Monthly Archives

December 2011

2011, جريدة النهار, مقالات

٢٠١٢ / السبت 31 كانون الأول 2011

المؤمن لا يهمّه التكهّن اذ لا يؤمن به والحزن ان اناسا يقامرون في هذه الليلة وما قامروا ابدًا ليعرفوا حظهم في السنة المقبلة كأنه مهيأ لهم في بقعة من الوجود المستور اذ كان ثمة جبرية تدفعه اليهم فترة بعد فترة من السنة المقبلة والمؤمن لا ينتظر حظا بل من ينتظر من الرب رحمته ويقبل الابتلاء وقد يكون حاملا بركات وكل شيء من الحب الإلهي. الإنسان منفتح لاستقبال النعمة مصحوبة بالهناء او مصحوبة بالوجع وكلاهما احتضان اذ لا يصدر عن الرب سوى حنانه.

من هذا المنظار ليست السنة سنتي فما انا بمركز لشيء. هي سنة الآخر الذي جعلني الله في خدمته وانا شوقي الى فرحه والى ان تخف آلامه ويصبح مع من يحب في مشاركة تنمو ليتذوقوا معا في نفوسهم ملكوت الله يتمم نفسه.

المؤمنون يقضون بعضا من هذه الليلة في  الصلاة لتتبارك السنة القادمة وتحسرا عما فاتهم من الرضاء وتكفيرا عما اقترفوه من خطيئات على رجاء نزول النقاوة عليهم. السنة القادمة ذات فحوى إلهية او هي مجرد مرور زمان. هذا الزمان المقبل نفتتحه بالرجاء، برجائنا العطاء الإلهي الكبير الذي اذا لم يحمله العام الذي ندشّن غدا يأتي العام فارغا من المعنى والهدف لعلّ عبارتنا في دستور الإيمان: «وأترجى قيامة الموتى» تعني ايضا قيامة الحزانى والمتألمين والمتقلبة عليهم خطاياهم من منزلقاتهم عساهم يستقيمون اذ ينتصب قوامهم امام وجه الله.

ما يلفتني امام الأيام الآتية هو كيف تواجه البشرية وجعين لها: الجوع والدم. اما الجوع فعميم في بلدان كثيرة. يموت به ملايين من الناس ولا سيما الأطفال. وليس من مورد لهم في بلادهم وليس هذا المورد ممكنا بلا مساعدة البدان الغنية. كيف نقدر ان نحيا وهؤلاء يموتون مع اخوتهم وأقربائهم. هل يريد لبنان ان يساهم في نهضة الشعوب المحرومة بحسب مقدرته؟ اجل عندنا 30.% تحت مستوى الفقر وهذا يجعل نسبة من شعبنا قريبة من الجوع وهذا يقربها من الاضطراب الكبير والخوف الكبير الى ان نرفع خطر الفاقة الموجعة عن كاهل الشعب.

#   #   #

ما يطلب الرب ان نفهمه ان ما نظنه ملكنا من طعام وشراب أودعناه لصالح الذين لا يملكون شيئا او يملكون القليل. نحن شركاء في كل ما عندنا لأن هذا ملك الله فلا يحرم منه احد وتدعي انه اخونا. الأخوّة بلا ترجمة حقيقية وهم هي. والسؤال لا يبقى عندنا بعد رأس السنة ماذا نأكل وماذا نشرب ولكن ماذا يأكل جارنا ويشرب.

هالني مرة مشهد رأيته في أديس أبابا. كان مشهد قصر عظيم والى جانبة كوخ. كنت على يقين كامل ان صاحب القصر لا يعرف اسم صاحب الكوخ ولا يزوره.

ما العهد الذي نقطعه غدا امام الله للفقراء؟ ما يجوز لي ان اختزن وما لا يجوز؟ كيف أصير واحدا مع محتاج أعرفه وكأنه اخي او ابن؟ اذا تزوجت وكنت انت وزوجتك عديم المقتنى الا تتصرف وكأن الملك مشترك. كل دعوة الى المحبة غير مقرونة بنتفيذ باطلة حتى الكذب. اعتبر روح العام الآتي لا يسوده السعي الى الاقتناء ولكن السعي الى العطاء ليكون عامك حقيقة جديدا.

#   #   #

اما الدم فكان السائد في الأرض ليس فقط في الدم الذي ينتهي ولكن في القرن العشرين كله والسنوات العشر التي مضت من هذا القرن. الدم الذي سفك منذ الثورة البلشفية والحكم الهتلري فاق كل سكيب دم في كل العصور السابقة في الفترة التاريخية. والأكثر تجريحا للشعور البشري ان القاتلين الكبار أتوا بمبررات كثيرة ظاهرها فيه شيء من الفلسفة وحقيقتها إجرام محض.

أي شيطان يستولي على قلب المجرم ليستولي هذا على حياة آخر؟ القتل الفردي يأتي من الغضب والغضب يأتي من البغض. هذا كله عنف لم يذب امام لطف الله. هناك قتل جماعي تقوم به القبائل وما لم تتحول هذه الى جماعات الهية كل شيء يدفعها الى التقاتل اي الى إفناء كل كيان مخالف. متى نرى الناس جميعا اخوة، متى نحب بالبساطة التي دعا الله اليها؟

لست أعرف تعريفا للقتل الا قولي انه الإلحاد  بمعناه الكامل. أليس الالحاد الاعتقاد  ان الله ليس إلهًا، ليس صاحب الكلى والقلوب، ليس سيد وجودي وووجود من أبعدته عني.

هكذا الشعوب الشغوفة بالحروب والطمع بالشعوب الضعيفة او المستضعفة، حب السيطرة والامتداد هذا كله غضب وبغض وقتل ودم. هناك شعوب تحاول ان تربي نفسها على السلام وبعضها أدرك الغاية. متى تقف الحروب؟ هل نعيش ذلك السلام الذي يريده الله؟

لا يبقى لنا ان أقمنا العيد الا ان نسلم هذه السنة التي نفتتح غدا الى رب البلدان وأزمنتها لكي تأتينا مليئة بالحب حتى نتحرر من صنع السلاح وإبادة البشر به.

