضلُ القوة لله. هذا تعليم بولس الدائم. النعمة هي التي تُبادر إلى الخلاص، ونحن نتقبّلها. الآنية الخزفيّة أي كيان اللحم والدم فينا وضيع ومعطوب. العمل اذًا هو من الله. كان بولس يلمس افتقادًا إلهيًا في عمل ظاهره يقوم به بشر ولكن هناك قوة متعالية تقوم بكل البشارة التي نقدّمها.

انها قوّة الله التي نزلت علينا بحياة المسيح الأرضية وبموته الذي اعتبره اليهود عيبًا وشؤمًا. إن كل الأزمات التي واجهها لم تقُده إلى صدمات ولم تُخزه، ومع أنه تضايق الا أن هذا الضيق لم يحصره، ومع انه كان متحيرًا أمام المصائب الا انه لم ييأس. بولس كان ككل الناس في الضيقات، تحت التجارب، وتزعجه الشدة والاضطهاد، إلا أن انزعاجًا لم يخذله.

لا ينبغي ان نتصوّر بولس فوق التجارب، بطلاً صنديدًا، فولاذيًا. إنسان كهذا غير موجود. كان طريح الأوجاع الجسدية والمعنوية، ومع ذلك رسولاً متابعًا مهمته، مُخلصًا لها، لا تعزية له الا النعمة، هزيل الجسد، فقيرًا، شبه جائع في حالات كثيرة، «حاملاً في الجسد كل حينٍ إماتةَ الرب يسوع» لتظهر حياة يسوع فيه. لم ينسَ مرة أن شدائد جسده ونفسه كانت وعدًا بانتعاشه وفرحه ووعدًا بقيامته.

كان فاهمًا أنه يُسلَم دائمًا إلى الموت من أجل يسوع «لتظهر حياة يسوع دائمًا في أجسادنا المائتة».

فإذا ذاق هو الموت، فالحياة ثمرته في المسيحيين. معنى هذا أنه يأتي دائمًا من الإيمان فيتحقّق فيه ما كُتب في الكتاب القديم: «إني آمنتُ ولذلك تكلّمتُ». الإيمان هو يدفعنا إلى البشارة. ما ثمرة هذا الكلام؟ نحن نتكلم لكوننا نعلم أن الذي أقام الرب يسوع سيُقيمنا نحن أيضًا معه.

البشارة تُوصل صاحبها ومَن سمعه إلى القيامة من بين الأموات. ونحن فيها معا. وفي القيامة تتكون الكنيسة المجيدة الحق التي يكتمل فيها جسد المسيح.

هذا كله كان لأجلكم. ولكوننا معا منتصبين بالنعمة والحق، تتكاثر النعمةُ فينا ما يؤهلنا للمجد. والنعمة لا تنقطع، تؤهّلنا للشكر دائما. وإذا نزل علينا الشكر، نزداد نعمةً ونشاهد مجد الله هنا وعند نصر القيامة.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

الموارنة والأرثوذكس في حضرة الرب / السبت 19 كانون الثاني 2013

مع جلوس صاحب الغبطة والنيافة البطريرك بشارة الراعي على السدة البطريركية ومع تسلّم صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر للسدة أدركت الكنيسة المارونية والكنيسة الأرثوذكسية ان تبريكا كبيرا نزل عليهما وكان تعبيره إخاء وقوة في المحبة كانا ساطعين في التعامل بينهما على أعلى صعيد. الى هذا الأفق الروحي الواسع تنظر الكنيستان اليوم لا سيما انهما ادركتا ان شغلهما الشاغل مع بقية الكنائس تعزيز المعرفة الإنجيلية وفلاحة كرم السيد معا والكنائس في هذا المشرق تتطلع الى الشهادة الواحدة وقد أدركت ان الوقت وقت تفعيل العطاء الإلهي الذي ورثته معا من الحبيب الأوحد.

كل منا أمسى خادما، حيث أقام، لرعية المسيح الواحدة بحيث دفعه الراعي الواحد الى ان يرى المسيحيين جميعا رعية لربها الواحد. واية كانت صور الخدمة وآلياتها وقاموسها بتنا نفهم اكثر من الماضي اننا واحد في خدمة سر الخلاص فلم يبقَ عند اي فريق استكبار او تنافس لأن الأزمنة باتت سيئة «وقد أريق السكيب علينا» لنصبح تقدمه حية للرب.

هناك أهمية كبيرة – في كلام اللاهوتيين- لشعور المسيحيين انهم امة للرب واحدة تنزل عليها القداسة الواحدة في الكلمة وفي القرابين. وشعور الشعب المؤمن يشكل إجماعا يجعل الكنيستين في رؤية المسيح واحدة.

