Monthly Archives

November 2011

2011, مقالات, نشرة رعيتي

المسيح هو السلام/ الأحد 27 تشرين الثاني 2011 / العدد 48

بولس يتكلم عن أن اليهود والأُمم (الوثنيين) جعلهم المسيح واحدا، ونقض في جسده اي في موته «السياج الحاجز اي العداوة». بهذا الموت صار هؤلاء وأولئك «انسانًا واحدًا جديدًا بإجرائه السلام»، اي باتخاذه سلامَ المسيح يكون واحدًا مع الإنسان الآخر.

هنا تمّت المصالحة. فعلى الصليب الذي مات من اجل الجميع قتل العداوة في نفسه. لم يبقَ لها أثر في قلوب المؤمنين. لم يبقَ من أساس لقول أرسطو: «كل من كان غير يونانيّ فهو بربريّ». كلّكم واحد في المسيح يسوع.

واذا كان الروح القدس واحدا فيكم فهو يوصلكم معًا الى الآب. لم يبقَ من غريب. فإذا استوطن بلدتك مسيحيّ أُرثوذكسي ولم تُشركه في ما يتعلق بالكنيسة ولم تأخذ رأيه في اي ما يتعلّق بالكنيسة، تكون معتبرًا إياه غريبا وليس أخاك في المعمودية وجسدِ الرب.

أنتم نُزَلاء البيت الواحد، أصحاب البيت ومواطنو القديسين. بعد أن صارت الكنيسة موطنكم، ماذا يُفرّقكم. أنتم بيت الله الواحد، بُنيتم على أساس الرسل والأنبياء (من هنا أننا نُقرّ بالأنبياء كما نُقرّ بالإثني عشر رسولا).

هذا البيت حجرُ الزاوية فيه هو المسيح يسوع نفسه. في العمارة اللبنانية هذا هو حجر الغَلق في بناية العقد. تبني هكذا: تضع قفصًا خشبيا، وتضع الحجارة عليه غير ملتحمة بالكلس او بمادّة اخرى. يكفي وجود حجر في أعلى السقف منحوت بصورة أن الجدران الأربعة تتماسك به. هو إذًا اللُحمة بين كل حجارة البناء او القاعة.

يشبّه بولسُ المسيحَ بحجر الغَلق هذا ليُبيّن أنه هو الرابط الوحيد بين المؤمنين. هذا ما يُسمّيه بولس تنسيق البنيان. هذا البيت الواحد الكنيسة «ينمو هيكلا مقدسا في الرب»، الى ذلك «تُبنَون انتم معًا مسكنًا لله في الروح».

معنى ذلك أنكم كنيسة واحدة، فلا يحيا الإنسان منفردًا، مستقلا عن الآخرين. انتم، انتم بخطاياكم وجمالاتكم الروحية واحد، ولكن يجب أن تظهر هذه الوحدة في اجتماعكم يوم الأحد. لا أحد منكم يستغني عن أحد. لا يبقى الإنسان وحده مع عائلته صباح الأحد. انتم هكذا مقسّمون ولا تستطيعون أن تُظهروا انكم جسد المسيح.

قال: «فيه (أي في المسيح) تُبنَون مسكنًا واحدًا في الروح». الروح القدس يجعلكم واحدًا مع المسيح. أنت إن كنتَ مستريحًا في بيتك مع الرب فلستَ واحدًا مع الإخوة في الروح. الروح القدس يجعلنا ملتصقين بعضنا ببعض بكل الصلوات ولكن خصوصًا بمناولة جسد الرب. لذلك نقول بعد المناولة «وأخذنا الروح السماويّ».

اذا كنتَ تعرف أن الكنيسة هي الوحدة ومكان اللقاء مع الله تغفر للناس زلاّتهم، ترى الروح القدس نازلا عليهم ولا تُحاكمهم كما يفصل الرب الحنطة عن الزؤان في اليوم الأخير.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

وجه الله / السبت 26 تشرين الثاني 2011

لا تعرف وجه الله الا مرتسما على وجه بشر. ولا تعرف نفسك ما لم ترَ وجه الآخر جميلا اي اذا أقمت تساويا حقيقيا بينك وبينه. أنت تأتي منه اذا عرفت انه غير قبيح. وليس لك ان لم توقن يقينا دينيا ان الله محا عنه كل بشاعة. ومحو البشاعات لا يأتي من الانسان بل من النعمة اي انه ينزل عليك وتنشأ نسابة بينك وبين ربك بمعنى انك تمسي منسوبا الى الله ولكونه يرى نفسه فيك يجعل نفسه منسوبا اليك اذ يضم ذاته اليك فيقوى انضمامك اليه.

جمالك لا يأتيك من خارجك اذ يلصقه الله بك فتصير ما انت مدعو أن تصيره واذا أدركت كثيرا من البهاء تصير الطريق الطبيعي الى رؤية الناس ربك عليك.

انعكاس النور الالهي عليك مستحيل ان نظرت عيناك الى غير الله واعتبرنا امامك كيانا مستقلا عن الله. الله مكشوف في الطبيعة وهي رداؤه ولك ان تقرأه فيها فتعلو اليه بهذه القراءة ولكن مركز الطبيعة الانسان وبالدرجة الأولى تسمو به الى الرب.

اجل يتجلى الله في الطبيعة ولكن اسمى تجلياته الانسان. ويمده الله ببهائه مجانا فان الله غني عنه والانسان يستمد منه وحده غناه من حيث انه المصدر  واذا أغدق من محبته على واحد منا تسري الى آخر ولكنها ليست منا. المحبة منقولة من الله الى من شاء ويعينه بها حتى اذا بني حقيقة عليها تأخذ طريقها الى من تشاء. الانسان ناقل المحبة الالهية بعد ان تكون عملت فيه وكوّنته بمعنى انها ليست كلمة تقال او يدعى اليها ولكنها حياة عيشت حتى اذا لمسه احد فيك يقول: «هذا هو تغيير يمين العليّ».