الله إله المصالحة بين الأفراد والشعب وأهل الأديان وكل حسب نفسه قائما بذاته. انت تقوم بالله فقط وتحيا به. انت لا تغلب احدا بالقهر. ترجو ان يتحوّل قلبه الى مسكن الله ليصير بشرا سويا.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

تبنّانا الله بالمسيح/ الأحد 25 كانون الأول 2011 / العدد 52

«لمّا حان ملءُ الزمان». هذه المقولة نفهمها بما قبلها وهو حديث عن الوارث الذي هو تحت أوصياء ووُكلاء. ولكن عند بلوغه الرشد ينتهي حُكم الأوصياء. ولكن بعد انتهاء زمن الوصاية جاء ملء الزمان. إذ ذاك أَرسَلَ اللهُ ابنه مولودًا من امرأةٍ، وبتنا مباشرة تحت أمر هذا الابن او تحت حُكمه، وبطلَ إذ ذاك حُكم الناموس الموسويّ وفرائضه.

أكّد بولس أننا صرنا أبناء. لذلك «أَرسل اللهُ روحَ ابنه الى قلوبكم صارخًا أَبّ Avva». هنا بولس كتب بالحرف اليوناني العبارة الآرامية ثم فسّرها بكلمة الآب. «فلستَ بعدُ عبدًا بل أنت ابنٌ» بمعنى أن نظام الوصاية قد زال وصرتَ مثل الابن الوحيد حبيب الآب ولك المحبة التي للابن من الآب وهذا ما يفسّر أنك مُتَبنّى.

«فأنتَ وارثٌ لله» الذي لم يعُد يُعاملك كواحد من العهد القديم موضوع تحت وصاية. علاقتك مباشرة مع الله «بيسوع المسيح». بنوّة هذا الأخير للآب جعلتك ابنًا. هذا الفصل من الرسالة الى أهل غلاطية اتخذناه لنفهم معنى الميلاد. في الكنيسة الأُولى كان هذا اليوم يُعَيَّد مع الظهور الإلهي (الغطاس)، ومعنى التذكارين ظهور الله بطريقة الميلاد وطريقة العماد.

ثم فصَلْنا التذكارين وأَبقينا ذكرى معمودية السيّد للسادس من كانون الثاني. لكن عندما نقرأ هذا المقطع من الرسالة الى أهل غلاطية، أخذنا نفهم ما لم يكن واضحًا في العيد المُشتَرك أي أننا صرنا أبناء ببنوّة يسوع المسيح.

وبُنوّتنا لله صارت تحمل معنى الدالّة للأولاد على أبيهم. يخاطب الطفل أباه وأمه بروح القُربى.

صحيح أن هذا العيد سمّاه آباؤنا «العيد الصغير»، وسمّوا الفصح «العيد الكبير» لكونه عيد الخلاص. ولكن التجسد الإلهي يُدشّن الخلاص. كذلك يظهر الخلاص في كل الأعياد السيدية والعجائب كما تعاليم يسوع تُظهر سرّ الخلاص.

المؤسف أن الميلاد التبس بعادات وثنية مِن أَكْل وشُرب قبل القداس أو عشية القداس، ويكاد يتحوّل الى موسم دنيويّ، وآن الأوان لنعيشه كموسم كنسيّ مليء بالمعاني الإلهية نتجدّد فيه كل سنة.

هل نستقبل المسيحَ كما استقبلَتْه مريم والمذود والمغارة؟ هل تنفتح له القلوبُ الفقيرة اليه ونتلمّس دفء محبته؟ هل نقيم العيد في كنائسنا وليس فقط في بيوتنا؟

العيد ليس الزينة. انه مشاركة الفقراء حتى يعرفوا أن الله يحبّهم بواسطة إخوتهم الأكثر يُسرًا. المسيح كان فقيرًا يوم ولادته وبقي فقيرًا. إكرامًا له ومحبة سوف نفتقد المحتاجين لكي نسترضيه ونقترب من قلبه.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

الميلاد غدا / السبت 24 كانون الأول 2011

المسيحية في مطلعها لم تكن لتهتم بتاريخ كل أحداثها. برز الفصح فيها منذ القرن الأول لكونه المركز من حيث انه التعبير عن الخلاص. من بعد هذا تفكّرت الكنيسة بعيد اقامته في السادس من كانون الثاني وسمّته الظهور الإلهي جمعت فيه في الشرق والغرب مولد المسيح وذكرى عماده. ثم دفاعا عن نفسها رأت في أواخر القرن الرابع ان تفصل الاحتفالين فجعلت المولد في الخامس والعشرين من كانون الأول لتكافح عيدا وثنيا يقع في هذا التاريخ وهو عيد الشمس غير المقهورة.

وكان عيد طيش للشباب الوثني الذي كان يجرّ الى طيشه الشبيبة المسيحية. فأعلنت في رومية والقسطنطينية عزل مولد السيد عن تذكر عماده لقولها ان عندنا نحن شمسا اخرى هي شمس العدل وحررت الشباب المسيحي من الخطر الخلقي المحدق بهم وبقي الظهور الإلهي على دلالة المعمودية الى هذا اليوم.

فاذا كان العيد لقاء الله والإنسان يبدو الميلاد اول لقاء لهما في انسانية الانسان. جاء العهد الجديد بقلم يوحنا يقول: »في البدء كان الكلمة« وخشية فهم سيء لمضمون الكلمة اي هربا من الفلسفة اليونانية أكمل الإنجيل الرابع قوله: والكلمة كان الى الله او عند الله كما يترجمون ولكن حتى لا يقع القارئ بالالتباس قال: وإلهًا كان الكلمة.

ولكن بعد تأكيد ألوهيّة الكلمة كان لا بد له ان يتحدّث عن ناسوته (الكلمة مذكّر باليونانية) أضاف في الآية الرابعة عشرة من مدخل يوحنا (وهذا ترجمتي): «والكلمة صار لحما ونصب خيمته في حينا» اي ان الابن المتجسد ساكننا ولم يبقَ في الحيّز اللاهوتي فقط وتبدّى بشريا معنا حتى الموت.

لم يهتم الإنجيل لتأريخ هذه المساكنة بين الله والناس. لذلك لا نعرف على وجه الدقة زمان التجسد. الإنجيل لم يورد شيئا كهذا لأن الإنجيل يريدك في الإيمان لا في الزمان ولا نعرف شهر الميلاد ولا يومه. وجاء شبه معرفتنا للتاريخ من حساب وضعه راهب يدعى ديونيسيوس الصغير تفسيرا له لبعض ما ورد في الكتاب مثل ان المسيح ولد لما كان كيرينيوس واليا على سوريا. نحن أبناء عقيدة تقول ان المسيح «نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق».

