Monthly Archives

April 2013

2013, مقالات, نشرة رعيتي

دخول الرب إلى أورشليم/ الأحد 28 نيسان 2013 / العدد 17

يدخل المخلّص هذه المدينة القاتلة للأنبياء وهو يَعلم انها ستقتله بعد أيام، ولكن الخلاص يجب ان يتم هكذا. ومن قراءتنا لرسالة العيد يتبيّن لنا أن الكلمة الإلهية الواردة في الرسالة تريدنا أن نتهيأ للحدث ليأتي لنا ويتم فينا. كلمة لافتة في هذا النص قوله: «الرب قريب».

هذه كلمة تقال عن كل ظهور للرب يسوع أمام قلوبنا المنتظرة اياه والمتوقّعة لقاءه في الفصح. ومن الواضح أننا ننتظره ما شاء أن يجيء وهو دائما يجيئنا بالروح القدس، وكلما قرع الرب باب القلب اذا فتحنا له يجيء لأن روحه هو الساكن فينا ويجعلنا هيكلا له.

الرب قريب بمعنى أنه أتى ويأتي اليوم ويأتي غدًا. وهذا ما يُظهره بولس في هذه الرسالة اذ قال: “فلتكن طلباتكم معلومة لدى الله بالصلاة والتضرع مع الشكر”. الصلاة تبدأ بالطلبة او السؤال وتلحّ بالتضرع حتى لا تنقطع وقمّتها الأولى الشكر، فاذا تم سؤالنا باستمرار السؤال وهو التضرع تنزل علينا النعمة لنشكر لأن شُكرنا ردّ على ما أخذناه، والشكر يُقرّبنا الى الله اذا أعطى واذا لم يعطِ.

واذا نحن انتهجنا نهج الطلب بالتضرع وأخذنا النعمة، فلنختم أدعيتنا بالشكر لنعترف أن كل دعاء يجب أن ينتهي بمحبة الذي أعطانا كل شيء. فلا نحتفظ فقط لأنفسنا بما يصل الينا بل نُحوّل وجهنا الى الله الذي أعطانا كل نعمة وهِبة. لا تنتهي أهمية الصلاة بما نأخذ ولكن بالشكر لأن وجه الخالق والمخلّص هو ما نحجّ اليه. غايتنا وجهه وأن يرضى. وهذا لا يتحقق فينا الا اذا حفظنا نفوسنا في سلام الله والمصالحة معه بالتنكّر لخطايانا والمكوث أمام وجهه بالتوبة.

لهذا طلب الينا الرسول في رسالة اليوم أن نمكث في الحق والعفاف والعدل والطهارة وحُسن صيت وكل صفة محبّبة، ويطلب أن نثبت على التعليم الرسولي وأن نقتدي بكاتب هذه الرسالة اي بولس. والثبات في ما قاله بولس ممكن اليوم ومطلوب اليوم بحفظ التعليم وتراث آبائنا وأن نقتدي بهم لننال سلام الله.

الرب قريب فلستقبله بالطهارة لأنه لا يسكن في قلب غير طاهر. وكما دخل الى اورشليم في مثل هذا اليوم، فلندعه يدخل الى قلوبنا حتى لا نستقبله كما استقبلته اورشليم المدينة القاتلة للأنبياء ولكن كأورشليم المطهّرة بالقيامة.

لذلك دعا صاحب الرسالة بعد ذكره العفاف والعدل والطهارة وحُسن صيت الى أن نتمسك بها وأن نفتكر بها. ويجترئ بولس أن يطلب إلينا أن نقتدي به لأنه كان يحافظ على فضائل الانجيل.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

يسوع إلى أورشليم / السبت 27 نيسان 2013

دخول يسوع إلى أورشليم في ذكرى الغد عند المسيحيين المشارقة يدل على ارتضائه الموت.، هذا الذي جاء يحققه حبا بنا. هو كان موته من أجل احياء البشر فيه بعد ان صلّى ليكونوا بذلك واحدا به كما هو واحد مع الآب.

ما من شك ان وجها من وجوه الفصح ان نكون واحدا مع الآب الذي هو المبتدأ والمنتهى. الآب كثيرا ما كان منسيا عند عامة المسيحيين وهو الأول والآخر. المسيح من حيث هو بشر متألم ليس نهاية كل شيء. ان أنت نسيت انه الطريق إلى أبيه تخطئ فهم خلاصه. كان له ان يدلك أيضًا على انه آخر الطريق بالموت الذي ارتضاه لتكون أنت معه وترث الحياة التي فجرها بالقيامة.

وكان بدء الطريق بالشعانين أي بدخوله أورشليم لتقتله البشرية فيها. كل البشرية ممثلة باليهود قتلته. مصير ابن البشر كما رسمه الآب ان يقتله الناس اذ كان قبوله هذا القتل علامة حبه والمنفذ إلى قيامته.

ولا تقتله الا اورشليم ذابحة الأنبياء والمرسلين اليها. في مقاصد الآب ان يموت ابنه قتلا من قبل الناس وحبا من قِبله. هذا هو سلوك الناس من جهة وسلوك الله من جهة. كان التصميم الإلهي ان يلتقي البشر ومخلصهم بالدم وبالتحرر من الدم إلى الأبد.دخل ابن الانسان مدينة الله في أحد الشعانين في كامل تواضعه ملكا على البشرية لتقتله هذه هذه بتفويضها اليهود لقتله. وكان هذا في القصد الإلهي اذ كان المسيح هو الذبيح قبل انشاء العالم.

هذا هو السر المكتوم منذ الدهور ان البشرية قتلت مسيح الله مجرمة ثم مغفورا لها من بعد لأن رد الله على الجريمة الحب.