ان لم تصر انسانا جديدا عاملا حقا تبقى مجرد متكلّم  بالمحبة وليس متغيرا بها. اذا صار الرب مثالك اي غدوت كيانا متحولا اليه تكون على مثاله ومن استنار يصبح الها اي مبتدئا  الآن بالألوهية، متخذا صفات الله وفي حالة تواصل معه. عندك اذًا اقصاء لكل ادعاء الألوهة وكل اله كاذب اي عليك التطهر باستمرار لكي تتقبل من العلى ما يشاؤه الله لك رجاء ان تعطى ما أخذت واذا رأيت الى الوجوه المستنيرة تلحظ ضياء واحدًا اي الها واحدًا له التجلي نفسه في ذا وذاك.

وحدانية الله تنكشف في وحدة تجلياته فاذا انت شبيه بأخيك مع محافظة كل واحد  على شخصيته ونوعية تجلي الله فيها. القداسة لا تذيب احدا بأحد. الموحد هو الله وارتساماته على الوجوه مختلفة. وهذا الاختلاف يسمح لنا بالقول بشركة القديسين. المشاركة تفترض تنوعا وتعددا بمظاهر القداسة وأفعالها فهذا له رتبة كنسية وذلك لا رتبة له وهذا راهب وذاك رب عائلة وهذا شهيد والآخر لا يهدر دمه. ظواهر القداسة تختلف وجوهرها واحد ولكنها مجتمعة بوحدانية التقديس لكونها مجتمعة بوحدانية الرب معطي القداسة.

#   #

#

لا تعني القداسة الكمال الروحي الكامل. هذا التنزه ملازم الله وحده. ولكن القداسة تعني ان تريدها. تعني اذا ان تسعى الى امحائك امام الله وعلى طريق الجهاد ان ترى نفسك لا شيء. ويعني هذا ان تعرف نفسك خاطئا، مكسورا الى ان يرحمك الله بالتوبة. والتوبة تعني الاعتراف لنفسك بوجه وان تصبو الى وجه الله وحده. عندئذ فقط يضع لك وجها جديدا يلتقي الوجوه الشبيهة بالملكوت.

غير ان الشيطان اذا وسوس للانسان ان يشوه وجهه لأنه ضجر من الله لا يبقى فيه نور. ينهدم كيانه او على الأقل يتهاوى. كل منا معرض لهذا السقوط وليس من تأمين على الفضيلة. انها نتيجة تعب يومي ووعي لهشاشتنا ووقاية الله لنا. عليك ان تلتمس العون الالهي في كل حين، كل لحظة عند هجوم الاغراء عليك لكي لا تهرول الى الجحيم وهي التي تحرقنا في هذه الدنيا وفي الدنيا الآتية.

قد يطل وجه الله علبك ليمحو القباحات التي حلّت فيك. هذا شأن محبته التي تجعلك في الشكر. وقد يعود الجمال فجأة ولا يتدرج. تتعلّم الكثير من الخطيئة. تربيك، تبكيك، توجعك. لا تنس علمها ولا تربيتها. خف كثيرا من النكسات بلا رعب لأن الثقة بربك اقوى من الارتعاب. انت في دلال. انت محضون أبوته حتى يستردك اليه وترقد في رحمته.

من أهمية رجوعك اليه ان يفيد الإخوة من توبتك فاذا استحلوك تجذبهم الى بهاء الوجه الذي كان لك لما كان ربك يفتقدك وتعودون معا الى شركة القداسة وتصيرون جسد المسيح.

اذ ذاك، تعرف طراوة ما كنت تحلم بها وكأنك اختُطفت الى السماء وكل ما فيك يتغنى حتى تسمع يوما صوت الملائكة يعزفون حول العرش وتتساءل ما سمعت من أين للملائك ان يرنّموا للرب ترنيمة جديدة.

كل الملائكية هذه ممكن حدوثها على الأرض وأنت تقوم بأعمالك كلها وبالخدمة. السماويات ليست مكانا. هي عمق الوجود فيك او عمقك انت في الوجود والأعماق هي الله الذي يحييك ويحييك اذا رآك مكونا برؤيته. وعند اكتمال رضائه لا تنتظر شيئا آخر اذ ليس من شيء يزاد على هذا الرضاء.

#   #

#

عنيت بالكلام على العالم ان الله، معنا وفينا وفي الكون، هذا لا يفيد انه مختلط اذ نكون قد وقعنا في الحلولية. انه متمايز عن الوجود ويعلوه ولكنه مبثوث وبلا بث هو غائب. لذلك كان أمرنا معه هو رؤيته في قواه كما يقول الأرثوذكس والتماسه فينا. وان تراه فيك وفي الكون تكون قبلته وان رأيته منحلا في الوجود المادي او النفسي تكون قد أنكرته خالقا.

مسألة الخالق انه دائما فوق ودائما تحت. وان لم تقبله منك والى جنباتك لا يكون قد خلق شيئا. الخالقية تستتبع المخلوقية اي انها حركة من الرب اليك دائمة ونظرك اليه باستمرار. الخالقية لا تنتهي. لم يضع ربك شيئا ليرميه. انه يرعاه والا تزول عنه الحياة. كل ما هو عقل وروح ونفس وجسم قائم بالعناية الإلهية التي هي عبارة تعني ديمومة الخلق او ديمومة الحضن الإلهي للمخلوقات.

