Monthly Archives

May 2016

2016, جريدة النهار, مقالات

بين العقل والقلب / جريدة النهار – السبت في 28 أيار 2016

الإنسان هو في نفسه وأريد بذلك أن قواه فيه. بعضها أو كثيرها من الله وأعني بذلك انه يتحرك بما جاء إلى ذاته فصار ذاته. وأحد خارج عنه يحركه ولكن عندنا نحن المسيحيين أن هذا الواحد هو الله. في فهمي لهذا أن الله لا يحركك إذا بقي خارجًا عنك. إنه يحركك إذا دخل إليك بالنعمة وهذا صعب تصوره إذ ينبغي أن تؤمن أنه فوقك. خارجًا منك بذاته وأنه منك وفيك بالنعمة. والنعمة نعمته أي هو. كيف، عند ذاك، تكون أنت أنت؟ ليس عندي تصور عقلي لذلك. بتعبير أدق كيف يكون في وليس مني ولست منه؟ هذا سر الحب الإلهي فينا. قلت فينا وما قلت منا. كيف يعرف الروحاني الكبير أن الله فيه بكامله وأنه مع ذلك ليس هو الله؟ هذه أشياء يحس بها الروحاني ولا يفهمها. من قال عن علاقته بالله «أنا أهوى ومن أهوى أنا» فهم بعمق النفس ما قال ولم يفهم بالعقل أي رأي وآمن بمعنى أن إتصل أي وصل. هذه رؤية القلب الذي يسكنه الله.

مشكلتي مع أهل العقل أي الذين لا يؤمنون الا به أن ليس لك معهم لغة. ناس لا يؤمنون إلا بعقولهم وناس إلى جانب عقولهم يؤمنون بالقلب. هل من مخاطبة بينهم؟ التروي الذي اواجه به أهل العقل المحض أن الذي عندهم عقل وقلب معًا يفهمون من ادعى العقلانية وحدها. زعمي أن بلادنا ليس عندها من كانت لهم عقلانية وحدها بلا شعور ولعل أهل الغرب لا يختلفون عنا عميقًا مهما ادعو. ليس من إنسان يستطيع أن يرمي العقل ولا من إنسان يستطيع أن يرمي القلب. هذان متعانقان مهما أردنا تنظيرًا أحاديًّا.

ناس عقلهم هو الأول والحاكم وناس قلبهم هو الأول والحاكم ولكن لست أعرف إنسانا موزونًا انحصر بهذا وذاك. أن لست فاحصا كثيرًا من الناس لكن المؤمنين الذين أعرفهم من كانوا على مقدار من الفهم كبير عندهم توازن بين العقل والقلب. يحكم العقل وهو فيهم ولا تتحكم المشاعر غير المنضبطة.

المؤمن العظيم لا المؤمن الإنفعالي أي من كان مثقفًا قادر أن يجمع بين القلب والعقل جمعًا متوازنًا. لا شك أن بعضًا من المثقفين لا يؤمنون كما أن بعضًا من الجهال لا يؤمنون. أنهم عند التضخم العقلي يمكن أن يكون مرضًا كما تضخم الجهالة يمكن أن يكون مرضًا. الإيمان لا يأتي من الجهل ولا يأتي من الثقافة. هو قوة إلهية تفوق قوة العقل وقوة الجهل. الإيمان سر كامل اذ ليس له في الطبيعة سبب. كله من الله. له شراكة مع القلب يعسر علي تبيانها عقليًا.

أن لا أعرف إنسانًا يقول تعلقه الكبير بالعقل خاليًا من الشعور. الإنسان غريزة ومشاعر وعقل. لا أعرف أيًّا من هذه الثلاثة قائمًا وحده. نحن مسعى بين قلب وعقل.

Continue reading
2016, جريدة النهار, مقالات

معمودية الروح / جريدة النهار – السبت في 21 أيار 2016

ماذا يعني المسيحيون إذا قالوا ان المسيح مخلص العالم والعالم كان ولا يزال في شقاء؟ ما الذي يخلصه المسيح؟ ان كلمة مخلص مطلقة على المسيح تعني انه في ذاته أولاً حياة العالم وان من تبعه يحيا به ويحيا فيه. لماذا قلت به؟ أظن انها تعني ان يسوع يقودك إلى حياة ما كان لك عهد بها الا لأنك أخذتها منه والأقوى ان نقول انه هو الحياة. من لم يعتقد به هكذا لم يصل إليه. بكلام أبسط وأوضح انه عندنا ليس أحد المعلمين. هو وحده المعلم فإنه هو القائل: «أنا الطريق والحق والحياة». هو الحاوي الناس جميعًا والوجود كله. فإذا بدأت تقرأ وجهه ترى كل شيء إليه وعندئذ يأخذ الناس معناهم والأشياء معناها.

المسيح ممدود رأيت ذلك أم لم تره وإذا لم تقرأ الأشياء منه لا تراها على حقيقتها. المسيح مخلص العالم لأن العالم كلّه فيه. وليس لشيء استقلال عنه ان كان في هذا الشيء حقيقة أو جمال. كل محاولة لإبعاد أي شيء عن المسيح قتل لهذا الشيء. ويمكن ان تكون في المسيح ولا تعرف، هو يعرف.