#   #   #

في التجسد المعبّر عنه اولا بالبشارة والظاهر في الميلاد نتبيّن اللحمة بين الألوهيّة والبشرية في شخص المسيح. العيد الذي نحن فيه غدًا يجعلنا نشعر بأن الله غير بعيد وبأنه أحبّنا حتى بذل ابنه الوحيد عنا . كان الرب يقول في العهد القديم انه يحبّنا. الآن يكشف لنا ذلك بأن ارتضى ان يصبح ابنه بشرا. نحن نعرف الآن بوضوح ان المولود من الآب قبل كل الدهور صار ايضا مولودا من امرأة ليجعلنا نحن أبناء الله بالتبني اي ليجعلنا أحباء الله لنا المحبة ذاتها التي للمسيح من أبيه.

لقد زال الانقطاع بيننا وبين الرب، هذا الانقطاع الذي أوجدته الخطيئة. زوال الانقطاع يأتي من السلام والمسيح هو السلام. لقد تمّ السلام بالصليب وتدرّجنا اليه بكل كلمة تفوّه بها المعلّم وبكلّ عجيبة من عجائبه وبكل خطوة خطاها منذ مولده من البتول. ما أجملها حقيقة ان يقدر الإنسان ان يقول: انا حبيب الله اي انا شبيه بالمسيح.

انا شبيه بالمسيح الأزلي الذي أعدّ الآب له قالبا بشريا منذ الأزل وسكبه فيه لمّا حلّ ملء الزمان بحكمة الآب. لذا نهتف للمخلّص في ذكرى ميلاده: «ان مملكتك الأبديّة تجدّدت أزليّتها» كأنه يقول ان الميلاد في بيت لحم ينقلنا الى المولد الإلهي الأزلي من الآب ويجعلنا مع المسيح كأننا بلا بدء آتين من النعمة الأبدية.

ان لم نصبح على هذا الشعور غدا لن يكون لنا عيد، لن نكون قد امتددنا الى الأبد.

#   #   #

هذه الإلهيات المشرقة علينا كيف ندركها؟ كان يسوع موضع اقصاء من الفندق الى مذود البهائم. «ليس لابن الانسان موضع يسند اليه رأسه». هل نحن اليوم تائبون اليه، قابلوه في فقره، في عرائه؟ هل قبلنا منذ الآن مسيرته الى الصليب، هل غدًا نتمم الفصح اذ هو وحده شوقنا؟

ان مسكنته التي سوف نراها غدا هي سكناه نفوسنا المتكسّرة المنتظرة منه تضميدها حتى تصير كلها من حنانه ورأفاته ومحبته للبشر. منذ الآن اتخذ اوجاعنا وستلازمه حتى الجلجلة لتفنى في قيامته. كل شيء منا يحمله في ميلاده ليجعلنا على صورة لاهوته الكامل.

انه غدا سوف يأخذ صورة فقراء الدنيا. «المساكين يبَشرون». هم الذين سماهم إخوته بامتياز. الميلاد ميلادهم في الرجاد اليه وليس لهم من دنياهم رجاء. أمسى هو كل دنياهم وكل غذاء لهم. واذا نحن لم نلتقهم بمشاركة الحب لن نلتقيه هو ابدًا. واذا لم نذكر الأغنياء بهم يموت هؤلاد من جفافهم. وان لم نخضّ الدول الغنيّة في سبيل الشعوب الفقيرة يكون كلامنا في المسيح كلاما فارغا.

اذا قبلنا كل هذا يبدأ رجاؤنا الى الحياة الأبدية. اذا أحببنا المحتاجين بالقدر الذي نحب به المسيح يكون لنا غدا عيد.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

أحد النسبة/ الأحد 18 كانون الأول 2011 / العدد 51

هو أحد نَسَب الرب يسوع، ويعني متّى بذلك منذ مطلع إنجيله تحدّره من إبراهيم وداود، ويأتي تتابع اسماء آباء السيد على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى من إبراهيم إلى داود، والثانية من داود إلى جلاء بابل أو سبي بابل، والثالثة من جلاء بابل إلى المسيح. بعد هذا تأتي القراءة على حادثة الميلاد نفسها. لوقا أتى في النَسَب الذي رواه بأسماء أكثر، وهي أقرب إلى التتابع الوارد في العهد القديم. يبدو أن متى استند إلى مرجع كان شائعًا في أيامه.

همّ متّى التركيز على أن السيد متحدّر من داود. هذا الاعتقاد كان شائعًا عند اليهود ستين سنة بعد قيامة المخلّص. هناك في النَسَب نساء معظمهنّ سيئات السلوك، وإحداهن أجنبية الأصل. غالبًا أراد متّى أن يقول ان يسوع ينحدر من البشرية كما هي في خطاياها وهو الذي يُطهّرها.

هناك أربعة عشر اسمًا في الفئتين الأُوليتين، وثلاثة عشر فقط في الثالثة. يمكن التفكير أن 14 التي يذكُرها متّى في كل فئة هي رمز داود (في اللغة العبرية تُكتب «دال واو دال»، وكل دال رقمها 4، وواو رقمها 6، مما يساوي 14).

أمّا الميلاد فقد رواه متّى. كانت مريم مخطوبة ما يعني أنها نظريًا أو قانونيًا زوجته ولكن فعليا لا يحصل الزواج إلا عندما تُزفّ البنت بحيث يأخذها الرجل الى بيته. ما يؤكده متى بوضوح أن يسوع لم يكن له أب جسديّ. بتولية مريم في ميلادها يسوع واردة عند متى ولوقا فقط. هذا كافٍ لاعتماد المسيحيين الأوائل هذه البتولية ثابتة. عدم ذكْر البتولية عند الإنجيليين الآخرين يمكن اعتباره أن شيوع الاعتقاد ببتوليتها يُغنيهم عن ذكر حالة البتولية التي كان الجميع آخذين بها.