الانقسام ليس واقعا لاهوتيا. هو واقع الخطيئة في التاريخ ولا يعول عليه ولكنه يعول على الوحدة التي المسيح بانيها. القسمة من ثمار الخطيئة وليس لها عند المخلص وجود الا في الدمع الجاري من عينيه. ونحن نأتي من هذه الدموع ولا نأتي من القسمة الى ان يزيل الرب كل آثار التفسخ.

عندما يكون البطريرك لاهوتيا كما هي الحال في الكنيستين المارونية والأرثوذكسية تسمو نوعية العلاقة بينهما على رجاء ارتفاع مستوى المؤمنين جميعا الى الرؤية الإلهيّة العظيمة فلا نبقى في العلاقات الرعائية البسيطة بل نرقى الى تفاهم لاهوتي عظيم والى تثبيت العلاقات على عمق هذا التفاهم.

السؤال لم يبقَ، اذ ذاك، كيف نعيش معا في مجتمع كنسي واحد ولكن كيف نرقى في الإحساس اللاهوتي والتربية الإلهية الواحدة بحيث نسلك وكأننا أخذنا نبني الكنيسة الواحدة معا في قداسة البر.

#   #

#

كيف نخترق حواجز التاريخ والأنظومات القانونية في حين تكشف لنا الرؤية الوحدة لكنيسة الغد، هذه الرؤية التي تكشف لنا التدبير العملي لحياتنا المشتركة. ما المستوى الذي لا بد لنا ان ترتقي اليه؟ ماذا يجب ان نهدم لنرى وحدتنا المشتهاة؟

هناك خصوصية في العمل والتعامل بين الكنيسة الأرثوذكسة والكنيسة المارونية لا لحصر التلاقي بينهما ولكن لشعور في التقارب عميق، ربما كان مردّه الى ان هاتين الكنيستين لم تختبرا تباعدا في وجودهما على أرض واحدة قد يكون تفسيره ان اية منهما لم تنهشِ الأخرى ولم تطمع بأغنامها اذ كانت تحتسب ضمنا ان الرب في الكنيستين بالقوة الواحدة. المؤمنون في هذه الرعية وتلك منذ ظهور الحركة المسكونية والتقارب بين الرئاسات الروحية لم يعودوا يحسون بوجود انقسام بين الرعيتين واخذت كل رعية تشعر بصدق ان الرعية الأخرى واحدة معها في شركة الإيمان الأساسي ولم يبقَ أثر حقيقي لخطف الأغنام من الرعية الأخرى.

يعيش المسيحيون اليوم في هذا البلد بشعور وحدة قائمة وان لم يكن لها تعبير قانوني نظامي. انت تقبل ضمنا -بمفهوم عميق او غير عميق- ان المسيحي الآخر أخوك وانك لن تجرحه. وهذا آتٍ من كونك صرت تحبه منذ ثلاثين او أربعين سنة وأخذت تحس ان الله بهذا الموقف مباركك.

قد يكون مردّ هذا عند العامة ان فريقا ما لم يبقَ محبا للخلاف وقد يكون مردّ هذا الى ان مشقات الانقسام صارت جارحة لكلّ منّا ولسنا نريد ان ندفع ثمنها. الى هذا في جو التقارب الإنساني العام ازداد شعور المسيحيين بوحدتهم.

كيف نجسّم هذا من أبسط مستوى التعايش الرعائي بيننا الى أعلى مستوى لاهوتي؟ انا لا أقدر ان أحس بوحدتي مع الانسان الكاثوليكي ما لم أسائله في مسائل عديدة تتعلّق بممارساته الفكرية والعملية. انا لا أقدر ان أحب الكاثوليكي حبا صادقا وكبيرا ما لم أسائله في كتابات له وحياته الرعائية. علاقات الكنائس ليس فيها مجاملة. انها قائمة على اللاهوت اي على التلاقي العظيم في المسيح يسوع. أظن ان ضعف الكنائس او بعضها مرده عقلية اهل المشرق العائشين مع خصومهم الفكريين ومع اصدقائهم بالطريقة الواحدة التي هي طريقة المجاملة والتقارب السطحي في كل مجال من مجالات الحياة.

عندما يكون لنا بطريركان جديران بكل تقدير ومحبة يمكننا ان نرجو اليهما مباشرة المحادثات اللاهوتية. هذا يتطلّب طبعا تمهيدا للدراسة الجدية ولكن هذا اذا لم يبدأ نكون سجناء المجاملة الطائفية لا التلاقي الأخوي العظيم في وجدانيته والعظيم في المعرفة.

ربما كان ظرفنا ظرف التلاحم في المكاشفة الأخوية. من عرف عن كثب نيافة وغبطة البطريرك الماروني وغبطة البطريرك الأرثوذكسي، من قدرهما حق قدرهما لا بد له ان يقول بنفحتين نازلتين عليهما انه «وقت يُعمل فيه للرب».