بينك وبين ربك مواجهة ومعناها في اللغة ان يكون وجهك الى وجهه ليصنع وجهك. واذا اقتربت اليه حتى ما يشبه اللصوق يسمى هذا اتحادا بلا حلولية. يلبسك وتلبسه حتى يصح كلام بولس: «من التصق بالرب صار روحا واحدا معه». (1كورنثوس 6: 17).

هنا تبطل فلسفة الكلام ويبدأ الذوق.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

الخلاص بالنعمة/ الأحد 20 تشرين الثاني 2011 / العدد 47

كتب بولس الرسول هذه الرسالة من السجن، غالبًا من سجنه الأخير في رومية. وهي من أغنى رسائله، ولعلّها مُرسَلة ليس فقط الى أهل أفسس ولكن الى مدن آسيا الصغرى المحيطة بها. يؤكد في هذا المقطع أننا «حين كُنّا أمواتًا بالزلاّت أحيانا مع المسيح». يُشركنا الرسول دائمًا في حياة المسيح وفي جلوسه معه في السمويات من بعد القيامة. لا يفرّق بولس بين الرب والذين هم له.

وحتى لا يعتزّ المسيحيون بفضائلهم، يؤكد لهم أنهم بالنعمة مُخَلَّصون، وفي هذا المقطع الصغير يؤكدها مرتين. المسيح حاضن أحبائه، مُشركهم في موته وقيامته وصعوده الى السماء. كل شيء عنده نعمة من فوق والنعمة لطف الله بنا.

من أين تأتي النعمة؟ الجواب: من الإيمان، أي انها مجّانيّة. يعطيها الرب لأنه هو يريد، وهذا ليس لهم فضل فيه. هذا الخلاص هو عطيّة الله، وليس من الأعمال، وليس من ناموس موسى. وهنا يلتقي الرسول بالرسالة الى أهل رومية والرسالـة الى أهل غـلاطية، وتلك التي أَرسلها الى غلاطية قُرئت في أفسس. كل هذه المدن استلمت أن النعمة مجّانيّة والإيمان مجّانيّ، وفي كل هذا محاربة لليهود والمتأثرين بهم في الأوساط المسيحية في آسيا الصغرى. نحن مخلوقون للأعمال الصالحة التي سبق الله فأَعدّها لنسلُك فيها. ما يُسمّى «سَبْق التعيين» الذي ظهر في البروتستنتية الكلفينية والقائل ان هناك من أُعِدّ للسماء وهناك من أُعدّ لجهنم إنما هو اعتقادٌ رفضه هؤلاء الإنجيليون في القرن التاسع عشر ونحن كنا رافضيه من البداءة لكونه يُبطل المسؤولية الشخصية. الإنسان يخلُص لسببين، أولا لأن الله يريد أن يُخلّصه بالنعمة، وثانيًا لأنه يقبل هذا الخلاص الإلهيّ. الله يقول أنا المُخلّص، والإنسان يقول الله يُخلّصني. هذا ما نُسمّيه الموآزرة او المشاركة بين الله والإنسان مع أن الرب هو الذي يُبادر بالنعمة والإنسان يستجيب لها. في أيام الطوباوي أُوغسطينُس (القرن الرابع) ظهرت في أفريقيا بدعة بِلاجيوس وقالت: الانسان يخلُص بجهوده، وكَفّرتْها الكنيسة. هذا لا يمنع الواعظ من أن يحثّ المؤمنين على الأعمال الصالحة ويقول لهم إن أهملوا الجهد فلا يخلُصون. هذا كلام تربويّ مفيد هربًا من الكسل والإهمال.

غير أن آباءنا علّموا أن الإنسان لا يدخل الملكوت بجهده ولكن برحمة الله. أنت تسعى دائمًا ليقبل اللهُ مسعاك ويُكلل عطاءك، ولكن اذكُر أننا بالنعمة مُخلّصُون، وأنك دائمًا فقير الى الله، وأنك تنال الخلاص بفائق محبته ولطفه. هو الذي أَحياك بالمسيح وأَجلسك معه في السماويات. أن تعرف أنك نازل من فوق بالنعمة يجعل فيك روح تواضع الذي هو قوّة رجائك.

هذا الالتقاء بين النعمة والجهد البشريّ تعليم ساطع للرسالة الى أهل أفسس ورفضٌ للجبرية القائلة بأن الله جابرنا على دخول السماء او دخول الجحيم. المحبة لا تريد أحدا في جهنم، ولكن اكتسب انت المحبة بالطاعة الدائمة للآب بيسوع المسيح ربنا.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

الشجاعة / السبت 19 تشرين الثاني 2011

العلاقة البشرية علاقة شجاعة او علاقة خوف. اما علاقة الشجاعة فتأتي من ايمان الانسان بقوته او حقه. غير ان الايمان بالحق لا يقودنا دائما الى الجبه ولو قادنا الى الشهادة التي لا تحتاج دوما قوة بشرية بل يقينا يقول لك المؤمن ان الله الذي فيك يدافع عنك ولو قاد هذا الدفاع الى هدر دمك.

ولك ان تكون شجاعا لثقتك بأن رأيك مستقيم وتدعمه امام اي مخلوق بشري منفردًا او امام جماعة خطيبا او كاتبا. هذا ما يسمى عند العرب الشجاعة الأدبية. غير انك تتخوف احيانا من المجابهة ولو كنت متيقنا كل التيقن انك في جانب الحق.