«ويُدعى اسمُه يسوع لأنه يُخلّص شعبه من خطاياهم». بالعبريّة «يسوع» هو «يهوشع» الذي يعني أن «الله يُخلّص». اللاهوت اليهودي يقول ان زمن المسيح هو زمن انتهاء الخطيئة.

كلمة عذراء التي يُطلقها متى مأخوذة من إشعياء 7: 14 في الترجمة اليونانية للعهد القديم، ولا شك أن النص الذي كان في يدي متّى لما كتب إنجيله في أنطاكية حول السنة 80 كان النص اليونانيّ. وفي الواقع ما سُمّي يسوعُ «عمانوئيل» في التسمية المسيحية، ولكنّ «عمّانوئيل» نعتٌ للمسيح وأعماله.

«ولم يعرفها حتى وَلدت ابنَها البكر». عبارة «لم يعرفها» بالرجوع إلى استعمال كلمة «عَرَف» تعني أنه لم يكن له معها اتّصال في الحبَل، أي ينفي صلة الجنس بينهما قبل ميلاد المخلّص، ولكنه لا يوحي أبدًا من الناحية اللغوية أن اتصالاً تم في ما بعد. أمّا «ابنها البِكْر» قد زيدت غالبًا من كون المسيح مُسمّى عند بولس «البكر من بين الأموات». أما «إخوة يسوع» فلا تعني بالضرورة أن السيد كان عنده إخوة في الجسد، فلفظة «إخوة» في اللغة العبرية تعني أنسباء (أولاد خال أو خالة أو عمّ أو عمّة).

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

لغة الله / السبت 17 كانون الأول 2011

ان اقتراب الميلاد لا يحرّك عندي الشعور ان مسيحيي لبنان يقدمون المسيح لشرائح لبنان بما فيها شرائحهم. هم يكشفون انفسهم طوائف اي شعوبا منبسطة بتعددها لا ترق لها ان تصبح شعبا واحدًا اذ لا تتحسس لمسيح يعطيها هذا التوق. بكلمة أخرى هي شعوب فاهمة سوسيولوجيتها على هذا القلبل من الروحانية التي تحمل.

واذا بقيت على ذلك فهذه الشعوب على دوام صراع والقضية باقية مجتمعيات ازاء مجتمعيات الى ان ينفجر هذا التعدد. عندما يفتخر اهل السياسة بعدديتنا هم يشيرون الى كثرة الطوائف التي لا تتقاتل ظاهرا ولكنها لمصالحها تضبط الانفجار حتى حين يأتي بلا قوة لتردعه ولكن المسيحيين لا يفتشون عن دور لمسيحهم لأن الدوام لهم لا له. لقد قبل المسمون مسيحيين انهم والآخرين في حالة تراكم لا في ابتغاء اتحاد اذ الاتحاد من قبلهم يأتي من القلب والقلب يأتي من المسيح.

لست أرى طائفة مسيحية مجموعة بالجامع الوحيد الذي هو المخلص واذا شعرت ببعض من تجمع فهذا يكون ازاء تجمعات أخرى بما هو الأقرب اليها في العقيدة. ما تتميز بها الجماعات ليس الوحدة حضورا او شوقا ولكن الإزائية ولكون المسلم آخر تسمي وجودها معه تعددية والتعددية مذهب مجتمعي او منحى. التعددية لا تعدو كونها اصطفافا اي لصوق اجساد وأجساد وليس قربى فكر لفكر او انسكاب روح في روح.

للمسلمين نظام كامل شرعي او شريعي للتحدث عن لقائهم واهل الكتاب كما لهم لغة محدثة اي ملونة للشرع في هذا التلاقي. ما قوتها، ما سر نجاحها عليهم ان يبينوا ذلك ولكن المسلمين نظريا امة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وهم على الأقل يريدون ان يستشعروا انفسهم قريبين من الله ليعاملونا والدين عندهم معاملة.

وسط ذلك ما سمعت مسيحيا متزعما في قومه  يقول ان مسيحيتنا في العيش اللبناني تفرض علينا هذا وذاك في المسالك. قد يكون هذا من المرتادين الكنائس وتقيا على نوع ولكن مسيحه حبيس الكنائس ولا يعرف هذا الزعيم ان مسيحه احيانا يتنزه في المجتمع ليحييه وان المجتمع كائنة ما كانت عقيدتنا لا يقوم الا بروح عيسوية وهذا قول كثير عند مفكري الإسلام. ولكنا نحن على مقربة اسبوع من الميلاد لا نلد فيه الناس كل الناس بحنان يسوع اي بشمولية محبته للقوم جميعا كائنا ما كان شكل صلاتهم او شكل صومهم.

وبلا اي تعميم او حكم اقصده وبلا دينونة الكثير من كلام عند الرعاة كلام عن الطوائف اذ لست أرى انهم يريدوننا كنيسة بقدر ما يريدوننا طائفة اي تجمعا سياسيا. انهم لقد اعتمدوا لغة هذا العالم حين قال لهم المعلّم: «انهم لا ينتمون الى هذا العالم كما انا لا أنتمي الى هذا العالم» (يوحنا 18: 17).

#   #   #

هذا من خطبة الوداع. من قرأها بإمعان اذا قرأ الإنجيل كله يفهم ان يسوع الناصري أتى بلغة جديدة وانه أنهى كيانات وبداء كيانات. بنعمته انت ترى عالما جديدا ولا تغرق بالمؤسسات القائمة وان اضطررت ان تقوم معها بتعامل. على هذه الصورة تأبى ان تكون الكنيسة طائفة لها امجادها التافهة. انك انت اصطنعت مجدها لتقيم عليه مجدك الباطل ومجد المنتمين الى مجموعتك. انت واياهم تريدون هذه الأرض وتريدون ملكا ارضيا بغطاء سماوي وما هو بسماوي.

تغيير اللغة شيء خطير. يجعلك من المنحدرين  من برج بابل لا وحدة لك مع الحق ويجعل لسانك من ألسنة الناس حين جعل لك الروح القدس في العنصرة لسانا واحدا هو لسان الله الفائق السنة الملائكة واذا عطفنا هذا على نشيد بولس عن المحبة نفهم ان اللسان الوحيد المتروك لك  من الله هو لسان المحبة. من هنا تبدأ حساسية. ومن هنا تبدأ الرعاية في الكنائس.