الرؤية اللاهوتية متوفرة اليوم في الكنيستين وقد أخذتهما المحبة الإلهية وبعد المحبة يأتي الفكر وهذا ما يسميه الرسول «فكر المسيح». لأن هذا حي في الكنيستين وفي رأسيهما لا بد من ان ينادي احد أخاه مناداة الحب لكي يلتقيا في قلب الله. وعند انعطاف القلب الإلهي يتبارك كل لقاء.

لقاء الموارنة والأرثوذكس يتممه المسيح لا أهل الدنيا. ونحن، مشتركين، نجيء من مخلص القلوب وبانيها بحبه.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

الموارنة والأرثوذكس في حضرة الرب / 19 كانون الثاني 2013

مع جلوس صاحب الغبطة والنيافة البطريرك بشارة الراعي على السدة البطريركية ومع تسلّم صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر للسدة أدركت الكنيسة المارونية والكنيسة الأرثوذكسية ان تبريكا كبيرًا نزل عليهما وكان تعبيره إخاء وقوة في المحبة كانا ساطعين في التعامل بينهما على أعلى صعيد. إلى هذا الأفق الروحي الواسع تنظر الكنيستان اليوم لا سيما انهما أدركتا ان شغلهما الشاغل مع بقية الكنائس تعزيز المعرفة الإنجيلية وفلاحة كرم السيد معًا والكنائس في هذا المشرق تتطلع إلى الشهادة الواحدة وقد أدركت ان الوقت وقت تفعيل العطاء الإلهي الذي ورثته معًا من الحبيب الأوحد.

كل منا أمسى خادما، حيث أقام، لرعية المسيح الواحدة بحيث دفعه الراعي الواحد إلى أن يرى المسيحيين جميعًا رعية لربها الواحد. وأية كانت صور الخدمة وآلياتها وقاموسها بتنا نفهم أكثر من الماضي اننا واحد في خدمة سرّ الخلاص فلم يبقَ عند أي فريق استكبار أو تنافس لأن الأزمنة باتت سيئة «وقد أريق السكيب علينا» لنصبح تقدمه حية للرب.

هناك أهمية كبيرة – في كلام اللاهوتيين- لشعور المسيحيين انهم أمة للرب واحدة تنزل عليها القداسة الواحدة في الكلمة وفي القرابين. وشعور الشعب المؤمن يشكل إجماعًا يجعل الكنيستين في رؤية المسيح واحدة.

الإنقسام ليس واقعًا لاهوتيًا. هو واقع الخطيئة في التاريخ ولا يعول عليه ولكنه يعول على الوحدة التي المسيح بانيها. القسمة من ثمار الخطيئة وليس لها عند المخلص وجود الا في الدمع الجاري من عينيه. ونحن نأتي من هذه الدموع ولا نأتي من القسمة إلى أن يزيل الرب كل آثار التفسخ.

عندما يكون البطريرك لاهوتيًّا كما هي الحال في الكنيستين المارونية والأرثوذكسية تسمو نوعية العلاقة بينهما على رجاء ارتفاع مستوى المؤمنين جميعا إلى الرؤية الإلهيّة العظيمة فلا نبقى في العلاقات الرعائية البسيطة بل نرقى إلى تفاهم لاهوتي عظيم وإلى تثبيت العلاقات على عمق هذا التفاهم.

السؤال لم يبقَ، إذ ذاك، كيف نعيش معًا في مجتمع كنسي واحد ولكن كيف نرقى في الإحساس اللاهوتي والتربية الإلهية الواحدة بحيث نسلك وكأننا أخذنا نبني الكنيسة الواحدة معًا في قداسة البر.

#   #

#

كيف نخترق حواجز التاريخ والأنظومات القانونية في حين تكشف لنا الرؤية الوحدة لكنيسة الغد، هذه الرؤية التي تكشف لنا التدبير العملي لحياتنا المشتركة. ما المستوى الذي لا بد لنا ان ترتقي اليه؟ ماذا يجب ان نهدم لنرى وحدتنا المشتهاة؟

هناك خصوصية في العمل والتعامل بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة المارونية لا لحصر التلاقي بينهما ولكن لشعور في التقارب عميق، ربما كان مردّه إلى ان هاتين الكنيستين لم تختبرًا تباعدًا في وجودهما على أرض واحدة قد يكون تفسيره ان أية منهما لم تنهشِ الأخرى ولم تطمع بأغنامها إذ كانت تحتسب ضمنًا ان الرب في الكنيستين بالقوة الواحدة. المؤمنون في هذه الرعية وتلك منذ ظهور الحركة المسكونية والتقارب بين الرئاسات الروحية لم يعودوا يحسون بوجود انقسام بين الرعيتين وأخذت كل رعية تشعر بصدق ان الرعية الأخرى واحدة معها في شركة الإيمان الأساسي ولم يبقَ أثر حقيقي لخطف الأغنام من الرعية الأخرى.