بولس الرسول قال في رسالته الى أهل رومية: «كونوا رجالاً تقووا» وحثّ قبله المعلّم في طرق مختلفة على الشهادة امام الملوك والولاة وفي المحاكم والواضح ان حياته كانت صدامية من بدء بشارته حتى موته. والتلاميذ نلمس شحاعتهم امام اليهود وامام الأمم ومعظمهم استشهد ومن بعدهم أقبل الى الموت ملايين المؤمنين خلال ثلاثة قرون وكأن لهم ألفة مع النار او الزيت المغلي او الأسود لأنهم كانوا ينتظرون شيئا أفضل. كانت الحياة عندهم حياة مع المسيح وهذه السبيل اليها احيانا كثيرة الاستغناء عن هذه الحياة الدنيوية.

كيف تحب الانسان وتخشى منه أحيانا؟ هذا يعني انك تتوقع ان ينفصل عنك والا تظل عليك رعاية الحب. تفقد، عند ذاك، رعاية المحبوبية. تبقى وحدك وعند المقابلة التي فيها تبادل حجج ترى انك لا تستطيع مقابلة تعرف ان تحتج بها خوفا من فقدان الصداقة وتبقى منعزلا حتى يدبّر الله أمرك بعد أن أوكلته أمرك.

في هذه الحالة خوفك انت تحت التأويل. أنت غير قادر او غير عارف ويفسّرون خوفك الى عدم يقين عندك او يرصفونك في مصف الضعفاء مع أن الله ملك وتعرف ذلك وهم لا يعرفون ولكن الله لا يزعم ازعامًا. انه يوحي وحيا وهم لا يعلرفون.

#    #

#

ومع أن المحبة تطرح الخوف خارجًا على ما يقول يوحنا في رسالته الأولى الجامعة لا يحس الخائف المحب انه يستطيع المقاومة واحيانا يخسر قضيته في السجال او بعضها. يحصل هذا كثيرا في مجتمعات تتكل كثيرا على الكيد.

المأساة في ذلك ان الصالحين يشتمهم أهل الكيد او يدوسونهم وتربح الخطيئة ولكنها تربح ظاهرًا الى ان ينجلي الحق يوما بنعمة الرب.

كن أنت مع الضعفاء وبخاصة مع المستضعفين وهؤلاء ذوو قلوب نقية وعقول راجحة في أحوال كثيرة وأهل الظلم زاهقون تحت وطأة الرب الذي يدوسهم في حكمته لأنهم يريدون ان يسترضوه ولا يرضى ويبدو المستضعفون اسيادا في ملكوته وحسبهم هذا الرضاء.

#   #

#

يبقى السؤال كيف نزيد مساكين الأرض قوة حتى يغالبوا الشر في هذا العالم وحتى يبدو ملكوت الله بدوا ولا يختفي. هنا يأتينا قول المخلص: «كونوا حكماء كالحيات وودعاء كالحمام» صعوبة العيش ان بعض الناس حيات وبعضهم حمائم. كيف نقود الأشرار الى الوداعة وكيف نربي الودعاء على شيء من معرفة الأفخاخ التي ينصبها البعض حتى يزول أثرها. اذا كان الرسول قال: «المحبة تصدق كل شيء» هل عنى انك انت تظن كل من بادرك بالكلام انسانا سليما؟ لا أظن ذلك لأن بولس نعرف انه كان ذا تدبير رعائي في هذه المدينة وتدبير آخر في مدينة أخرى ويعرف كيف يواجه والي فلسطين مستخدما الحجة من القانون الروماني. «المحبة تصدق كل شيء» لا بد ان تعني انها قادرة احيانا على الاقتناع بأن الكاذب يمكن ان يصدق فتصدقه. وفظاعتنا احيانا ان نظلم انسانا صادقا. هذا جرح له ويكون قد اقتبله ربه بين التائبين وانت لم تقتنع. هل يندم على صلاحه وتكون انت رصفته من جديد بين الخاطئين.

تعلّم الشجاعة بالتماسها من ربك فان الخوف قد جاءك من التربية، من العقد التي ترابطت في كيانك ولم تستطع بقواك الطبيعيّة ان تتخلّص منها وتحس اذا ما تقدمت في الخبرة الروحية انه ينزل عليك قوة من العلاء. انت لا تستطيع ان تجعل لك سلاحا الا كلمة الله واللطف.

والكثيرون يعتبرون اللطف ضعفا لأنهم يقيسونه بالقسوة التي تكسبهم سلطة ويحسبون ان السلطة تجعلهم عظماء. حذار ان تقع في شهوة الظلم لتحس نفسك قويا. هذا ليس فيه شيء. أحبب من خاصمك وهذا يتضمن موآزرته لاصلاح نفسه.

تعلّم كيف تجمع بين اللطف وشدة القول ان كان عندك قول لأنك مسؤول عن ان يكبر مجادلك في الرب. لا هم ان تربح السجال او تخسره. المهم أن تأخذ بيد الآخر لتقربه الى ربك.

ولكن هناك من عرفوا ان يدافعوا عن انفسهم وهناك من لا يعرف ان يتكلّم ويعرف نفسه مظلوما. عليه ان ينتبه الا ينضم الى حزب القساة ولكن ان يكسب الشدّة مع المرونة التي هو عليها واذا بقي عيا وهذا ليس بعيب يصبح الله لسان حاله في هذه الدنيا او الدنيا الآتية. هذا حسبه الله.

