Category

2002

2002, مقالات, نشرة رعيتي

الكاهن ومكانه/ الأحد 29 كانون الأول 2002 / العدد 52

في المعتقد الأرثوذكسي ان رئيس الكهنة هو كاهن كل رعية وكل مذبح، وان من نسمّيه «الخوري» هو القس الذي ينتدبه الأسقف لرعاية جماعة محددة. والمألوف ان يلازم الخوري رعيته إذا كان رساليا ونشيطا وسليم البنية تمكنه من خدمة كاملة. فغايتنا الرعية وغذاؤها الروحي وتغطية حاجاتها. وعند هذا يسقط كل اعتبار آخر.

الأمر الثاني ان الفعلة قليلون وأننا نربي كهنة جددا يدعوهم الرب ان يملأوا الكنائس التي تستخدم كاهنا معيَّنا أصلا على رعية آخرى. فمن الطبيعي إذا ظهر كاهن جديد ان يملأ الشغور أولا لسبب قانوني معروف وهو ان الكاهن يقيم ذبيحة واحدة في اليوم الواحد، وثانيا لأن الرعاية الحقيقية تجعل عددا محددا من المؤمنين يقوم بخدمتهم كاهن واحد. في الأساس مئتا بيت أو أكثر بقليل هو العدد الأقصى من البيوت التي يمكن ان يعرفها رجل واحد ويدرس أحوالها وحاجاتها الروحية والتعليمية عملا بقول المخلّص: «اني أدعو خرافي بأسمائها». الصلة الحميمية بين الكاهن وأبنائه أساسية. فيأتي التنظيم مبدئيا هكذا: إما ان تقسَم الرعايا وتبنى لها كنائس، أو يجتمع أكثر من كاهن في كنيسة واحدة حسب نظام تقدم واحد على الآخرين.

الأمر الثالث ان التقدم في السن أو تأخر الصحة تضطرنا إلى ان يلازم الكاهنَ كاهنٌ أفتى ليتحمل مسؤوليات لم يبق الكاهن القديم قادرا على تحملها. وهنا يقتضي التعقل والإخلاص ان نفهم ان الشيخ ليس كالفتى من حيث النشاط العملي الشامل (افتقاد كثير، تعليم الشبيبة والطفولة، زيارة المرضى في المستشفيات). وربما كان الكاهن المسن أعظم قدرا من ناحية الحكمة وربما التقوى. ولكن الخدمة لا تقوم بمجرد الحكمة مع جسد معرض إلى الزوال.

طبعا هذا كله يتطلب تدبيرا خاصا من حيث إعالة الكهنة لأن أحدا لا يريد ان يحتاجوا، والكاهن غير العاجز لا يطيق ألاّ يلازم المذبح. غير ان هذا يفرض على الرعية أو على إدارة الأبرشية ان تؤمّن معيشة كل اكليريكي أيا كان حجم نشاطه.

الأمر الرابع أننا إذا ربينا كهنة جددا فلا بد لنا من تعيينهم في مكان ما. ولا نريد ان نخسر مواهبهم وألاّ نستغلّ علمهم. لا يمكن ان نترك رعية بلا علم وبلا سهرات إنجيلية. نحن مسؤولون عن إيصال البشارة إلى كل مخلوق، ولذا أوجدنا معهد لاهوت في البلمند ليعمّ الإنجيل كل الناس.

نحن في حاجة إلى تأسيس رعايا جديدة. فالأرثوذكسيون باتوا منتشرين في كل مكان. وهناك مناطق لا يرعاها احد. فنحن مضطرون إلى إنشاء كنائس جديدة، وتاليا إلى اقتطاع أحياء عن الكنائس الكثيف عدد أبنائها، أو إلى إكثار القداديس في الكنيسة الواحدة بكهنة جدد.