يعيش المسيحيون اليوم في هذا البلد بشعور وحدة قائمة وان لم يكن لها تعبير قانوني نظامي. أنت تقبل ضمنا -بمفهوم عميق أو غير عميق- ان المسيحي الآخر أخوك وانك لن تجرحه. وهذا آتٍ من كونك صرت تحبه منذ ثلاثين أو أربعين سنة وأخذت تحس ان الله بهذا الموقف مباركك.

قد يكون مردّ هذا عند العامة ان فريقًا ما لم يبقَ محبًا للخلاف وقد يكون مردّ هذا إلى ان مشقات الانقسام صارت جارحة لكلّ منّا ولسنا نريد ان ندفع ثمنها. إلى هذا في جو التقارب الإنساني العام ازداد شعور المسيحيين بوحدتهم.

كيف نجسّم هذا من أبسط مستوى التعايش الرعائي بيننا إلى أعلى مستوى لاهوتي؟ أنا لا أقدر ان أحس بوحدتي مع الإنسان الكاثوليكي ما لم أسائله في مسائل عديدة تتعلّق بممارساته الفكرية والعملية. أنا لا أقدر ان أحب الكاثوليكي حبًا صادقًا وكبيرًا ما لم أسائله في كتابات له وحياته الرعائية. علاقات الكنائس ليس فيها مجاملة. انها قائمة على اللاهوت أي على التلاقي العظيم في المسيح يسوع. أظن ان ضعف الكنائس أو بعضها مرده عقلية أهل المشرق العائشين مع خصومهم الفكريين ومع أصدقائهم بالطريقة الواحدة التي هي طريقة المجاملة والتقارب السطحي في كل مجال من مجالات الحياة.

عندما يكون لنا بطريركان جديران بكل تقدير ومحبة يمكننا ان نرجو اليهما مباشرة المحادثات اللاهوتية. هذا يتطلّب طبعا تمهيدا للدراسة الجدية ولكن هذا اذا لم يبدأ نكون سجناء المجاملة الطائفية لا التلاقي الأخوي العظيم في وجدانيته والعظيم في المعرفة.

ربما كان ظرفنا ظرف التلاحم في المكاشفة الأخوية. من عرف عن كثب نيافة وغبطة البطريرك الماروني وغبطة البطريرك الأرثوذكسي، من قدرهما حق قدرهما لا بد له ان يقول بنفحتين نازلتين عليهما انه «وقت يُعمل فيه للرب».

الرؤية اللاهوتية متوفرة اليوم في الكنيستين وقد أخذتهما المحبة الإلهية وبعد المحبة يأتي الفكر وهذا ما يسميه الرسول «فكر المسيح». لأن هذا حي في الكنيستين وفي رأسيهما لا بد من ان ينادي أحد أخاه مناداة الحب لكي يلتقيا في قلب الله. وعند انعطاف القلب الإلهي يتبارك كل لقاء.

لقاء الموارنة والأرثوذكس يتممه المسيح لا أهل الدنيا. ونحن، مشتركين، نجيء من مخلص القلوب وبانيها بحبه.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

ظهور الله فينا / الأحد 13 كانون الثاني 2013 / العدد 2

هل يقول الله لك في هذا الموسم: أنتَ ابني الحبيب؟ هو يعرف أنك كذلك، ولكن هل أنت تتقبل بنوّتك أي تريد أن تكون مثل المسيح أي لا مشيئة لك إلا أن تريد ما يريده يسوع ويسوع كانت له مشيئة أبيه في الجوهر. قال في البستان: لا تكن مشيئتي بل مشيئتُك أي إني أريد في ناسوتي(في بشريّتي) أن أُفكّر مثلك حتى أتمكّن من أن أكون في بشريّتي تابعا لمشيئتك.

والله الآب لن يسمّيك ابنه الا اذا أردتَ أن تكون كذلك اي خاضعا له في كل شيء بحيث لا تكون خاضعا لرغبات اللحم والدم فيك بل خاضع للآب في الكليّة كما كان الابن في بشريته خاضعا للآب في أُلوهيته.

عند ذاك تستحقّ أن تسمع ما سمعه يسوع في نهر الأردن: «انت ابني الوحيد»، ولك أن تصير ابنه بالتبنّي كما كان المسيح في بشريته. لا كلمة الله غير كلمة أبيه. لما خاطب الله المسيح بتسميته ابنًا يريد أن يسمّيك ابنه اذا أَتحت لك هذا المجال. هو لا «يخترعك» ابنًا، ولكن بالنعمة التي تنزل عليك وطاعتك للنعمة تصير ابنا له. الله عرفك ابنا منذ الأزل وأَشهرَ بُنوّتك له لما أَعلن مسيحه ابنا حبيبا على نهر الأردن.