يدخل يسوع الناصري مدينته المذنبة لأن أباه كتب عليه موتا كان للبشر جميعا خلاصا وقيامة. ما قاله يسوع وكان جديدا، ما قاله لمرتا أخت إليعازار: «أنا هو القيامة والحياة». كل ما قبل هذا الكلام وعود من الله انه هو يحيي الناس. يسوع الناصري قال عن شخصه انه هو الحياة. وأتى بهذه المفارقة انه ينبغي ان يموت ثم أتبع هذا الكلام بأنه سيقوم.

غير انه لم ينعت قيامته بأنها حادث فقط ولكنه قال أيضا: «أنا القيامة والحياة». هذا ليس له معنى باللغة. هو لم يقل فقط انه يعطي القيامة. قال عن نفسه انه هو القيامة أي لم يقل فقط: أنا المقيم وكأنه قال: ان أنت كنت فيّ سأدخلك ذات القيامة. هذا ليس له معنى بلغة الواقع ولكن يسوع الناصري يحيرك بأنه ينقلك عن واقعك المألوف ليشركك في واقعه.

#   #

#

ما كان السيد المبارك جزءا من الحياة. كان كل الحياة ولا تستطيع ان تفهم ذلك بالتفصيل العقلي. ينبغي ان يدخلك هو سره لتفهم. وبدء الفهم انه دخل أورشليم لتقتله لمعرفته انه في مكوثه فيها ستذبحه كما ذبحت الأنبياء قبله وانه بهذا يتمجد وتتمجد أورشليم ان تابت. وتنتهي بموته كل إقامة هنا في الأرض اذ بهذا الموت ورثنا الحياة الأبدية الحاضرة بروحه فينا منذ الآن حتى تكتمل الرؤية بالإيمان واقتبال روحه القدوس.

كانت قبل يسوع الناصري شهادات بطولة وكانت بحجمها صورة عن مجد المسيح، هذا الذي بدا عليه لما كان معلقا على الخشبة. في صلبه وقيامته صار لنا كل المجد.

مجده سطع في تواضعه لما دخل أورشليم. هي ما صارت مدينة الله الا عند قيامته من بين الاموات اذ سطع مجده آنذاك بصورة بليغة. سمو المسيح بدا أولا لما كان معلقا على الصليب. والعجائب كانت إفصاحا عن هذا المجد. ولكن غلبته على الخطيئة والموت ظهرت جليا عند موته. قيامته تعبير آخر عن المجد الذي كان عليه كاملا لما كان مرفوعا على خشبة العار. هو الذي حول عار الموت إلى النصر. من هنا انه ليس من فارق في الفاعلية بين موته وقيامته. انه لم يغلبه الموت لحظة. انبعاثه صدر عن الميتة التي رغب في ان يموتها. قيامته من بين الأموات كانت جلاء لنصر حققه على الصليب وبالصليب أتى الفرح لكل العالم. الفصح إفصاح عن ظفر كمل فيه وانتشر على العالمين. عند موته تم النصر كاملا وأُعلن عنه إعلانا بقيامته لأن الخلاص لم يأت فقط من موت. الخلاص كان في شخصه.

في دخوله أورشليم قاتلة الأنبياء أبان مسيرته إلى الموت. وفهمنا بعد هذا ان الشعانين كانت تمهيدا للفصح. حوادث مختلفة أبانت بسبب من محبته انها موصولة، انها مراحل حب واحد وأنت لا تستطيع ان تهمل أية حادثة بين أحد الشعانين وفجر الفصح. كلها فصح واحد لأنه بها كشف تعابير مختلفة لاحتضانه ايانا في حركة حب واحد. ولكن ارتضى هو مشيئة الآب ليعبر خط خلاص واحد في مظاهر له مختلفة بين العشاء السري ونهوضه فجر الاحد العظيم. ولكن بسبب من حبك له لا تقدر الا تجمع في ذاكرتك كل الأحداث التي ذكرها الكتاب العزيز لأنها منذ ليلة التسليم حتى ظفره صباح القيامة تؤلف مطلات واحدة له.

#   #

#

أنت لا يحق لك ان تسمر ألحاظك على حادثة من حوادث الخلاص اذ يجب ان ترافق المعلم الى كل المحطات التي ذكرها الكتاب وبعد كل حادثة له من حوادث فدائه نقول في الصلاة انه أتمها لأجل خلاصنا كأن الخلاص مسيرة تنتهي بالقيامة وعندنا تصير القيامة وعدا بالروح القدس. ولذلك اذا ذكرنا في خدمة الآلام حادثة معينة نقول انه أتمها لأجل خلاصنا.

فكان عليك اذا ان تستلذ روحيا كل مراحل خلاصه ولا تهمل عملا قام به اذ التأمل بكل أعمال السيد تناول منك لقدسية كل عمل وفرادته. طوبى للذي يعرف ان ينتقل من مرحلة إلى مرحلة في مسيرة الرب بفرح واحد وان يقف عند كل محطة لأن كل ما كتب كتب لأجل خلاصنا. فرحنا الكامل ينبع اذًا من كل حدث جرى للسيد ومن مرافقتنا لكل ما قام به المعلم وتركيزا وليس حصرا من العشاء السري إلى لحظة القيامة في انتظار نزول الروح القدس على التلاميذ يوم العنصرة وعلينا في كل قداس إلهي.

بورك السيد في كل أعمال خلاصه وقدر الله لنا ان نذوق كل أعماله واحدا واحدا حتى فجر القيامة التي هي فرح كل العالم.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

السير إلى الفصح/ الأحد 21 نيسان 2013 / العدد 16

ينزل عليك الفصح إن انت طلبته بالإنجيل الذي تقرأ. يجيء اليك الفصح إن أحببته بالتوبة فهي الطريق اليه. الله يريد ان يعطيك الفصح. وليتحقق هذا لا بدّ بعد ان تقول ليسوع: أرسل إليّ فصحك اي اجعلني بحنانك ان أعبرَ اليك.

