Monthly Archives
لا شيء يعذبني ويعذب بعض الكهنة مثل مجالس الرعايا وهي مجالس تسودها عقلية مغلوطة. هناك مجالس تعمل بروح المسالمة والأُخُوّة والتقوى. هناك صعوبة في تطبيق القانون لأسباب تختلف بين مكان ومكان. القانون يقول اننا نختار الأعضاء من بين المؤمنين الممارسين الذين تجدهم في كل قداس إلهي. غير ان الواقع يدل اننا لا نرى كل أعضاء المجالس يشاركوننا الخدمة الإلهية. وأنت لا تعرف مُسبقًا من سيأتي إلى الصلاة ومن يتخلف، فالقصة الحقيقية ليست في ان تجد من يعرف ضبط الوقف والمال، إذ القصة ان تجد دائما من عنده روح الرب.
ان تكون عضوا في مجلس رعية هو ان تتعهد الكنيسة بمعناها الروحي وان تسهم مع الكاهن في شدّ المؤمنين إلى الكنيسة على الأقل بحضورك الشخصي واصطحاب أهل بيتك إليها. ربما كان الحل في ان تُنشئ دروسا لاختيار مرشحين لمجالس الرعايا الأكثر غيرة والأعظم معرفة. غير ان الفكرة التي تسيطر علينا في كل قرية هو ان تختار الأعضاء من العائلات المختلفة وان تقيم توازنا بينها وبين جبابها، ولكن قد لا تجد في كل جب ولا في كل بيت من هو أهل لملء المنصب والقيام بالمسؤولية. أحيانا لا بد من اختلال التوازن لتحصل على الأكفاء المؤهلين لخوض المسائل الروحية والإدارية والمالية التي تفرض نفسها في كل رعية. حرام ان نتعب المطرانية بفرض الاختيار من كل بيت.
هذا من حيث الاختيار. اما من حيث سَير الأمور فالمطلوب دائما ان يعيش كل الأعضاء روح الأخوة بحيث يحترمون بعضهم بعضا، ويعيشوا سلام المسيح فلا يسيطر التمسك بالرأي الذي أدليتَ به إذا أثبت لك الزميل خطأ رأيك. ولا مجال في المجلس ان تتشكل كتل متنافرة فتلازم أنت كتلة والآخر كتلة أخرى فيأتي العناد ولا تتم مناقشة «حزبية» أو مناقشة قائمة على التحيز. بلا تنازل الواحد للآخر في سبيل الحقيقة والحق لا تسير الأمور سيرا حسنا. وحدة الكل أفضل من الإصرار على رأيك. كل الآراء تتضارب والحجة ترد الحجة، ولكن الإخلاص أهم من التفرد بالرأي حتى فرضه.
الشيء الآخر هو ان نقبل ترك المجلس إذا انتهت ولايته. فهيئة المجلس بطبيعتها غير دائمة. وهذا ما أصر عليه المجمع المقدس لأنه أراد ما يسمى في الديموقراطية «تبادل السلطات».
الحكمة من تغيير الأشخاص هو ان نجد فرصة للمؤمن الصالح الفهيم ان يدخل ليظهر مواهبه وتستفيد منه الكنيسة. كل إنسان يموت يستغنى عنه الا إذا كان عظيم المواهب، نادرا بحيث تخسر الكنيسة لو استغنينا عنه. هؤلاء قلائل. يجب ان تترك الفرصة للمؤمن النشيط المعطاء ان يدخل.
ثم لا يشكل المجلس أسرة مالكة تبقى إلى الأبد. فإذا لم يُجَدد لعضو بعد انتهاء ولاية المجلس لا يعني اننا نشكو منه. الفكرة الوحيدة عندنا انه يجب تشجيع الفئات الطالعة التي لم نكن نعرفها ثم اكتشفناها. ان مغادرة مجلس الرعية يعلّم الأعضاء التواضع ويظلون في الرعية مطلعين على ما يجري ومساهمين في الفكر لأن كثيرا من المشاريع التي تتداول يعرفها الكثيرون الخارجون عن المجلس فإذا ابدوا رأيهم يكونون كالحاضرين.
إذا أردتم ان يبقى هذا القانون مفعلا لا بد لنا -بنعمة الله- ان نزداد في التقوى وفي روح المسالمة وان تسلس الأمور في المناقشات حتى نكون في الواقع إخوة حقيقيين بعضا لبعض.
