لعازر والغنيّ/ الأحد 31 تشرين الأول 1999 / العدد 44
لعازر اسم الفقير الوارد ذكره في المَثَل الذي يُقرأ اليوم من الإنجيل (لوقا 16: 19-31). والمثل قصة تعليمية. فمن الواضح أن لوقا اصطنع هذا الاسم الذي يعني أن إيل (أو الله) أَزْري أو عوني. أراد الإنجيلي هنا أن يُعرّف الفقير على أنه ذاك الذي لا يعينه البشر وأن الله وحده معينه. والغنيّ هنا أعطاه الكتاب اسمًا. إنه الغني بالمطلق، إنه الذي استغنى عن الناس، عن صداقة الناس ودعمهم لأن ماله دعمه وما يطمئن إليه. وسها عن باله في أنه إذا استغنى عن محبة الناس فإنما يستغني بالعمق عن الله.
لوقا دائما حادّ في كلامه عن الفقر والغنى. هو إنجيل الفقراء. فقد لا يجعل كلُّ فقيرٍ الربَّ عونه ويتّكل على ماله القليل ويطمئن إليه على أمل أن يصير غنيا ليطمئن إلى الأكثر. ولعل بعض الأغنياء يُحسنون بمحبة ويوزّعون الكثير مما عندهم. ولكن الإنجيل أراد أن يحذّر الأغنياء من خطر الغنى عليهم، وهنا يحذّرهم من أشد الأخطار وهو عدم الإحساس بوجود المحتاجين. كما أراد الكتاب أن يقول للمحتاج: أنت لستَ على شيء إن لم تتخذ فرصة الفقر إلى الرزق والطعام لتصير فقيرا إلى الله.
طبعا من يقرأني من المتدنّية أحوالهم –ومعظمنا هكذا اليوم– يسألني ألا تريد أن يرتفع مستوانا الاقتصادي لكي لا نتعرض إلى الشكوى والتذمُّر والذل ولا تنشغل عقولنا بالفاقة التي مَن لم يذقها لا يعرف كيف تتآكل العباد فتدفعهم إلى اليأس؟ إزاء هذا، وضع الإنجيل واجب المشاركة والتعاضد لكي يفرح المعطي والمعطى معًا وليفرح المتآزرون في مجالات العمل. ولم يقل يسوع إن الثروة الكبيرة مؤذية بحد نفسها. قال إن صاحبها مهدد بالخطر الروحي. فالوفرة في كل شيء خطر. وفرة الحُسْن خطر، وكذلك وفرة الذكاء. ولم يطلب إيمانُنا من الحسناء أن تقبح وجهها، وما طلب من الأذكياء ألاّ يستعملوا عقولهم بالتماعٍ وعمق. ولكنه دعا الجميع إلى التواضع وإلى التنبّه إلى الأخطار.
فنباهة الغني ألاّ يسترسل في الترف والبذخ وألاّ يرى نفسه فوق سائر الناس أو أن ماله يوليه امتيازًا أو كبرا، ثم النباهة يجب أن تقوده إلى إحسان لا يتبجّح به وأن يفهم إنه ينوجد روحيا بسبب ما أعطى وأن غناه الحقيقي هو غناه عند الرب.
كذلك قيمة الذكاء ليست في الافتخار بل أن يخدم الإنسان بما يعرف، وإذا التمع أن يعرف إن الذكاء من الرب وأنه ليس ملكا له ولكنه قوة للخدمة.
وإن ما دعا إليه الإنجيل في هذا المثل أن يختلط الغنيّ بالفقير اختلاط الند بالند وأن يلتقيه أخًا له، وإذا أحس أن الفقير أعمق منه وأنبل أن يرى أن العمق والنبل هما أجمل من المال. الغني إذا عاشر المحتاج معاشرة الصَّديق يكبر به. إذا فهم الغنيّ أن الله «حَطَّ المقتدرين عن الكراسي ورَفَعَ المتواضعين»، فتواضع ليلتمس رحمة، تدفعه هذه أن يكون رحيما بدوره.
أما أسلوب النفع الذي ينفع به الناس (عطاء مباشر، توظيف…) فيُترك له على أن يسعى أولاً ألاّ يتظاهر بالاستقبالات الضخمة المكلفة والأعراس الفاحشة وأزياء لا تُعدّ ولا توصف لزوجته والسيارات الفخمة لبنيه. الاحتشام هو الفضيلة التي نرتبط بها جميعا لئلا نُثير الكراهية والصدمات النفسية في نفوس الفقراء أو المتوسطي الحال. إن القصور إذا فحشت تؤذي قلوب المتواضعين. ما يجب أن يطلبه الغنيّ المؤمن إنْ أراد الخلاص ألاّ يبتعد مَظهر عيشه عن مظهر العائلات المتوسطة الحال أي ألاّ يغالي في المتعة في أي مجال كي يتسنّى له أن يُشرك بالعمل أكبر عدد ممكن من الناس ليبقى المال منتجا ويدور لخدمة الجماعة. كل غلوّ في ملذات الحياة يؤذي صاحبه والناس. كل حركة في المحبة تُخلّص الميسور –كبيرا كان أم صغيرا– من الكبرياء وتجعله فقيرا إلى الله.
Continue reading