Monthly Archives

December 2001

2001, مقالات, نشرة رعيتي

مريم/ الأحد 30 كانون الاول 2001 / العدد 52

في الأيقونة المعتمدة رسميا لميلاد السيد نـراه طفلا مقمطا موضوعا في كهف اسود، والإنجيل لا يقول انه وُلد في كهـف (الحديث عن المغارة أتى لاحقا). غير ان فكرة المكان المظـلم هي فكـرة القبـر المظلم. الميلاد بدء لسر الوحدة بين الله والناس التي حملها يسوع الينا.

         ثم ترى ان العذراء تتوسط الايقونة مستلقية على فراش في حالة تأمل وقامتها كبيرة جدا. والايقونة طبعا لا تهتم بقياسات الجسم ولكنها تبتغي ان تعطي معنى. والمعنى ان هذا السر العظيم تتأمله البتول.

         ليس ان البتول فهمت كليا ما حدث لها او حدث فيها. وقبل الصلب انى لها ان تدرك؟ ولكن كونها الى ابنها وربها في هذا السر وانكشافه جعلنا نقيم لها في 26 من كانون الاول ما سميناه “عيدا جامعا لوالدة الإله”. والواضح في اقتراب الكنيسة الارثوذكسية من والدة الإله اننا نراها دائما خادمة للتجسد وغير منفصلة عنه. لذلك نصورها في الايقونة حاملة له ومن خلاله حاملة ايانا.

         لما أقامت الكنيسة هذا العيد الجامع عيدا يتلو الميلاد اوحت بأنك انت لا تتقبل المولود الإلهي فيك الا اذا عصمك الله من كل مزلة كما عصم مريم وانك لا تحفظ يسوع الا كما حفظَته متخصصة له ومتبتلة.

         مريم صورة لروحك المتعففة، المتواضعة. نفسك هذه هي المطرح الذي تغني فيه المجد الإلهي وتختبر سلامه. نفسك هذه العابدة تمارس ما صنعه المجوس اي تنحني امام المسيح ولا تنحني له الا الفضيلة التي فيك. وهي وحدها هديتك له.

         روحك مريمية اذا تنقت باستمرار. بل روحك هذه المتطهرة مريم جديدة تلد المسيح في العالم بمعنى ان تعاليم المسيح وفضائله وجمالاته تنتقل بتصرفك الحسن الى الناس. وهكذا ينمو المسيح في كل من شاهدك وعاملته بلطف يسوع وتواضعه.

         واذا انتقلت الى السنة الجديدة فليس المهم ان تنتقل الى زمان جديد لأن المهم ان تنقل معك الى العام الجديد بهاء يسوع وكلمته.

         وقد تكون السنة الـ 2..2 مليئة بالأحزان على مستوى العالم وربما في حياتك الشخصية. فاذا مرضت او تعبت بأي نوع من التعب لا تخف لأن يسوع معك. لا تنتظر الكثير من احداث العالم ولا من تحسن كبير في البلد. مهما جرى من احداث فأنت حرّ منها لأن المسيح حررك ولن تكون شقيا. انه لم يعدك بالغنى ولم يعدك بالصحة ولكنه وعدك بأنك – ان كنت معه – لن يستعبدك شيء ولن يقدر انسان ان يستعبدك.

         غير ان هذا كله يتطلب ان تبقى انسانا مريميا اي حاضنا ليسوع، ماشيا وراءه كالتلاميذ، باقيا معه كالقديسين في السماء، مختلطا به في الكنيسة، في صلواتها. هذا هو جديدك. الأزمنة التي تتقلب ليست بشيء. المسيح فيك الذي لا يتقلب هو كل شيء.

