Category

2008

2008, مقالات, نشرة رعيتي

بشارة بولس/ الأحد 28 كانون الأول 2008 / العدد 52

العبارة لا تعني كتابا مدوّنًا. الأناجيل المدوّنة والمقبولة في الكنيسة أربعة. وليس واحدا منها كان معروفا في ايام بولس. ما يسمّيه الرسول إنجيله هو تعليمه عن الإيمان بيسوع وموته وقيامته. وما دعا اليه بولس في الرسالة الى اهل غلاطية والرسالة الى أهل رومية اننا مبررون بالإيمان بيسوع المسيح وليس بناموس موسى.

وفي هذا كان يعتمد مجمع اورشليم الرسولي الذي اجاب عن سؤال كان مطروحا في الأوساط الكنسيّة: هل الوثني يصير يهوديا اولاً (بالختان) ويتبع تاليا فرائض العهد القديم، ام يعتمد توا ويتبرّر بالإيمان؟

هنا، في هذا المقطع، أراد بولس ان يقول ان إنجيله، اي مضمون تعليمه، لم يأته من إنسان ولم يتعلّمه من إنسان. وكان عنده سابقا لانعقاد المجمع الرسولي وتبنّى المجمع فكر بولس. ما أتاه من انسان ولكن بإعلان يسوع المسيح. هل يعني هذا إعلانا واحدا لمّا اهتدى بولس بظهور يسوع له على طريقه من أورشليم الى دمشق، اي على الطريق المستقيم التي تمر امام بطريركيتنا وتنتهي عند باب شرقي، أم يقصد عدة إعلانات بعد ان لجأ بولس الى «ديار العرب» ونرجّح انه اقليم العربية اي حوران كما كان يسمّى في الإدارة الرومانية.

من الطبيعي انه كان في حوران مسيحيون لقرب المنطقة من دمشق. بولس لم يرَ المسيح في الجسد ولم يسعَ لمّا عمّده حنانيا أن يصعد من دمشق الى اورشليم. كانت له علاقة وجدانية مباشرة مع السيد. وما كان في يديه شيء مكتوب من الرسل.

ان معرفة بولس للمسيحية تبقى لغزا ابديا. غير ان رسائله تدل على ان شيئا اساسيا من المسيحية بلغ المسيحيين الذين ارسل اليهم رسائل. يعرفون بالأقل ان السيد اقام العشاء السري ثم مات وقام من بين الأموات وظهر لبعض من التلاميذ. بولس لم يكن منشئا للرسالة المسيحية كما ادّعى بعض اهل الغرب ولكنه كان كاشفًا للمعاني والعقائد التي تتضمّنها الأحداث الخلاصية الأساسية.

الى هذا عاد من حوران الى دمشق. ماذا عمل في دمشق؟ لا احد يعرف. غير انه يقول: «بعد ثلاث سنين صعدت الى اورشليم لأتعرف ببطرس». لماذا بطرس وحده؟ في الإصحاح الثاني يذكر «المعتبَرين أعمدة» ويقول انهم لم يشيروا عليه بشيء . اعترف اذًا الرسول انه كان في اورشليم.

من هم المعتبَرون أعمدة؟ هم يعقوب وصفا ويوحنا (غلاطية 2: 9). هؤلاء الثلاثة هم المذكورون في الإنجيل ان الرب يسوع اصطحبهم الى العجائب وجبل التجلي. فعلى ذكر بولس ان إنجيله من الآب ومسيحه عرض إنجيله على النواة الرسولية لئلا يكون قد سعى باطلاً. مهما كان الانسان عظيمًا عليه ان يراجع التراث.

Continue reading
2008, مقالات, نشرة رعيتي

أحد النسبة/ الاحد 21 كانون الأول 2008 / العدد 51

الأحد السابق للميلاد يسمى أحد النسبة وهي والنسب واحد في العربية. هذا فصل عن أجداد المسيح منذ ابراهيم الذي يبدأ به الشعب العبري من حيث له ذاتية ايمانية.

تنتهي السلالة بيوسف لأن النسب هو للأب او المظنون أبًا ولا يُنسب الولد لأمه الحقيقيّة. يوسف كان الأب الشرعي وليس الأب الفعلي. وبما ان العهد القديم وعد بأن المسيح سيكون من نسل ابراهيم فلا بد من ذكر ابراهيم، وكذلك وعد بأنه من داود فكان لا بد من ان تعبر السلالة بداود ايضا.

ان متى كتب انجيله لليهود اولا. كتابة كل من الأناجيل الأربعة لها ظروفها وهي موضوعة حسب خطة تبشيريّة، ولكل من الأناجيل خطته. وكان متى الرسول مضطرا ان يوضح لأبناء جنسه ان يسوع سليل ابراهيم وداود حتى يؤمنوا انه المسيح.