ان أعبر اليك يفترض ألا أبقى متربعا في ذاتي، أن أريد وجهك وأن اسير اليه بابتعادي عن كل ما يعيقني عن رؤيته. المبتغى أن أُسمّر عينيّ على عينيك، ألا أقف عند وجه بل آخذ كل الوجوه اليك.

أن أسير الى الفصح يعني ألا أقف عند شيء في هذه الدنيا، ان أكمل المسيرة ولو تعبت. ألا يستوقفني شيء تعني ان أعرف ان مسيراتي في هذه الدنيا محطات لأن وجهك هو المحطة الأخيرة.

بعبارة بسيطة ان أمشي إليك هو الا أتوقف عند محطة من محطات حياتي. أن أسير إليك بلا توقف. التوقف هو التوقف عند رغباتي والمبتغى ان أطلب مشيئتك اي أن أمشي دائما اليك. هذا يتطلّب أن أنسلخ عن مصالحي ورغباتي لكي تصبح انت رغبتي الوحيدة وعشقي الوحيد.

في الدنيا وفي نفسي رغبات كثيرة. حقّي أن أحتفظ فقط بما تحبه انت غذِّ فيّ فقط الرغبة إليك لأن كل رغبة لا تتفق مع مشيئتك تقتلني اليوم او غدًا. علّمني ان تكون انت حبي. شدّني إليك لكي لا أتعلّق بشيء من هذا العالم. لن يكون لي عيد إلا اذا صرتَ كل يوم عيدي. أن يأتي اليّ الفصح هو ممكن اذا أخذت أتعلّم ان كل حياتي هي القيامة معك، قيامتي بك. هذا يتطلّب رحمة منك اي نزول نعمتك عليّ. كلّ يوم يصبح عيدا إن تعلّمت فيه انك وحدك فرحي.

علّمني ان أرى وجهك بحيث أطلبه وحده في كلّ وجه. إن أحببتك وأحببت الناس أقدر ان أراك على وجوههم بحيث أرى النور مرتسمًا عليهم. لا تأخذني الى أحد. خذني فقط الى وجهك وان انا رأيته أشدّ كلّ الوجوه اليك فتستنير.

نحن نسكن وجهك ان انت رضيت عنا. واذا طلبنا الناس المهم ان يلتمسوا وجهك على وجوهنا لأننا بلا وجهك نحن فقط من لحم ودم. اما اذا ارتسم علينا نور وجهك يرى الناس فقط نورك.

فيما يقبل الفصح هيئنا سيدي له. العيد هو انت. واذا لم نلقكَ بسبب من الخطيئة نكون صرنا عدما او جهنما. خذنا الى القيامة لكي نصير بها شيئا. كل الدنيا قبل حلولها علينا عتمات. لا تسمح ربِّ بأن يبقى فينا ظلام لأنه الموت. نورك وحده الوجود يا سيد. واذا استنرنا بك نصبح شيئا كثيرا لأنك تكون انت قد أصبحت حياتنا. تعال يا سيد فقد جاء العيد. إن لم تكرم وتنزل الينا لا نكون شيئا ولن يكون عيد.

لا تدع احدا منا وحده. خذنا من صحراء الوجود وأقمنا معك او فيك فأنت وحدك الإقامة. اجعلنا دائما نشتاقك ولا تدع الخطيئة مسافة بيننا وبينك. اطرحها عنا ليكون لك وحدك المقام. فاذا نظر الناس الينا يجدونك. دعنا نتحسس انك انت الوجود من الآن والى ابد الآباد.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

الفقراء إلى الله / السبت 20 نيسان 2013

الفقراء هم فقراء إلى الله، لماذا انزعج كارل ماركس من هذا؟ اذا كان الرب عند المؤمن مصدر الوجود من ينكر عليه حقه باللجوء إلى الله سوى من اعتقد مثل ماركس ان الله اختراع الحاجة الإنسانية؟ الفقير إلى الله ليس من اضطر إلى هذا الشعور بسبب من فقره ولكنه من احس بدافع عميق من ذاته ان الرب يشبعه حياة ولا يغنيه من مال. المحتاج في أعماقه إلى الرب يأتي إلى ربه بسبب من حاجة إلى حنانه. وهب انه يأتيه من فاقة فما الخطأ في ذلك؟ الرب يأخذنا اليه من حيث نحن. فاذا أخذنا من جوع كما يرى ماركس فماذا يزعج ماركس. هل يعني اننا اخترعناه لأننا لمسنا اننا في حاجة اليه؟ هل الحاجة تستثير الخيال بالضرورة ام ان ما تطلبه موجود؟

لماذا يصر الماركسيون على اننا اخترعنا الله اختراعا لكوننا نبتغي قضاء حاجاتنا؟ من قال لهم ان هذه الحاجة ليست قائمة في الانسان وفي قلبه أو اعصابه وهل القلب والأعصاب وهم؟ وهل يريدون دليلا اعظم أو اقوى من دليل القلب؟ دائما يصدمني عند الملحدين أو الشاكين أو المتقلب ايمانهم ادعاء اللجوء إلى العقل كأنه في الحقيقة رجوع إلى العقل في حين ان ما يسمونه كذلك خيارات اختاروها وأوهموا الناس انها خيارات العقل.