يضاف إلى هذا أننا قد نضطر أحيانا إلى نقل كهنة من مكانهم إلى مكان آخر، فقد يكون احدهم أكثر أهلية لخدمة رعية اخرى وذلك لأسباب نحن نقدّرها. والنقل ليس عقابا لأحد. الذي لا يؤتى به إلى مجلس تأديبيّ لمخالفة ارتكبها ليس معاقَبا. في عملية النقل يعود المطران إلى حكمته في تدبير الشؤون، ولاسيما ان الكاهن مندوبه ورئيس الكهنة يعرف إلى أي مكان يجب انتدابه. الأمر ليس محزنا، وخادم الرب لا يحزن. ومن الواضح ان المطرانية تأخذ بعين الاعتبار وضع الرجل وعائلته والبيئة التي يمكن ان ينسجم فيها.

ومن الواضح أننا لا نستطيع ان نستفتي جماعة بكاملها في هذا الموضوع. فلا يستطيع المطران ان يشرح لكل إنسان الأسباب التي دعته إلى نقل احد الكهنة. هذا يعطل العمل الرعائي كليا. ان النقل ليس فيه خفض لأهمية احد الاكليريكيين. جل ما في الأمر أننا في حاجة إلى كَرَم أكثر إذا أضيف كاهن ثان أو ثالث. وعلى هذا نتعاون.

السؤال هو هذا: إذا أردتم ان يكون لنا وجود أرثوذكسي فاعل فينبغي ان تبذلوا الكثير. أنا لا اتحمل وجود عدد من أبنائنا لا تصل إليهم كلمة المسيح والأسرار المقدسة. الآن نحن قادرون ان نملأ بعض الشواغر. بعد سنوات قليلة أرجو ان يوفقنا الرب لملء كل الشواغر. أرجو ان تفهموني وان تتعاونوا وان تثقوا ان كل تدبير جديد صادر فقط عن محبتي لكم أجمعين. لا أطيق ان اتحمل ان يبقى أولادنا جياعا وألاّ نستطيع ان نسدّ جوعهم.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

احد النسبة/ الأحد 22 كانون الاول 2002 / العدد 51

القراء الذين أرادهم متى لإنجيله هم اليهود او المتنصرون من اليهود. لذلك كان هاجسه الأساسي في مطلع إنجيله ان يبين لهم ان يسوع الذي يدعو اليه هو المسيح الذي ارتجاه انبياؤهم وانه تاليا مصب التوراة وملخصها. اراد ان يقول ان انسانية السيد، منحدرة من مجموعة آباء اهمهم داود وإبراهيم وان الكتاب هكذا تكلم. ومن هنا انك لا تستطيع ان تسلخ المسيح عمن سبقه. يسوع وريث الشريعة والأنبياء ومنجز الكلمة الإلهية القديمة. وكان يجب ان يطلع في اسرائيل لأن النبوءة ظهرت فيه. اما اذا شوَّه اليهود من بعد مجيء المخلص الرسالة التي ورثوها، فهذه خطيئتهم، وهذا لا يلغي ارتباط المسيح بالأنبياء الذين تحدثوا عنه. فالعهد القديم كتابنا نحن، كتابنا حسب فهمنا نحن، فلا نكبه اذا قرأه الذين أرسل اليهم بخلاف مقاصد الله التي عرفناها في المسيح.

          عندنا هنا لائحة اجداد للسيد معظمها مأخوذ من العهد القديم، ولكن كتب العهد القديم انقطعت قبل المسيح بقرن ونصف قرن. الأسماء الأخرى مأخوذة من “شجرة العائلة” وكان كثير من اليهود يحتفظون بها.     ويفصل متى الأسماء على ثلاث مراحل تنتهي الأخيرة بيوسف. وكل مرحلة فيها 14 جيلا، وهذا الرقم – حسب علم الجمّل المعروف ايضا عند العرب – هو رمز لاسم داود الذي يكتب في العبرية هكذا: “دَود” وحرف الدال رمزه 6 كما ان حرف الواو رمزه 4 ومجموعها 14. ويكون أتى متى بهذا الرقم ليتحكم اسم داود بلائحة النسب.

          وهناك افتراض آخر ان الـ 42 جيلا هي 6 سبعات ليدل على ان الزمن الذي يليهما وهو سابع سبعة زمان الكمال عندهم وهو زمن المسيح.