كلمة مسيح تترجم اسم «خريستوس» اليونانية التي تعني الممسوح اي الممسوح ببشريّته بالروح القدس. يسوع هو الاسم والمسيح نعت او صفة لهذا الاسم بعد ان اتخذ الجسد.

يثبت متى ان يسوع كان الابن الشرعي لداود لأن يوسف هو سليل داود. فلكون المخلّص ابنًا بالقانون ليوسف كان ابنا شرعيا لداود. مريم كانت ايضا من عشيرة داود. ويؤكّد لوقا: هو من لحم مريم ودمها. ويؤكّد بولس في مطلع رسالته الى أهل رومية انه «في الجسد جاء من نسل داود». ولما تكلّم متى عن الآباء قال ان فلانا ولد فلانا ولم يقل ان يوسف ولد يسوع ولكنه قال ان يوسف كان «رجل مريم التي ولدت يسوع».

كلمة يسوع تعني «الرب يخلّص» فيسوع سوف يخلّص شعبه من خطاياهم.

ام يسوع تسمى عذراء اذ لم يتدخل أب بشري بالحبل. ويدعى يسوع ايضا عمانوئيل اي «الله معنا» ليوكّد النبوءة التي وردت في إشعياء الذي قال هذا الكلام مع ان اسم عمانوئيل لم يُستعمل في ما بعد في الإنجيل.

إشعياء ومتى ولوقا مجمعون على ان هذه الفتاة كات عذراء وانها حبلت بالروح القدس لأن الله الآب وحده هو «أبو ربنا يسوع المسيح» كما يقول بولس.

اما عبارة ان يوسف «أخذ امرأته» فتعني انه جاء بها الى بيته. وعبارة «لم يَعرفها حتى وَلدت ابنها البكر وسمّاه يسوع» تعني لغويا ان متى نفى العلاقة بين يوسف ومريم، ولا تقول شيئا عن انها اتصلت به برباط زوجيّ فعلي في ما بعد. ان ينفي شيئا مِن قَبل لا يعني منطقيا انه يؤكّد عكسه في ما بعد. ونحن الأرثوذكسيين نقول في تراثنا في المجمع المسكوني الخامس انها «الدائمة البتولية».

اما لفظة «بكر» التي نقرأها في ترجمتنا في الكنيسة فلم ترد في المخطوطات القديمة وربما تسربت الكلمة من عبارة «بكر كل خليقة» او البكر من الأموات التي وردت عند بولس.

ومهما يكن من أمر ففي الكلام العادي تطلق لفظة بكر على أوّل ولد يشاهده الناس ولو لم يأتِ آخر بعده.

Continue reading
2008, مقالات, نشرة رعيتي

ظهور المسيح/ الأحد 14 كانون الأول 2008 /العدد 50

في هذه الرسالة الى أهل كولوسي يكلّمنا بولس على مجيء المسيح الثاني ويسمّيه ظهورًا. هذا عند حدوثه «تُظهرون أنتم حينئذ معه في المجد». ظهوركم في المجد وليس في الظلام يفترض انكم قضيتم على شهواتكم وبالفضائل حلّ عليكم النور.

وهنا يعدد فئتين من الرذائل: الفئة الأولى تتضمّن بخاصة ما يُرتكب في الجسد، بالإضافة الى الطمع الذي يقول عنه الرسول انه عبادة وثن لأنه عبادة المال الذي يعتبره الكاتب وثنا.

ثم يهدد بنزول غضب الله على أبناء العصيان ومنهم مسيحيون اذا سقطوا فيها بعد معموديّتهم. ويفترض ان المهتدين الى الإيمان لا يرتكبونها كما يعرف انهم سلكوا قديما فيها. يؤمن بولس ان من اهتدى الى المسيح يهتدي ايضا الى فضائل المسيح.

بعد قوله هذا ينتقل الرسول الى فئة أخرى من الشهوات: الغضب والسخط والخبث والتجديف والكلام القبيح والكذب. هذه خطايا تُرتكَب خارج الجسد. بعضها باللسان كالتجديف والشتائم والكذب، وغيرها بالفكر مثل الخبث.

ليس ان هذه الشهوات هي كل الشهوات. آباؤنا النساك قاموا بعد العصر الرسولي بتصنيفها وطرق مكافحتها.

