السنة الـ 2007 / السبت 30/12/2006
الزمان خط واحد لا انقطاع بين ذراته. هو مدى الله بحكمه ومدى الانسان بين خطيئته وآماله. ولما قال صاحب المزامير: “وخطيئتي امامي في كل حين” لم يرد ان نستغرق في حسرتنا ولكن ان نجعل التوبة شوقنا الاساسي. فبعد اليومين الاخيرين من هذه السنة واليوم الاول من السنة المقبلة لحمة كاملة ولا ينفع السهر الذي لا يؤتينا املا”.
نرتمي اذاً في احضان الله الذي يعطي للسنة المقبلة مضمونها او ليست هي بشيء والى هذا لا يريد لها سوى بر الابرار اولا ثم سر المبدعين كي لا تكون سوداء في عينيه. مع ذلك يحلم الله ببياضها كي تعود اليه كما خلقها على ان تختار النصوع كالثلج الذي على قمم لبنان. ولا يحالف الله الا الابرار كي يجعل هذا الزمان مليئا. ورجاؤنا ان ينقذ الانسانية في يوم رضاه. يأمل ان نتعلم العدل وان يكون كل منا في ايام المحن “ام الصبي”.
الدنيا من اقصاها الى اقصاها رجّة كبرى. وعند الرجات تخاف اذ تخشى ان تأتي زلزالا، اذ لا يمنع الانسان الا يرى ما حوله وانه يجيء الى حد كبير مما حوله. يجيء اولا من جسده ومن كبوات هذا الجسد التي تجعلنا على طريق الموت. ويجيء من زوجته ومن اولاده والانسباء والاصدقاء والاعداء الذين يطبعون احساسه. نفسه اذاً هي تجيء ايضا مع ما يدنيها الى الارض وما يرفعها الى السماء او ما هو بينهما فاذا سقطنا فالى الوجع وان ارتفعنا فالى التعزيات.
ما قلته يعني اننا لسنا وحدنا في الالم او في الفرح ولكن نحن دائما مع الآخرين يكسروننا ونكسرهم او يصلّون من اجلنا ونصلي من اجلهم، واذذاك يكونون ونكون. ومع ان الانسان في دعوته الالهية اعظم من الكون كله الا انه في هشاشة نفسه وجسده مرمي في هذا الكون يذوق في آن مره وحلوه ولا يعرف دائما انه اذا توخى البهاء لنفسه فلهذا مصدر واحد هو هذا الاله الذي اختار القلب البشري مسكنا له. غير ان الانسان يؤثر ان يؤجر قلبه لوجودات اخرى يحسب انها تعطيه السعادة ويقلب صفحات التقويم الجديد مفتشا عن تسليات يظن ان الفردوس ينزل بها عليه.
كل الناس مساكين ولو قلبوا صفحات التقويم. وهم في حاجة الى اللطف بهم وهم يستشفون من غفراننا لهم غفران الله. ولا يعني اللطف ان تكون ليّناً حتى الميوعة لأن اهم ما في العلاقات البشرية ان تصلح الآخر اذ قال ارسطو: “انا صديق افلاطون ولكني صديق الحقيقة”. غير ان الحقيقة لا تعطى دائما توبيخا اذ الافضل ان تعطى انسيابا. فكما تلطف انت بجرح يعتريك تلطف بالآخر ولو كان جرحك وهكذا يعرف ان يوما من ايام السنة الجديدة كان موضع رأفة به وانت لفت اليه انسانا اقام في مقام الحب.
•••
لا يستطيع من لم يكن محترف السياسة او الصحافة او التاريخ العصري ان يمشي في كل زواريب الدنيا وليس هذا شرطا ليقوم سلوكه ولكنا بتنا نعرف ان الاقسام الهامة من الدنيا عندنا ونعرف ان هذه الدنى التي تلعب على ارضنا لم تصر بعد مناطق للاله. وغالبا ما نترقب ان يستفحل الشر الذي يهب علينا وان يكوينا اذ نعرف ان هذا العالم ليس بين اجزائه إخاء كبير وان انطواء الدول هو القاعدة العامة وليس مطلوبا منك ذكاء كبير لتعرف ان الحب المجاني قائم في الزواج او ما يهيئه وانه قائم بين الاصدقاء. ولكن ليس من دولة عندها مشروع عشق. ولعل حذق الدول ان تجعلك تعتقد ان بلدك معشوقها وهي تتكل على سذاجتك وتتوسع على ارضك استرضاء لعظمتها او تفاخرها او غناها. وهذا ما يسمى عند الفرنجة Hegemonie وهي مشتقة من اليونانية وتعني السؤدد والسلطان والتسلط من دولة او طبقة على اخرى. وهي فعل المهيمن الذي ورد اسما من اسماء الله الحسنى في سورة الحشر. فكل الدول او القوى التي تحاول الهيمنة انما تنسب الى نفسها صفة من صفات الله تعالى وتبارك.