نحن استلمنا من القديسين ان هناك تروضًا على الفضائل وتدرجا ما لم ينقلك الرب بأعجوبة من عنده الى ذروة الذرى. ولكن تدرب على هذه القوة الروحية التي بها تعلو فيك الشجاعة لتقدر ان تكون شبيهًا بالحية في حكمتها وبالحمامة في وداعتها فيسترك ربّك بستر جناحيه.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

السامريّ الشفوق/ الأحد 13 تشرين الثاني 2011 / العدد 46

هذا المَثَل من أهم الأمثلة التي تدعو الى محبة القريب ومحبة العدوّ. يبدأ بحوار بين ناموسيّ والمعلّم، والناموسيّ هو أستاذ في الشريعة الموسوية وبعامّة في كل الكتاب المقدّس. غالبًا ما كان من الفريسيين لإيمانه بالحياة الأبدية بعد الموت، فالحياة بعد الموت لم يكن اليهود يؤمنون بها سوى الفريسيين، وجاء اليهود الى الفكرة من بعد ظهور المسيحية. ردّ على سؤاله المعلّمُ بسؤال: «ماذا كُتب في الناموس؟». أجاب: «أَحببِ الربَ إلهك… وقريبك كنفسك».

هذا الجواب جمع بين تثنية الاشتراع 6: 4 ولاويين 19: 18. في سفر التثنية تبدأ الوصية هكذا: «إسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا ربٌ واحد فتُحبّ الرب إلهك من كلّ قلبك ومن كلّ نفسك ومن كلّ قوّتك». أمّا ما جاء في سفر اللاويين فهو: «لا تُبغض أخاك في قلبك… بل تحبّ قريبك كنفسك».

ولمّا أجاب يسوع هذا الرجل: «إعمل هذا فتحيا»، قال للسيّد: «ومن قريبي؟» هل القريب هو اليهودي والمُساكن فلسطين معهم؟ عند ذاك أخذ يسوع يقصّ قصةً من تأليفه أهمّ ما فيها أنها تُظهر سامريّا اي غريب الدين يهتمّ بيهودي مجروح على الطريق ويُعالجه، وبين الشعبين قطيعة كاملة ولا سيما أن السامريين يعتمدون كُتُب موسى الخمسة ويرفضون كتب الأنبياء.

تخطّى السامريّ الفراق الديني القائم واعتنى بأمر هذا الغريب، ويقول آباؤنا ان سامري المَثل رمز للمسيح الذي ليس عنده غريب ولكن يُغرّبه الناس وهو المُعتني بالكلّ بمحبته ورأفاته وموته وقيامته.

لاحظوا أن أستاذ الناموس سأل المعلّم: «مَن قريبي؟». هذا سؤال أجاب عنه يسوع بسؤال: «أيّ هؤلاء الثلاثة (أي اللاويّ الذي جاز والكاهن الذي جاز وحادا كليهما عن الجريح، والسامريّ) تحسب صار قريبًا للذي وقع بين اللصوص». فجاء الجواب: «الذي صنع إليه الرحمة».

السؤال: «من هو قريبي؟» بدا في النص الإنجيلي خطأ. الاهتمام الحقيقي: «مَن أَجعله أنا قريبًا لي». الجواب بالمحبّة التي تُحبّ بها تجعل الآخر قريبك. كل إنسان آخر قريبك أيّا كان دينه ولونه ووطنه إن كان في حاجة الى رعايتك. أنت أخ لكل محتاج، ولكن قم بعمل رعاية واهتمام ليُحسّ أنه أخوك وأنه قريبك. المحبة حركة وعندها تنعدم الفوارق.

البشرية كلّها أُمّة الله، وأنت واحد مع كل إنسان يمكن أن يحسبك عدوّه. أنت تخدمه غير ناظر الى مشاعره نحوك أو نحو دينك أو بلدك. أنت تسير على كل طرق الوجود لتفتّش عمّن تخدم ليؤمن بإنسانيتك وإنسانيته. المحبة تهدم الفوارق بينك وبين كل إنسان آخر. تُنقّي نفسك، وتجعلك انسانا آخر، وتُحسّ بها أنك ابنُ الله. اذكُر أنك إذا قلتَ في الصلاة الربيّة: «أبانا الذي في السموات» تُعلن أن البشر جميعًا، خطئوا أم لم يخطئوا، هم أبناء الله، وافهم أن الملكوت يبدأ الآن في قلوب المحبّين وفي قلوب مَن يرعاهم المحبّون. فتّش عمن هم الأكثر حاجة لأن الرب قريب إليهم كثيرًا.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

مسيحية والمؤسسات / السبت 12 تشرين الثاني 2011

عاشت الكنيسة في بلدان فقيرة بلا مؤسسة واحدة وفق ما قاله اللاهوتي الروسي العظيم سرجيوس بولغاكوف: «الكنيسة ليست مؤسسة، هي حياة في الروح القدس». وكأنه أراد أن يقول ان المؤسسات التربوية وغيرها لا تنشئ مؤمنين بالضرورة. كبار الملحدين في الغرب وربما هنا درسوا عند رهبان متخصصين بالتدريس. يقولون لي: هناك جو ايماني بالمبدأ وهذا من شأنه ان يشدك الى الايمان. هذا صحيح ولكن ثمة مدارس علمانية تشدك الى الايمان ايضا وقد قرأت مؤخرا ان معظم الكهنة الموارنة في احدى الأبرشيات او في كلها متخرّجون من المدارس الرسمية الخالية من التعليم الديني.