الانسان الغارق فيها يسميه بولس الإنسان العتيق اي الذي لم ينل بعد نعمة المعمودية، واما الذي لبس المسيح فيسمّيه الإنسان الجديد الذي يتجدّد دائما بالنعمة للمعرفة اي لمعرفة الله وذوقه ومحبته وطاعته فيصير بشكل ساطع على صورة خالقه، وعند هذا التجديد لا يبقى فرق في الكنيسة بين يوناني ولا يهودي. تزول العنصرية والانتماءات القديمة. وما يرادف هاتين الكلمتين لفظتا الختان (اليهود) والقلف (الوثنيّين).

وكذلك يزول الفرق بين بربريّ (لا ينطق اليونانيّة) واسكيثيّ وّهؤلاء كانوا قوما لهم حضارة كبيرة في جنوب روسيا بنوع خاص.

ثم يزول الفرق بين العبد والحر الذي كان قائما في الامبراطورية الرومانيّة، وانضمّ الى الكنيسة عبيد وأحرار وهم في الكنيسة إخوة ولو بقي التفريق القانوني بينهم. بعد ذلك بكثير زال نظام الرق،ّ واليوم يعتبرون انه ضدّ حقوق الإنسان.

طبعا ما بشّر بولس لإلغاء نظام الرق. فقد كان قائما. انّما قال نحن لا نعتبره في الكنيسة، ونساوي بين العبد والحر. وبقي بعض المسيحيين عندهم عبيد ولكنّهم كانوا يعاملونهم كإخوة.

لماذا تزول هذه الفوارق؟ لأنّ المسيح، يقول الرسول، هو كل شيء وفي الجميع.

Continue reading
2008, مقالات, نشرة رعيتي

بولس في السجن/ الأحد 7 كانون الأول 2008 / العدد 49

يكتب الرسول الى أهل أفسس وهو في السجن في رومية. لذا سمّى نفسه «الأسير في الرب» او بسبب الرب يسوع. هنا طلب الى هؤلاء المسيحيين ان يسلكوا حسب «الدعوة التي دُعوا بها» اي وفق الإنجيل الذي تعلّموه من بولس، وهو طبعا يقصد التعليم الشفهي الذي أخذوه من الرسول.

بأيّة روح يطبّقون الإنجيل؟ «بكل تواضع ووداعة وبطول أناة». التواضع والوداعة كان السيّد قد أشار إليهما بقوله: «تعلّموا مني اني وديع ومتواضع القلب».

بولس يعتقد أن الفضيلة تَشَبُّه بالمسيح. ثم يزيد على هذا انه ينبغي ان يحتملوا بعضهم بعضًا بالمحبّة، وفي هذا المعنى قال في الرسالة الى أهل رومية: «احملوا بعضكم أثقال بعض، وهكذا أتِمّوا ناموس المسيح».

غير ان ذروة الكلام في قوله: «حفظ وحدة الروح برباط السلام». هي وحدة الروح القدس الحالّ فيكم والذي ينُشئ فيكم سلام المسيح. وفي هذا عود الى كلام السيّد نفسه لما ظهر للتلاميذ عشيّة القيامة: «سلام لكم، سلامي أعطيكم». المصالحة مع الله تُنشئ السلام الداخلي الذي يتجلّى في سلام المؤمن. وحدة الروح القدس تجعلكم جسدا واحدا اي كنيسة واحدة فيها الروح القدس الواحد.

ثم أيضاحًا لهذا يؤكّد «رب واحد (المسيح) وإيمان واحد به» اي ايمان بأنه المتجسّد من الروح القدس ومريم وأنه مات وقام وجلس عن يمين الآب. هذا الإيمان الواحد يؤسس لمعمودية واحدة التي تدل على الايمان الواحد، الثابت والتي هي عهد أبدي مع الله. لذلك يقول دستور الايمان: «وبمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا». غير ان الايمان واحد هو ايمان «بإله واحد آب واحد للجميع».

ويوضح بولس أكثر عندما يقول عن الله انه فوق الجميع وبالجميع (اي عامل بواسطة المؤمنين) وفي جميعكم (اي حالّ في قلوبكم).

كيف يكون حالا عندي وعندك؟ يجاوب بقوله: «لكل واحد منّا أُعطيت النعمةُ على مقدار موهبة المسيح». وبولس كان القائل في هذه الرسالة مرتين: «بالنعمة أنتم مخلَصون». «كل عطيّة صالحة وكل موهبة كاملة منحدرة من الآب ابي الأنوار». انتم اذا نزلت عليكم النعمة تطيعونها. حياتكم الروحية تنزل عليكم من حنان الرب الذي يقوّيكم ويؤيّدكم بالروح القدس.

المألوف عند بولس أنه يضع أولا في كل رسالة تعليما لاهوتيا ثم يتكلّم عن الأخلاق المسيحية مُظهرًا ان الأخلاق ثمرة التعليم اللاهوتي.