الله لم يخاطب حبيبه الوحيد عند معموديته بهذه الكلمات إلا ليسمع كل منا أنه قادر أن يصير بدوره ابنا حبيبا. كل شيء لنا لأننا نحن للمسيح. وهو يعرف نفسه ابنًا منذ الأزل، ولكن أباه سمّاه ابنًا في معموديته لنسمع ذلك ونعرف أننا به وفيه بتنا أبناء الله.

لقد ظهر الله ثالوثًا على نهر الأردن ليقول لنا الله اننا نستطيع أن نعيش بسلام فقط إذا قبلنا أننا أولاد، وبهذا تتجدّد معموديّتنا فينا ونحيا بنوّتنا.

يريد الله منّا أن نقبل معموديتنا كانعطاف دائم من الله علينا فنعرف أننا متّكئون على صدر المخلّص أي عالمين أننا به وله وإليه.

وإذا فهمنا اليوم أننا آتون من معمودية المسيح التي أخذها عند صوت الآب وظهور الروح، فلنشكر له أنه عمدنا نحن ايضا بظهور الله في المعمودية التي تلقّيناها أطفالا لأن كل الحياة المسيحية هي أن نقبل بطاعتنا معموديتنا.

فإذا ظَهرَ اللهُ علينا بهذه الطاعة يكون الظهور الإلهي (الغطاس) ممدودا إلينا وممدودا منّا الى الآخرين. ان حياة الأطهار هي انعكاس معمودية المخلّص فيهم وظهورهم هم بالنعمة للإخوة وللناس. «معمودية واحدة لمغفرة الخطايا» لا تعني فقط معموديتنا كأطفال ولكن استمرارها فينا بالعمل الصالح.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

التباهي / السبت 12 كانون الثاني 2013

لما قال الملاك لمريم: «افرحي يا ممتلئة نعمة» أراد ان النعمة وحدها ساكنتها او انها قائمة فقط في حضرة الله، ذلك ان ليس لأحد او شيء حضرة لا يمسها هو. ان لم يكن كل ما فيك ترجمة له فهو للعدم. فاذا قبلنا ان الرب في كل شيء نعني انه يجعل كل شيء تحت ربوبيته وخارج هذا أنت طريح العدم.

تطوعنا لله يلغي الذاتية المنكمشة فيأتي وجودنا، اذ ذاك، توجها اليه بعد ان كان توجّها منه الينا. اجل باتحادنا به لا يلغي ذاتنا اذ يبقى الناسوت فينا غير انه يصير ممتلئا لاهوتا. اجل تبقى الذات مألوهة كما يقول الإسلام او مؤلّهة كما تقول المسيحية ولا سيما الشرقية منها. لا تلغى بشرية الإنسان من حيث انه وجود مخلوق ولكنك ترث فيهامنذ هذا العالم المجد الإلهي غير المخلوق منذ هذا العالم.

ملء الوجود هو هذا التلاقي الحاصل في قلب الله بين الخالق والمخلوق فلا يستحيل الواحد الى الآخر ولكنه يساكنه. هذا ما يعنيه حلول الله في الانسان بلا حلولية. فاذا كنا ورثة الله في كل بهاء لا مجال للتباهي بل تأكيد للكلمة: «من افتخر فليفتخر بالرب» فإن عرفته هكذا يكون كل جمال فيك نازلا عليك وليس لك فيه اي فضل.

الإصرار على الأنا واستقلالها في تاريخ الحضارات عن طريق العلوم والفلسفة والفن أعطى الإشارة الى ظهور الإنسانوية في الغرب فكان مثلا الجسد العاري في الرسم فقتل رمزية التصوير وبطل الانسان يعي نفسه مخلوقا على صورة الله. اخذ الإنسان يعبد جسده ويسكر بجمال ولا يعرف نفسه وريث الرب ووصل في الفن الحديث الى الغاء الوجه في القامة البشرية والوجه كان من الايقونة إطلالة الله.

ضد نعمة هذه الاطلالة سقطة التباهي الذي يحصر الانسان في ترابيته وهي بطبيعتها غير ناهدة الى فوق. التباهي اعلان التفه البشري بدءا من ادعاء الجسد جماله. هذا ليس بشيء ان لم يكن إقرارا بجمال الله وإشعاعه علينا. هذا هو الفرق بين الايقونة واللوحة ان الايقونة تقول الرب واللوحة تقول الجسد البشري او الطبيعة بلا إشارة مقصودة الى ما فوقهما.