خوفي من المؤسسات ان تحس الكنيسة انها قوية بها في حين انها قوية بالقداسة. في القرن الثالث في الأردن كانت الكنيسة تسمى كنيسة الخيام اي ان الجماعة لم تكن ذات بيوت وتتبدى كسكان الخيام والأسقف نفسه كان ذات خيمة والقداس يقام في خيمة وليس من دليل على ان من يرتادون الكاتدرائيات الكبرى أعظم تقوى من البدو. كان الفيلسوف الدانمركي كيركيغور يقول: مهما علا سور الدير فللخطيئة سبيلها اليه. قد يساعدك الحجر على الحياة الروحية ولكن ليس هذا مؤكدا. قد يؤطرك الرهبان والقسس والمطارنة وتبقى ضمن الإطار وتظل قليل الإحساس الروحي. الحياة الروحية ليست شركة تأمين. هي تنسكب عليك من فوق او لا تنسكب. لك ان تكون لها ولك ان تكون قالب ثلج.

المسألة هي أين تضع الأولية ومن اين تنتظر الشفاء. انت تحيا مع الرب وبه او فيه وله او ليس لك شيء من المؤسسات. انا أعرف التماعا روحيا عند ناس رعاهم كهنة دراستهم كانت ضعيفة واعرف فتورا روحيا عند من كان مرشدهم عظيما. عندي كنيسة فقيرة جدا تحنّ على اعضائها الفقراء. «يا عبد كل شيء قلب». ونحن الذين علينا مسحة من القدوس ما جئنا من كنائس غنية ويعطينا الرب حسب سؤل قلوبنا.

#   #

#

الأشياء كلها تجري وكأن الكنيسة لا تعتقد ان القداسة بحد نفسها فاعلة وانها في حاجة الى ما يسندها. كل شيء يدلّ هي ان الكنيسة تريد لغة العالم وأساليب العالم وانها بديلة الدولة واذا كانت هذه ضعيفة او غائبة وبدل من ان تقيم الدولة في نظامها وشرعيتها تجعل نفسها دولة او لابسة لباس الدولة.

ما لا يفهمه القيّمون على الكنيسة ان المسيح جاء ليغيّر العالم ولغة العالم. عندما كان منتصبا امام بيلاطس قال لهذا: «لم يكن لك عليّ من سلطان لو لم يُعطَ لك من فوق». السماء هي التي تسمح لك ان تقتلني وان بدوت اني خاضع لحكمك ففي الحقيقة انا خاضع للآب. ان لم نقل نحن قول المسيح نكون قائلين قول الدنيا ونكون مستعيرين لوسائلها ومستقوين بما تستقوي هي به ومستضعفين كلامها الأصلي وهو وحده الأصيل والا تكون تعلمنت بمعنى انها استعارت لغة العالم وآمنت بفاعليته ولم تؤمن بفاعليتها وتكون قد رمت بلغتها لتظهر انها ذكية وأفعل من مسيحها.

لقد جاء يسوع الناصري ليغيّر لغة التاريخ بعد ان غيّر التاريخ، لأنه يؤمن باللغة التي هو نحتها وبطل ان يعتمد لسان هذا العالم. السوأل الوحيد الذي نحن أمامه هو هذا: هل جاءنا المسيح بلغة جديدة هي تجدد الأذن التي تسمعها والقلب الذي تنسكب فيه ام جاء يسوع بلغة خشبيّة؟ هل من قرأ الانجيل ليفهم ان ألفاظه ومعانيه ليست من التي رصفت ككل رصف وان موسيقاها الداخلية غير موسيقى الطرب الذي يحرك شهواتنا.

اذا كان المسيح قائما فيك وعاملا بك وسائرا اليك فأنت مبدع ولست اتكلم على شاعرية كلامك ولكن على شاعرية كيانك الذي يهزّك ويهزّ العالم. عند ذاك، لك ان تصلي مع البداة وتتبع الأسقف البدوي لتأخذ الجسد والكأس وتستغني عن كل جمال مصنوع ألصق بك او وضعوه فيك. انت تخشى عندئذ، ان تكون قد خنت واستعرت غير بهاء يسوع الناصري وغير كلامه وغير فرادته.

هو تجسد في لحكمك وعظامك وبلغة مباشرة تبنى كيانك لكي يعيرك كيانه ولو للحظات لتتجلى. انت انسان جديد ان لمست هدب ثوبه وانت حي ولا يرعاك شيء غير هذا اللمس.

#   #

#

ينبغي ان تقرر العراء الكامل من دنياك ليفتح الله لك باب سمائه ويعطيك حلّة النور من داخل. الذين لم تتغيّر لغتهم يظلون يرونك عاريا ولا يسمعون لغتك الجديدة وتبقى أسطع منهم جميعا لأنك تكون تسربلت سربال النور وهم لابسون خرقا عتيقة لا تستر منهم شيئا لأنها تتمزق فترة بعد فترة.

لا تغيّر لغة الرب بكلام مسطح. ان فعلت يأتي يوم تنسى انت نفسك لغة الخلاص وتظن انك تشدد كنيسة المسيح بما استعرته لها من دنياك. اذا خسرت موهبة التمييز تكون قد خسرت كل شيء. ميّز واستقل عن كلمات هذا العالم وهيكلياته لتجعلك السماء بناء جديدا يغري العقل والقلب معا ويرى الناس انك ايقونة المسيح. الايقونة مصنوعة بإلهام من فوق. الزينة شيء آخر. المهم الا تؤمن بالزينة ولا ما يأتي به خيال الناس.

المسيحية جاءت بالروح القدس. خذه الى كيانك الداخلي فيأتي كيانك من فوق.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

الكاهن وعامّة الشعب/ الأحد 6 تشرين الثاني 2011 / العدد 45

الكاهن، ولو صار أبًا روحيًا، واحدٌ مع كل أفراد رعيّته لأنهم معًا كهنوت ملوكيّ وأُمّة مقدّسة كما يقول بطرس ولهما معا محبة المسيح. ومن كان أبًا يرعى أبناءه في غيرة واحدة، ومن كان ابنا يُكرم أباه ولو عرف عيوبه، ولا مهرب لمخلوق من العيوب لأننا جميعًا بشر.