مَن قال إنه يتمسّك بالأخلاق المسيحية ولا يتمسّك بالعقيدة يكون خارجًا عن رؤية الإيمان. الأخلاق متشابهة في كثير من الأديان، ولكن عندنا رؤية عميقة للأخلاق متّصلة بالتعليم. فمن رأى اللاهوتي جانبا، لا يرى ما هو خصوصي في الأخلاق المسيحية. يجب الاّ يغشّنا الشبه بيننا وبين غيرنا في الحديث الأخلاقي. هناك دائما ميزة للأخلاق المسيحية ناتجة من ميزتنا اللاهوتيّة.

Continue reading
2008, مقالات, نشرة رعيتي

دعوة اندراوس/ الأحد 30 تشرين الثاني 2008 / العدد 48

أندراوس الذي نقيم ذكراه اليوم معروف بـ«المدعو أولا»، وهذا بناءً على إنجيل يوحنا. هذا وارد في سياق الحديث عن يوحنا المعمدان الذي كان له تلاميذ. هذا هو من شَهِدَ ان يسوع حَمَلُ الله اي الذي أعدّه الله للموت. طبعًا هذه نبوءة من المعمدان.

إثنان من هؤلاء تبعا يسوع بعد ان سمعا كلامه. انت ان كنت معمّدًا لا يكفيك ذلك. يجب ان تتبع المعلّم بكل جوارحك وبكل فهمك، وأن تذوق اتّباعك له وتفرح بهذا، وإلا كنت مسيحيا تافها، مرددا كلمات تعلّمتها ربما في المدرسة ولكنك لست بعد بتابع.

مكث هذان عند يسوع. فوق القراءة واقتباس التعليم والعقيدة انت مدعو الى المكوث عند يسوع اي الى تذوّق كبير واتّباع عميق.

اندراوس وجد سمعان (الذي سمّاه في ما بعد السيّد «بطرس») فقال له «قد وجدنا مسيّا- هكذا نقلناها حرفيا عن اليونانيّة- الذي تفسيره المسيح (خريستوس باليونانيّة)» اي المنسكبة عليه النعمة.

السيّد سمّى هذا التلميذ صفا (وهي كيفا بالآراميّة التي كلّمه الرب بها) وفي العربيّة هي مشتقّة من الصفاة التي تعني الصخرة. ليس سبب تغيير الرب لاسم سمعان واردًا في انجيل يوحنا. وارد فقط تغيير الاسم هذا السبب وهو اعترافه بأنّ المسيح ابن الله الحي.

بعد هذا تأتي دعوة فيلبس. كل هؤلاء هم من الجليل، من هذه المدن الصغيرة حول طبريّة. فيلبس يتعرّف على نثنائيل ويدعوه الى الجماعة التي أخذت تتكون حول يسوع. اعتراف بطرس بالمسيح في إنجيل متى وارد هنا على لسان نثنائيل. الوحدة بين التلاميذ هي وحدتهم بهذا الإيمان.

بعد انضمام نثنائيل الى المجموعة قال لهم يسوع جميعا: «انكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن البشر».

معظم كلمات هذه الآية مأخوذة من حلم يعقوب (تكوين 28: 12 و13). في حُلم يعقوب «هوذا الرب واقف على السلّم». في إنجيل يوحنا لا نعرف اين المسيح من السلّم أهو تحتها او عند نهايتها.

في سفر التكوين الرب واقف على السلّم. لا شيء يمنعنا من ان نقول ان يسوع في رأس السلّم، وعندئذ ينطبق عليه كلام سفر التكوين: «هوذا الرب (اي الله) واقف عليها».

يسوع يردم الهوّة القائمة بين السماء والأرض بتجسّده. ينزل الى كل أهل الأرض اذ يحلّ في أحشاء مريم.

يسوع هو القائل لنثنائيل انت تتعجّب أني قلتُ لك لمّا كنتَ تحت التينة. هذا أمر بسيط اذا قابلناه بأني انا الذي ردمت الهوّة التي كانت تفصل بين الأرض والسماء، والآن أتيتكم بكل السماء، أتيتكم بخلاصي.

Continue reading
2008, مقالات, نشرة رعيتي

الخلاص في النعمة/ الأحد 23 تشرين الثاني 2008/ العدد 47

يقول بولس الرسول في هذا المقطع من الرسالة الى أهل أفسس أنّ الله أحبّنا بما فيه من رحمة لمّا كنّا أمواتًا بالزلّات. وبسبب من المحبّة التي فيه أحيانا مع المسيح اي عندما أحيا الآب مسيحه بإقامته من بين الأموات. هذا الكلام يدفعه إلى أن يقول: «انّكم بالنعمة مخلَّصون». الله يبادر وحده بالخلاص.

