الحائزون على الدنيا/ الأحد 25 تشرين الثاني 2001/ العدد 47
صعوبة الإنسان ان ينضم إلى الملكوت هو انه يجب الانضمام إلى نفسه. هو مركز الوجود لا الله. الرجل الغني موضوع إنجيلنا اليوم (لوقا 18: 18-27) ظن انه مركز لكونه حفظ الوصايا. ولكن عندما اشترط عليه يسوع ان يبيع كل شيء ليتبعه تراجع. ان يتجرد من كل شيء يعني انه فقد هيمنته على هذا الوجود. هو يهمه هذا الوجود مع حفظ الوصايا. الله والعالم معا. الله وعشق المال معا. لم يصل هذا الغني إلى عراء يسوع على الصليب أي ان يكون قلبه خاليا من كل شيء ما عدا الرب. المال قوة. إذًا الله ليس كل القوة.
المال طريق إلى قوة أعظم منه هي قوة السياسة. ان تسعى إلى دعم الكبار ليس سيئا في بلد تركيبته سيئة. ولكن ان تسعى في كل الوسائل، في مدح النافذين مثلا، في الرشوة، في أي نوع من أنواع الإغراء، فهذه سياسة على الطريقة اللبنانية حيث الشاطر هو كل شيء وحيث مطواعيتنا لرؤساء وهذه الأمة هي كل شيء.
هذا الشاعر بقدرته أو هذا القادر على الكثير لا تسحره قدرة الله الا إذا مرض أو مرض واحد من أولاده. القوي يستغني. هل يعني ذلك انه يجب ان تتخلى عن قوتك في الحكومة أو الدوائر؟ لا، ولكن استعملها بخوف الله فلا تمنن أحدا ولا تظلم ولا تشتر بها ضمير أحد.
هناك سلطة كبيرة هي سلطة الجمال عند النساء. الحسناء كثيرا ما تتباهى فجمالها غنى ونفوذ في الأرض وقد يكون لها مطلب سخيف في المعاملات ولكنها تلبّى. ولا يردّ زوجها سلطانها ولو كانت على خطأ. والتباهي يسير بها إلى الانتفاخ والغرور وتاليا إلى الفراغ.
وهناك لون آخر من التسلط وهو تسلط العلماء والمثقفين والأذكياء. العلم سلطان على أنصاف المتعلمين والبسطاء. والذكاء موقع من مواقع الافتخار مع انه مجرد هبة من الطبيعة صقلتَها أنت بجهودك ولكنك ورثتها بقانون الميراث الطبيعي.
كل هذا الذي ذكرناه حيازة في الدنيا. الجمال والذكاء والمال والسلطان السياسي، كل هذا من هذا العالم، ولا شيء من هذا له قيمة عند الله وعند المقربين إليه. وإذا كان لك شيء من هذا وكان لك به زهو فاعرف انك لن تذوق ملكوت الله. لا شيء من هذه ينفعك بذرّة لتتقدس. فقط إنْ صرت فقيرا إلى الله ومُوقنا بأن فقرك وحده يجلب عليك الغنى الإلهي تصير جميلا من نوع آخر وذكيا من نوع آخر. المتواضعون لهم ذكاء خاص وقدرة خاصة لم يسمع بها أكابر القوم وأكابر الثقافة. المستكبرون صاروا من هذه الدنيا، من ترابها. الذين جمّلهم تواضع يسوع يراهم معلقين عراة مثله على صليبه، متحفزين إلى القيامة.
Continue reading