Monthly Archives

July 2001

2001, مقالات, نشرة رعيتي

أغلاط الإرشاد الروحي/ 22 تموز 2001 / العدد 29

أول غلطة المبالغة في التشدد. أحيانا يرى الأب الروحي انه من المفيد ان يمنع المعترف من المناولة حتى يتثبت ان المعترف تاب. يستمع إليه أسبوعا تلو أسبوع حتى إذا لاحظ تحسنا فيه يعيده إلى القرابين الإلهية.

أما في الأحوال الاعتيادية فالحكمة ضرورية جدا. فهناك مثلا المريض المضطر إلى تناول أدوية عند الصباح يرافقها أحيانا لقمة خبز. ان جسد الرب هو للمرضى كما للأصحاء. أو يكون الابن الروحي غير قاصد المناولة صباحا ثم يشتاق إليها أثناء الخدمة. يقدّر الكاهن ما ينبغي عمله ازاء ذلك. هناك لين في موضوع الصيام. القوانين الكنسية ذات الطابع الانضباطي قائمة لخلاص النفوس. بيد الكاهن الفهيم ان يتدبر شأنها.

بعامة هناك فرق بين التعليم والإرشاد. التعليم نقدمه صارمًا. اما الإنسان الذي يقع في الخطيئة فنستعمل معه الرحمة. هذه تيسّر عودة الابن الشاطر. هناك حزم في اللوم على المعصية وعطف في انتشال الخاطئ من الجب.

يخطئ الأب الروحي إذا استهان بالخطيئة، إذا هوّن الأمر بحجة انه يريد إنقاذ الخاطئ. التخفيف من جسامة الخطيئة كثيرا ما يرمي المعترف في جب أعمق ويفسد تقييمه للأشياء. لا يقال مثلا: أنت كذبت والكذب منتشر، المرة الآتية كن أفضل. هذه مساومة مع الشر قتّالة. لا يقال لمتزوج: أخذتَ حريتك في السفر. أنا أفهمك. احفظ نفسك المرة الآتية. كلام كهذا فاسد جدا. ان تفهم هذا شيء، وان تعذره شيء آخر. الكاهن ليس محللا نفسيا ليدرك كيف جرت الأمور. هو معلّم الشريعة وهذه هي المنقذة.

المرشد يقابل الخطيئة التي تُذكر له بجمال الفضيلة التي لم تتوافر عند الابن الروحي، ويجعل الفضيلة جذابة، ويحاول ان يحببها للابن الروحي. من هذه الزواية، الكاهن يرافق ابنه الروحي بالكلمة الحلوة إلى وجه يسوع، ولا يتصرف كعسكري أو كمن فقد صبره. ينبغي الا تباغته أية خطيئة ولا يصدر عنه أي تأوه أو تنهد أو غضب أمام ما يسمع. كل إنسان، أيا كان، قادر على أية معصية. يستمع بعقله. يفهم سبب المخالفة وظروفها والضعف الذي قاد إليها. ويجابه لا بالتحليل النفسي ولكن بالكلمة الإلهية. لا ينبغي ان يلعب لعبة المحلل النفسي. التحليل ليس مهنته، والمعرفة القليلة به تقود إلى كوارث. أما إذا وجد حقا ان الابن الروحي يحتاج إلى طبيب نفسي فيقوده إليه.

إلى هذا فليس للكاهن ان يقرر شيئا عن ابنه الروحي. ممنوع عليه ان يأمره مثلا بالزواج أو ان يأمره بالترهب. قد يقول له: عندك أهلية للزواج، ولكن لا يحضه عليه كما لا يحضه على الترهب. والأخطر ان يقول له: هذه البنت ملائمة لك أو غير ملائمة. الأب الروحي لا يحمل مسؤولية نجاح أو فشل في الزواج. والأهم انه لا يحمل قائمة بالفتيات ليزوجهن لأبنائه الروحيين.

أيضا وأيضا أريد ان أؤكد ان الابن الروحي ليس عبدا للكاهن. هذا يصغي إلى من يطلب الإرشاد. وفي اليونانية كلمة طاعة مشتقة من كلمة الاستماع. غاية الإرشاد الأساسية ان نوجه المعترف إلى الاستماع إلى  كلمة الله حتى تُحدث هي فينا التغيير. إذًا ليس مِن تسلط على أحد. مرافقة مُحبة وفهيمة تجلب هي الطاعة إلى قول الرب.