Continue reading
2001, جريدة النهار, مقالات

2002 / السبت 29 كانون الأول 2001

تنطوي السنة ولا تنطوي مآسيها. ولكن “ألف سنة في عينيك يا رب كيوم أمس الذي عبّر أو كهزيع في الليل”. هلا اعطيتنا يا سيد ان نرى في ماضينا جمالات يوم في عينيك وأن نذكر النعمة التي سكبتها علينا والتعزيات لأحبائك الفقراء فان الكثير من البهاء فاض من قلوب طيبة وتناولناه وتنقينا. وأخطأنا كثيراً وتبت علينا فتبنا. ومع ذلك تنثني في نفسي ضعفات ارجو ان تزول قبل ان تقبضني. “لا تصرف وجهك عن عبدك فاني حزين” وأنا اعلم انك توجدني بومضات عينيك يا ايها الضابط الكل المحب البشر.

غير اني لا استطيع ان ارتاح والفقراء يموتون في بلدان كثيرة والمرضى يتلوون على فراشهم والمهمشون في الارض ينسون ان لهم رباً يفتقدهم بحنانه على هذا التهميش. متى ندرك اننا نتأسس وننمو إذا انت احطتنا برعايتك؟ لكن الانسان يشلح الانسان. ولعل هذه الكرة الارضية تدور هكذا حتى قيام الساعة. ومع ذلك نرجو ونحب.

غير ان الوطن تعب جداً ويهمني الذين لا يقدرون على ان يكملوا اقساط المدارس وهم صادقون وكل هذه النسبة الرهيبة من العاطلين عن العمل. وأخشى على لبنان من البطء في تسديد الديون وعلى ان التعصب ليس حكراً على أحد وأنا شيخ عايشت لبنان من قبل استقلاله ولا اذكر اننا سقطنا في حقبة كهذه الحقبة وزغنا كما نحن زائغون. وليس المجال مجال ذكر الخطايا ولكن لا ملمح توبة عند بعض من الماسكين بالأمر. ماذا نحن قادرون عليه وفي عادات الشعوب ان الرعية إذا فسدت يصلحها الراعي أو إذا فسد الراعي تصلحه الرعية. من اين نبدأ نحن؟ من يهدينا؟

لست اظن ان شعبنا يعوزه علم السياسة او ان اهل الحكم غير عارفين بالحلول. هذه امة ذكية في كل صعدها وفي مراتبها جميعاً. إذا كنت اعشى فمن يهديني سواء السبيل؟ اتوسل الى كل الفاهمين ان يقولوا قولاً حلالاً في ما يعرفون او ننتظر كوارث اخرى لا يشتهيها الله لنا لعلنا نعقل.

عيدنا لله. متى نعيد للبلد؟ حل الفطر وفرح الناس بالرب ولم يفرحوا لأنفسهم. وجاء الميلاد وفرح المؤمنون بالههم مخلصاً، وفرح الاولاد لأن بعضهم تلقى هدايا والاكثرين لم تبلغهم هدية لأن ذويهم ما كان لهم الا ان يطعموهم طعاماً عادياً. صلوا على علمهم بأن البلد لن يتغير فيما يتقادم الزمان القريب. وخوفهم ان يغذوا رجاء ليس بآت. على رغم ذلك نصلي على رجاء ان يسلم البلد على الأقل في امنه وألا يصل الينا الجوع او نرمى على الارصفة.

والينا فلسطين او نحن اليها. لا نوطن او هكذا نرجو. هناك، في الاراضي المقدسة يموت الاطفال ويقتلهم هيرودس جديد ويمعن في التقتيل وليس في الدنيا من يبكي الاطفال كأنهم ليسوا من طراوة هذا الوجود. مع ذلك قلنا نحن العرب: “لا فضل لعربي على اعجمي الا في التقوى”. ان تراثنا يقول ان ابناء إبراهيم واحد ويقول ان العنصرية لا تليق بالإنسان. مع ذلك لا يريد العالم حقا ان يكون الفلسطيني حرا في هذه البقعة الصغيرة التي تركت له من بلده. ويعلموننا حقوق الانسان. اي انسان؟ ايريدون ان يكبوا اهل فلسطين في الصحراء او ما وراء البحر؟ كيف احيا انا والظلم عميم؟