Continue readingالأحد في 4 أيار أقمت القداس الإلهي خارج لبنان وبعد هذا اجتمعت إلى بعض من أبناء الرعية لتناول القهوة فسألني احدهم لماذا نذكر في صلواتنا «صهيون» و«إسرائيل»؟ الا نستطيع ان نلغي هذه الكلمات ونستعيض عنها بغيرها؟ وكنت مدركا انه يريد ذلك حتى لا يدخل إلى أذنيه ألفاظ تذكّر بدولة إسرائيل. فيما يتعلق بصهيون أجبته انها اسم لرابية من الروابي التي تقوم عليها أورشليم. وأتى داود إلى هذا المكان بتابوت العهد فصارت الرابية مقدّسة. ولما بني الهيكل ونقل التابوت إليه اتسع نطاق صهيون حتى شملت الهيكل. وكثيرا ما يطلق اسم صهيون على أورشليم كلها. ثم اتخذت حركة اليهود الحديثة اسم الصهيونية للدلالة على الاستيطان هناك. فعندما نستعمل نحن آية من الكتاب المقدس ورد فيها اسم هذه التلة لا نكون قد قبلنا بالصهيونية التي اشتق اليهود المعاصرون اسمها من صهيون، الرابية.
أما إسرائيل فهو يعقوب، ثم أطلق الاسم على نسله الذين سماهم الكتاب بني إسرائيل. ثم أطلق الاسم على المملكة الشمالية من فلسطين. واستعمل الأنبياء الاسم بمعنى روحي، وكذلك فرّق بولس الرسول بين إسرائيل حسب الجسد وإسرائيل حسب الروح. وفي إنجيل يوحنا لا تحمل الكلمة معنى القومية بل تشير إلى إيمان الشخص.
عندما ترد كلمة «إسرائيل» في الترتيل أو في قراءات الأنبياء فلا يخطر على بال إنسان مطّلع انها تعني دولة إسرائيل الحالية. التسمية الحالية أوجدها اليهود الذين أنشأوا دولتهم سنة 1948 لكي يستفيدوا من كون المسيحيين يعرفونها في العهد القديم وينقادوا إلى توحيد الكلمة مع الدولة التي اغتصبت فلسطين أو قسما منها. هذه شطارة يهودية لا تقودنا إلى شطب الكلمة من الكتاب المقدس. فإذا اقتبستَ من الكتاب الإلهي فينبغي ان تكون أمينا لنصوصه وتفسّر للناس اننا نحن المسيحيين لا نتعَرف إلى أرض الميعاد ولا نبارك اتخاذ اليهود المعاصرين هذه الكلمة ليدلوا على أنهم ورثة هذه الأرض.
عندما نقول في الغروب عن المسيح «نور إعلان للأمم ومجدا لشعبك إسرائيل»، وذلك في إنجيل لوقا، نعني بذلك ان يسوع أتى نورا للوثنيين ولليهود وانه جامع الاثنين. فإذا قلت كبعض المرتلين: «نور إعلان للأمم ومجدا للمؤمنين» أو ما شابه ذلك تكون مغيرا المعنى الذي قصده لوقا. كيف تغير: «الرب من ينابيع إسرائيل» التي نرتلها في كل فترة الفصح؟
لماذا لا يعترض المسلمون على استعمال كلمة إسرائيل في القرآن؟
نحن نؤمن بالعهد القديم أي نؤمن بأنه مُلهَم من الله وهو ليس فيه إشارة إلى قومية ولا يمكن دعم أية قومية به. الكلام القديم يبقى في موضعه. وعوضا ان تتخدش آذاننا بسبب المعنى الحاضر الذي أعطي للكلمة، نفسر استعمالنا لهذه الكلمة. إخواننا الأقباط الذين هم مثلنا رافضون لدولة إسرائيل الحديثة لم يبدلوا كلمة من طقوسهم، وعلماؤهم يشرحون لهم ان ورود اللفظة في الصلوات لا يدفعنا إلى قبول هذه الدولة التي قامت ظلما على حساب الشعب الفلسطيني. فهل إذا زالت دولة إسرائيل نعود إلى استعمال الكلمة؟
الكلام الإلهي يبقى هو هو وندخل نحن في فهم هذا الكلام كما قصده الأنبياء والمزامير.