المرادف لـِ«أحيانا» قوله «أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات» اي بالصعود. نحن دائما مع المسيح وفي داخل كيانه. ثمرة ذلك ان هذا العطاء الذي صار فينا ستظهر في الدهور المستقبلة «فرط غنى نعمته باللطف بنا في المسيح يسوع».

دائما عمل الثالوث ينقله الينا المسيح في ما نسمّيه «سرّ التدبير» اي تجسّده وموته وقيامته وصعوده. في هذا كلّه يؤكّد الرسول لطف الله بنا، وبكلام آخر يؤكّد عمل النعمة، ويعود الى تأكيد اننا بها مخلّصون بواسطة الإيمان. هي عطاء في البدء، والعطاء الإلهي تتلقّاه انت بالإيمان. وحتى لا يظنّ أحد ان الإيمان عمل بشريّ، يؤكّد بولس ان هذا التقبّل نفسه هو عطيّة الله.

هذا يجعلنا في سرّ عظيم. الإنسان يجب ان يقوم بشيء. واذا حصلت الطاعة للنعمة نسمّي هذه الطاعة إيمانا. ولكن حدوث الإيمان نفسه فينا لا يأتي من أعمالنا حتى لا نفتخر «لأننا نحن صُنْعه مخلوقين في المسيح يسوع». اي نحن خلائق جديدة في من هو «بكر كل خليقة». نجيء من المسيح في سرّ الإيمان الذي هو دائما عطيّة.

لا جواب عن سؤال من سأل: لماذا هذا عنده إيمان، وانا ليس عندي هذا الإيمان؟ جوابنا ان الله ليس عنده محاباة للوجوه وليس عنده تعسّف وهو «يريد الكل ان يَخْلُصوا والى معرفة الحق يُقبلوا». الله يعطي الكل فرصة ليؤمنوا ويمهّد لهم طريق الفهم والتقبّل. ماذا عملوا بأنفسهم حتى لا يتقبّلوا العطاء الإلهي؟ لا أحد يعلم.

هذا هو سرّ الإثم كما أن هناك سر البر،ّ ولكن لا نجعلنّ الله مسؤولا عن عدم إيماننا. هو دائما كريم العطاء، ولكن لم يحصل عندك تقبّل. لا أحد في هذا يدينك. ولكنك شقيّ كثيرًا اذا بقيت في جحودك. تأخذك الكنيسة وتصلّي من أجلك الى أن ينزل عليك الهدىز

النعمة تطلبها، بقوتها تطلبها. المهم أن تحفظها في نفسك وأن تحافظ عليها بقداسة حياتك. وإذا استعرنا كلمات الرسول، تتسلّح بسلاح البرّ الكامل وتلتمس من الروح القدس ان يساكنك. وكنيستنا تعرف ذلك إذ تستهل صلواتها وخدماتها الإلهية باستدعاء الروح القدس: «أيها الملك السماوي».

وإذا أهملتَ صلاتك فالخطر ألا تكون محصّنًا ضد هجمات الشرير. وإذا لم تقرأ الإنجيل كل يوم فالخطر ألا تأتي كلماتك من الإنجيل وأن تأتي من انفعالاتك فقط. اعتنِ بعلاقاتك الاجتماعية وبمعرفة طهارة أصدقائك لأنهم هم أيضًا يُقوّون مكوث النعمة فيك. اختر من رعيتك او غيرها مجموعة مُحبة للمسيح حتى تكون وإياها جماعة النعمة، جماعة تبتغي التقديس.

Continue reading
2008, مقالات, نشرة رعيتي

متى الإنجيلي/ الأحد 16 تشرين الثاني 2008 / العدد 46

متى واضع الإنجيل المرصوف أول بين الأربعة، كان عشّارًا اي جابيًا. فيما كان يسوع مجتازًا رآه فدعاه الى أن يتبعه فقام وتبعه. حيث كنت أنت في مهنتك او في خطيئتك او في برّك يدعوك المخلّص.

بعد هذا وفيما كان يسوع متكئًا في أحد بيوت أصدقائه في الجليل اذا بجباة كثيرين وخطأة -ولعلّ كلمة خطأة هنا نعت للعشّارين الذين كانوا معتَبرين سارقين لمال الدولة- جاؤوا واتكأوا مع يسوع. هذا يدلّ على أنّهم أحبّوه وعرفوا ان عنده كلمة الحياة. فلمّا نظر الفريسيون الذين كانوا يعتبرون أنفسهم أبرارًا هذا المشهد قالوا لتلاميذه: «لماذا معلّمكم يأكل مع العشّارين والخطأة». كان الفريسيّون لا يحبّون هذا الاختلاط.