          ثم كلمة ميلاد كما هي مترجمة هنا يجب ان نفهمها “نَسَب”. وهذا غالبا ما أراده متى اعتمادا منه على سفر التكوين في الترجمة السبعينية: “هذا كتاب اصل البشر”، فكأن الإنجيلي اراد ان المسيح غاية البشرية وخاتم النبوءة. اجل تنتهي اللائحة بيوسف لأن الإنسان يُنسب الى ابيه، او المظنون انه ابوه اي يوسف، ولا يمكن في شريعة اليهود الا ان يُنسب الى ابيه. غير ان مريم هي من قبيلة يوسف ومن بيته اذ لا يتزوج الرجل عندهم الا من اهل بيته. ويؤكد بولس الرسول على ان السيد “صار من نسل داود من جهة الجسد” (رومية 1: 3). وبسبب بتولية مريم يكون هذا تأكيدا على ان الرب يسوع منحدر من داود.

          من جهة اخرى وبخلاف العادة يذكر متى ثلاث نساء في النسب هي راحاب الزانية وراعوث التي كانت اجنبية وبيتشبع المسمّاة “التي كانت لأوريا” واتخذها داود زوجة له على حياة زوجها. فلا يأبى متى ذكر تلك النساء ليقول ان المسيح أتى من بشر عاديين فيهم خطأة فإنه هو المخلص.

          اما السؤال الذي يبدو شائكا فقوله عن يوسف انه “لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر” فهو تأكيد على انه لم يعرفها قبل ولادتها يسوع، ولا يعني، لغويا، انه عرفها فيما بعد. ينفي الاتصال السابق للمولد ولا يؤكد شيئا بعده. فاذا سألتك مثلا: اين كنت حتى الساعة الثامنة مساء، وأجبتني كنت في بيتي، فلا يعني هذا انك غادرته بعد ذلك. تكون قد اجبت عن سؤالي وسكتَّ عما فعلت بعد ذلك. اهم المخطوطات لا يرد فيه لفظة البكر.

وحتى اذا كانت هذه اللفظة اصلية، فلا تحتم انه كان لمريم بعد يسوع اولاد آخرون. البكر كما ورد في العهد القديم تعني “فاتح الرحم” ولا تعني بالضرورة انه جاءه إخوة. هاجس متى ان يتحدث عن يسوع وينتهي عنده. اما عبارة “إخوة يسوع” الواردة في الإنجيل فلا تدل بالضرورة في اللغة العبرية على اشقاء ولكنها تشمل ايضا انسباء. ففي سفر التكوين 12: 5 نقرأ ان لوط هو ابن اخي ابراهيم، وفي 13: 8 يسمى لوط اخا ابراهيم. كلمة “اخ” اذًا اوسع مما عندنا بالعربية.

          اما دوام بتولية مريم فهي من التقليد الشريف. في كل عباداتنا سميت مريم الدائمة البتولية، وثبّت هذا المجمع المسكوني الخامس.

          على هذا ندخل في سر ميلاد المخلص.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

احد الأجداد/ الأحد 15 كانون الاول 2002 / العدد 50

          الأحد السابق لعيد الميلاد يسمى احد النسبة. والأحد السابق له – هذا الذي نحن فيه – يسمى احد الأجداد. فاذا كنا في احد النسبة نتكلم على اتصال المسيح بمن سبقه منذ ابراهيم، ففي هذا الأحد نتكلم على اتصاله ايضا بالذين سبقوه منذ آدم، اي ليس فقط في الشعب العبري ولكن في كل الشعوب. لذلك تبدأ الطروبارية اليوم هكذا: “لقد زكيت بالإيمان الآباء القدماء وبهم سبقت فخطبت البيعة (اي الكنيسة) التي من الأمم (اي الوثنية). ذلك ان المسيح تهيأت له الشعوب كلها وليس فقط الشعب العبراني بالأنبياء. فالشعب اليوناني استعد للمخلص بالفلسفة وبالجمال وهكذا قال آباؤنا ولاسيما القديس يوستينس الشهيد الفيلسوف في القرن الثاني واكليمنضس الاسكندري في القرن الثالث. قالوا اشياء فيها خير وفيها حقيقة. وكما كان السيد قائما في النبوءات، هكذا كان قائما في حقائق الأديان القديمة ولو مجتزأة.