#   #   #

عند الملحدين كذبة كبيرة هي ايهامهم الناس ان ما ليس من الايمان من بنات العقل في حين يمكن ان يقال من بنات الخرافة. واذا افترضنا ان ما كان خارج الايمان هو من العقل من قال ان كل عقل راجح. ليس من عقل في المطلق. هنا عقلي أو عقلك اي هو منسوب إلى كل ما في داخلي أو داخلك. ليس من كيان واحد في الناس جميعا ترجع انت اليه. كل عقل متعلق بصاحبه بكل ما فيه من معتقدات مسبقة ومن تخيلات وأوهام. ليس من مقياس واحد ثابت اسمه العقل. كل العقول تأتي من دين ورثته أو خياراتها السياسية.

كذبة المتشككين قولهم انهم يريدونك ان تعود إلى العقل. عندما ينكرون الايمان يريدونك في الكفر وهو ايمان اختاروه لأنفسهم. الكافر قرر ان الله غير موجود وفي الحقيقة عنده إله آخر هو العقل أو المال أو الحزب أو الجنس. ليس من انسان غير مشدود إلى ما هو غيره. لا يقوم دين الا بإله هو غيرك. من هنا قولنا اننا فقراء إلى إله ليس فقط يغنينا بنعمته ولكنه يقيمنا من كل عدم نقع فيه اذ كل ما عداه عدم.

«طوباكم ايها الفقراء » ورد كلام يسوع هذا في انجيل لوقا ويقول المفسرون ان في هذا تطويبة الفقراء. واذا كان الفقر بحد نفسه ليس نعمة فلماذا قال السيد هذا القول؟ الجو الذي كان سائدا في فلسطين لما تفوه يسوع الناصري بهذا الكلام ان الفقراء كانوا ايضا فقراء إلى الله. ربما كان بعض منهم حتى اليوم كذلك. اما اذا كان بعض منا قد استغنى (اي صار غنيا) فلنا ان نفتقر إلى الله اي نعتبره وحده الوجود وان كل شيء آخر حقيقي بسبب هذا الوجود.

صعب على الأغنياء ان يحسوا انهم فقراء إلى الله. هذا يتطلّب منهم ان يشعروا حقيقة ان كل ما اقتنوا ليس بشيء. ان يصبح المال لا شيء للغني اعجوبة اذا حدثت عنده، قد تكون السماء نزلت عليه. يكون، وكأنه، قد صار مثل المسيح عاريا على صليبه. يكون الله أمسى عنده كل الوجود. يتحقق عند ذاك، فقره إلى الله.

لا يصبح الانسان هكذا الا اذا انسلخ عن عشق الوجود. من عرف الشوق الالهي ووقف عنده لا يحتاج إلى شيء آخر اذ يصير له ربه ملء القلب. معنى ذلك انك اذا احببت شخصا أو شيئا آخر لا ينثلم بذا حبك الوحيد لله. أدنى ما في هذا انك لا تساوي بين محبتك لله ومحبتك للمخلوقات من حيث القدر وان كان الحب واحدا في نوعيته.

كيف يكون القلب كله لله وتضم اليك اشخاصا أو اشياء من الوجود؟ اظن ان هذا جوابه عند القديسين لأن العاديين من الناس يميلون إلى الشرك. ولا يقع في الشرك من استحوذ عليه مجد الله حتى لا يستطيع ان يرى وجها آخر اذ الحب لا ينقسم.

الفقر إلى الله يبدأ من نعمته القادرة ان تجعلنا نراه وحده. وهذا من المبدأ القائل ان الرب مبدئ الحياة الالهية فينا. والفقر كامل اذا كانت النعمة كاملة. ومعنى ذلك ان تؤمن ان ليس فيك ما يضاف إلى الله اذ هو مبدئ الوجود وكل الوجود.

اذا استطعت ان تخلي نفسك من ذاتك تكون قد دعوت الرب إلى ان يصبح ملء ذاتك. عند ذاك يزول التحير بينك وبينه أو بين ما لك وما له. الذين تجاوزوا العقل المحض إلى الرؤية الإلهية يقولون : هذا سؤال لا يرد عند من اتحدوا بربهم في الرؤية. ربما ساغ ان يبقى سؤالا فلسفيا. بطل ان يكون سؤالا روحيا لأنك انت والله تصبحان روحا واحدا كما أكّد بولس. ويزول السؤال الفلسفيّ: كيف يصير الاثنان واحدا لنصير امام التأكيد الروحي: انت والله امسيتما واحدا في الحب.

وبعد الحب لا حاجة إلى تأكيد شيء لأنه هو النور الذي به نشاهد كل شيء.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

فاعلية الايمان/ الأحد 14 نيسان 2013 / العدد 15

«إن استطعتَ أن تؤمن فكل شيء مستطاع للمؤمن». هذا كلام الرب، والسؤال هو لماذا كل شيء مستطاع للمؤمن. المؤمن، في اللغة، من جعل كل ثقته بالله وتاليا من قبل أن فاعليّة أعماله لا تأتي منه بل من الله، وكأنّ الآية تقول ان ما تفعله بالايمان فأنت فاعله بقوة الله.

العلّة التي كان إنسان هذه الأعجوبة واقعا فيها هي أنه كان فيه روح شرير يسمّى هنا أَبكم اي يسبّب له عدم النطق. ويصوّره الانجيل على انه «يُزبد ويصرف بأسنانه وييبس». هذه ظاهرة مرض عقليّ يقول الإنجيل انه تأتّى عنده من روح شرير.

أمام عجز التلاميذ عن شفاء هذا الشخص، يوبّخ يسوع تلاميذه ويتّهمهم بعدم الايمان. الظاهرة النفسية او العقليّة معروفة. يصفها الإنجيلي بعدم الايمان. لا تشفي الآخر الا اذا آمنت. من هنا قوله: «إن استطعت أن تؤمن فكل شيء مستطاع للمؤمن»، اي إن استطعت أن تقبل الايمان فيك فهو قوة الله. انه يأتي منه اليك. انت تؤمن اذا جعلت الله سببا لأعمالك. تكون، اذ ذاك، متلقّيا إياه فيك.