ما نقرأ في كنيستي اليوم ان مريم كانت عذراء. «ستحبل العذراء، فتلد ابنا يدعى عمانوئيل، اي الله معنا» (متى 23: 1). اذا قرأنا هنا سياسيا  افهم ان الطوائف المسيحية مدعوة ان تنقلب كنائس اي لا يكون فيها الا زرع الله بحيث لا تأتي من العالم بل تنزل من فوق الى هذا العالم. وكما ان يسوع لم يكن له أب جسدي لا يكون لها هي مشاعر دنيوية تحركها ولكنها تشعر شعورا الهيا كأنها الله على الأرض. وهذا يتمشى مع فلسفة التجسد التي عليها نرتكز. وعند ذاك، نكون جميعا ومعا عمانوئيل اي الله معنا ونكون ردمنا الهوة بين اللاهوت والناسوت فينا ليكون كل واحد منا حاملا لاهوتا عظيما.

وعلى غنانا الكبير نبقى فقراء الى الله والناس معا كأننا مولودون في مذود نعطي من فقرنا الغنى، مولودون في البرد ونعطي البشر جميعا الدفء والسياسة تحل بعضها ببعض ويدرك اخوتنا في الكنيسة والناس ان لنا لغة اخرى واننا قائمون لنعلمها الناس ونلح على ان نخاطبهم بها وعليهم ان يتعلّموا.

تبدو السياسة من علم الاجتماع ولكنها في تبلورها هي علم اللاهوت فكيف اذا صار اللاهوتيون علماء اجتماع ونسوا ما انتدبوا له لما كانوا على محبتهم الأولى. هل يعني هذا اهتداء، عنصرة يومية تميت هي وحدها الطائفية وتجعلنا مطلات السماء على الأرض؟ سنسعى الى ذلك حتى لا يتقيأنا الله من فمه على ما ما يقول الكتاب.

#   #   #

اذ لم نقبل هذا نكون تذاكينا. هذا يعني في هذا السياق اننا أبدلنا الذكاء الإلهي فينا بالذكاء الدنيوي اي اننا اعتقدنا ان حكمة هذا العالم يجب ان تدخل الكنيسة لتصبح هذه فاعلة. بكلام آخر نكون قد ألحدنا. ما الإلحاد اليومي، العملي (اذ ليس من ينكر وجود الله من حيث هو كيان). الإلحاد العملي هو ان تتصرف كأن الرب لم يوحِ لك يوما كيف تتصرف كأنه خالٍ من كلمة يبنيك عليها في هذا العالم كما هو هذا العالم الملحد. هو من احتسب ان الله ليس عنده شيء يقوله عن العالم وعن مخاطبتك اياه. انت في هذا العالم ولكن تكلمه بلغة الله وتحييه بها.

عودا في هذا المنطق الى لبنان. التعددية ليست كثرة الطوائف ولا احترام الواحدة للأخرى. هو، بدءًا ان تخاطب كل مجموعة كما تفهم ان الله خاطبها فتطلب منها ان تأمر بالمعروف وتنهىv عن المنكر وتطلب ذلك من نفسك بالزخم نفسه ولا نفور بين الله وذاته.

اما كيف ترتب العلاقات بين شعوب هذا الوطن فيأتيك من بعد ذلك. كيف يريدك الله ان تلتصق بالآخرين لتعظيمهم وطهارة نفسك هذا هو السؤال. هذه شعوب مدعوة ان تكون الهية حسبما تفهم علاقتها بربها وبعد ذلك تقترن بالشعوب الأخرى فيأتي لنا بلد لامسه الله. والباقي يعطانا زيادة.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

تقوى أو عِلْم عند الكاهن/ الأحد 11 كانون الأول 2011/ العدد 50

الاختيار هذا يعني ان التقوى تكفي او العلم، ونحن نقول ان كل مسيحيّ ولا سيّما المُعلّم يحتاج الى الاثنين معا لأن هذا ما يقوله الكتاب المقدس. وما ينبغي ألاّ ننساه أن جوهر التقوى الإيمان، والإيمان له مضمون، وقد بيّن بولس الرسول هذا في اعتباره أن الإيمان مضمونه صَلْبُ المسيح وقيامته. أي ان الإيمان ليس عاطفة وشعورك بأنك تحبّ الله وتعمل لأجله. الشعور يصحب الإيمان وليس الإيمان.

والإيمان فيه كلام إلهيّ هو الوحي. لقد قال الكتاب: »آمنتُ ولذلك تكلّمتُ«. لا يمكن تعطيل العقل وتعطيل اللسان وأن ندّعي التقوى. لذلك باطل هذا التحرّك اليوم القائل يكفينا كاهنٌ تقيّ ولو علم أشياء قليلة. ماذا يفهم، اذ ذاك، ممّا يُصلّي؟ كيف يعيش الكلمات التي يُصليّها؟

أنا أَستغرب عدم الإلحاح على المعرفة عند الكاهن بعد أن عشنا مدة جهل لا تقلّ عن ألف سنة. أَستغرب هذا الاكتفاء بحُسْن السلوك. خذوا هذه القصة: قدّم مرة أهلُ بيروت للقديس يوحنا الذهبي الفم رجلاً قائلين نريده كاهنًا. سألهم القديس: ما هي مواهبه؟ أجابوا: إنه تقيّ. أجابهم: هذا شيء ينبغي أن يكون عند كل الناس بمعنى أن العلماني والإكليريكي مدعوّان الى التقوى نفسها، وبمعنى أن هناك رجلا مسؤولا عن التعليم.

اذا جاءنا غريب يسأل عن عقيدتنا ما هي، ما فيها، من الطبيعي أن يتوقع سماع الكاهن عندنا. كلّ أُمّة عندها معلّمون، ونحن الكاهن عندنا هو المعلّم الأول. ينتظر هذا الغريب أن يستمع الى الكاهن المفروض فيه أنه يعرف العقيدة جيّدا ويعرف الدفاع عنها وشغله الشاغل أن يجذب الناس اليه. واذا افترضنا أنه دعا الغرباء الى قدّاسنا لاعتباره أنه جميل، وسأله عن معنى هذه الجملة، او تلك وكان عاجزا عن الجواب، كيف يحترمنا هذا الغريب؟

أعرف أنّ هناك أسئلة صعبة تتجاوز التعليم العاديّ الذي أخذه هذا الكاهن. هذا من باب الاختصاص. له عند ذاك، أن يسأل زميلاً له أو أستاذ لاهوت. ولكن ألاّ يعرف الأساسيات فهذا مرفوض كليّا.

