لا تعرف وجه الله الا مرتسما على وجه بشر. ولا تعرف نفسك ما لم ترَ وجه الآخر جميلا اي اذا أقمت تساويا حقيقيا بينك وبينه. أنت تأتي منه اذا عرفت انه غير قبيح. وليس لك ان لم توقن يقينا دينيا ان الله محا عنه كل بشاعة. ومحو البشاعات لا يأتي من الانسان بل من النعمة اي انه ينزل عليك وتنشأ نسابة بينك وبين ربك بمعنى انك تمسي منسوبا الى الله ولكونه يرى نفسه فيك يجعل نفسه منسوبا اليك اذ يضم ذاته اليك فيقوى انضمامك اليه.
جمالك لا يأتيك من خارجك اذ يلصقه الله بك فتصير ما انت مدعو أن تصيره واذا أدركت كثيرا من البهاء تصير الطريق الطبيعي الى رؤية الناس ربك عليك.
انعكاس النور الالهي عليك مستحيل ان نظرت عيناك الى غير الله واعتبرنا امامك كيانا مستقلا عن الله. الله مكشوف في الطبيعة وهي رداؤه ولك ان تقرأه فيها فتعلو اليه بهذه القراءة ولكن مركز الطبيعة الانسان وبالدرجة الأولى تسمو به الى الرب.
اجل يتجلى الله في الطبيعة ولكن اسمى تجلياته الانسان. ويمده الله ببهائه مجانا فان الله غني عنه والانسان يستمد منه وحده غناه من حيث انه المصدر واذا أغدق من محبته على واحد منا تسري الى آخر ولكنها ليست منا. المحبة منقولة من الله الى من شاء ويعينه بها حتى اذا بني حقيقة عليها تأخذ طريقها الى من تشاء. الانسان ناقل المحبة الالهية بعد ان تكون عملت فيه وكوّنته بمعنى انها ليست كلمة تقال او يدعى اليها ولكنها حياة عيشت حتى اذا لمسه احد فيك يقول: «هذا هو تغيير يمين العليّ».
ان لم تصر انسانا جديدا عاملا حقا تبقى مجرد متكلّم بالمحبة وليس متغيرا بها. اذا صار الرب مثالك اي غدوت كيانا متحولا اليه تكون على مثاله ومن استنار يصبح الها اي مبتدئا الآن بالألوهية، متخذا صفات الله وفي حالة تواصل معه. عندك اذًا اقصاء لكل ادعاء الألوهة وكل اله كاذب اي عليك التطهر باستمرار لكي تتقبل من العلى ما يشاؤه الله لك رجاء ان تعطى ما أخذت واذا رأيت الى الوجوه المستنيرة تلحظ ضياء واحدًا اي الها واحدًا له التجلي نفسه في ذا وذاك.
وحدانية الله تنكشف في وحدة تجلياته فاذا انت شبيه بأخيك مع محافظة كل واحد على شخصيته ونوعية تجلي الله فيها. القداسة لا تذيب احدا بأحد. الموحد هو الله وارتساماته على الوجوه مختلفة. وهذا الاختلاف يسمح لنا بالقول بشركة القديسين. المشاركة تفترض تنوعا وتعددا بمظاهر القداسة وأفعالها فهذا له رتبة كنسية وذلك لا رتبة له وهذا راهب وذاك رب عائلة وهذا شهيد والآخر لا يهدر دمه. ظواهر القداسة تختلف وجوهرها واحد ولكنها مجتمعة بوحدانية التقديس لكونها مجتمعة بوحدانية الرب معطي القداسة.
# #
#
لا تعني القداسة الكمال الروحي الكامل. هذا التنزه ملازم الله وحده. ولكن القداسة تعني ان تريدها. تعني اذا ان تسعى الى امحائك امام الله وعلى طريق الجهاد ان ترى نفسك لا شيء. ويعني هذا ان تعرف نفسك خاطئا، مكسورا الى ان يرحمك الله بالتوبة. والتوبة تعني الاعتراف لنفسك بوجه وان تصبو الى وجه الله وحده. عندئذ فقط يضع لك وجها جديدا يلتقي الوجوه الشبيهة بالملكوت.