Continue readingمما نسمعه كثيرا ان الارثوذكسيين الصوامين يأسفون على انتهاء الصيام اذ تتكثف فيهم حياتهم الروحية او تلتمع. ومن الاوضح اننا نحلم بالأسبوع العظيم ونحن الى عباداته التي كتبها الروحانيون عندنا خلال قرون بما أوتوا من نعمة. ولكن المواسم لا تدوم والتعييد هو عينًا ما يخترق العادي والمألوف ليأخذك الى الأعلى حتى تنزل من الأعلى بعد ان تكون قد تجملت فيه واستغنيت وتنشر هذا الغنى على كل ايام السنة.
السؤال الحقيقي هو كيف تجعل كل حياتك مملوءة من بركات الصيام والفصح الطيب؟ كيف تضع في نار محبتك وتقواك وقودا حتى لا تنطفئ؟ كيف تظل على هذا الانبهار الذي يعرفه كل ارثوذكسي امام الخدمة الإلهية ولو كان وضيع المعرفة. ما من شك ان العارف يأخذ من النصوص معاني لا يقدر الجاهل ان يأخذها. ولذلك لا تتقد الصلاة الا بالصلاة كما ان اي شيء لا يتقن الا بالتكرار وبدراسة تفاصيله. لذلك كان الانقطاع عن الخدمة الإلهية سببا لعدم استمتاعك الحقيقي بالصلوات الأكثر اهمية. هناك تماسك بين المعاني لا بد ان تتقصاه لتصل الى الأعماق. لا تفوّت اية فرصة تمكنك من المشاركة في اية صلاة في رعيتك او في غيرها لأنك هكذا “تأكل” الصلاة وتزداد فهمًا.
غير انه ينفعك كثيرا ان تلتزم بجوقة إن كانت أذنك جيدة. كذلك ينفع ان تستمع كثيرا الى مسجّلات بيزنطية وان كانت متفاوتة الإتقان. والأهم من ذلك ان تقرأ هذا القليل الموضوع في العربية عن الليتورجيات لأن الفهم العقلي يساعدك على التذوق الكامل. والأهم الأهم ان تقرأ الكتاب المقدس كل يوم غير مهمل العهد القديم الذي يغذي كثيرا صلاة الغروب وصلاة السَحَر وغيرها. ما هو ثابت ان الخدمة الإلهية عندنا لا يمكن فهمها ان لم يكن المؤمن عارفا بالكتاب الإلهي. كل الصلاة تأتي منه وتشير اليه. وخوفي ان الكثيرين ممن يدعون معرفة طقوسنا يتوهمون المعرفة. في الحقيقة يمكن التعريف عن الطقوس على انها الكتاب المقدس مشروحا للجمهور المسيحي عن طريق سكب الكتاب بعبارات اخرى وتتوجه الى الأجيال السابقة التي كانت تستسيغ هذه العبارات ولكنها تستعين لفهمها بما كانت تعرفه من العهدين القديم والجديد اذ كان الآباء يعظون منهما. الوعظ في جوهره عند الآباء كان شرحا لكلمة الله.
اليوم يمكنك معرفة الكلمة اكثر من الماضي القريب بسبب وجود مكتبة ارثوذكسية تحوي بعض الشروح او تُدخل الى الكتاب.
غير انك لن تبلغ ذورة الفهم – ان لم تكن لاهوتيا محترفا – الا اذا قمت بصلاتك الفردية خير قيام. فروح الصلاة تأتيك من المواظبة على الصلاة صباحا ومساء في بيتك. ذلك انك ان لم تكن مشبعا من محبة الصلاة تضجر في صلاة الجماعة. حتى لا تضجر لا يكفي ان تفهم. ينبغي ان تؤمن انك تنمو روحيا بصلاة الجماعة وتنقل فرحك الى الآخرين. اذا احببت جمال بيت الله بمعنى محبة صلاة الجماعة، يأتيك يوم تتضجر فيه من مغادرة الكنيسة. قد تقول في نفسك يوما يا ليت كل حياتي عبادة. سوف تدرك هذا حقا ان صارت حياتك فصحية اي مليئة بمحبة المسيح المنتصر على خطاياك. في الحقيقة ان لم تكن تائبا لا تجد في الصلاة تعزية.
هذه العناصر المتكاملة من صلاة ودرس وتطهُّر تجعلك بصلاة الجماعة تحيا وتحيي غيرك.
Continue readingما تطلبه النفس ان تبقى مشدودة الى الفصح بعد إقامته حتى لا تفقد فرحه. ولهذا يبقى الموسم الفصحي عندنا حتى خميس الصعود ونرتل في هذه الفترة، باستمرار، المسيح قام. على هذا المنوال نقرأ اليوم من بشارة يوحنا عن ظهورين للسيد، اولهما عشية القيامة، وثانيهما في الأحد اللاحق، هذا الذي نحن فيه اليوم.