ولكن أن تحصر المعرفة بالمطران فمن أين تأتي به في كل مناسبة؟ العارف هو الموجود في المحلّ لئلا يثبت علينا أننا قوم نحبّ الترتيل فقط، وأننا كنيسة ليس فيها تجديد ولا فكر، وأنها مجرّد متحف، وهذه تهمة شائعة عند أهل الغرب القائلين ان الكنيسة الأرثوذكسية كنيسة الجمال ولكن ليس عندها فكر، اذ قلّما وجدنا فيها من يُجيبنا عن سؤال.

من الواضح أن ما قصدتُه أن طهارة السلوك هي أهم شيء عند أيّ منّا ولا سيّما عند المسؤولين، ولكن الإنجيل هو ما يُعطى للناس، وتاليًا تكون التقوى والعلم متماسكان، مترافقان ليتمجّد اللهُ بمن يحملهما معا.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

العتاب / السبت 10 كانون الأول 2011

في آذار 1952 بعد انهاء دراستي في باريس عدت الى دمشق حيث مركز كنيستنا وفيما كنت أزور احد أصدقائي سألني أتريد سماع أغنية «عتاب» لفيروز فسمعتها وفهمت انها معاتبة لفقدان حب. كنت أفهمها على انها تعني لوم الآخر لأنه أنقص ما يفرض عليه واجبا نحوي. انا اذًا مركز وما همّني من الناس أنّ عليهم اداء واجب انا أستحقه مكتوب عليهم بسبب ود مفروض انه يربطنا. الود يتطلّب تعبيرا وان لم يؤدَ حسابًا وانا المحبوب أحاسب لأني أقضي وانت كنت ناقص الواجب ولست على الحرارة التي كنت أتوقعها منك. انت تحت القضاء وانا القاضي. كيف يكون المحبوب قاضيا؟ سلوا اللذين ألّفا عتاب رحمهما الله.

الصداقة تنزل على من تنزل وكذلك ما يسمى الحب. هذا سرهما وانت تتقبل ذلك بشكر وانفعال قلب وهذا يغنيك وقد يكون غنى شخصيتك الأول او الاهم. المحبة تعطي ولا تنتظر ردا. وقد يأتي من قلب شكور. هي تعطي لأنها نعمة من الله المجاني العطاء وتمارس مجانيته في خلقه. المحب فقير الى المحبة التي يبذلها لا الى المحبوبية التي قد تعود اليه وقد لا تعوده.

الضعف الروحي في العتاب انه ينقصه الغفران. من امثال ذلك ان كنت مريضا ولم يعدني صديق ان أقول له لماذا لم أرك في مرضي. ما تطلبه المحبة ان أعذر فقد لا يعرف الصديق بمرضي او يكون مسافرا ولم يستطع العيادة او كان شيء يعطّل نفسه. هناك اشياء وأشياء تحول دون تعبيرنا عن المودّة. المودّة ليست دينا. انت تشكر ان تدفقت عليك لأنها منّة من الله على صديقك. خذ القسط الذي يستطيع عطاءه لأنك، اذ ذاك، تكون قمت بشكر لله المعطي في الحقيقة وحده. اشكر له انه لم يدعك في الصحراء في هذا القليل الذي آتاك صديقك. دائما كن في حالة شكر لأنك فقير.

ما وجدت فقيرًا يعاتب اذ يظن ان ليس له حق على آخر. من حسب نفسه لا شيء. لا يفرض على الآخر شيئًا. المصلّي لا يعاتب ربّه لإيمانه بأن الله يوزّع مواهبه على أصحاب الحاجة ولا يبخل.

#   #

#

من يحق له اللوم وحده هو الله لأن هذا الغني عنك هو في حقيقته الفقير اليك. الرب جائع اليك او عطشان لأنه عند خلقك تاق اليك وانت لا تعلم الا اذا تربّيت على معرفة انه يحبّك ولعلّ كل تدبير الخلاص كما نسميه في المسيحية أعني صليب المسيح هو ان يدبّرك على معرفة محبته او هذا هو الاستنتاج من التعبير. لومه انك لا تميت خطيئتك ليس فقط لأنها جرح لجلالته ولكن لأنها تؤذيك وكل ما يريده من حنانه ان تعرف محبوبيته عندك.

اللائم وحده هو الله لأن كل شيء له، لأنك له. واذا طلبك فليرحمك او يجبلك من جديد اذ يرى انك خدشت خلقه. يلومك من اجل نفسك، اكراما لنفسك حين انت لا تعاتب الآخر من اجل ذاته ولكن من اجل ذاتك. الخالق الذي هو المركز جعلك مركزا ليخلقك كل يوم خلقا جديدا وانت تظن انه لا يعرفك مركزا له وحيدا.

كشف الله نفسه لك بالوحي لتعرف حاجتك اليه وتاليا ان تسلم بحقه عليك ومنه حقه بلومك. كل مشكلتك انك لا تفهم حتى تتوب اذ التوبة تشفيك من العمى الروحي حتي ترى فيبطل لومك الله وتدخل معه في تلك الموآنسة التي ترفع العتب والموآنسة هي تلك المجاورة التي تجعلكما كأنكما واحد.

فقط اذا وصلت الى محو اللوم الإلهي عنك تقبل عتاب صديقك بتواضع وتدعو له حتى يراك ولا يرى انك لم تفتقده. واذا بقي على عتاب تغفر فيرى وجه الله مرتسما عليك فتؤتيه الهدى.

كل موضوع الفضائل ان تخرج من نفسك والا تطلبها لها الا نعمة الله. واذا قبلت ما يعطيك الانسان فلاعتبار عطائه منّة له من أجلك. لا حسن في الإنسان الا منزلا عليه. كل جلال وحق وطهر فينا ان هو الا إطلالات من فوق حتى يرتفع. كل الناسوت فيك قائم ليتقبل نفحات الله. لذلك ليس لك شيء من هذه الدنيا. كل ما فيها ملك الله ودعوتك ان تكون على هذا الملك أمينا.

