Monthly Archives

September 1995

1995, مقالات, نشرة رعيتي

الاقتصاد/ الأحد 17 أيلول 1995 /العدد 38

ان نقتصد من الإنفاق امر يدعو اليه آباؤنا لنتمكن من الإنفاق على الفقراء الآن. الادّخار للقيام بعمل خيري فيما بعد ليس الادخار الذي ينهي عنه الإنجيل. الادخار السليم فيه نسك وفيه محبة. على هذه الصورة يدعونا الله ان نقتصد في كل شيء. في زمان تجتاحنا فيه الصحف لا يسعنا ان نقرأ الكثير منها او ان نصرف وقتا عليها طويلا لأن هذا يمنعنا من مطالعة الكتب وهي اجدى وأعمق لأن فيها ذاكرة الانسانية وفي افضلها تطهر كبير. كذلك ينبغي ان نقتصد من الإعلام المسموع والمرئي لا ان نلغيه كليا ففيه منفعة وفيه خسارة وتبديد وقت طويل. والإعلام كله مبني على توجيه سياسي يأتي من القوى الكبرى ولها فيه منافع، وهي تسعى الى تسخيرنا لهذه المنافع فنكون لها بعد وقت يسير او مديد، ويتسرب هذا الينا ببطء مدروس.

    والقليل من الطعام تقشفا اساسي في المسعى الإنساني وفي تحررنا من وطأة اللذات علينا، وغاية ذلك ان ننصرف الى الله وفقرائه.

    وفي الخط نفسه الاقتصاد من السهرات التي يبدأ فيها العشاء في ساعة من الليل متأخرة. فالمآدب السخية وهي كثيرة في بعض المجتمعات تستغرق بين ثلاث واربع ساعات وليس فيها تواصل حقيقي بين الناس، وتبسط فيها الأزياء للتفاهة والإغراء، وفيها تبديد لوقت ثمين. اجل لا بد من معاشرة الأصدقاء. ولكن في المجتمعات الكبيرة انت لا تلقى اصدقاءك لقاء وجدانيا، وان اردت تبادل الشعور معهم فلا تحتاج الى كل هذا الوقت. ومن الناس من يقضي عدة سهرات في الأسبوع مما لا يفسح في المجال للتبادل الشعوري الحقيقي. لا شك ان في هذه الاجتماعات المتكررة الطويلة هروبا من الحياة الحق وفيها ثرثرة كثيرة وتعرض للنميمة وألوان من الاشتهاء لا يجعل القلب ململما او مركّزا على الصالحات الباقيات.

    هذه السهرات الشاردة تخالف قول الرب: “اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة”. السيد يطلب منا اليقظة واليقظة في اقتصاد وسائل العيش والتعفف عن الانفلاش.

    ومن اهم جوانب التقشف عفة اللسان وهو اقتصاد الكلام والمحافظة على صيت الناس وان نبتعد عن كل ما يؤذي الناس.

    هذا كله يقودنا الى حياة بعيدة عن الترف وعن روحية المجتمع الاستهلاكي. نقتصد في كل شيء لكي نبذل ما عندنا وما في قلوبنا للآخرين. نفتح قلوبنا للرب حتى اذا سكنها يعصمنا من الثرثرة ومن الإسراف ويسودنا الصمت والكلام الحلال والانتباه الى الناس لكي نعطيهم الكلمة الحلوة ومعها الخدمة. واذا هيمن الله علينا ومحبة لا جعجعة فيها يرى الآخرون “اعمالنا الصالحة ويمجدون ابانا الذي في السماوات”.

    مجتمع من المقلّلي الكلام والعظماء في الخدمة هذا هو المجتمع الكنسي الفاضل الذي يُشعر الناس ان المسيح ساكن في وسطنا، حي في ما نقول وحي في ما نعمل.

Continue reading
1995, مقالات, نشرة رعيتي

النميمة/ الأحد 10 أيلول 1995/ العدد 37

النميمة هي التحدث عن الغير على وجه إشاعة خطيئاتهم والإفساد. هي تزيين الكلام بالكذب وهي خطيئة شائعة تؤذي الانسان الآخر في صيته، والناس يصدقون، وتتشوه عندهم صورة الآخر، وييأسون من الفضيلة اذ يحسبون انها نادرة فلا يتعاملون مع الشخص الذي صارت صورته قبيحة.

هذه خطيئة اللسان التي كتب عنها يعقوب الرسول بقوله: «اذا كان احد لا يزل في كلامه، فهو رجل كامل قادر على إلجام جميع جسده… اللسان عضو صغير ومن شأنه ان يفاخر بالأشياء العظيمة. انظروا ما اصغر النار التي تحرق غابة كبيرة! واللسان نار ايضا وعالم الإثم». ثم يضيف يعقوب ان اللسان يحرق العالم كله ويحترق هو بنار جهنم.

قد يموت احدنا اذا عرف ان الناس باتوا ضده وانهم يثرثرون في مجالسهم في شأن ضعفاته. والثرثار يؤذي نفسه اولا اذ يحيد عن رؤية عيوبه ليقوّمها وينظر الى عيوب الناس ولا يقومها اذا أفشاها. ومن اهم مظاهر العفة عفة اللسان. فاذا نظرت اخاك يخطئ فصلِّ من اجله ولمه بلطف عله يرتدع واحذر ان تسقط انت بالخطيئة التي تنسبها اليه.

ضد هذه الخطيئة قول الله في المزامير: «طوبى لمن سترت خطاياه وغفرت ذنوبه». فاذا كان الرب يستر خطايا الناس ليطلقهم الى التوبة فعلى مثاله انت تمنع لسانك عن ذكر ما ارتكبوه.

قد تظن اذا أفشيت خطأ الآخرين انك غيور على الفضيلة. تكلم انت بفضائل الناس لأن هذا يعزّي. والنميمة تكون كبيرة جدا اذا كانت افتراء. فاذا كان نقل الاخبار الصحيحة الجارحة مؤذيا فبالحري يكون الافتراء قتالا. الافتراء قد يحدر نفس الآخر الى الجحيم. ويحدر نفس المفتري الى الجحيم ما في ذلك ريب.

الموقف الذي لا بد منه هو ألا نصدّق اي شيء يقال عن الآخرين. لا حاجة الى التدقيق. الأفضل ان نتجاهل ما نسمع لئلا يجذبنا هذا الى الفساد. ولكن اذا اضطررنا الى معرفة الواقع فلا بد من التدقيق الشديد. من مثل هذه الحالات انه لا بد ان نعرف كل شيء عمن نوظفه او نعامله. فاذا عرفنا انه مرتكب الشر فنصمت ونتخذ موقفا ولكنا لا ننقل الخبر الرديء. واذا سئلنا عن خطيئة نعرف ان احدا ارتكبها فلا نجيب بشيء الا اذا كان للسائل حق في ان يعرف الحقيقة.

عفة اللسان طريق الى طهارة كبيرة.

Continue reading