«فلمّا سمع يسوع قال لا يحتاج الأصحّاء الى طبيب لكن ذوو الأسقام». والربّ جاء للضعفاء وللساقطين. كان يريد رحمتهم وان يُشفَوا من خطاياهم.

أنت تأتي خاطئًا، ضعيفًا الى يسوع وهو يرفع عنك الخطيئة. اذا لامسك يسوع بروحه تتطهّر. فاذا عرفت نفسك ساقطًا اذهب اليه ولا تتمسّك بخطيئتك لئلا تموت.

بعد هذا قال لهم الرب: «اذهبوا واعلموا ما هو اني اريد رحمة لا ذبيحة». ويعني بذلك ذبائح العهد القديم التي هي التيوس والعجول وتقديمها لله لا يفيد شيئا. ما يريده يسوع ان تكشف ضميرك لله وان تتوب فتنزل عليك رحمته.

العلاقة المباشرة مع الله التي انكشفت لنا في العهد الجديد تجعل الله مقيمًا في نفسك والله يطهّرها لأنه يلامسها فلا يبقى فيها أثر لغيره.

واخيرًا أنهى المعلّم كلامه لهؤلاء بقوله: «اني لم آتِ لأدعو صدّيقين بل خطأة الى التوبة». الصدّيق اذا استقرّ الله فيه فوجهه الى الله. والله يضيء وجهك مستنيرا بوجهه والروح القدس اذا حلّ عليك بتوبتك يجعلك روحا واحدا مع الله وتمحى خطاياك بالنور الذي يكون قد حلّ فيك.

غير أن التوبة عمليّة لا تنقطع اذ الخطيئة تغريك دائمًا. اذا التوبة أقامت فيك تضرب هي الغواية التي تهاجمك من حين الى آخر. ومَن أصبح بارا يعتاد على البرّ ولا يبقى شغوفًا بالمعاصي.

اما الذي ينسى توبته فتتحكّم به المعصية. وكما يصعب على الغارق في الخطيئة ان يعود الى ربّه كذلك يصعب على من تنقّى ان يسقط لأنه يردّ التجربة بدرع الله. ومن هنا ضرورة الجهاد المستمرّ خوفًا من السقوط. الحرب الروحيّة دائمة ضدّنا. لذلك طلب بولس أن نتسلّح بسلاح الله الكامل، والمنتصر يفرح بالنصر.

هذا نصر الله فيك. هذا دوام الله فيك. لا تجعل الشرّ يتآكلك. ردّه بحزم وعزم ولا تألفه بعد أن بتّ أليف يسوع.

Continue reading
2008, مقالات, نشرة رعيتي

مع المسيح صُلبت/ الأحد 9 تشرين الثاني 2008 / العدد 45

عندما عُلّق المخلّص على الخشبة انا المؤمن به اليوم كنت معه، ولما عاد بجسده الى الحياة عدت انا ايضا اليها، وهذا يُتمّم بالمعمودية.

فاذا قمت انا مع المسيح لا أكون انا الذي بل المسيح يحيا فيّ. لي حياة جديدة اي سلوك جديد والمحبّة تنعش نفسي وجسدي وهما مبذولان في سبيل الآخر.

ثم يقول الرسول: «ما لي من الحياة في الجسد (ويعني كل الكيان) إنّما أحياه بابن الله الذي أحبّني وبذل نفسه عنّي».

كيف أذوق المسيح، كيف أختبره؟ كيف ألتصق به؟ جواب بولس: هذا كلّه يتحقّق بإيماني به اي بثقتي به، باقتناعي انه مخلّصي اليوم وغدا.

إن اقتنعت ان يسوع مخلّصك وانك لا تخلص بقوّتك تكون له وتتلقى فداءه.

في هذه الرسالة وحدها وفي هذا المقطع وحده يقول بولس عن السيّد: «أحبّني». كلّ إنسان ينتظر ان يقول الرسول: «أحبّنا» ليشمل الجميع. ولكنّه عندما قال: «أحبّني»، أقام علاقة حميميّة مع السيّد. ولم يكتفِ بكلمة «أحبّني»، ولكنه عطف عليها قوله: «وبذل نفسه عنّي» وذلك بالموت.

معرفتي بذلك تجعلني انسانا جديدا. الإنسان يفرح بصديق يحبّه. ومحبة الصديق محدودة او غير كاملة او تصعف احيانا او يحصل تباعد بين الأصدقاء. الله وحده حبه كامل، دائم، ليس خاضعا لمزاج او تغير.

الأمر القاطع اذًا ان الله يحبّك، ولكن يجب ان تغذي محبّته لك فيك. انت إن قرأت الإنجيل تعرف الوجوه المختلفة التي أحبّك الله بها ولا تنسى بسهولة هذه المحبّة.