اما الاطفال الافغان فأية خطيئة ارتكبوا؟ والصوماليون الجائعون لماذا يهددونهم؟ والعراق؟ ولماذا حلقت طائراتهم فوق رؤوسنا فخفنا؟ ولماذا كتب علينا ان نخاف ومن نهدد نحن؟

اية مساهمة لنا نحن اللبنانيين ان نقدم؟ نحن نستطيع اعطاء القدوة بحيث نرفع الظلم عن كل من ابنائنا ونقيم العدل الحق والطريق اليه هو الحرية فليس من يهدد الدولة عندنا تهديدا حقيقيا. ويقوم نظامنا اصلا على تنوع الفكر وعلى تعدد المشارب. هذه هي الديموقراطية وهي تصلح نفسها بأساليبها. وقد يغرينا القمع والدنيا كلها قمع. وليس من المؤكد اننا لا نسقط فيه. ولا شيء يدل على اننا على هذه الاخلاق المتينة التي تجعلنا في مأمن عن التحول الى نظام بوليسي او في مأمن من ان نعامل الشرائح الطائفية كلها تعاملا واحدا. وإذا اخذت الدول الكبرى تقع في العنصرية فلا عصمة لنا. فاذا أردنا حقا ان نبقى على ما كنا عليه من حب للحرية فلا يغرينا ما يفعله الغير ظنا منه انه يحافظ على نفسه.

تطل السنة الجديدة ونحن على هشاشة كبرى وعلى يقين قليل. فلا ينفع التبجح بماضينا لأن ما ينقذك هو الحاضر الذي تريده كريما. الكرامة لا تنزل عليك الا إذا آمنت بها والسماء لا ترفعك ما لم تحاول رفع نفسك وما لم ترد ان ترفع الناس معك.

هذا يعني ان تسعى الى تطهير نفسك. هذا خير ما تفكر فيه وخير ما تسعى اليه. فاذا سميت السنة المقبلة جديدة فهذا مجرد تقلب ازمنة لا شأن لك به. انت ابدأ بنفسك وطهرها. وقد تكون في ذلك وحدك. لا تخف. القديسون كانوا وحدهم فيما كانوا يبصرون تدهور العالم. هم وحدهم الى الله “الا يكفي العبد ربه؟”. ابدأ بنفسك تشع وقد يغير نورك العالم. في الحقيقة ليس من سنة جديدة الا إذا ملأتها انت جدة. والجدة ان تصير خليقة بهية تصنع بهاءها الفضائل. قد تجد نفسك بلا سند. لكن الانسان الطاهر لا يحتاج الا الى سند من فوق. لعلك لم تبك أو لم تجاهد بعد حتى الدم. وهذا يتطلب نسكاً كبيراً وان تعاشر ربك لحظة بعد لحظة. أنا أفهم ان تضعف وحولك كاذبون وسارقون وشتامون. هؤلاء تذريهم خطيئاتهم من أمام وجه الرب اذ يسكنون خطيئاتهم. انت الرب مسكنك وإذا اتكلت عليه فهو يعولك من دنياك ويعولك من نعمته. وإذا فسد الجميع فلا تضطرب لأنك، اذ ذاك، تصير وحدك الكون الذي الله يرتضيه. في الادب المسيحي قيل عن واحد: “اثناسيوس ضد العالم” لأنه في الايمان المسيحي كان وحده العالم. انت ربك مغنيك. وإذا نظر الناس اليك فذهلوا يعرفون انهم لا يصيرون شيئا الا إذا صاروا اليك.

