Monthly Archives

June 2001

2001, مقالات, نشرة رعيتي

كيف أقرأ سيرة قديس/ 24 حزيران 2001/العدد 25

عندنا كتاب اسمه السنكسار وهو يعني مجموعة سيَر القديسين على مدى 365 يومًا. كما ان الدارسين لتاريخ الكنيسة يطالعون فيه سيرة الآباء العظام مثل باسيليوس ويوحنا الذهبي الفم ونعرف تفاصيل حياتهم بدقة.

    هؤلاء لعبوا دورًا كبيرًا في الأحداث الكنسية، فسيرتهم والأحداث كالمجامع المسكونية منسوجة معًا. ففكرهم غذّى المجامع او تغذّى به. فعلى سبيل المثال لا بدّ من قراءة ما كتبه عن الأيقونة القديس يوحنا الدمشقي حتى تُفهم عقيدة الأيقونة. الآباء الكبار عندهم الفكر وفيهم قداسة الحياة. ونفحة القداسة هي ايضا في ما كتبوا. ولكن أكثر القديسين لم يكتبوا واهتدينا بطهارتهم.

    نستند اذًا على المراجع التاريخية القديمة والتي يعمل عليها العلماء كما يعملون على اي نص تاريخيّ. والباحثون الجدد قد ينقّحون معلومات عن هذا او ذاك، فيثبت انه وُلد هنا ولم يولد هناك مثلا، أو مات في هذه السنة ولم يمت قبلها. هذه أشياء لا تهمّ التقوى، ونحن نتوخى ان نزداد تقوى عندما نقرأ.

    غير ان هناك احيانًا مبالغات في السرد فيقال مثلا ان مار نقولا لم يرضع حليب امه يومي الاربعاء والجمعة. لا يفوت أحدا ان هذا الكلام أتى من رغبة الكاتب ان يُرجع «نسك» القديس إلى أيام رضاعته. فالواضح انها مبالغة شعرية لا ينبغي نقلها على انها حادثة ولكنها كلام مجازي.

    هكذا في سير الشهداء، فالحديث مثلا عن القديس جاورجيوس انه أنقذ ابنة الملك من التنين، من المؤكد ان هذا حديث تعليمي، فليس من ابنة ملك وليس من تنين لأن علم الحيوان لا يعرف حيوانًا بهذا الاسم. نحن امام قصة تعليمية مغلفة برموز. ودليل ذلك ان أقدم أيقونات مار جرجس تمثّله بلا حصان ولا تنين.

    كذلك هناك مبالغات شديدة في وصف العذابات عند الشهداء، وهذا من رغبة الكاتب ان يظهر قديسه عظيمًا جدًا.

    فعلى هذا المنوال تأتي الروايات عن الشهداء متشابهة وعن رؤساء الكهنة متشابهة. تأتي نموذجية كما ان الخدمة الإلهية (غروب وسَحَر) المخصصة لرئيس كهنة او شهيد او بارّ (راهب) في خطوطها العريضة واحدة في كل فئة من القديسين.

    كذلك تأتي الأيقونة في كل فئة متقاربة كثيرًا مع الأيقونة الاخرى لكون الأيقونة تعليمية ولا تهتم لتفاصيل الثياب او الوجه. ان كنت تألف انت التصوير الأرثوذكسي، تعرف توا ان هذا رئيس كهنة او شهيد او بارّ، ويجيئك اسم القديس لتعرف الشخص المرسوم بصورة كاملة.

    اذا كنت قادرًا على اقتناء كتاب السنكسار أو كراسا عن القديس نُشر هنا أو هناك فاقرأه قبل ذهابك إلى القداس لتفهم القِطع أو الأناشيد. والأهم من كل ذلك ان تقتدي بالقديس ما استطعت. شجاعة الشهداء مثلا تعلّمك ان تعترف بالمسيح قدام الناس تعليما وشهادة. الأبرار يوحون اليك جدية الجهاد الروحي المرير الذي قاموا به. أنت لا تتشبه بالقديس الراهب في طعامه،  وليس عليك متزوجا ان تقمع جسدك كما قمعه. ولكن تبقى الروح الواحدة والمحبة الواحدة.

            تقول في نفسك بعد قراءة السنكسار: هكذا يجب ان أصير. ثم تقول: احب أن أصير هكذا في حرية أبناء الله.

