٢٠١٢ / السبت 31 كانون الأول 2011
المؤمن لا يهمّه التكهّن اذ لا يؤمن به والحزن ان اناسا يقامرون في هذه الليلة وما قامروا ابدًا ليعرفوا حظهم في السنة المقبلة كأنه مهيأ لهم في بقعة من الوجود المستور اذ كان ثمة جبرية تدفعه اليهم فترة بعد فترة من السنة المقبلة والمؤمن لا ينتظر حظا بل من ينتظر من الرب رحمته ويقبل الابتلاء وقد يكون حاملا بركات وكل شيء من الحب الإلهي. الإنسان منفتح لاستقبال النعمة مصحوبة بالهناء او مصحوبة بالوجع وكلاهما احتضان اذ لا يصدر عن الرب سوى حنانه.
من هذا المنظار ليست السنة سنتي فما انا بمركز لشيء. هي سنة الآخر الذي جعلني الله في خدمته وانا شوقي الى فرحه والى ان تخف آلامه ويصبح مع من يحب في مشاركة تنمو ليتذوقوا معا في نفوسهم ملكوت الله يتمم نفسه.
المؤمنون يقضون بعضا من هذه الليلة في الصلاة لتتبارك السنة القادمة وتحسرا عما فاتهم من الرضاء وتكفيرا عما اقترفوه من خطيئات على رجاء نزول النقاوة عليهم. السنة القادمة ذات فحوى إلهية او هي مجرد مرور زمان. هذا الزمان المقبل نفتتحه بالرجاء، برجائنا العطاء الإلهي الكبير الذي اذا لم يحمله العام الذي ندشّن غدا يأتي العام فارغا من المعنى والهدف لعلّ عبارتنا في دستور الإيمان: «وأترجى قيامة الموتى» تعني ايضا قيامة الحزانى والمتألمين والمتقلبة عليهم خطاياهم من منزلقاتهم عساهم يستقيمون اذ ينتصب قوامهم امام وجه الله.
ما يلفتني امام الأيام الآتية هو كيف تواجه البشرية وجعين لها: الجوع والدم. اما الجوع فعميم في بلدان كثيرة. يموت به ملايين من الناس ولا سيما الأطفال. وليس من مورد لهم في بلادهم وليس هذا المورد ممكنا بلا مساعدة البدان الغنية. كيف نقدر ان نحيا وهؤلاء يموتون مع اخوتهم وأقربائهم. هل يريد لبنان ان يساهم في نهضة الشعوب المحرومة بحسب مقدرته؟ اجل عندنا 30.% تحت مستوى الفقر وهذا يجعل نسبة من شعبنا قريبة من الجوع وهذا يقربها من الاضطراب الكبير والخوف الكبير الى ان نرفع خطر الفاقة الموجعة عن كاهل الشعب.
# # #
ما يطلب الرب ان نفهمه ان ما نظنه ملكنا من طعام وشراب أودعناه لصالح الذين لا يملكون شيئا او يملكون القليل. نحن شركاء في كل ما عندنا لأن هذا ملك الله فلا يحرم منه احد وتدعي انه اخونا. الأخوّة بلا ترجمة حقيقية وهم هي. والسؤال لا يبقى عندنا بعد رأس السنة ماذا نأكل وماذا نشرب ولكن ماذا يأكل جارنا ويشرب.
هالني مرة مشهد رأيته في أديس أبابا. كان مشهد قصر عظيم والى جانبة كوخ. كنت على يقين كامل ان صاحب القصر لا يعرف اسم صاحب الكوخ ولا يزوره.
ما العهد الذي نقطعه غدا امام الله للفقراء؟ ما يجوز لي ان اختزن وما لا يجوز؟ كيف أصير واحدا مع محتاج أعرفه وكأنه اخي او ابن؟ اذا تزوجت وكنت انت وزوجتك عديم المقتنى الا تتصرف وكأن الملك مشترك. كل دعوة الى المحبة غير مقرونة بنتفيذ باطلة حتى الكذب. اعتبر روح العام الآتي لا يسوده السعي الى الاقتناء ولكن السعي الى العطاء ليكون عامك حقيقة جديدا.
# # #
اما الدم فكان السائد في الأرض ليس فقط في الدم الذي ينتهي ولكن في القرن العشرين كله والسنوات العشر التي مضت من هذا القرن. الدم الذي سفك منذ الثورة البلشفية والحكم الهتلري فاق كل سكيب دم في كل العصور السابقة في الفترة التاريخية. والأكثر تجريحا للشعور البشري ان القاتلين الكبار أتوا بمبررات كثيرة ظاهرها فيه شيء من الفلسفة وحقيقتها إجرام محض.
أي شيطان يستولي على قلب المجرم ليستولي هذا على حياة آخر؟ القتل الفردي يأتي من الغضب والغضب يأتي من البغض. هذا كله عنف لم يذب امام لطف الله. هناك قتل جماعي تقوم به القبائل وما لم تتحول هذه الى جماعات الهية كل شيء يدفعها الى التقاتل اي الى إفناء كل كيان مخالف. متى نرى الناس جميعا اخوة، متى نحب بالبساطة التي دعا الله اليها؟
لست أعرف تعريفا للقتل الا قولي انه الإلحاد بمعناه الكامل. أليس الالحاد الاعتقاد ان الله ليس إلهًا، ليس صاحب الكلى والقلوب، ليس سيد وجودي وووجود من أبعدته عني.
هكذا الشعوب الشغوفة بالحروب والطمع بالشعوب الضعيفة او المستضعفة، حب السيطرة والامتداد هذا كله غضب وبغض وقتل ودم. هناك شعوب تحاول ان تربي نفسها على السلام وبعضها أدرك الغاية. متى تقف الحروب؟ هل نعيش ذلك السلام الذي يريده الله؟
لا يبقى لنا ان أقمنا العيد الا ان نسلم هذه السنة التي نفتتح غدا الى رب البلدان وأزمنتها لكي تأتينا مليئة بالحب حتى نتحرر من صنع السلاح وإبادة البشر به.
الله إله المصالحة بين الأفراد والشعب وأهل الأديان وكل حسب نفسه قائما بذاته. انت تقوم بالله فقط وتحيا به. انت لا تغلب احدا بالقهر. ترجو ان يتحوّل قلبه الى مسكن الله ليصير بشرا سويا.
Continue reading