عندما يقول طالب الأعجوبة: «أؤمن يا سيّد فأَغث عدم ايماني»، اي نجّني من ضعف الايمان اذا اعتراني، يكون عارفًا بأن الشيطان يريد أن يُبعدنا عن الإيمان حتى لا ننال ما نطلبه من الله. الشيطان عارف بأن خلاصنا من الايمان. لذلك يريدنا أن نشكّك، والايمان يتطلّب إخراج كل شك. لذلك قال السيّد للروح الأبكم الأصمّ: «أنا آمُرُك أنِ اخرُجْ منه ولا تعُدْ تدخُل فيه».

عندما أَمرَ يسوعُ الروح الشرير أن يخرج من المريض، انتفض انتفاضا كبيرا وخرج، فصار الرجل كالميت. وعلّق الربّ على هذه الحادثة بقوله: «ان هذا الجنس (أيّ جنس؟) لا يخرج الا بالصلاة والصوم»، وفي المخطوطات الأصلية كلمة صوم ليست واردة. يبقى، اذ ذاك، أن نفهم أن الشر لا يخرج من انسان الا بالصلاة. هو متحكّم ويحتاج خروجه الى أقوى منه. فقط إذا اكتسبنا حريتنا في المسيح نتوقع الغلبة على الشرير.

لماذا كل هذا الإصرار على الصلاة من قبل السيّد؟ هنا يجب أن تأخذها بمعناها العميق. اذا كانت الصلاة تعني باللغة العربيّة الوصل، يكون الرب نازلا علينا بكلماته وخارجا منا الى الناس والعالم بكلماته. الصلاة قوة الله اذ «الروح القدس هو الذي يشفع فينا بأنّات لا توصف» (رومية 8: 26). الإله المسكوب فينا هو الذي يدعو ذاته اذا نحن صلّينا. الصلاة حركة منه فينا الى ذاتنا. نحن لا نعطيه شيئا في ذاته. كل شيء فيه. نحن نعترف به فنُوجد. الصلاة التماسُ وجوده وقراره فينا.

الصلاة تُحيي الايمان، تأخذه الى أعماقه كما تتجدد فيه. الايمان فيه تحرّكٌ عقليّ ولكنه فوق ذلك. انه خطفُ العقل الى الله الذي كيانه حُب. اجل، الايمان فاعل بذاته، غير أن محبتنا لله تجعله عميقا. الايمان والصلاة مترادفان، يغذّي أحدهما الآخر الى أن يجتمعا في رؤيتنا لله. واذاوصلنا الى الرؤية في اليوم الأخير لا يبقى سواهما. فاذا كانت الرؤية، تبطل الصلاة ويبطل الايمان.

بعد وصولك الى حبك لله، لا يبقى شيء تقوله. الرؤية هي القول الأخير. هي اللصوق بالرب ذاته. وعند اللصوق، يبطل القول.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

الآخرون / السبت 13 نيسان 2013

«لا تتّكلوا على الرؤساء ولا على بني البشر اذ ليس عندهم خلاص» (مزامير 146: 3). الاتكال ان تجعل الآخر وكيلا لك عند الله أو عضدا لك عنده لأنك تعرف نفسك فقيرًا وتخشى عجزك عن رؤية الله وان يكون هو وحده متكأك. أنت تسعى في وحدتك إلى ثنائيّة وهي غير كافية لتتجاوز بها عزلتك. الثنائيّة هي الوجه إلى الوجه واذا كان كل وجه هشّا تكون رميت نفسك في هشاشتين.

تكون قد ظننت نفسك اكتملت في الثاني ولكنه بسبب مما يعوزه من الوجود لا يوصلك إلى اكتمال كيانك. يسندك فقط وقد لا يأتي سنده عظيمًا فتنهاران معًا. نقصانان نحن لا يصيران وحدة. فاما اذا اتحدت بالله بمعرفة محبوبيتك عنده تغدو واحدا فيه. أنت بالمحبة لا تضيف على الله شيئا. تكتمل أنت به. تكتمل نسبيا قبل رؤية الملكوت. ولكن هذه الرؤية هنا سابقة للوجود الكامل عند رؤيتك الله بالموت. عند ذاك، تكون قد أكملت سعيك.

كلّ كمال على الأرض فقط سعي إلى ان يكلّلك الربّ في اليوم الأخير. لذلك لا نبلغ الرؤية كاملة لا قبل الموت ولا بعده اذ لا يسعك ان تكمل الا مع القديسين اذا اجتمعوا إلى ربّهم في اليوم الأخير. الخلاص هو للجميع مجتمعين. قبل ذلك نحن في السعي.

أنت تكمل بالضعفاء اذا احببتهم فانتشلتهم. كل البشريّة مجموعة مهمشة ترى إلى مجدها فقط في اليوم الأخير. وأنت في هذه المجموعة عندما تنضمّ اليها بالحب. أنت منها واليها في الرجاء اعني رجاءك إلى الله. ليست كلمة واحدة في الكتاب تعدك بالمحبوبيّة اذا أنت أحببت. الجواب عن حبك ما قال عنه الكتاب ان له مردودا. قد يردّ إلى الحب البغض الظالم أي الذي ليست ذاتك منبعا له. اذا كنت مؤمنا كبيرا لك ان تنتظر العزلة. ولعلها تنقذك لأن لك نصيبا ان تكون حبيب الله الذي لا يترك أحدًا يموت عطشا أو يحزن بسبب من سراب.