#   #

#

هذا هو عصر النهضة الغربية التي أصرت ان تقطع العلاقة بين الطبيعة وخالقها. في الحقيقة التاريخية ان الفن الاوربي منذ القرن السادس عشر هو الذي قال الالحاد. الانسان لم يعبر عنه، بدءا بفمه ولكن بصناعة الجمال وظهر الالحاد بالكلام فيما بعد.

غير ان الحياة ليست اولا فلسفة بل سلوك. ماذا يعني افتخار الحسناء بجمالها في عمق التحليل. في آخر مطاف الإغراء هو استدعاء الناس الى عبادتها وفي تحديد المعنى الى عبادة جسدها. لا يمكن ان يعني التباهي الا التماس العبادة التي هي شرك اذ يستحيل عليك كيانيا ان تجمع بين عبادتين.

المال أفتك من الجسد فقد قال عنه الرب انه «عبادة وثن» (كولوسي 3: 5). لقد جعلك الإله تلتقيه لتبدده حسبما نطقت به الكتب المقدسة: «بدد أعطى المساكين فيدوم برّه الى الأبد» ( مزامير 112: 9). الجمال والمال مملوكان يصبحان ان قبلتهما مالكين في كيانك حتى تصير حريتك مسلوبة حقا. كل هوى من أهوائنا لهو عن «النعمة المخلصة لجميع الناس» (تيطس 2: 11).

المؤمن الجميل الطلعة لا يأبى لمديح فقد لا يعي عطية الخلق هذه او لا ينشغل بها ويقبل ذهابها اذا ما حلّ. هو لا يعرفها ملكا له ولا ملكا لأحد فأنه فقير فقط الى ما ينزل عليه من فوق.

لعلّ أقوى المواهب إغراء الذكاء لأنه الالتماع الأكبر لكونه مسنودا الى شيء عظيم ولكونه ينعكس فيه العقل الإلهي الذي حامله المسيح. كل فطن من الناس اية كانت ديانته قريب بكينونته من الله أكان عظيم الإيمان او ضعيفه. بصورة ساطعة يتجلّى الله فيه وقد لا يعلم. اذا قيس بالثراء المادي او الجمالي يكشف الله كما لا تكشفه عطايا أخرى. وبخلاف المال والجمال لا يبقى ملكا لصاحبه اذ من طبيعته ان ينتشر لأنه يؤخذ.

#   #

#

هل يعني كل هذا الا يعرف الإنسان ميزاته او حتى فضائله الروحية. الزاهد بماله يدرك هذا ولكن الزاهد ان كان مؤمنا حقا لا ينسب الى ذاته فضلا ويعترف فقط بالهبة الإلهية. كذلك يصعب على الحسناء ان تنسب جمالها الى الله ولكنه هو قادر ان يجعل في نفسها هذا الايمان وعند ذاك، تكون أدركت من القداسة مبلغًا.

الأعلى من ذلك ان يقول المثقف الكبير انا لست بشيء. كل ما يحتويه عقلي بعضه رياضة ولكن الاحساس مسكوب فيّ من فوق ولن أبدده لتقوم الحكمة وطوبى لذلك الذي يذهب مما عرفه فيّ الى ذلك الذي عنده كل علم.

«ويكون المنتهى حين يسلم المسيح الملك الى الله الآب الذي أخضع كل شيء للمسيح». بعد هذا يكون «الله كل شيء في كل شيء» (راجع 1كورنثوس 15: 24-28). كل ما أعطينا من مواهب كان من المسيح والمواهب بطبيعتها آتية منه. وان لم نعترف بذلك فلسنا على شيء. ولكن اذا آمنّا ان الله كل شيء في كل شيء ندرك ايضًا انه كان في حسننا من اية طبيعة كان واننا فتكنا الحجب المكونة من مال وجمال وعقل لنشاهد الكلمة الذي كان في البدء.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

التباهي / 12 كانون الثاني 2013

لما قال الملاك لمريم: «افرحي يا ممتلئة نعمة» أراد ان النعمة وحدها ساكنتها أو انها قائمة فقط في حضرة الله، ذلك ان ليس لأحد أو شيء حضرة لا يمسها هو. ان لم يكن كل ما فيك ترجمة له فهو للعدم. فإذا قبلنا ان الرب في كل شيء نعني انه يجعل كل شيء تحت ربوبيته وخارج هذا أنت طريح العدم.

تطوعنا لله يلغي الذاتية المنكمشة فيأتي وجودنا، إذ ذاك، توجها اليه بعد ان كان توجّها منه الينا. أجل باتحادنا به لا يلغي ذاتنا إذ يبقى الناسوت فينا غير انه يصير ممتلئا لاهوتا. أجل تبقى الذات مألوهة كما يقول الإسلام أو مؤلّهة كما تقول المسيحية ولا سيما الشرقية منها. لا تلغى بشرية الإنسان من حيث انه وجود مخلوق ولكنك ترث فيهامنذ هذا العالم المجد الإلهي غير المخلوق منذ هذا العالم.