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

في الإرشاد الروحي/ الأحد 15 تموز 2001 / العدد 28

ليس كل كاهن أبا روحيا. لذلك لا تسمح الكنيسة لكل كاهن ان يقبل الاعتراف. الكاهن الذي يحسب المطران انه بلغ درجة من النضج يعلنه أبا روحيا. في الواقع الكاهن الذي يكون وحده في الرعية يمنحه رئيس الكهنة هذا السلطان ويسميه أبا روحيا مع انه في بعض الأحيان لا يكون قادرا على الإرشاد. تبقى الفكرة الأساسية ان الكاهن لا يصير آليا -برسامته أو بهذه الصلاة الخاصة- أبا روحيا. هذه نعمة من فوق. المهم ان يعرف الكاهن حدوده. فإذا كان قليل المعرفة بالكتاب المقدس أو قليل الخبرة الروحية، الأفضل ان يكتفي بالحل وألا يرشد. عند ذاك يبقى الإنجيل خير مرشد.

التحصيل الديني العميق شرط لمعرفة الخطيئة ولمعرفة ضدها. وهذا يتوافر بقراءات كثيرة في مختلف فروع المعرفة اللاهوتية وفي الأدب النسكي إذا كان القارئ يميز بدقة بين ما يقرأه وما يجب ان يقوله في وضع المؤمن الذي يطلب الإرشاد. كيف ينتقل الأب الروحي من الذي طالعه إلى ما يجب قوله، هذا سؤال كبير. لا ينفع أحدا شيء ان نكرر له ما وجدناه في الكتب. لا يكفي ان نوجه إلى الصدق بل ينبغي ان نوضح كيف يعيشه مثلا المحامي أو التاجر أو المرشّح للنيابة. كيف تكون خصوصيات الفضيلة في كل وضع؟ لا يكفي ان ندعو إلى العفة. فالحديث عنها مع العازب شيء ومع المتزوج شيء آخر. فلا نجتر الكلام النسكي اجترارا وقد كُتب في معظمه لرهبان.

ما من إرشاد ممكن بمجرد التلفظ بكلمات أخلاقية اجتماعية مثل قولك: كيف بتعمل هيك، أو هذا حرام، أو أنت تصلي فكيف ترتكب هذه الخطيئة. من لا يستطيع ان يتكلم من قلب الإنجيل بكلمات يسوع ينبغي ان يسكت.

على مستوى أعلى، عندنا كاهن ذاق حلاوة الرب. لا ينبغي لهذا ان يقول شيئًا إلاّ من خبرته. إذا كان الكاهن رجل صلاة يمكنه ان يرشد إلى الصلاة. ومن كان فقط يؤدي واجباته الطقسية لا يستطيع ان يتكلم على الصلاة. ولكن لا يكفي ان يقول المرشد: صلِّ يا ابني. إذا كان لم يذق هو جمال الصلاة وفهمها ومحاربة الكسل فيها أو الشرود، الأفضل له ان يسكت. الكلام العام، الغامض لا يوصل إلى شيء.

أيا كان الأب الروحي هو يقدم نصائح ولا يعطي أوامر. لا يلغي شخصية المعترف أو المسترشد. هذا ليس عبده. انه ابنه أو أخوه. المعترف يجب ان يبقى واعيا، مميزا الأشياء لكي يظل منتعشا روحيا. لا نعامله كما نعامل مبتدئا بالرهبنة. الأب الروحي لا يضع الناس في قوالب. له ان يكون متشددا أحيانا وليس في كل حين وان يبقى رقيقا، عطوفا في كل الأحوال.

تكريم التائب لأبيه الروحي لا يعني انه يقع في عبادة الشخص أو انه لا يرى نفعا في سواه. وإذا رأى انه لا يستفيد كثيرا يتركه بعد استئذان. والأب الروحي ينبغي ان يحلّ من هذا الرباط الذي يطلب فك الرباط. يجب ان يتصور المرشد ان ابنه الروحي قد يجد مرشدا آخر. الأب الروحي لا يقع في غيرة من بقية الآباء الروحيين.