الى هذا كل انسان يكتشف لنفسه الوجوه المختلفة التي يحبه الله بها.

ثم يرى احيانا كثيرة ان الحوادث التي مرّت عليه قد تكون رسائل الى ضميره ليتوب ويحيا من جديد.

في الأسرار المقدسة تحصل الحياة الجديدة، ولكن مرة او مرتين او اكثر تشعر اذا تناولت جسد الرب ودمه حقيقة قوله في العهد القديم: «ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب».

الى هذا الأمور الأمر الرئيس ان تعيش بطهارة. هذه نادرة جدا. ولكن إن استطعت أن تعيشها او في الفترات التي تعيشها يتجلّى لك ان الرب طيّب وانه هو الذي يحييك.

Continue reading
2008, مقالات, نشرة رعيتي

إنجيل بولس/ الاحد 2 تشرين الثاني 2008 / العدد 44

لا تعني هذه العبارة «إنجيل بولس» كتابًا وضعه بولس قبل الأناجيل الأربعة والمُلهِم لبعض ما جاء فيها، ولا سيما للوقا الذي كان تلميذه. ولكن الأناجيل الأربعة فيها مواد كثيرة لا ترِد عند بولس. بولس لا يذكر عجيبة واحدة للسيّد ولا خطابًا واحدًا. كل ما يذكره عن السيّد هو العشاء السرّي وصلب السيّد وقيامته (بلا تفصيل).

غير ان المسيحيين في عصر الرسل رأوا معجزات واستمعوا الى خطَب ودوّنوا ما استطاعوا تدوينه وحفظوا غيبًا وهذا معروف في المشرق حتى يومنا هذا.

والمجموعة الأولى المدوّنة سمّاها العلماء Q وهو أول حرف من كلمة Quelle الألمانية التي تعني الينبوع وهي غالبًا أصل إنجيل مرقس الذي نعتبره أول إنجيل مكتوب.

إلا ان بولس يؤكد ان إنجيله اي تعليمه التي تتضمنه الرسائل هو ليس من انسان بل من إعلان يسوع المسيح. هل حلَّ عليه هذا الإعلان مرّة واحدة أم على مراحل؟ الرسائل تختلف في معناها، في عمقها وفي المسائل التي تعالجها، ما يدلّ على ان قلب بولس مفتوح ليسوع وتفيض من هذا القلب تعاليم آتية من خبرته للكنائس وخبرته لآلامه. فشيء من عظمة الرسالة الى أهل غلاطية التي منها قطعة اليوم أملته عليه السلاسل التي كان مقيّدًا بها في سجن رومية.

وتبيانًا ان ما يقوله عن يسوع جاء من يسوع نفسه يستفيض في الحديث على انه كان يضطهد كنيسة الله بإفراط ويدمرها. كيف العدو ينقلب أخًا؟ هذا يحتاج إلى إنجيل نزل على قلبه من بعد ان ظهر له السيّد على الطريق المستقيم العابر دمشق. معرفته لإنجيله أتته من كون الله أفرزه من جوف امّه ليعلنَ ابنَه فيه ليبشّر به بين الأمم. علاقته مع الله بتحويله من التجديف على المسيح الى خدمته جعلته حائزًا على كل الحقيقة، ليس انه لا يحتاج الى رؤية الرسل الذين قبله ليعرض على الأعمدة بطرس ويعقوب ويوحنا فحوى تبشيره.

بعد ظهور السيّد له على الطريق المستقيم ذهب إلى ديار العرب، ويظن معظم العلماء انها حوران، وكان اسمها العربية في الإدارة الرومانية، وما كانت بعيدة عن دمشق حيث رأى الرب. لسنا نعلم ماذا صنع في دمشق هل بعد انطلاقه الى حوران ام بعد مكوثه في دمشق (ثلاث سنين هنا او هناك) صعد الى اورشليم «لأزور بطرس». الرسل بقوا مدة سنين في فلسطين قبل ان يذهبوا الى البشارة في الخارج. ولم يرَ غيره من الرسل سوى يعقوب أخي الرب صاحب الرسالة المعروفة باسمه. أحس ان عليه ان يقارن تعليمه بتعليمهم مع ان إرشاد الرب كان ينزل عليه مباشرة. لا ينقطع أحد عن الكنيسة ويبقى حيًا.

الإخوة العائشون مع المسيح هم الذين يقولون لك ان كان تعليمك صحيحًا ومحييًا.