ملء الوجود هو هذا التلاقي الحاصل في قلب الله بين الخالق والمخلوق فلا يستحيل الواحد إلى الآخر ولكنه يساكنه. هذا ما يعنيه حلول الله في الإنسان بلا حلولية. فاذا كنا ورثة الله في كل بهاء لا مجال للتباهي بل تأكيد للكلمة: «من افتخر فليفتخر بالرب» فإن عرفته هكذا يكون كل جمال فيك نازلا عليك وليس لك فيه أي فضل.

الإصرار على الأنا واستقلالها في تاريخ الحضارات عن طريق العلوم والفلسفة والفن أعطى الإشارة إلى ظهور الإنسانوية في الغرب فكان مثلا الجسد العاري في الرسم فقتل رمزية التصوير وبطل الإنسان يعي نفسه مخلوقا على صورة الله. أخذ الإنسان يعبد جسده ويسكر بجمال ولا يعرف نفسه وريث الرب ووصل في الفن الحديث إلى الغاء الوجه في القامة البشرية والوجه كان من الايقونة إطلالة الله.

ضد نعمة هذه الاطلالة سقطة التباهي الذي يحصر الانسان في ترابيته وهي بطبيعتها غير ناهدة إلى فوق. التباهي اعلان التفه البشري بدءًا من ادعاء الجسد جماله. هذا ليس بشيء ان لم يكن إقرارا بجمال الله وإشعاعه علينا. هذا هو الفرق بين الايقونة واللوحة ان الايقونة تقول الرب واللوحة تقول الجسد البشري أو الطبيعة بلا إشارة مقصودة إلى ما فوقهما.

#   #

#

هذا هو عصر النهضة الغربية التي أصرت ان تقطع العلاقة بين الطبيعة وخالقها. في الحقيقة التاريخية ان الفن الأوربي منذ القرن السادس عشر هو الذي قال الالحاد. الإنسان لم يعبر عنه، بدءًا بفمه ولكن بصناعة الجمال وظهر الالحاد بالكلام فيما بعد.

غير ان الحياة ليست أولاً فلسفة بل سلوك. ماذا يعني افتخار الحسناء بجمالها في عمق التحليل. في آخر مطاف الإغراء هو استدعاء الناس إلى عبادتها وفي تحديد المعنى إلى عبادة جسدها. لا يمكن ان يعني التباهي الا التماس العبادة التي هي شرك إذ يستحيل عليك كيانيا ان تجمع بين عبادتين.

المال أفتك من الجسد فقد قال عنه الرب انه «عبادة وثن» (كولوسي 3: 5). لقد جعلك الإله تلتقيه لتبدده حسبما نطقت به الكتب المقدسة: «بدد أعطى المساكين فيدوم برّه إلى الأبد» ( مزامير 112: 9). الجمال والمال مملوكان يصبحان ان قبلتهما مالكين في كيانك حتى تصير حريتك مسلوبة حقا. كل هوى من أهوائنا لهو عن «النعمة المخلصة لجميع الناس» (تيطس 2: 11).

المؤمن الجميل الطلعة لا يأبى لمديح فقد لا يعي عطية الخلق هذه أو لا ينشغل بها ويقبل ذهابها إذا ما حلّ. هو لا يعرفها ملكًا له ولا ملكًا لأحد فأنه فقير فقط إلى ما ينزل عليه من فوق.

لعلّ أقوى المواهب إغراء الذكاء لأنه الالتماع الأكبر لكونه مسنودًا إلى شيء عظيم ولكونه ينعكس فيه العقل الإلهي الذي حامله المسيح. كل فطن من الناس أية كانت ديانته قريب بكينونته من الله أكان عظيم الإيمان أو ضعيفه. بصورة ساطعة يتجلّى الله فيه وقد لا يعلم. إذا قيس بالثراء المادي أو الجمالي يكشف الله كما لا تكشفه عطايا أخرى. وبخلاف المال والجمال لا يبقى ملكًا لصاحبه إذ من طبيعته ان ينتشر لأنه يؤخذ.

#   #

#

هل يعني كل هذا الا يعرف الإنسان ميزاته أو حتى فضائله الروحية. الزاهد بماله يدرك هذا ولكن الزاهد ان كان مؤمنا حقا لا ينسب إلى ذاته فضلا ويعترف فقط بالهبة الإلهية. كذلك يصعب على الحسناء ان تنسب جمالها إلى الله ولكنه هو قادر ان يجعل في نفسها هذا الإيمان وعند ذاك، تكون أدركت من القداسة مبلغًا.

