أحد النسبة/ 24 كانون الاول 2000/ العدد 52
رسالة اليوم (عبرانيين 11: 9-10 و 32-40) تذكر بعضا من الأبرار الذين سبقوا المسيح. مع ذلك «لم ينالوا الموعد لأن الله سبق فنظر لنا شيئا افضل أنْ لا يَكْمُلوا بدوننا» اي أن لا يكملوا بدون المسيح. في الإنجيل (متى 1: 1-25) يذكر متى لائحة من الرجال الأبرار منذ ابراهيم كانت قوة حياتهم انهم رجوا ظهور المخلّص. قبل ان يتكلم متى على مولد السيد، أراد ان يؤكد انه ابن داود اي ليوحي من مطلع الإنجيل ان يسوع هو المسيح. عبارة «ابن داود» تعني ان الشخص الذي يكتب متى نَسَبَه هو ذاته المسيح. غير ان الإنجيلي لا يقف عند داود، ولكنه يذهب في التاريخ إلى ابراهيم الذي «بنسله» (اي المسيح) تتبارك جميع قبائل الأرض.
لماذا يضع متى لائحة بهذه الأسماء الوارد معظمها في العهد القديم؟ الجواب انه اراد ان يقول ان السيد في طبيعته البشرية هو خلاصة شعب الله او نهايته بمعنى انه وريث المواعد، انه منتهى الوعد الإلهي وان الحياة الجديدة تبدأ به وتذهب إلى جميع الأمم التي ستتتلمذ على الرسل وتتعمّد باسم الآب والابن والروح القدس (كما ورد في نهاية متى).
لماذا قال متى: «فكل الأجيال من ابراهيم إلى داود 14 جيلا، ومن داود إلى جلاء بابل 14 جيلا، ومن جلاء بابل إلى المسيح 14 جيلاً»؟ اقترح المفسرون شروحًا عدة. الشرح الذي يبدو لي قويا، بناء على عِلْم الجُمَّل، الذي يعرفه العرب كما عرفه العبرانيون، أن 14 هي مجموع القيمة العددية المنسوبة إلى الأحرف الثلاثة المركَّب منها اسم داود في العبرية والتي تُكتب بدون الألف فتجيء هكذا: د=4 و و=6 والدال الأخيرة 4، فيكون المجموع 14، ويَنسحب هذا على الحقبة الثانية من داود إلى الجلاء والحقبة الثالثة من الجلاء إلى المسيح. كل ذلك لتأكيد ان المسيح ابن داود.
لماذا هذا الاهتمام عند متى؟ ذلك انه كتب «للمؤمنين الذين من أصل يهودي» ومنهم عدد كبير من كهنة الهيكل الذين اعتنقوا المسيحية. كل ذلك ليثبتهم في الإيمان ان يسوع هو المسيح.
في اللائحة يسوع منسوب إلى يوسف وعندنا آباؤه. لماذا النَسَب إلى يوسف وليس إلى مريم؟ لأن الولد العبراني منسوب إلى أبيه (وهنا المظنون أباه) ولا يجوز ان يُنسب إلى امه. غير ان مريم هي من هذا النسل فيكون يسوع هو بها ابن داود.
ماذا يعني قول متى: «لمّا خُطبت مريم امه ليوسف، وُجِدَتْ مِن قَبْل ان يجتمعا حبلى من الروح القدس»؟ نظام الزواج عند اليهود أن الخطبة هي الزواج الشرعي، والزفاف هو الزواج الفعلي المنفّذ. مريم قبل انتقالها إلى بيت يوسف كانت زوجته حسب الشريعة ولم تكن زوجته في لقاء جسدي. في آخر القراءة من بعد ظهور الملاك ليوسف وبعد ان وضع الملاك حدا لارتباك يوسف، «اخذ امرأته» اي قام بحفلة الزفاف وأسكنها معه.
«ولم يَعْرفها حتى وَلدَت ابنَها البِكْر» اي لم يعرفها قبل ولادتها ابنها البكر. استعماله كلمة «بِكْر» لا يُفيد بحد نفسه أنها أنجبت اولادًا آخرين. غير ان متى لا يتعرض لهذه المسألة، لا يقول انها أنجبت بعد هذا ولا يقول العكس. لا يهتم للأمر لأن همّه ان يثبت الميلاد البتولي ليسوع. ولكن دوام البتولية اعتقاد شاع في الكنيسة الاولى وثبته لنا المجمع المسكوني الخامس وقال به آباؤنا جميعا وتقول به طقوسنا كلها. ايماننا هذا بها جاء من التراث المتواصل. اما عبارة «إخوة يسوع» الذين نَعْرفهم بأسمائهم من الإنجيل فتدلّ على أنسباء ليسوع يقول تقليدنا الشرقي انهم ابناء ليوسف من زواج له سابق ولا سيما ان كلمة «أخ» في اللغة العبرية لا تعني حصرا المولود لك من ابيك أو امك، وتشمل الأنسباء والقريبين.
انجيل اليوم يؤكد في ما يؤكده شيئين ان مريم كانت عذراء عند الميلاد وهذا بناء على نبوءة اشعياء في الإصحاح السابع، وان يسوع هو عمانوئيل أي «الله معنا». الله صار معنا بإرسال ابنه الوحيد. الله صار قريبا لنا ونحن منسوبون إلى ابنه. ونحن به نسير إلى القداسة بحسب قول يوحنا: «اما النعمة والحق فبيسوع المسيح حصلا». نحن بالابن الوحيد صرنا اولاد الله.
Continue reading