#   #

#

ان ترفع العتاب عنك لا تؤتاه الا اذا أبيت الطمع بالناس ليس الطمع فقط بالمال. أشرس الطمع استغلال البشر بالشراهة العاطفية وهي شبق ان تكون محبوبا. ليس شيء في كتبنا يقول اطلب ان يحبك الناس. الوحي يقول أن أحبب. يقول الله لإبراهيم ان اخرج من أرضك ومن بيت أبيك وكأنه كان يقول له ان اخرج من نفسك واذهب الى كل نفس لتخدمها فهذه كلها لي او تصير لي ان تحررت من انقباضها. الرسول هو الذي يذهب بالكلمة التي تسلّم له ليقولها وحدها اذ ليس في الانسان الحق الا ما استودعه الله فيه.

تقول صلاة السحر صباح الأحد في العبادة البيزنطية: «لنخرج ايها المؤمنون الى القيامة». اذا توسعنا في المعنى هذه لها ان تعني لنخرج بعد ان ننال قيامتنا من الانطواء او الانغلاق لنكون خداما للآخرين ولا نسعى الى ان نلفتهم الينا لأننا نحن في رعاية الله كاملة وتكفينا حياة. واذا رعانا الآخرون فنزداد حبا لهم ونفهم انهم رسل الحب الينا وانهم طريقنا الى القيامة.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

علم الكاهن/ الأحد 4 كانون الأول 2011 /العدد 49

منذ سبعين سنة ونيّف، وأنا تلميذ مدرسة كاثوليكية، كنتُ في ضيق كبير مما كنتُ أتلقّى المسيحية من هؤلاء الرهبان، ولم يكن كاهن أرثوذكسيّ قادرًا أن يقول لي كلمة عن إيماننا. أية كانت تقوى كاهني كنتُ أَحنّ الى الإنجيل والعقيدة، وأحزن أنه كان عليّ أن ألجأ الى الغرباء عن كنيستي لأعرف شيئًا عن المسيح.

يُحزنني أكثر فأكثر أن مشهد الجهل عندنا لم ينته كليًا ولو تقدّمنا كثيرًا. طوال حياتي الفتيّة لم أكن أفهم أن المطران الذي تعلّم في خالكي او أثينا او موسكو وأَتقن لغات كان يقبل هذا الفرق في المعرفة بينه وبين كهنته. ما كان يبذل ايّ جهد ليُعلّمهم شيئًا. كيف كان يقبل أن تكون أدمغتهم فارغة وكتابه يقول له ان هناك معلّمين ووعاظًا وتاريخ الكنيسة كشف له أن قادتها كانوا باسيليوس ويوحنا الذهبيّ الفم وغريغوريوس اللاهوتي ويوحنا الدمشقيّ ومن إليهم. الفراغ لا يقدّم الا الفراغ. منذ أربعين سنة أنشأْنا معهدَ اللاهوت في البلمند، وهو إنجاز عظيم، ولكن لا يتسجَّل فيه العدد اللازم من الطلاب الذين نحتاج اليهم. هذا يعني أننا مضطرّون على رسامة كهنة أُمّيين او شبه أُمّيين. لا يُبذل الجهد الضروري لتقبّل طلاب، والذريعة أن ليس عندنا المال الكافي. اذًا يكون سعيُنا أن نجد المال لسدّ نفقات المعهد، ويجب ان نقوم بإحصاء لمعرفة عدد الكهنة الذين نحن في حاجة إليهم بعد موت المسنّين منهم. لنفرض مثلا أننا في العشرين سنة المقبلة نحن في حاجة الى تخريج أربع مئة تلميذ او ست مئة ليملأوا كلّ الشواغر، نكون قد حللنا مشكلة الرعايا التي تنتظر كهنة مثقّفين.

يبقى السؤال لماذا لا يأتينا العدد المطلوب مع أنّ هناك حسًّا روحيًّا واضحًا عند الكثير من شباب لنا يودّون الانخراط في خدمة الكنيسة. الجواب الوحيد عندي أن بعضًا من الذين لا ينخرطون في هذه الدراسة يخشون الفقر في حياة الكاهن. تاليًا مشكلة معيشة الكاهن مرتبطة بالانتماء الى المعهد اللاهوتي. اذًا السؤال الأساسي هو كيف نستعدّ في كلً الأبرشيّات منذ الآن لإيجاد رواتب كافية تُدفع للأربع مئة او الخمس مئة كاهن الذين نحتاج إليهم بحيث نقول للمتخرّج: بعد أربع سنين، تقضي سنة او سنتين في التمرين على الكهنوت في إحدى الكنائس في درجة شمّاس مثلا او كاتب عند مطران تتقاضى معاشًا كافيًا ولا تفتّش محمومًا عن كنيسة غنيّة إذ لا بدّ أن نصل الى وقت يكون المتخرّجون عندنا مستعدّين أن يلتحقوا بأيّة كنيسة في المدينة أو الريف.

هذا يعني أن حُبّ الدراسة متوفّر عند عدد من شبابنا، وأن المشكلة الوحيدة ماليّة تُحلّ على مستوى الكرسي الأنطاكي كلّه بسبب فقر بعض الأبرشيات. اذا كان الإيمان الأرثوذكسي يجب أن يُغذّى في كلّ مكان، تقضي المحبة الأخويّة أن تنصُر الأبرشيةُ الميسورةُ نسبيًّا تلك التي لا تستطيع أن تدفع للكاهن الآتي راتبه. هذا يقضي أُخوّة كبيرة، إحساسًا بالأخ الضعيف.

لندخل إذًا بعلم الإحصاء وتلتهب فينا محبَّة يسوع لإيجاد كهنة لائقين به.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

الأرض الجديدة / السبت 3 كانون الأول 2011

هل المهنة غايتها الإرتزاق؟ انها وسيلة اليه اذ لا بد ان نعيش. ولكن الرزق يأتي من اية مهنة. اذًا هناك موضوع اختيارها وقد يكون الانسان في حيرة من ذلك. فكل المهن تدر. هناك اذًا ذوق لهذه الحرفة او تلك. هناك عنصر غير عنصر المال. هناك العمل في مضمار يلازم دواخلنا اي هناك حماسة كيان وشعور بضرورة الانتاج بأدوات معينة وأذواق مختلفة. الى المال طريقة الخلق وإحقاق الذات واقتناع الانسان ان شيئا ما يدعوه الى سلوك طريقه التي هي بعض من نفسه. المهنة امتداد للذات كما اللغة التي نستعمل او اللباس الذي ترتديه.