لا تحسد أحدا على ماله أو على نفوذه. هذان شيئان فانيان. أما جمالك الروحي فلا يزول. تابع الصدق والناس يكذبون. تابع الامانة مهما كلف الامر من مضايقات. احفظ نفسك والايمان الذي انسكب عليك فهو يحييك من موت ويطعمك من جوع. لا تخشَ زلة ترتكبها وسط الاغراء المتفشي لأن الذي أحيا الموتى يحييك. لا تنتظر ان تتغير الأزمنة فقد تبقى على فسادها أو تسوء رجاؤك ليس الى ما يأتي من زمان الناس ولكن من رب الناس.

وأمام هذا المشهد المرعب أحببهم جميعا لان هذا وحده يشفيهم. هذا وحده يشدهم الى فوق. أحبب كثيراً وبلا انقطاع ولا تردد لأن غير ذلك يفسدك. أحبب لأن الله محبة. ليس لك مبيت الا فيه. وان ثبت انت فيه تبدو عائشا هنا وفي الحقيقة تكون ملازما للعرش الالهي.

وقد تشاهد الدم يهراق عندنا وفي بلدان اخرى. وقد يراق دمك. ليست المصيبة في هذا. انها في الحقد إذا حقدت وفي الكذب إذا كذبت. الشر لا يأتيك من خارجك. انه الشهوة الرديئة فيك. فاذا حالفتها تموت روحك ولو بقي هذا الجسد النتن عندك. واصطبر. ان الصبر آخر المطاف لانه انتظارك لله.

اذذاك تمتد انت في السنة الآتية وتملأها من تلألئك الداخلي. ويكتب الضياء الذي حل عليك تاريخا للقديسين. غير هذا ثرثرة ومظاهر كيان وليست بالكيان. شد حقويك واسلك الطريق التي رسمها الأبرار في كل جيل. انهم وحدهم يعرفون الطريق ليس الى سنة يدعوها الناس جديدة ولكن الى تلك الجدة الداخلية التي تفرح لها الملائكة.

لا شيء يغريك الا ان تكون حقيقيا. هذه الحقانية تكتب الوجود الذي لا تتخيله الكثرة. ما همك والكثرة. انت، وحيداً، قادر على ان تكون ملء الله.

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

أقبل العيد/ الأحد 23 كانون الاول 2001 / العدد 51

في هذا الأحد المعروف بأحد النسبة يطل علينا العيد من الإنجيل بصورة واضحة اذ ان متى يذكر أسلاف المسيح منذ ابراهيم مرورا بداود حتى يصل الى الكلام عن مولده. والعيد كما تذكرون كان يقام قديما في يوم واحد مع الغطاس، ولذلك سميت الذكريان عيد الظهور الإلهي، حتى رأت الكنيسة في اواخر القرن الرابع ان تعزل ذكرى الميلاد عن ذكرى المعمودية فكان لنا عيدان كل منهما يدل على ظهور الإله بين الناس.

         المسيح هو ابن الله الظاهر في الجسد لكي نعرف الله به، وذلك تحقيقا لنبوءة اشعياء: “ها العذراء تحبل وتلد ابنا”. الطفل الذي أمامنا في مذود بيت لحم هو المخلص. واسمه يسوع يعني ان الله يحررنا. وهذا يتحقق بتعليمه اولا، ذلك التعليم الإلهي الذي اذا انسكب في القلوب يحييها. ثم كل عمل قام به السيد من شفاء او عطف على الضعاف كان تهيئة للخلاص المزمع ان يبدو على الصليب وفي القيامة.

         من هذه الزاوية كان المسيحيون قديما يقولون: الميلاد فصح صغير بمعنى ان جوهر العيد يتضمن معنى الخلاص الذي سيكون كاملا على الجلجلة.

         كيف يجب ان نعيش العيد؟ كلام الملائكة للرعاة: “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام في أناس المسرة”. فيها الجواب. عندنا اولا تمجيد لله، تعظيمه في قناعتنا، اعترافنا بقدرته على كل شيء، وتلبيته كل ما نطلبه ان كان نافعا لخلاصنا بمجده. هذا التمجيد هو الذي يجعل في قلوبنا سلاما. غير ان الملائكة قالوا: “في اناس المسرة” اي الذين سُرَّ الله بهم، التائبين، المستنيرين.