Continue reading
2008, مقالات, نشرة رعيتي

العطاء المبرور/ الأحد 26 تشرين الأول 2008 / العدد 43

في الكنيسة العيش في سلام هو نمط العيش والسلام هو المسيح. غير أنّ السلام يقوم ليس فقط على الانفعال العاطفي ولكن على أساس إيماننا. الانفعال الذي يُعظّم كل الإكليروس مثله الانفعال الذي يخفض قيمتهم جميعا. فالكنيسة اذا كانت جسد المسيح تحوي كل أعضاء الجسد إكليروسًا كانوا ام عوامّ. وهؤلاء ليسوا طبقتين اذ ليس في الكنيسة من طبقات. الاختصاص في المسؤوليات، فهناك من يقدّم الذبيحة والأسرار، ومن نسمّيهم اليوم علمانيين يشتركون فيها، وليس كل الأعضاء لها وظيفة واحدة كما يعلّم الرسول. واذا قلنا في هذه الزاوية ان الكاهن له إكرام وإجلال يأتيانه فهذا من كون الأسقف وضع عليه يده.

الى هذا فهناك صلاة تجعل هذا الرجل أبًا روحيا، وأبوك ليس ابنك لتؤدّبه ولو كان كل مخلوق عاقل يحتاج الى نصيحة بنوية وبالنصح نبني بعضنا بعضا. أنا أفترض أن أباك الروحي يُفصّل لرعيّته كلـمة الحـق بـاستقـامـة، وانـت طاعتـك للكلمة، والمفتـرض ان يرشدك اليها كما المفترض ان تطيع الإرشاد.

في هذا الشرق كان الأولاد يقبـّلون يد أبيهم وأمّهم. وهذا ما يقـوم به الأرثوذكسيّون في كل أماكن التقوى تجاه الكاهن بعد ان يأخـذوا منه البرَكة بإشارة  الصليب عليهم. اما مَن أراد ألا يقـوم بهذا الانحناء فهذا شأنه ولنا أن نعلّمه تقاليدنا. ومن أراد أن يتصرّف «مدنيًا» وأن يصافح باليد فهذا شأنه وهذا شأن المسيحيين في الغـرب اليـوم. وليس علينا نحن ان نقلّد أحدًا. واذا ذهبتْ بك العاطفـة أن تقبّل الكاهن او المطران على خدّيه فمن يناقشك، واذا أردت ان تتصرّف معه تصرّف الندّ والندّ على الطريقة الديموقراطيّة او الشعبويّة فلك ذلك. ولكن ان «يَنْسمّ بدنك» لأن غيرك متمسّك بالتصرّف التراثي فهذا ليس من الديموقراطيّة التي تبشّر بها.

قال دوستويفسكي العظيم  في إحدى رواياته: اذا أكرمتَ الكاهن بتقديم دلو من اللبن او بعض بيضات تلحظ ان عنايته تزداد بعائلتك. في الكَرَم تدريب وترويض. انا لست نصير الهدايا من أيّ نوع كانت، ولكنّي نصير العطاء المجّاني الذي لا يطلب صاحبه شيئا لنفسه. هناك كنائس نظّمت العطاء بالراتب الشهري المجموع كلّه او بعضه من الصواني ودخل الأوقاف. وهناك كنائس عندها تدبير آخر. وهذه مشكلة لا تزال معقّدة عندنا. في أبرشيّتنا لست أعرف كاهنا تمطر عليه العطايا من كل صوب. اذا كانت ميزانيّتك لا تسمح لك بأيّ تبرّع شخصي لكاهنك فمن يطالبك به؟

كثيرون ممّن حدّثتهم منذ ستين سنة قبل مجيئي الى هذه الأبرشيّة وبعده عن احتضان الكاهن ماليا كانوا يجيبون: عندكم أوقاف كثيرة. هناك رعايا ليس فيها وقف واحد، وهناك أراضٍ تعطي غلّة حينًا ولا تعطي احيانا. وهَب ان ليس عندنا من ينصرف حقيقة ليجني للكنيسة دخلاً من الوقف الزراعي، يعني هذا ان ليس عندنا دخل كافٍ في كل مكان لمعاضدة الكاهن. الذين يتكلّمون كثيرًا عن ضرورة الاهتمام بالأوقاف ولا يبذلون من جيوبهم يستعفون من واجبهم الشخصي لتحريك أوقاف لا تتحرّك كثيرًا. انا أعرف أكثر من ضيعة ميسورة ولكن ليس فيها أوقاف، وثلاثة أرباع المؤمنين فيها لا يـجـيـئــون الى الكنـيـسة، ويـبق الكاهـن محتاجا.

هل أنا بكافر اذا دعوت للكرم؟ انت لا تكسب الكاهن بالعطاء. انت كاسب نفسك بالحبّ وفاتح لنفسك الملكوت.

Continue reading