لذلك كانت الحاجة الابداع او ما نحسبه كذلك. بمعنى انه قد يأتي ضعيفا ولكنه مساهمتنا من حيث ان ثمة دفعا داخليا يجعلك تحس انه موجود في العمل الذي تقدمه، انك تطل بما تنتج وتأخذ مما تنتج شيئا من وجود.

لفتني منذ سنوات ان الطعام الذي تقدمه امرأة افضل نهائيا من ذاك الذي تنتجه اخرى مع ان المواد الموضوعة هي اياها. ما هو هذا الفارق بينهما.

هناك خلق ما، ابتداع ما، شخصية مودعة في الطعام او اعداده. هكذا الأمتعة في البيت. كيف أتت هذه بمهارة وتلك بما دُرس. المجتمع الاقتصاي فيه كثير من المبدعين الا في تلك الصناعات الضخمة حيث لا مكانة كبرى للذاتية في الانتاج.

في الابداع تمجيد لله الخالق، نوع من الامتداد لخالقيته او من مشاركته كما يمكن ان يعبر عن نفسه اللاهوت المسيحي. هناك جماعية بيننا وبين الله ترفع المواد التي ننتجها الى مستوى أعلى من كون ناسوتنا مسها. ان لم يكن الأمر كذلك بكون هناك عزل بين الناسوت واللاهوت وتكون الأرض ليست السماء غايتها او كأن ثمة مبتدأ مقطوع عن الخبر او ألفا لا تنتظر ياءها او كأن هناك خلقا وجد ليرى.

لذلك كان في النهاية الاقتصاد لاهوتا. ان لم يكن كذلك لا يكون الله مرجع كل شيء. هل رُمي الانسان في الأرض لينتج ام ليسبح اي ليسبح فيما هو ينتج.

الى هذا غالبا ما تكون عاملا مع الآخرين. هذا ليس فقط في الصناعات الكبرى ولكن في معمل للنجارة بسيط. واذا كان احساس بالجماعية يتصور مجتمع روحي وليس فقط مجتمعا سياسيا جافا يقوم على التراكم لا على التعاون. المجتمع الروحي بمعنى سري كيان واحد او كائن واحد، عضوي، يعقل واحدا على تعدديته. هذه ليست التشرذم. التشرذم خطيئة وهو ضد المشاركة والتدخل الصميمي بين الكائنات.

#   #

#

مما ينقذ هذه الانسانية ان المال لا يدخل كل الميادين ولا تتلطخ تاليا. طوبى لذلك الانسان الذي لا يحسب للمال حسابا او لا يقتني منه الا القليل. عند ذاك، هو حر ولا يضطر الى الكذب. عندما سأل سقراط حاكموه من يثبت لنا انك تقول الحقيقة. قال: انا فقير. مات كبير في الرسامين وهو فان غوغ معوزا. هذا لم يمنع جمال أعماله. الكبار، الكبار في كل مجالات الفن كثيرا ما يجاورون العدم الاقتصادي. المبدع اذًا حر.

القديسون كلهم كانوا فقراء ويسعون الى الاقامة في الفقر ليقتنوا الثروة الوحيدة التي هي الله، هذا الذي يستغنوا به عن كل شيء. هؤلاء وحدهم ما كان لهم هم ما يأكلون وما يشربون وما يأويهم او يكسيهم. اللاشيء كان عندهم شرطا لاقتناء الروح القدس حسب عبارة القديس سيرافيم ساروف. هذا الفقر كان ضمانة وصولهم.

هذا التجرد شرط لحراثة الأرض التي أمرنا الله بها عند التكوين. جعلها ملكا بشرط الشغل وهكذا يكون الانسان على صورة ربه. «انا أعمل حتى الآن وأبي يعمل» ( يوحنا 5: 17).

غاية العمل الانسان وليس الانتاج من اجل نفسه. غاية العمل نمو الانسان في الفضيلة. ليس بنايات فكر او حجر. هذه ترافق التطور الانساني الذي يحتاج الى تعقيدات كثيرة ليكون. تبدو الأمور وكأننا نسعى الي حضارة اي الى طبقات فكرية ومادية قائمة من اجل جمالها والحقيقة ان المبتغى من كل بنائنا للحضارات فرح الانسان بالملائكية التي له ان يصل اليها وان يقوم بهذا الحضارات صورة عن الحياة الإلهية التي ترعانا من فوق.

العمل كان في الفردوس قبل سقوط آدم والدنيا الحالية فردوس مستعاد او كذا يرجى ان تكون. غير ان هذا لا يتحقق الا اذا سعى كل منا الى ما يكمل وجوده بما ينزل عليه من فوق فتتحد السماويات التي في قلوبنا بالتراب الذي يؤلفنا وفي نهاية النهايات لا يبقى فينا غير الضياء الإلهي.

اذا استثنينا الذين يتبعون منهجا نسكيا خاصا لا يبقى لنا سوى العمل الذي يجعلنا نفكر وبه نخدم هذا اذا ابتغيناه طريقا الى الفضيلة التي هي وحدها نورنا.

ضمن العمل نصير قديسين والقداسة في السعي الدؤوب  الذي لا كلل فيه ولا سأم. في المجتمعات الحديثة يدور البحث حول الإنتاج حتى يأكل الأغنياء وبلدانهم اي حتى يظلّوا راسخين في الأرض وكأنهم استقلّوا عن السماء. وليمت الفقراء وتمّت بلدانهم. لم يخطئ آباؤنا لما قالوا: كل الخطايا تبدأ بالشراهة لأنها هي التي تثبت جسدك وتعلنه من حيث انه مستقل عن اجساد القديسين.

نحن في حاجة الى بناء فلسفة جديدة اساسا للاقتصاد السياسي الذي يكشف لنا انسانا جديدا اي نحن في حاجة الى إعادة الاقتصاد الى الله وداخل الإنسان الى فضائله والفضيلة الكبرى المحبة التي لولاها لما كانت الأرض وما كانت السماء.

انت تتوب ولكن ضمن عملك اذا وجدت وسيلة لتصير انسانا جديدا عاملا صلاحا. هل أتى زمان الكنيسة – العروس؟

Continue reading