النصر الكبير لمن عرف ان المسيح فيه. قبل هذا لا يرى شيئًا. لا شيء يزاد على المسيح لأن المسيح ممدود وإذا كانت لك أية حقيقة فهي منه وعائده إليه. هو مخلصك انه أنقذك من خطيئة آدم وحواء. هو مخلصك اليوم من الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها أنت لأنه يعيدك إليه عندما يجيء إليك. لا شيء من حق أو جمال خارج المسيح ولو اختلفت التسميات. إذا ليس المسيح محصورًا بحدود ما يسمى الكنيسة وليس هو ملكًا للمسيحيين. الناس جمعيًا له بمعمودية أو بلا معمودية. روحه يعمد من يشاء وينصّر (الصاد مشدودة) من يشاء ومن هذا المنظار ليس للكنيسة حدود. ليست محصورة بالمعمدين. هي حيث كان الحب وحيث كان العطاء. والكنيسة المنظورة صورة عن كنيسة أوسع هي في العالم وفوق العالم.

من المعمدين من سقط ومن غير المعمدين من لم يسقط. الروح القدس يعمد من يشاء والمعمد الذي لا يسلك بحسب الروح تكون معموديته حمامًا. هذا ليس قولي هذا قول الآباء. المعمودية إشارة إلى أنك اصطبغت بالروح القدس ولكن كثيرون سقطوا منها وذهب عنهم الروح القدس.

والروح القدس ترافقه أو لا ترافقه. وإذا جمدت في محلك ليس لك روح قدس أي ليس معك إله. هناك من بقي معمدًا بالماء ولم يقبل ان يرافقه الروح الإلهي. هذه معموديته بقيت ماء.

ومعمودية الروح تعني طاعة المسيح. وإذا لم تكن هذه الطاعة نكون فقط مرشوشين بماء. والذين أطاعوا المسيح وليسوا على دينه يكونون معمدين بالروح. لا تكرهوا أحدًا من غير المسيحيين إذ قد يكون معمدًا بالروح.

Continue reading
2016, جريدة النهار, مقالات

الفصح الدائم / جريدة النهار – السبت في 7 أيار 2016

الفصح كلمة تعني العبور: في الأصل عبور العبران من مصر أرض العبودية إلى أرض الميعاد فلسطين. ولما اتخذ المسيحيون الكلمة عنوا عبورهم بالمسيح من الخطيئة إلى الحرية والخلاص. هل يفهم المسيحي العادي ان العيد دعوته إلى أن يطلب الخلاص؟ هو إذا فهم لا يبقى أسيرًا للأرض، لأشياء الأرض ولأهلها. المسيحية أن تحسّ بأنك تعيش بالمسيح ومنه وفيه أي الا تبقى لصيقًا بأي شيء أو بأي أحد من الدنيا. فإذا انتقلت إلى وجه يسوع لا تبقى لأي وجه أسيرًا. هل الوجوه لاهية لك؟ لا يمكن أن تراها وتراه. بهذا هو سرّ عشقك له.

هذه الدنيا لاهية. ان لازمتها لا يكون لك مسيح. فاترك إذًا واذهب عنها تكسب حريتك. سرّ المسيحية انك لا تعبد الله في أفكار وتحصيل فكري ولكن تعبده ان رأيت وجه المسيح وحده وتلاشت الوجوه. والحق ان الذين عرفوا العشق الإلهي عرفوا المسيح ولو لم يسموه. الدنيا لاهية. تمر بها ولا تبقى لأنها وجه جذاب. تجاوزها لئلا يغيب عنك وجه المخلص. هو إذا اتخذها له واستحقت ذلك تراها عنده ولا يحجبها. سرّ اليه لأن وجهه هو المحجة. مرّ بالمسيح اليه إذ ليس بعده شيء. إذا استطعت ان تعبر كل الأشياء ولم تستوقفك تحس انك حرّ. وإذا وصلت اليه لا ينبغي ان تحس بشيء آخر لأن كل شيء آخر شر لك.

أنا ما قلت لا ترَ وجوها. قلت لا تقف عند وجه. عندئذ تكون في الفصح. يوم العيد نتلو المسيح قام أكثر من ستين مرة كأن هذه الكنيسة عجزت ان تؤلف نشيدًا آخر. ماذا تنشد ان أردت؟ أي شيء يضاف على المسيح قام. اعبر دائمًا إذًا بهذا النشيد إلى إقامتك أنت من بين الأموات. فترى انك تحيا.

في الكنيسة البيزنطية المسيح المصلوب مرسوم وعيناه مفتوحتان. المعنى انه ولو مات جسديًّا الا ان الموت لم يغلبه. المعنى تاليًا ان السيد على الصليب بقي حيًّا. في المحسوس مات ولكن الموت لم يغلبه. لذلك لا نقف عند الجمعة العظيمة على انها موته ولكن نراها محطة إلى قيامته.

Continue reading