         اذا سمعنا هذا الكلام في خدمة العيد نرجو ان يهدينا الله الى ذاته فيرفعنا بالتمجيد ويجددنا بالسلام الداخلي.

         كيف نسمع ان قبعنا في بيوتنا صباح العيد ولم نشترك في الذبيحة الإلهية؟ مسرات الدنيا، سهرة العيد، زينته ليست هي العيد. الأضواء الكهربائية في البلد ليست هي العيد. من أحب هذه الأشياء فلتكن له. ولكنها خارجية. العيد هو يسوع الذي نسمعه ويخاطبنا ويضع فرحه فينا.

         ليست لنا تحية ميلادية خاصة. الشعب الصربي استحدث تحية ويقول: “المسيح ولد” والجواب “حقا ولد”. اذا لم نقلها نستطيع على الأقل اذا هنأنا احدا بالعيد او تقبلنا التهنئة ان نفكر بأننا نعايد بسبب من ذلك وليس لأننا في مناسبة اجتماعية.

         هناك شيء آخر يلازم العيد وهو ان يسوع كان صغيرا. كيف نترجم ذلك لأنفسنا؟ ليس في كنيستنا ابتهاج خاص بالأطفال. ولكن الذين جعلهم الله همه هم صغار النفوس، الأذلاء الفقراء المعذبون. هؤلاء يلازمهم الطفل الإلهي، يحملهم في قلبه. ماذا نعمل نحن لنعزي المنكسري القلوب، المتروكين في الأرض الى عزلتهم، الذين لا يتمتعون بدفء العاطفة؟

         هذا هو العيد الذي يدفعنا الى ان نسعى اليهم. الميلاد تربيتنا على المحبة. هذه تمارسها في الحقيقة حولك، كل يوم، بدقة وفي رقة يسوع حتى يشعر كل هؤلاء انهم اخوة له.

         اي مخلوق تحتضنه انت احتضانا صادقا وفعالا تجعله يحس بأنه ليس بعيدا عن المسيح.

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

احد الأجداد/ الأحد 16 كانون الاول 2001 / العدد 50

الأحد السابق للميلاد يدعى احد النسبة. ارادت به الكنيسة ان تبين تحدر المسيح من الخط الإيماني الذي بدأ بإبراهيم. غير ان يسوع ليس فقط سليل العهد القديم. انه سليل الإنسانية كلها بما فيها الوثنيون. والفكرة ان ربنا يصب فيه كل البر الذي كان يحمله اهل الشريعة والذين – كالوثنيين الصالحين – كان ضميرهم شريعة لهم. ولذا وضعت أحد الأجداد قبل أحد النسبة.

         هؤلاء كلهم كانوا يتوقون الى مخلّص. كانوا جالسين بصورة سرية حول مائدة الرب التي سيمدها يسوع للإنسانية بحبه وبموته. والوثنيون معذورون ان لم يلبوا. غير ان اليهود لا عذر لهم لأنهم كانوا يعرفون الأنبياء الذين رأوا الى مجد المسيح وتكلموا عنه. فأخذ هذا يعتذر، وذاك يعتذر عن تلبية الدعوة الى العشاء، وهو عشاء الخلاص. الذين رفضوا الدعوة لم يستطيعوا ان يأكلوا من الطيبات التي أعدت لهم.