مساء الفصح يبدو السيد لتلاميذه مجتمعين ويلقي عليهم السلام. “ولما قال هذا، اراهم يديه وجنبه”. كان هذا ليتيقنوا ان الرؤية صحيحة وان ما رأوه ليس شبحًا. الاستنتاج المنطقي من هذا الظهور ان هذا الذي يشاهدونه الآن انما هو هو الذي عُلق على الخشبة. نحن امام واقعة الصلب التي شهد لها الإنجيليون الأربعة وتحدث عنها بولس في رسالته الاولى الى اهل كورنثوس حوالى عشر سنين بعد الحادثة اي كانت يقينا عند المسيحيين الذين تتلمذ عليهم الرسول.
عند هذا المشهد كان توما غائبا. عند عودته الى العلية التي كانوا فيها مجتمعين أخبره الرسل بالأمر فقال: “ان لم أعاين أثر المسامير في يديه واجعل اصبعي في موضع المسامير وأضع يدي في جنبه لا اؤمن”. شك توما طبيعي ويدل على ان التلاميذ لم يكونوا مهووسين وان توما بخاصة لم يكن مهووسا. التصديق السريع لم يكن عند أحد. يسوع نفسه لم يسعَ الى ان يصدقوه فورا، ولذلك “أراهم يديه وجنبه”. فلما كان توما معهم في الأحد اللاحق، ظهر لهم الرب وقال لتوما “هات اصبعك الى ههنا وعاين يديّ، وهات يدك وضعها في جنبي”. هل تلمّس الرسول جسد الرب كما طلب اليه ان يفعل ام اكتفى بكلام يسوع ولم يجسّه، ليس هذا الأمر المهم. لعل السيد لما قال له: “لا تكن غير مؤمن” أراد ان يوحي اليه ان شهادة إخوته الرسل كافية. لعل هذا دعوة الينا ان نؤمن بما قالته الأجيال الاولى عن المعلم.
مهما يكن من أمر تبقى شهادة توما شهادة عظيمة. هناك ظهورات اخرى عديدة تتلى علينا كلها في انجيل السَحَر يوم الأحد لأن الكنيسة تريدنا ان نؤمن بناء على ما جاء في الكتب. ولهذا اعتمدت الأناجيل الأربعة فقط لأنها من التراث الرسولي.
مما نقرأه في إنجيل اليوم وغيره ان القيامة هي الدعامة الوحيدة لإيماننا بيسوع. يؤسس بولس الرسول المعمودية على موت المسيح وقيامته (الرسالة الى اهل رومية) ويؤسس سر القرابين الإلهية عليها ايضا (الرسالة الاولى الى اهل كورنثوس). كذلك يصدمه في جماعة كونثوس ان بعضا من المؤمنين لا يؤمنون بقيامة الأموات اذ يقول: “فاذا أعلن ان المسيح قام من بين الأموات، فكيف يقول بعضكم انه لا قيامة للأموات”… “وان كان المسيح لم يقم، فتبشيرنا باطل وايمانكم ايضا باطل”.
هنا يذهلني ما سمعته مرارا من اشخاص قليلي الايمان قالوا لي ما مفاده اننا لا نعرف شيئا عن القيامة. من ذهب وعاد ليخبرنا؟ الآن اقول لهم: “ان واحدا ذهب واخبرنا وهو المسيح”. وشهادته كافية.
إيمان الشهداء بقيامة المخلص هي وحدها التي تفسر انهم ذهبوا الى الموت بهذه الشجاعة المذهلة. منها وحدها استمدوا قوتهم. “قام المسيح فليس في القبور من ميت”. قالها القديس يوحنا الذهبي الفم مع انه شاهد ناسا يموتون. غير انه استبق القيامة الأخيرة ورأى ان الذين رقدوا بالمسيح ينتظرونه، فرآهم كأنهم نهضوا اليوم.
القيامة وحدها تجعلنا اقوياء في المحنة، في المرض، غالبين للخطيئة، متعزين عن موت الأحبة. نحن بفضلها نحتمل كل صعوبة ونصبر على الاوجاع صبرا مذهلا. وبسبب فرحنا الفصحي نسلّم بعضنا على بعض بقولنا: المسيح قام؛ وجواب الآخر: حقا قام. انا حزين لأن الكثيرين أهملوا هذه التحية. عودتها اجتماعيا الينا والى أفواهنا كشف لإيماننا امام الناس.
Continue reading