هذا طبعا يعني انك تختار أباك الروحي حيثما تريد. ليس هو بالضرورة كاهن رعيتك. ولكن قبل ان تتركه تأكد انك تذهب إلى من كان أفضل منه. هناك كهنة حكماء جدا. ليس من الثابت ان كل الرهبان أفضل منهم.

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

المجد الباطل/ الأحد 8 تموز 2001/ العدد 27

عند مولد السيد قالت السماء لأهل الأرض: «المجد لله في العلى». إزاء ذلك قتل هيرودس الأطفال حبا بمجده هو. في كل من العهدين يعطى المجد لله. أما الإنسان فينال مجده من الله. الآيات الساطعة والكثيرة تقول ان المجد هو لله. فنعترف نحن به. ثم المجد هو الذي رأيناه على المسيح، وهذا انكشف فيه على الصليب. والمجد يملأ بيت الله. والمجد لشعب الله.

          استمدادا من الله، يقول الكتاب ان الحكماء يرثون مجدا وان متواضع الروح يناله. فخارجا من التقوى والحكمة -وهما من الرب- لا يرى الكتاب المقدس مجدا في أي إنسان آخر. ولذلك قال السيد: «مجدا من الناس لستُ أقبل». ورأى يسوع ان طلب المجد هو من عدم الإيمان. لذلك قال لليهود: «كيف تقدرون ان تؤمنوا وانتم تقبلون مجدا بعضكم من بعض، والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه» (يوحنا 5: 44).

          كثيرون هم الناس الساعون إلى المديح وان يظهروا في عيون البشر. طلب الزعامة والسيطرة هو من عشقنا للمجد الباطل. هذا يطلبه المتزعمون من القوم المحتاجين إلى دعم ومنصب إذ لا ينال منصبا من كان صاحب كفاءة وعلم الا نادرا. القوي يعضد الضعيف لا إكراما له ولكن ليجعله تابعا. والضعيف يسترضي القوي لكونه يخشاه، يخشى قمع المتزعم وظلمه. ويختلف المستضعفون ليس على فكرة أو موضوع ولكن بسبب من ان هذا وذاك لهما زعيمان مختلفان أو ان واحدا يتبع والآخر لا يتبع.

          والخلاص من هنا كله ان نسعى إلى استقلالنا بالتقوى التي تجعلنا تابعين لله وحده. أحيانا يجعلنا استقلالنا على هامش مجتمعنا أو مغضوبا علينا من القوى النافذة. ولكنا نجد، إذ ذاك، مناعتنا في الله.

          من أَحب الآخرين يريدهم أقوياء لهم ذاتيتهم بالرأي الحر ويعترف بأن كرامتهم تأتيهم من ربهم وان أحدا من البشر لا يعطي أحدا كرامة. من أُحبه حقيقة أريده حرا، حرا مني لأن طاعة لي غير مشروطة انما هي مني احتقار لمن أريده تابعا.

          هذه الظاهرة تقوى في البلدان التي الدولة فيها ضعيفة ولا تحمي للناس حقوقهم. جلّ ما تستطيع الكنيسة ان تفعله هو ان تقرئ الناس الإنجيل الذي يدفعهم إلى ان يطلبوا مجد الله فقط. الكنيسة ليست في صراع مع الأقوياء ولكنها تقول: «أنزلَ (اللهُ) الأعزاءَ عن الكراسي ورفع المتواضعين». تريد مَن ظن نفسه شيئا الا يرى نفسه شيئا وان يلتمس قوة من النعمة فيجعل نفسه أخا للجميع، خادما لهم لا يتوخى منهم جزاء ولا شكورا. تطلب منه الكنيسة خدمة الفقراء والمهمشين حتى لا يخافوا من ضعفهم، حتى لا يقتلهم ضعفهم.

          لو طلبنا جميعا مجد الله لاستقر علينا وتساوينا بما أكرمنا به الله وما استعلينا بسبب من مال أو من سلطان في الأرض. «لا لنا، لا لنا يا رب بل لاسمك أَعطِ المجد».