وحتى تتم هذه العلاقة سليمة لا يطلب أحد شيئا لنفسه، وخصوصًا لن يُصدم إذا لم يراعَ. ينبغي ألاّ يقول: «عندي كرامتي». فإذا لم يُراعها الآخر، فكرامتُك عند الله ولا تنقُص في عينيه. فإذا علمت أنك حبيبُ الله، لماذا تفتّش عن كرامة يُبديها لك مخلوق. ما أرادك يسوع أن تطلب. أرادك أن تعطي وأن تسأل نفسك إن أنت حفظت كرامة الآخرين.

علاقة الكاهن والمؤمن ذات اتجاهين. صحيح أنه راعيك، ولكن بالمقابل أنت تهتمّ به. تُبادر بالتسليم عليه، وإنْ كنت أُرثوذكسيّا مُحافظًا تطلب بركته إذ تؤمن أنه ينقل بركة الرب. وإن كنت على شيء من اليُسر تُقوّيه ماديًّا دون أن تنتظر مناسبة طقسيّة كإكليل أو فراقِ أحدِ أفراد عائلتك.

أَخطاء كثيرة ارتُكِبَت في الماضي لأن الكاهن ما قام بكل واجباته معك أو مع عائلتك. أردت أن تُعاقبه فتركت الكنيسة إلى كنيسة أخرى غير فاهم أنك تنسلخ عن استقامة الرأي الباقية بهذا الكاهن أو ذاك. فيموت الكاهن وتكون أنت وذريّتك على درب الخطأ. الحمد لله أن هذا نقص كثيرًا بعد أن اكتشف الآخرون أنهم إخوة لنا فلا يخطفون أحدًا من حظيرتنا ولا نخطف أحدًا من حظيرتهم.

وإن كان لك شيء على الكاهن فاشكُهُ للمطران، لأنه إذا تحقّق أنه أخطأ يؤدّبه ليس بانفعال ولكن حسب القانون ويُصالحك معه ويُقوّم له سلوكه فتعود المحبة بينكما.

أنت راعٍ ومَرعيّ معًا. وقد تكون أكثر وعيًا من الكاهن فتُرشده إلى الحق وتحضّه على المعرفة وعلى محبة رفقائه الكهنة إن كان في حاجة إلى هذا.

ومن واجبك أن تدفع الكاهن إلى قول حاجاته إلى المطران، فهذا لا يعرف بها كلها، ولا يستطيع، لا سيما إن كان عدد الكهنة كبيرًا. لا تُعط للكاهن مجالا للنميمة أو الانتقاد المرير لأن هذا يؤذي نفسه. ليفتح قلبه لمطرانه الذي ليس عنده حاجة ليتحيّز لأحد الكهنة أو يُهمل، ولكنه بشر ولا يعرف كل شيء. أَعطِ للمطران فرصة ليحبّه.

أَعطِ لأخيك المؤمن فرصة ليحبّ الإكليروس كي نبقى أُمّة ملوك واحدة. لا تترك مجالاً للثرثرة أو الحقد أو الحزبيّة في الكنيسة. وإذا كانت الرعية منقسمة لأسباب عائلية أو سياسية فالاجتماع الكنسيّ هو الفرصة المُثلى لتوحيد الناس. وإذا كانت معموديتنا واحدة فعيشنا واحد ويصير عطاؤنا واحدًا بنعمة الله.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

القتل / السبت 5 تشرين الثاني 2011

في البدء كان القتل إذ قتل قايين أخاه هابيل بعد ان طرد الله آدم وحواء من جنّة عدن. إذا جعلتَ نفسك خارج الرعاية الإلهية يمكن أن تبيد أخاك الذي الله يرعاه كأنك تقتل الله نفسه. وقتل قايين أخاه حسدًا إذ قبِل الرب قربان هابيل وإلى قربان قايين لم ينظر فاغتاظ قايين حقًّا من الله اي انفصل عنه وتاليًا انفصل عن أخيه. وحصل انهما كانا في الحقل وليس في جنّة عدن فقتل أخاه.

ثم جاءت الوصية بموسى: «لا تقتل» إذ لم تسلّم اليك حياة الآخرين. هذه تذهب فقط الى من أعطاها وتدخل في رحمته.

ان انتزاع الحياة فيه استكبار او هو آتٍ من الاستكبار. والاستكبار هو التأليه إذ الله له أن يبيد. كل معصية تأليه للذات والقاتل هو المبيد الأعظم إذ يحسب ان من هو مزمع على قتله ليس له حق في الوجود. هو يعيدك الى العدم او هكذا يظن وبعد هذا يحس انه أعاد هو نفسه الى عدم ويزداد شعوره بعد هذا يومًا فيومًا وكثيرا ما ييأس من توبته.

إلغاء الآخر هو الشعور بأن انسانا يجب ان يعود الى العدم بسفك دمه لأن وجوده لا يطاق. ذلك ان حياته تأكيد لكيان له مزعج حتى الاختناق. ان لم تخنق العدو تختنق. الوضع الداخلي للقاتل عبّر عنه القرآن بقول: «من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا» (المائدة 32).

