فضيلة الصبر/ الأحد في 27 تموز 1997 / العدد 30
هذه فضيلة ناتجة من اعتقادنا ان الله يترك الحرية للإنسان ويصبر عليه حتى يتوب. يدع له مجالا للخطيئة ولا يقهره على البر. ينتظره ليقبل النعمة النازلة عليه. الله يطلب محبة الإنسان له ولا يرغمه ان يحبه. الله توجعه خطايا الناس.
على هذه الصورة نصبر على الآخرين حتى يعودوا الى رشدهم وهدوئهم. لا نغضب عليهم ولا نتأفف. ونبقى على وداعتنا والتواضع على الآخرين يتروضون على الوداعة والتواضع. ننتظرهم حتي آخر رمق فيهم او فينا. صَبْرُنا على الناس يأتي من صبر الله على الناس.
عندما قال الرب: “لا تقاوموا الشر بالشر” كان يعرف ان صَدَّ الغضب بالغضب لا يشفي الغاضب ولا المغضوب عليه. لا يمكنك ان توقف الانفعال اذا وقعتَ انت في الانفعال. انت يُطلب اليك ان تشفيه، ولا شفاء للآخر الا اذا سكنك السلام. واذا استقر فيك السلام ينتهي انفعال الآخر.
هذا لا يعني انك تهرب وانك تعتزل. الهروب لا يحل مشكلة والاعتزال لا يحل مشكلة. انت لا تتفرج على الخطيئة. تعالجها. لا يمكنك ان تحيا بمنأى عن الناس. تزج نفسك في مشاكلهم وانت حر من هذه المشاكل. تزج نفسك فيها بمداواة من كان مصابا بها. تداويه بالمحبة، بالتأني، بالحلم. الصبر فيه صلاة، انتقال الى الله. واذا انت ارتفعت ورحمت، تزيد حظ الآخرين بالارتفاع. اذا انت تغيرت، يقوى حظ الآخرين بالتغير. التغيير لا يكون بقتال الآخرين. تصير انت انسانا جديدا فيتجدد الآخرون.
الصورة هي هذه انك تصعد الى الله وتنزل من الله الى الآخر بحيث يكون الآخر في علاقة ثالوثية وهي هذه: انت والله والآخر. هكذا يتم خلاصك بالله، ويتم خلاص الآخر بالله. هذه المسيرة تتطلب الرفق. اذا انت رفقت يحس الآخر انه محبوب. لا تلهيك معصية الآخر عن الآخر. تذهب اليه في معصيته. تضمه اليك ولا تضم معصيته. اذا احسّ انه محبوب يترك معصيته ويرى نفسه في حضرة الله، ويتحول، اذ ذاك، الى وجهه المبارك.
بأي مقدار تصبر، الى اي حد؟ “انت تصبر على كل شيء” (2تيموثاوس 2: 10) لأن الناس، كل الناس قادرون على كل هفوة، على كل جرم. انت تتوقع كل خطيئة من كل انسان ولا تقاطع احدا. الخاطئ في ايامنا لا يحتمل اي غضب واي عزل. الكنيسة في ايامنا لا تمارس الحرم، وأظن انها لا تستطيع لأن الروح الدينية صارت ضعيفة والتماسك ضعيف. والحرم لا ينجح الا في كنيسة قوية، يعرف الخاطئ فيها انها تؤدبه لمنفعته ويخشى اذا حرمَتْه ان يفقد حقا رضاء المسيح عليه. الواقع ان كنيسة اليوم فيها مؤمنون ضعاف ومؤمنون اقوياء. ويحس من تحرمه انك غاضب عليه وانك لا تحبه. من هنا اننا بتنا اليوم في الكنيسة احوج الى الصبر على كل الناس مما كنا في الماضي. من تقصيه يفقد صبره، ولا يقبل احد ان تُخرجه عن الطائفة. يحس انك تعمل هذا اعتباطيا، كرها به. المحروم في الأزمنة الاولى كان يحس -اذا أقصيتهُ من الجماعة- انك تقصيه لكونك تريد تأديبه بالعزل، حتى اذا صار خارجا يشعر بضرورة العودة.
ان في كنيستنا من يكره الكاهن والأسقف ويريد ان يتسلط عليه. لا يمكن الرئيس الروحي ان يزعل المؤمن لئلا يهج. يأخذه بالرأفة والتأني والأبوة ليرى ابوة الله.
نحتاج الى امتحان كبير، الى ترويض كبير، الى آلام لنتعلم الصبر الذي يريده المسيح منا. واذا نشأ فينا هذا القدْر من الصبر ينقل لطف الله لى القلوب.
Continue reading