وعند الكبير ليس الصغير كالكبير ويريد الاستيلاء عليه لان الصغار ليس لهم وجود في تاريخ الناس والعظام لا يصدقونهم لو ادعوا ذلك. فالاقتناع بك فضيلة نادرة ان لم تكن من الاقوام العظيمة ولذلك انت مردود ابدا الى الحزن ما لم تظهر دولة فاعلة عندها شيء من الاحساس. كيف تخرج من هذا المأزق؟ ماذا تعطي الذين تستجدي عطفهم ولاسيما ان كنت فقيرا؟ هذه اسئلة ليس عندي اجوبة عنها ولا سيما اذا آمنت بفرادتك وان هذه الفرادة قادرة على العطاء.
صرت استمع منذ ايام الى احدى المحطات يقول فيها واحد من الناس: “لا تقل شيئا، نحن نقول عنك. لا تفهم شيئا. نحن نفهم عنك”. ولكن على المرء ان يسعى وان يرجو ان يأتي يوم يفهم فيه الكبير دنيويا ان الاصغر منه يمكنه ان يفهم وان له الحق في ان يقول. حتى يفهم العظماء ان الدنيا مشاركة وان التاريخ كله يصنعه المبدعون وان اعظمه ما يأتي به المتواضعون الذين كثيرا ما كانوا فقراء. غير ان هذا يتطلب رجاء كبيرا وايمانا بان الله قادر على ان يزيل الازمنة الرديئة حتى تعيش الشعوب معا في اسهام كل منها في حضارة العالم.
قبل الابداع يجب ان يعيش الفقير. ويبدو ان هذا مستحيل في استفحال الازمنة السياسية على رجاء ان تبقى سليمة. الاستقرار شرط العيش لانه شرط الانتاج. انا لا اطلب تربيع الدائرة. هذا مستحيل في الحياة السياسية. ولكن خذوا مسافة من الغرباء الذين تحبونهم لان اهل البيت ابقى لكم وانا لا اناقشكم في من تحبون ولكني ادعوكم الى ان تنظروا الى اللبناني على انه الاخ الثابت وانعتوا غيره ما شئتم بنعوت القربى بعد ان تعاهدتم على ان لبنان وطنكم بكل ما فيه من خلافات او مباينات.
•••
اعرف ان الاعمال بالنيات ولكني اعرف ان احدا لا نحاكمه على نية لم تثبت في الواقع. معنى ذلك في الواقع ان احدا ليس عبدا لاسرائيل الآن وانكم تاليا متساوون بعداوتها. كونوا ما شئتم في المودات ولكن لا تكونوا زبائن ولا تحالفوا احدا الى الابد لان احدا لا يحالفكم الى الابد. نحن اللبنانيين ليس احد يختنق ان لم نحالفه فظلوا اذاً على الهدوء الذي تعطيه المسافة الواحدة من كل من هم خارج الحدود.
لن ادلي برأي ادعي به اني احل مشكلة. هذا فوق طاقتي وفوق معرفتي. عندي شيء واضح مع ذلك ان الذين قتلوا رفيق الحريري وباسل فليحان حتى بيار الجميل يجب ان ينكشفوا. السؤال – ايا كانت النصوص الاخيرة لقانون المحكمة – هو هل نريد ان تعاقب العدالة المجرمين باقرب ما يسمح به القانون الاجرائي لهذه المحكمة. واذا لم يجمع اهل الحكم واهل المعارضة بالقوة نفسها والوضوح نفسه على ذلك فالمعنى الوحيد لذلك ان كل هذه الدماء البريئة التي سُكبت ليست غالية علينا واننا نساوي بين القتلة والاطهار وان الاقتصاص لا يشكل عنصرا من عناصر الدولة وتاليا اننا لا نريد دولة. اما قرأتم جميعا: “يا ايها الذين آمنوا عليكم القصاص في القتلى”. (سورة البقرة 178). ولئلا يشك احد في واجب القصاص اتبع الوحي هذه الآية توّاً بعدها بقوله: “ولكم في القصاص حياة”.
ايا كان التفاوت في الالحاح على ضرورة المحكمة ذات الطابع الدولي فهي واجبة الوجود ليس فقط على صعيد القضاء ولكن على استمرار لبنان خارج شريعة الغاب. انا لست اتهم احدا انه يريد ذلك ولكن لا يتصرفن احد وكأنه يريد ذلك لان هذا يعني ان الموت والحياة سيان عنده.
هذا عندي اننا بعد ان اقمنا العيد لمن سمّته كتبي رئيس السلام اطلب الى الآب ان يقيم سلامه في قلوبنا مع الطمأنينة الى الآخرين. الفتنة في القلوب اشد مضاء من السلاح. سلموا نفوسكم الى الله المهيمن وحده عليها حتى لا يكون السؤدد للانسان. “النفس أمارة بالسوء” لانها أمارة بالسيطرة. وكل احتكار سيطرة من الشيطان. واذا علمتم ذلك تنفتح لكم آفاق البهاء في السنة المقبلة علينا. وارجو ان يتم الله نوره عليكم في هذا الضيق حتى تتّسع صدوركم بعضكم لبعض وتستضيء كل ايامكم في السنة المطلة علينا باذنه تعالى.
Continue reading