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

وجه المسيح/ 17 حزيران 2001/ العدد 24

طالعتنا جريدة «النهار» في عدد 5 حزيران بمقال عنوانه: «هل هذا هو الوجه الحقيقي للمسيح؟»، ببناء مجسم يقال انه الأقرب الى وجه المسيح. والمحاولة قائمة على دراسة جمجمة رجل يهودي اعتبر الخبراء انه يمثل النموذج الأنسب للأشخاص الذين عاشوا في فلسطين في وقت المسيح لأن الجمجمة تعود الى القرن الاول.

    طبعا ليست الجماجم خارجة من قالب واحد او ليست هي متشابهة. وفي المجال الأثري ليس من تأريخ قاطع. ولا نعلم اذا كانت الدوائر الاسرائيلية مهتمة بهذا الموضوع كما لا نعلم نياتها.

    هنا لا بد لنا من القول ان المسيحيين الاوائل لم يهتموا إطلاقا للشكل الجسدي الذي كان عليه السيد. فقال بعضهم ان هذا الوجه كان جميلا وقال آخرون العكس. وطبعا ليس في الإنجيل اهتمام بهذا الأمر. وأثبتت الدراسة ان «كفن تورينو» الذي قيل انه كفن السيد هو من القرون الوسطى. كما أثبتت الدراسات ان وصف يسوع المنسوب الى بيلاطس نص غير ثابت. ليس عندنا اذًا اية إشارة عن هيئة المخلّص الجسدية، وبالتأكيد هذا لا يهمّنا.

    هناك تمثال مصنوع بعد قيامة المخلص ببعض عشرات من السنين يصوره فتيا. ولكن هذا عمل فني لا علاقة له بالواقع. كذلك اقدم ايقونة عن الرب محفوظة في متحف اللوفر في باريس هي ايقونة قبطية تعود إلى القرن الخامس. غير ان الايقونة فن ديني، تعليمي، لا يفتش فيها الرسام عن تقليد صورة واقعية اذ ليس عنده هاجس فوتوغرافي. وحيث ان كاتبي الايقونات -وهكذا نسمّي الرسّامين- يتبعون النماذج الاولى ليوحوا فكرة روحية، أتت صورهم متشابهة جدا. الايقونة هي اقرب إلى الرمز من الشكل الجسدي المنظور. هي قراءة لاهوتية لمن نصوّره.

    الفن الاوربي استوحى الايقونة ولو استقل عنها بالأسلوب والصناعة. فالمهم عندما ننظر إلى الايقونة  ان نرتفع روحيا إلى ما هو مصوَّر عليها، وليس عندنا سعي إلى معرفة شيء عن بشرة السيد أو لون عينيه. طبعا كان يشبه اهل هذه المنطقة المشرقية. هذا كل ما يمكن أن نقوله.

    علاقتنا بالرب هي بالروح القدس. نحن لا نعرفه حسب الجسد ولكن حسب الروح كما يقول بولس. اي نعرفه في القلب عندما تنسكب فيه النعمة. ونعرفه كما عرفه تلميذا عمواس «عند كسر الخبز» في المناولة الإلهية وفي الكلمات التي خرجت من فمه. ونعرفه في المحبة اذا عشناها وفي الرباط الكنسي الذي يوحّدنا بالإخوة.

    عندئذ لا تعطينا السينما شيئا عن المعلّم اذا مثّل دوره ممثل ولا تزيدنا ايمانا. هو ليس عندنا مجرّد بشر لنضعه في المسرح. نحن نراه بعد القيامة اي نراه دائما كائنا نورانيا مرتبطا بنا بالروح القدس وقائدا لنا إلى الآب. لنا ان نستمتع فنيا باللوحات التي وضعها كبار الفنانين ورسموا فيها حوادث من الإنجيل ومنها الصلب. هذه لوحات لا ننكر شرعيتها، ولكنها لا تجعلنا نصلّي. نحن لقاؤنا مع السيد في الصلاة وفي الايقونة. كذلك نستمتع بالموسيقى الكلاسيكية التي لحنت قداسا غربيا على نهج تعدد الأصوات. ولكنا لسنا هكذا نصلّي. نصلّي بالروح.

Continue reading