أنا ما قلت ان دعوتك الوحيدة ان تحيد عن كلّ وجه اذ ليس فيه كامل العزاء. شرعي ان تسعى إلى إقامتك في محبوبيّتك أي ان تقيم بالحب الذي تعطى ولكنه ليس شرعيا ان تكتفي بهذا أي قد تجد نفسك منفيا إلى «صحراء الحب» كما يقول فرنسوا مورياك أي ان يحكم عليك بعض الذين ترجو محبتهم بالانعزال. حقك ان تطلب الانتباه اليك وأريد بذلك انضمام الناس إلى محبّة الله لا اليك. تصير عظيم الوجود لو سعيت إلى تلك الوحدة الصافية الإلهية التي تجمع نساكها إلى ربهم.

#   #   #

حزننا اذا بقينا على هشاشة بشرتنا كوننا لم نبلغ السماء. هذا في حد نفسه حزن جميل لأن التقوى هي استباق الفردوس هنا في الحب الإلهي.

المشكلة اننا لن نبلغ الملكوت هنا الا مع الأطهار عنيت بهم الذين يحبوننا بالرب بلا شرط فينا. وقوّة سعينا في الرؤية التي اليها نتوق ودربنا التوق حتى نموت. والأطهار قلّة عزيزة وعنيت بهم الذين يطوقونك بالحب الإلهي الذي لا يستند إلى أي شرط فيك ولكنه يأتيك من مجانية المحبة الأخوية التي هي انعكاس للمحبة الإلهية المجانية بطبيعتها.

يلفتني في الانجيل ان الرب يسوع عندما تكلّم عن المحبة قال انك تعطيها وما وعدك مرة انك تعطاها. هو كان يعرف التعزيات البشريّة التي كانت له من الجماعة التي احتاط بها ولا سيما من بطرس ويوحنا ويعقوب ولكنه ما أراد ان نتكئ على التعزيات. كل تعليمه من هذه الزاوية انك تعطي بلا حساب أي بلا توقع لمردود. أنت تتكون من المحبة التي تعطيها أمل الاخذ لأنك موجود فقط اذا أعطيت واذا أعطيت لا يعني انهم اخذوا. لذلك قال: «بدّد اعطى المساكين فيدوم برّه إلى الأبد» (مزامير 112: 9). المحبة ليس فيها شرط في الآخر. أنت تعطي بلا حساب أي لا تتوقع المبادلة ولا تتوقع الوفاء. قلبك هو الذي يعطي اذا انفتح للعطاء وليس في أقوال الكتاب ان قلبك مفتوح لتأخذ. قد يبادلونك العاطفة واذا انزعجوا منك أو يئسوا أو جافوك بسبب ما في أنفسهم من جفاء تبقى مصرا على العطاء لأنك بهم تعطي ربك وتنتظر اليوم وغدا وحسبك ان تعايشه لأنه هو وحده العطاء.

والرد على هذا القول أعرفه اذ قد يقال انك يا فلان تطلب الصحراء الكاملة في قلوبنا. أنا لا أطلب الصحراء الكاملة. أنا أراها تحققت في القديسين وهم قد أعطوا مجانا لأنهم كانوا يرون إلى وجه الله على كل وجه وإلى وجهه هذا المرتسم أعطوا وأبوا ان ينظروا إلى القباحة وتروّضوا على انّ كل وجه بشريّ كامل الجمال اذا أنت قرأت عليه بهاء المسيح.

#   #   #

كلّ قلب بشري معرّض ان يصبح وكرًا للأفاعي كما يقول فرنسوا مورياك. أنت لا تحب الأفاعي ولكن القلب البشري الذي يبقى على صورة الله ولو حوى الأفاعي. تعليمنا ان صورة الله المشوّهة في كلّ منّا لا يزول عنها الحب الإلهي الذي يحضنها. واذا أنت بقيت على الرجاء فهو رجاء إلى الله الذي ينزل إلى النفس لأنه يحبّها وليس لأن فيها جمالات باهرة اذ لنا ان نتروّض على هذا الأمل الصعب ان كل نفس ذائقة الموت حبيبة الله إلى ان يتوفاها.

عليك أنت ان تتربى على ان ربّك يحبّ كلّ نفس. وما من شك انه يؤدّبها لكونه يحبّها على الدوام. عليك ان تحب كلّ نفس ولو سقطت وربما كان عليك ان تزداد لها حبا اذا امعنت السقوط.

لعل صعوبتنا في الوجود ان كنا من المؤمنين ان نرى السقوط دائما فينا وفي الناس. ولكنا نكون قد بلغنا قمة السذاجة لو احسسنا ان هذا الوجود فردوسي. الفردوس تسكنه نفوس من بلغوا الجهاد الأعظم أي جهاد النفس، الذين عرفوا ان النفس مسكن الله دون بهجة هذا العالم.

لعل ذرورة الجهاد الا ترى نفسك شيئا وان ترى الآخرين معك اذا احببتهم أي ان تروا أنفسكم أحباء الله. وليس عليك ان تحسب محبة الله لأحد. المهم ان تؤمن بها لأننا بها نحيا. وأنت أمام المحبة الإلهية فقير اليها. وهي التي توجدك وتربيك على ذاتها.

اما اذا ظننت انك صرت شيئا فتخسر كل شيء. واذا بطل ايمانك بأن النعمة تحييك وتغفر لك خطاياك تصبح عدما أو شبه عدم. ليس عليك ان تفهم كيف يستخدمك الرب لمجده. أنت معطى وهو يستخدمك لمجده كما يشاء. «انما الدين عند الله الإسلام» بعميق ما في هذه الكلمة من معنى. تعال واسبح في بحر الله فيعلمك… كل شيء ويستخدمك لمجده كما يريد.