غير ان الشيطان اذا وسوس للانسان ان يشوه وجهه لأنه ضجر من الله لا يبقى فيه نور. ينهدم كيانه او على الأقل يتهاوى. كل منا معرض لهذا السقوط وليس من تأمين على الفضيلة. انها نتيجة تعب يومي ووعي لهشاشتنا ووقاية الله لنا. عليك ان تلتمس العون الالهي في كل حين، كل لحظة عند هجوم الاغراء عليك لكي لا تهرول الى الجحيم وهي التي تحرقنا في هذه الدنيا وفي الدنيا الآتية.
قد يطل وجه الله علبك ليمحو القباحات التي حلّت فيك. هذا شأن محبته التي تجعلك في الشكر. وقد يعود الجمال فجأة ولا يتدرج. تتعلّم الكثير من الخطيئة. تربيك، تبكيك، توجعك. لا تنس علمها ولا تربيتها. خف كثيرا من النكسات بلا رعب لأن الثقة بربك اقوى من الارتعاب. انت في دلال. انت محضون أبوته حتى يستردك اليه وترقد في رحمته.
من أهمية رجوعك اليه ان يفيد الإخوة من توبتك فاذا استحلوك تجذبهم الى بهاء الوجه الذي كان لك لما كان ربك يفتقدك وتعودون معا الى شركة القداسة وتصيرون جسد المسيح.
اذ ذاك، تعرف طراوة ما كنت تحلم بها وكأنك اختُطفت الى السماء وكل ما فيك يتغنى حتى تسمع يوما صوت الملائكة يعزفون حول العرش وتتساءل ما سمعت من أين للملائك ان يرنّموا للرب ترنيمة جديدة.
كل الملائكية هذه ممكن حدوثها على الأرض وأنت تقوم بأعمالك كلها وبالخدمة. السماويات ليست مكانا. هي عمق الوجود فيك او عمقك انت في الوجود والأعماق هي الله الذي يحييك ويحييك اذا رآك مكونا برؤيته. وعند اكتمال رضائه لا تنتظر شيئا آخر اذ ليس من شيء يزاد على هذا الرضاء.
# #
#
عنيت بالكلام على العالم ان الله، معنا وفينا وفي الكون، هذا لا يفيد انه مختلط اذ نكون قد وقعنا في الحلولية. انه متمايز عن الوجود ويعلوه ولكنه مبثوث وبلا بث هو غائب. لذلك كان أمرنا معه هو رؤيته في قواه كما يقول الأرثوذكس والتماسه فينا. وان تراه فيك وفي الكون تكون قبلته وان رأيته منحلا في الوجود المادي او النفسي تكون قد أنكرته خالقا.
مسألة الخالق انه دائما فوق ودائما تحت. وان لم تقبله منك والى جنباتك لا يكون قد خلق شيئا. الخالقية تستتبع المخلوقية اي انها حركة من الرب اليك دائمة ونظرك اليه باستمرار. الخالقية لا تنتهي. لم يضع ربك شيئا ليرميه. انه يرعاه والا تزول عنه الحياة. كل ما هو عقل وروح ونفس وجسم قائم بالعناية الإلهية التي هي عبارة تعني ديمومة الخلق او ديمومة الحضن الإلهي للمخلوقات.
بينك وبين ربك مواجهة ومعناها في اللغة ان يكون وجهك الى وجهه ليصنع وجهك. واذا اقتربت اليه حتى ما يشبه اللصوق يسمى هذا اتحادا بلا حلولية. يلبسك وتلبسه حتى يصح كلام بولس: «من التصق بالرب صار روحا واحدا معه». (1كورنثوس 6: 17).
هنا تبطل فلسفة الكلام ويبدأ الذوق.
Continue reading