القتل في النفس يحدث. المبتغى إذًا ان تحب عدوك لأنك اذا استبقيته في الوجود تكون أنت وإيّاه ممجدين للرب وتنبسط السماء في قلبك وفي قلبه. ولك أن تفهم قول القرآن: «والفتنة أشدّ من القتل» لا بالمعنى المأثوروحسب ولكن بما هو أعمق ان ما يريده الرب منك ان تحرر قلبك من فتنته لأنه هو محرك يدك الى الجرم. وتفسيري هذا يلتقي بما جاء في إنجيل متى: «قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تقتل. ومن قتل يكون مستوجب الحكم. واما انا فأقول لكم كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم» (5: 21 و22). في اللاهوت الروحي عند آبائنا ان الغضب هو الشهوة التي تلد خطيئة القتل او الضرب وكل نوع من أنواع العنف وتاليا ان المسعى الروحي ان تستأصل الشهوة لئلا تتحول الى المعصية. والنفس الحرة من الغضب هي النفس الهادئة وهذا المنحى في تهذبه (اي اذا نحا نحو المبدأ) هو مذهب الهدوئيين الذين أبادوا كل شهوة في أعماق نفوسهم وصار الله وحده يسودها.

إلحاح الجريمة ثقيل جدا. حكى لي صحافي كبير في النهار انه تعرّف الى قنّاص من زمن الحرب قال له: «اني كل يوم أفيق في الليل وأرى الذين قتلتهم بوجوههم وألبستهم وهذا يقلقني جدا». كانت هذه عودة الرجل الى ضميره بعد ما حاول فريقه العسكري ان يطفئ فيه الضمير. تذكر القتل قد يلازم صاحبه عشرات من السنين او طوال حياته.

مع ذلك هذا هو الخروف الذي ضلّ في الجبال ويبقى أخا لنا وعلينا رعاية نفسه المجروحة ليفسح لربه مجال زرع كلمته فيها. وقد يكون هذا قاتلا كبيرا ومع ذلك للطراوة ان تعود اليه وتجعله حملا وديعا. التوبة عمل الله في النفس فاذا انفتحت له بالبكاء يمسح الله عن عينيها كل دمعة. بعض من قديسينا كانوا من أكبر العصاة وأخذهم ربهم برأفته وحنانه ولم يتبق فيهم الا ذكره.

استخلص من هذا ان علينا ان نربي أنفسنا على الغفران وهذا يستنزل رحمة الله علينا وقوته ويضع حدا لجموح الصرع فينا. التحول الكبير ممكن بعطف العلي مهما توغلنا بالمعاصي لأن القلب البشري حبيب الله والنفس قادرة ان تقول: «ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب» (مزمور 33: 8). واذا بلغنا العشق الإلهي بعد إثم لا ينكره الرب الى الأبد. من عظمة الرب ان ذاكرته تتفرغ من ذكر المعاصي. هل هذا هو غفرانه؟

# #

#

كان هذا كلاما في القتل الفردي. ما الكلام في قتل الجماعات بعضها بعضا؟ ما الحروب؟ ما من شك ان هناك بلدانا تبغض الاخرى او كان هذا عميما قبل الحرب العالمية الثانية ثم رأينا شعوبا بات من شبه المستحيل ان تتقاتل الآن. هناك ترويض ممكن.

هناك شعوب عرفت التحارب بما بدا سببا دينيا. أجل، يستعار الله من أجل القتل. على منطقة الجندي الألماني في عهد هتلر كان مكتوبا «الله معنا» واعتقدت شعوب ان الله يفوضها بقتل شعوب وان القتلة عسكر الله ومن هذا القبيل لم يخطئ كارل ماركس بقوله: «الدين أفيون الشعوب». هو شاهد القتل باسم الله واستمرار الفقر باسمه او قبول الفقر باسمه. هل اذا ذُبح فريق باسم الله يحزن الفريق الآخر؟ ملاحظتي ان هذا قليل جدا وكأن الذين لم يحزنوا شاركوا في القتل. متى نتصالح ونغفر الخطأ للخاطئين؟ ليس أحد منا وكيلا لله في سفك الدم. وكل تفسير او تأويل يتضمن معنى كهذا يكون من الشرير. ألا يستطيع المؤمنون في كل دين ان يدعوا بعضهم بعضا الى ميثاق سلام يجعل القتل في سبيل الله بدعة او كفرا؟

الى هذا أمن غير المعقول تغيير ايديولوجية الشعوب فتصبح ان الجيش دفاعي فقط اذا اعتدي عليه؟ اذا سمح لي ان اهذي أفلا اقول لماذا لا يمنع انتاج السلاح اطلاقا؟ يبدو ان المعامل في حالة الخطر تتحول بسرعة الى إنتاج آلات الموت. لماذا تخاف الشعوب؟ الى هذا لا أفهم كيف تقبل الولايات المتحدة اقتناء كل فرد من افرادها السلاح. ماذا يعمل اذا غضب الانسان وتشنج.

يعطى المواطن أداة القتل لم يحاسَب اذا قتل. كيف يتكلون على فضيلته؟ طبعا لا يمكنك ان تشفي الانسان من الغضب ومن امكان إبادته للإنسان الآخر الا اذا نزلت عليه نعمة الله. الغضوب جارح من داخله. لماذا اذا ادوات الموت؟ لماذا يجب ان نموت بغير أمر الله؟

افهم ان قول الملائكة عند مولد المسيح: «المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام» تعني ان الطاعة لله هي سبب السلام. أليس للأديان والدول ان تعمل شيئا ليتحقق شيء من هذا ان لم يتحقق كله؟ تلك كانت الغاية من تأسيس هيئة الأمم. هل نحتاج الى اتفاق سياسي علمي لنبلغ المحبة ام نسعى بالتطهر الذاتي لنزرع التراحم بين الأفراد والشعوب؟

Continue reading