         هل نحن مثل هؤلاء لا نلبي الدعوة حقيقة باتباعنا الإنجيل الذي عرفناه وذقنا حلاوة يسوع ولكنا لم نشأ ان نستمر على هذه الحلاوة طوال حياتنا وفضلنا عليه طعاما لا شبع فيه فلم نأكل طعاما إلهيا؟

         كيف نأكل الخبز السماوي؟ عن هذا السؤال يجيب بولس في رسالة اليوم انكم اذا شئتم ان تظهروا مع المسيح في المجد فيجب ان تتطهروا. والتطهر ليس مزحة. يتطلب انضباطا كبيرا وان نطرح كل شهوة رديئة. وآباؤنا فرّقوا بين الشهوة الحلال كالطعام الذي لا ترافقه شراهة وبين الشهوات المؤذية للنفس فسمّاها النص في مرحلة اولى: “الزنى والنجاسة والهوى والطمع”. وذكّر اهل كولوسي الذين أرسلت اليهم هذه الكلمات انهم كانوا هكذا في وثنيتهم وانهم بعد ان صاروا للمسيح فلا محل عندهم للشهوات الرديئة. فيعود في لائحة ثانية للخطايا ويذكر “الغضب والسخط والخبث والكلام القبيح والكذب”.

         هذه القبائح منتشرة في مجتمعنا المسيحي. لاحظت ان الكثيرين لا يستطيعون ان يتكلموا بهدوء وانهم يجرحون مشاعر بعضهم البعض ويظنون السوء في الآخرين. وأكاد اقول ان الصدق الكامل قليل في مجتمعنا واننا على العموم في حالة غضب اي في حالة تجريح. فالبر الذي كان عند ابرار الوثنية او عند الملحدين المهذبين اللطفاء ليس عندنا. وكأن المسيحية لم تغيرنا بشيء.

         ازاء هذا السقوط الذي حذر منه بولس اهل كولوسي (وهو لم يتهمهم صراحة انهم سقطوا فيه) يدعوهم أن “البسوا الانسان الجديد الذي يتجدد للمعرفة على صورة خالقه”. هم يعرفون انهم لبسوا هذا الإنسان عند معموديتهم وقبلوها آنذاك عن وعي. وكان هذا لباسا ابيض. غير ان الرسول خشي عليهم ان يكونوا قد طرحوا الطهارة عن نفوسهم ويرمز الى هذا بقوله ان من ارتكب هذه الفواحش انما يكون قد لطخ ثوبه اي صار كأنه لم يعمَّد. ويذكّرهم بأن المعمودية هي تجديد الكيان وان غايتها ان نعرف الله اي ان نعيش معه ونصير على صورته. وهذا ما يوحدنا ويجعلنا كنيسة واحدة بارة حيث ينتفي الفرق بين اليوناني واليهودي، بين اي عرق وعرق آخر، بين العبد والحر، ويبدو المسيح كل شيء وفي الجميع.

         هذا ما يعيد آخر الرسالة الى اولها اي ان نصير جميعا في المجد كما المسيح في المجد. طبعا يعرف بولس ان هذا لن يصير كاملا الا في اليوم الأخير. ولكن عندما نعلم ان عيد الميلاد كان يقام قديما ضمن عيد الظهور الإلهي في 6 كانون الثاني، لنا ان نفهم ان الميلاد القادم علينا انما يطلب الله فيه الينا ان نكون ايضا على نوع من المجد اي كارهين للرذيلة محبين للخير، فرحين بانتصارنا على الخطيئة وهكذا نستحق ان نكون مشاركين في العيد، جالسين حول مائدة العشاء السري التي دعانا الله اليها.

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

التشاور/ الأحد 9 كانون الأول 2001 / العدد 49

كل الكنيسة تقوم على اننا واحد. هذا ما يسمى جسد المسيح بحيث لا يستغني احدنا عن الآخر. فلو كان اخوك قليل المعرفة الا انه قد يكون عظيما في المحبة. وان انت تأنيت عليه وكلّمته بالمنطق قد يصير اكبر عطاء في عقله. وان كان اهوج وعاملته برفق قد يقترب من الوداعة فالتعاون. لا تلغ احدا لأنك بذلك تكون قد تصرفت كأن العالم هو لك وحدك وكأن الله اخطأ لما خلق سواك وسمح بأن يكون كما هو.