الأعلى من ذلك ان يقول المثقف الكبير أنا لست بشيء. كل ما يحتويه عقلي بعضه رياضة ولكن الإحساس مسكوب فيّ من فوق ولن أبدده لتقوم الحكمة وطوبى لذلك الذي يذهب مما عرفه فيّ إلى ذلك الذي عنده كل علم.

«ويكون المنتهى حين يسلم المسيح الملك إلى الله الآب الذي أخضع كل شيء للمسيح». بعد هذا يكون «الله كل شيء في كل شيء» (راجع 1كورنثوس 15: 24-28). كل ما أعطينا من مواهب كان من المسيح والمواهب بطبيعتها آتية منه. وان لم نعترف بذلك فلسنا على شيء. ولكن إذا آمنّا ان الله كل شيء في كل شيء ندرك أيضًا انه كان في حسننا من أية طبيعة كان واننا فتكنا الحجب المكونة من مال وجمال وعقل لنشاهد الكلمة الذي كان في البدء.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

نعمة الله / الأحد 6 كانون الثاني 2013 / العدد 1

«لقد ظهرَتْ نعمةُ الله المُخلّصة لجميع الناس». اقتبسنا هذه القولة من رسالة بولس الى تلميذه تيطس وهي لا تدلّ حصرا على نعمة الثالوث الذي ظهر على نهر الأردن وتجلّى الثالوث في هذا اليوم، يوم الغطاس (بالعامّيّة) كما تجلّى في الميلاد الذي كانت الكنيسة القديمة تُقيمه في يوم واحد مع الغطاس. والتذكاران، مجتمعين، كنّا نطلق عليهما اسم عيد الظهور حتى فصلنا الميلاد عن الغطاس وبقي ذكره تدلّ عليه معمودية السيد وإياه نقيم في هذا اليوم.

لقد ظهرَتْ نعمةُ الله اذ كشف الآب عن ذاته بالصوت لما دلّ على المسيح قائلا: «هذا هو ابني الحبيب»، وكشف يسوع نفسه بجسده في ماء النهر، والروح القدس بان كحمامة. ينتج من ظهور الله أننا مدعوون لنكون لله بالابتعاد عن الشهوات فنحيا في الدهر الحاضر «بالتعقل والعدل والتقوى» على رجاء ظهور المسيح في اليوم الآخِر.

هنا قَرّبت الرسالة بين ظهور الرب على نهر الأردن وظهوره في آخر الأزمنة. في ظهوره الأول الآن يُظهر المسيح لطف الله ومحبته للناس. هذا اللطف ليس نتيجة سلوكنا البشريّ ولكنه ثمرة الرحمة. كل صلاحٍ فينا عملُ الله وليس ثمرة أعمالنا.

هذا يأتي «بغَسْل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس». هذا يشير الى المعمودية التي هي ولادتنا بالروح القدس بعد أن ولدتنا أُمّهاتنا. بالمعمودية والميرون يجدّدنا الروح القدس اذ يجعلنا خلائق جديدة ويُفيض علينا طوال حياتنا نعمة الروح، وهذا الفيض هو استمرار المعمودية فينا.المعمودية لا تنتهي بغسلنا بالماء والروح عند طفولتنا. إنها تستمرّ بالنعمة التي يسكُبها الروح القدس في قلوبنا.

بها نصير «ورثةً على حسب رجاء الحياة الأبدية». الحياة الأبدية إرث ولا نأتي به من عندنا. نستثمر هذا الإرث باستلام الروح الإلهي كل يوم وبالطاعة لكلمة الإنجيل كل يوم. هذه الطاعة هي معموديتنا المستمرّة. تنزل علينا المعمودية بالرضاء الإلهي، وتبقى اذا حافظنا على النعمة واذا تجدّدت فينا بطاعة الإيمان.

كل صلاح فينا ليس صلاحا ابتكرناه نحن، فالروح القدس كنز الصالحات، فهذه تتدفّق منه، ونحن ورثة للخلاص الذي أتمّه السيد على الصليب وفي القيامة ووزّعه علينا بالعنصرة الشخصية.

ليس من خلاص إلا هذا الذي حصل. أعمال البرّ التي نقوم بها ليست خلاصا آخر. هي قبول الخلاص الذي صار والسلوك بقوته بمعنى أننا نتلقّى الخلاص ولا ننشئه.

وهذا ظهور إلهيّ لكل واحد منا في المسلك. هذا العيد الذي نُحييه اليوم ليس فقط ذكرى معمودية الرب. طبعا هو كذلك على أن نأخذ في نفوسنا تجلّي الله كل يوم في الأعمال الصالحة.

معموديتنا الدائمة في الطاعة بحيث نُتمّم العمل الصالح بالرضاء الإلهي الذي اسمه النعمة.

Continue reading