هو يرى علاقتك بمجده وأنت لا تعلم. قال المخلّص لك ولأترابك: «تعالوا إليّ أيّها المتعبون والثقيلو الأحمال وأنا أريحكم». لا تخشَ اذا العبء الذي ألقي عليك. قد تقع على الطريق كما وقع الذي حمل صليبه إلى الجلجلة. لا بدّ له ان يوتيك بمن يسعفك على طريق الآلام لأنه يريدك قائما معه في اليوم الثالث.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

مسيرة صيامنا/ الأحد 7 نيسان 2013 / العدد 14

من أجمل ما في صيامنا انه في أيامه الطويلة يبقينا في عمق الروح القدس وعمق روحنا. اذ نستطيب بقاءنا في هذا الجهاد الطيب قاطفين منه أطايب الروح. من جمالات هذا الموسم بقاء كل يوم منه حاملا ارسالا من الروح القدس الى كل منا بحيث يحمل كل يوم الكلمات الجميلة إياها ويطيب النفس بالنعمة الواحدة المستمرة. وهذا يوضح ان القصد الإلهي ان نأكل كلمات الرب كما أمر الرب حزقيال قديما.

عندما يقول السيد: «أنا الخبز النازل من السماء» يريد انه حقا غذاء لنفوسنا بمعنى انه يسكب نفسه في نفوسنا وعقله في عقولنا لنصير معه واحدا كما وعدنا في صلاة الكاهن العظيم التي رفعها الى الآب في العشاء السريّ. والخبز السماويّ يعني اولا كلمته. كذلك يعني القرابين الإلهية. مسيرتنا مع يسوع المبارك مسيرة الى الوحدة معه ووحدتنا به مع جميع البشر.

مؤسسة الصوم وجدت منذ البدايات لتجعلنا في حركة الى القيامة. لولا الفصح ما وجد الصوم الأربعيني المقدس. الصوم فيه حمية ولكن جوهره أن ننتقل من طعام الأرض الى الطعام السماوي يوما بعد يوم بالصلوات المتاحة لنا والإمساك عن كل ما هو غير إلهي لكي يصبح المسيح ذاته طعاما. هو أراد ان يصبح طعاما لنا. وكما يتحول الطعام الى جسدنا يصير السيد واحدا مع كياننا بحيث يصح قوله: أنا أنتم وأنتم أنا. لقد قال المخلص المبارك: «أبي يعطيكم الخبز السماوي الحق لأن خبز الله هو الذي ينزل من السماء ويعطي الحياة للعالم» (يوحنا 6: 32 و33).

معظم الشرّاح يقولون ان المُراد بهذا هو القربان المقدس. هذا صحيح ولكن المراد الأول هو المسيح نفسه المعطى لنا بكلامه اولا ثم المعطى بجسده ودمه الكريمين. نحن نتقبل المسيح مباشرة بالروح القدس وفي صوَر مختلفة بالكلمة الإنجيلية والخدم الإلهية وإلهام روحه القدوس، ذلك الذي يعطي كل إنسان اذا قرأ الكتاب العزيز أو شارك في صلواتنا أو أحب الفقراء وزار المرضى وافتقد الفقراء.

الصيام ليس فقط حمية عن طعام. وهو قبل كل شيء اتحاد روحنا بيسوع وان نقبل كل نعمة منه وان تطابق سيرتنا كل كلامه.

الحمية وسيلة لتذكرنا بأن طعامنا الحقيقي هو الخبز النازل من السماء. نحن نمسك عن خبز الأرض لنتوقع نزول الطعام الإلهي في قلوبنا.

كل ما نقوم به بمحبتنا ليسوع يوصلنا الى وجهه المبارك. كل أشياء الدنيا مجرد وسيلة لنرى وجهه. «ليرتسم علينا نور وجهك يا رب». اذا لم ينزل علينا هذا النور نبقى في عتمات خطايانا.

الصيام موسم غفران الرب لنا لأنه موسم توبتنا. نحن طلاب وجهه والباقي نعطاه زيادة. الصوم مسيرتنا الى الفصح وفي الفصح تزول خطايانا ونرتقي الى وجه السيد. نوره ينزل علينا كل يوم. في كل يوم نتوق الى الفصح. ونعطى العيد جزئيا يوما بعد يوم حتى لا يبقى فينا أثر للظلام.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

الزمان الآتي / السبت 6 نيسان 2013

غالبا ما صممت مستقبلك وفق مصالحك التي تراها الآن غير مالئ هذا المستقبل بما ينزل عليك من إلهام في الآتيات. مستقبلك، اذ ذاك، مدى أناك كما تبدو لك اليوم اذا كنت لا تتوقع شيئا من الله. في الإيمان عندنا كامن الرجاء لأنه توقع مستقبلات تأتي بها النعمة.

تأمل بغير محله الظن ان المستقبلات أفضل من الحال التي أنت عليها اليوم. حسن أمورك لا يأتي من تقادم الزمان ولكن من تحسين يومك بالأبديات. لا قدرة لك على الهروب من واقع إلى توقع الأفضل.

الزمان الآتي غالبا ما كان مثل يومك. انهما من نسيج دنياك أو مما يجعل الناس دنياك وهم أحباؤك أو مبغضوك ان لم تجعل مستقبلك مدى لحقيقة نازلة عليك تكون لنا جميعا خلاصا.

ان لم تقدك آلامك الى وجه الله تكون حياتك مبددة في ضبابية العالم. الثابت ليس العالم ولكن ما ينزل عليه. اذا صح قول الكتاب: «كل انسان كاذب» يبقى ان تتعاطى الكاذبين كما هم لأنهم جزء لا يتجزأ من دنياك والا كان عليك ان تخرج من العالم كما يقول الرسول.

نعيش رجاءنا النازل علينا من فوق في هذا العالم ولكن لا رجاء لنا منه لأنه ليس منا ولا نحن منه.