         في هذا المعنى قال بولس: “ان قالت الرِجل لأني لست يدا لست من الجسد. أفلم تكن لذلك من الجسد… لو كان الجسد عينا فأين السمع؟” (1 كورنثوس 12: 15-17). ولهذا دعانا الإنجيل الى ان نكون دائما في حالة التشاور وان يكون عندنا فكر المسيح. وفي هذا المنحى اراد ان يجتمع الإخوة ويتحاوروا وألا يستقل احد برأيه. فرأي الآخر قد يزيدك وضوحا وقد يأتي تنقيحا لرأيك فتخرج الحقيقة او الأمر النافع من هذا التقابل. ولهذا اوجد القانون مجلس الرعية ليكلم احدنا الآخر فلا يتفرد احد برأي ولا يفرض رأيا على الإخوة. فالتفرد يجرح من الذي لم يُدعَ الى الاجتماع، وكأنه يقال له انه  غير نافع او كأن رأيه متميز فنخشاه.

         واذا كان من شخص يستشار فهو رئيس الأبرشية لأنه موضوع فيها بقوة المسيح. ومن لا يؤمن بهذا فليس له ان يكون عضوا في اي نشاط كنسي. ولهذا اوصى القديس اغناطيوس الأنطاكي في اوائل المسيحية الا يعمل الإخوة شيئا بلا مشورة الأسقف ليس لأنه أمار ولكن لكونه الأخ الاول بسبب الوكالة الإلهية التي يحمل ونفترض فيه انه غير منحاز ولأنه طبيعي ان يكون بعيدا عن العصبيات المحلية. في كل حال هذه هي كنيستنا.

         ومتروك للإخوة في مجالس الرعايا البت في ما هو عادي او يومي، ولكن اذا شعروا ان للأمر المعروض اهمية خاصة فلا بد من استشارة العقلاء والأتقياء في الرعية من جهة ولا بد من موافقة المطران من جهة اخرى. والقضية لا تنحصر في البيع والشراء، فهذا امر مبتوت في القانون الكنسي وقوانين الدولة. ولكنها تشمل كل امر جديد ذي اهمية.

         هناك قلة تتمنع من استشارتنا بقولها: “الاوقاف اوقافنا. ما علاقة المطران بهذا؟”. الحقيقة ان الوقف ليس ملكا جماعيا للرعية. انه ملك الله. في سجلات الدولة التي تتعاطى الشؤون الدنيا لا بد ان يقال: هذا وقف القرية الفلانية. وفي الحقيقة ما تعودناه ان نكتب: هذا وقف الروم الارثوذكس في القرية الفلانية. هذا مكان الوقف، ولكن الملكية تبقى لله. ومن اراده الرب وارادته الدولة هو ان المطران متولي الوقف.

         انا اقول شيئا بسيطا وهو الا يستغني احدنا عن الآخر لكوننا جسدا واحدا للمسيح.

         الأمر الآخر والأكثر اهمية ان وكلاء الوقف ليسوا اسيادا على الكاهن. فهم لا يعطونه من مالهم الخاص. هم مؤتمنون على مال الجماعة، وليس عليهم ان يأمروا الكاهن بشيء. هم ليسوا رقباء عليه. هو رقيب عليهم. وعليهم ان يكلموه بكل وقار وبنوة لا ان يحسسوه بمنّة. “نحن نعطيك ونحن عم نعيّشك” كلام ليس فيه وقار. هم مجرد ناس ينقلون اليه مال الكنيسة. اذا تحققتُ بعد اليوم ان وكيلا من وكلاء يتصرف هكذا أنزع عنه وكالتي في لحظة.

         تشاوروا بعضكم مع بعض وشاوروا وكونوا متواضعين.

Continue reading