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

الشيطان/ الأحد 1 تموز 2001/ العدد 26

في اللغة اليونانية يقال له «ذيافولُس» أي المفرِّق، الذي يفرّق بين الإنسان والإنسان. ضده الله الواحد والموحِّد بين البشر بالمحبة التي يُنزلها عليهم فيصيرون بذلك جسدًا واحدًا ولو كان كل منهم مستقلا عن الآخر. انه مستقل ولكنه غير منفصل. أن أعتبرك عدوّي هو ألاّ اعتبرك معي أو فيّ. أنت عدوي أي أنت مرميّ خارجا عني، خارجا عن قلبي.

يمكن ان اعتبرك واحدا معي ولو رأيتك مختلفا عني. وإذا كنت أنا أحبك فليس لأضمك إلي ولكن لأضمك إلى الله. فإذا صرتَ متحركا إلى الله أحبك، فهذا همّي. وإذا كنتُ أنا متحركا إلى الله يكون الله نفسه موعدا لنا. فبسبب من هذا الموعد الذي كلانا مدعو إليه نكون واحدا وتبقى لك أشياؤك ولي أشيائي. غير ان الجامع هو الله. يبقى بيننا تباين أي يبقى لكل منا خصوصيته، ولكن المشترك بيننا وفينا هو الزخم الإلهي الذي يجعلنا تواقين إلى الرب.

وإذا أنا استبعدتك عني، أتركك إلى عزلتك وأترك نفسي في عزلتها أي أكون مدمرا إياك ومدمرا نفسي. أنا، محبا، لا أتوخى ان أستبدّ بك أو ان استعمرك لأني، إذ ذاك، أكون مخضعا إياك لسلطتي، لشهواتي. أي أريد ان أنقـل إليك شهواتي، ان أفسدك بها. إذ ذاك، أنا لست معك. أنا مع نفسي كما هي في خطاياها. ولكني لا استطيع ان أحبك الا إذا تجردتُ من خطيئتي حتى لا تشملك، حتـى لا تنهيك. العداء إذًا هو الموت.

هذا كله من مصلحة الشيطان الذي يريد الموت الروحي لي ولك. هذا الموت هو مملكة الشيطان. يشلحك في مكان ويشلحني في مكان ويسود علي وعليك. ولكن إذا نحن لم نفترق يكون الله هو الجامع لأن وظيفته ان يجعلنا واحدا.

ان يصير كل منا واحدا مع الله ممكن إذا فهمنا «ان الله كله يضم بكليته مستحقيه. والقديسون بكليتهم يعانقون في كيانهم كله الإله كله وليس لهم مكافأة الا الله وحده» (القديس غريغوريوس بالاماس). فالله لا يترك شيئا منه لا يعانقه الإنسان. والقديسون يتنزهون عن كل ما هو غير إلهي فيهم في عناق الله إذ لا يطلبون الا الله لأنفسهم وللآخرين.

وإذا أمسى الله كل شيء فيك وصار أيضا كل شيء في الآخر، فأنت والآخر واحد إذ تكون قد بطلت فيك كل مزاجية وأصبحت نورا ورأيت النور في الآخرين.

أما الشيطان فوظيفته ألاّ يريك الآخرين نورا وان يريك عيوبهم حتى تكرههم لعيوبهم فينطفئ النور فيك وتبغضهم لتؤكد ما اعتبرته ذاتك وهو ليس بذاتك ولكنه عيوبك.

الرعية المتفرقة ليس المسيح يسودها. حاكمها هو الشيطان. وإذا صلّت فلا تصلي لله ولكن الحاقد فيها يعبد نفسه. فترى الناس يتقدمون إلى جسد الرب وليس الرب بينهم ولا تستطيع المناولة ان تعطيهم الرب. هم لم يأخذوا شيئا، ويقول بولس انهم اخذوا دينونة فيهم، وتقول الصلوات المهيئة للمناولة عندنا انهم اخذوا النـار أي انهم يكونون قد ابتلعوا جهنما فيهم.

السؤال المطروح عليك هو: مَن حاكمك؟ هل هو إبليس أم هو المسيح؟

Continue reading