عيروني بالتشاؤم. اذا انت رأيت الناس كما هم تدفعك الرؤية ان تشاهد عند بعض قباحة. ولكن ما مشكلتنا مع الأنقياء القلوب الذي عصمهم ربهم عن ملامسة القباحات وأقامهم في الرؤية الوضاءة؟

اذا كنت محدودا فقط على مدى الأيام وغدوت ثاقب الرؤية تشاهد قباحة الوجود. هذا ليس بخطأ. الخطأ ان تخطفك رؤية القباحات حتى يستحيل عليك الرجاء. والرجاء عندنا ليس انجذابا إلى خيالنا. انه الاختطاف إلى وجه الله الذي ينحت وجوهنا على رسم وجهه ويؤلهنا بذلك النحت. كل شيء وجهه وما يرتسم منه علينا.

عندما يقول يسوع الناصري: «ثقوا اني غلبت العالم» هل يريد فقط انه غلب بشاعته كما يقول المفسرون ام انه واضع جماله هو بدل البشاعة؟

كلمة عالم في هذا السياق تعني العالم الساقط ولا تعني خليقة الله لأن الله يكون قد غلب نفسه لو غلبها. هذا العالم عند خلقه كان على جمال الخالق ثم انبث الشر فيه فقبحه. مع ذلك ارادالرب الا تستحوذ عليه القباحة فترك فيه شيئا من صورته ليتمكن ابدا من رؤية الرب ولو مشوهة. غير انه كان قادرا ان يعرف أصل الصورة ويقدره.

الله لم يخلق العالم على صورته. خلق الانسان وحده على صورته بمعنى ان الانسان شبه الله لأن الانسان حر مثله، هكذا فسّر بعض آبائنا. ما معنى انه مثيله الا بمعنى انه محب وهكذا فسر بعض. واذا تكلم بعض من المتأملين في هذا الشيء قالوا ان الانسان حر مثل الله أو محب مثله. الحقيقة في لاهوتنا انه حائز كل صفات الله ما عدا الخلق ولكن الخلق ليس صفة. انه فعل. الحقيقة انه ليس عندك من صفة حميدة الا اذا كانت على شبه الصفة المماثلة لها عند الله حتى تتحقق الانسانية ليس في الفرد وحسب ولكن في تعاضد الجماعة وسعيها معا إلى الوعود الالهية التي سمعت بالانبياء ومع المخلص.

#          #

#

الازمنة كلها متشابهة بخيرها وشرها، بالعنف والحب وبهذا المعنى ليس شبيه تحت الشمس وان كان كل شيء باطلا. لعل الباطل كتب علينا لكي نرجو ان ينزل الحق علينا من السماء. هذه هي مأساة الانسان ظنه انه قادر ان يخلق نفسه بنفسه وان يحرث الأرض بما فيها من قوة. كل الكفر ان تجعل الله عاليا جدا حتى لا تحس به منعطفا عليك. في الكتاب حديث عن سمو الله وعن تنازل الله في المسيح يسوع. والنازل هو الذي سما وتسمو انت به. «ان الذي نزل هو الذي صعد» إلى اعلى السموات وعطاؤه الينا انه يجلسنا على العرش معه عن يمين أبيه لأن تأنس ابن الله يقودنا إلى تألهنا والا كان التأنس بلا معنى ولا قصد.

فرادة المسيحية انها ما كانت حركة من الألوهة إلى البشر الا لتقذف البشرية من تحت الى فوق. وهاتان الحركتان تحققتا في المسيح يسوع. الحديث عن الله رابضا فوق الجبل حديث في الديانة الاغريقية القديمة وفي اليهودية أيضا.

في المسيحية هذا الإله مع بقائه في الأعالي تجسد وصار مثل واحد منا حتى لا تبقى الهوة قائمة بين الله والانسان إلى الأبد.

كل السؤال المتعلّق بالرباط بيننا وبين الله هو هذا: هل الله مع بقائه في الأعالي ينزل الينا بحركة نسميها النعمة بعد ان نزل في الجسد بابنه الوحيد؟ وهل بالحركة العكسية نصعد بدورنا اليه لنجالسه على العرش فإن لم يكن العرش مقصد الله ومقصدنا في آن لا يكون الملتقى قد حصل.

الألوهة هل هي فوق فقط أم تحت أيضا، هذا هو السؤال وأجابت المسيحية عن هذا السؤال بقولها: «ان أحدا لم يصعد إلى السماء الا الذي نزل من السماء ابن البشر الذي هو في السماء». ليس في الامر حركة مكانية لأن الله ليس في مكان. الامر كله انعطاف نعمة.

وهذا ليس حلولا في الجوهر لئلا نقع في فرط الألوهية وتاليا تعددها في الشرك. هذا حلول حب والحب لا يكسر الله ولا يعدده. الحب يذيع قوته ولا ينفرط. الحب وحده يكشفه واحد يمده ولا يعدده. الله ينتشر بعطائه ويبقى منقبض الجوهر. النعمة تنتشر وتبقى فيه وتلازمه. فاذا انتشر يظل الله في ذاته. حبه ينتشر. لا يفنى في الزمان. هي تمتلئ منه وبذا يرعاها ولو بقي جوهرها لها.

الأزمنة تتوالى باستقلالها التاريخي وإبداعها والله فيها وهي ليست اياه ولكن نتاجها منه. وهو يأخذ الأزمنة اليه ويجمع اليه في اليوم الأخير البشر وما جاد به عليهم في كل أزمنتهم وبهذا المعنى ينهي التاريخ ويتممه بمصالحة الجميع في جسد المسيح البشري.

وإنهاء التاريخ إكليله في المجد الذي ينزله الله عليه واذا دخل التاريخ في مجد الله يعني التقلب الزمني ونرث الملكوت «المعد لنا منذ انشاء العالم».

Continue reading