          الأساطير نفسها التي ظهرت حول البحر الأبيض المتوسط في سومر مثلا او عبادة الإله الواحد عند اخناتون في مصر او النسك البوذي على خطره او الإله تموز على الشاطئ الفينيقي كانت تؤلف نسيجا فكريا جعل العقول اكثر تقبلا للمسيح. نحن ما ألغينا كل شيء قديم. عمّدناه اي نقضنا الجانب السلبي او المائت في الحضارات القديمة وذقنا ما هو متهيئ منها لاستقبال الإنجيل.

          القراءة الإنجيلية اليوم هي مَثَل انسان صنع عشاء عظيما ودعا اليه الكثيرين فأخذوا يستعفون الواحد تلو الآخر “فغضب رب البيت وقال لعبده اخرج سريعا الى شوارع المدينة وأزقتها وأَدخِل المساكين والجدع والعميان والعرج الى ههنا”.

          ان اتخاذ الكنيسة هذا الفصل في احد الأجداد يؤيد تفسيرا جاء به علماء التفسير الذين قالوا ان “شوارع المدينة وأزقتها” والمعوقين الذين ذكرهم لوقا انما تدل جميعا على الأمم الوثنية التي قصدها الرسل بعد خيانة اسرائيل. “يبقى ايضا محل” وليس الملكوت محلا فقط لليهود. وتشكلت الكنيسة فعليًا في غالبيتها من الأمم والقليل من اعضائها جاء من اليهود.

          اما اليوم فالمسيح قد يجيء الى اذهاننا من الفلسفات والآداب والفنون التي دخل اليها من حضارة الشعوب المسيحية. فقد لا نكون آمنّا ايمانا عميقا لكوننا لم نختبر حياة الكنيسة، ونكون قد اقبلنا الى الشعر والأدب او تأثرنا بمطالعات غريبة ليست بالضرورة ضد الإيمان، او قد يأتي الينا انسان معاصر من ديانته، مما يهجئ فيها حضور المسيح. يجب ان نعمّد الفكر الحديث والمواقف الحديثة بحيث يسقط الفاسد فيها ويبقى الصالح دون ان نقيم اختلاطا بين ما هو للمسيح وما كان ضد المسيح. ونرى اليوم من يقتبس من الفكر الهندي بخاصة في حركات تأملية على المذهب الهندي. مثل ذلك “التأمل التجاوزي” وحركة الايزوتريك. قد يكون في بعض هذه التنظيمات ذكر للمسيح ولكنه ذكر خاطئ.

          امام الوثنية الهاجمة في شتى صورها يتوجه الينا بولس في رسالة اليوم قائلا: “متى ظهر المسيح الذي هو حياتنا فأنتم ايضا تظهرون حينئذ معه في المجد”. اجل يتكلم الرسول على المجيء الثاني، ولكن، بوضع الكنيسة هذه القراءة اليوم، يحق لنا ان نفهم هذا الكلام على انه يعني عيد الظهور بمعناه الشامل اي في الميلاد والغطاس. ما ينتظرنا في العيد ان نتحرر من الوثنية الكامنة في النفس التي يذكر منها بولس بعض الرذائل ويقول عن رذيلة منها انها “عبادة وثن”.

          فعند ظهور المسيح الذي نعيّد له بعد قليل كونوا لابسين “الانسان الجديد”. فعندما ترون المسيح كل شيء فيكم، يكون قد ظهر فعليا، ويأتي العيد رمزا لظهوره.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

المرأة المنحنية/ الأحد 8 كانون الاول 2002 / العدد 49

قبل حادثة الشفاء للمرأة المنحنية بفترة لم يعد يسوع يعلّم في مجامع اليهود في الجليل. ربما يعود ذلك الى كون الفريسيين كانوا قد رفضوه. ربما كان هذا خياره ليبقى ملتصقا بالشعب مباشرة. ولكنه في هذه المرة وهو في اليهودية (الجنوب) عاد الى المجمع (الكنيس) للمرة الأخيرة ليعلّم.

          كلمة “المنحنية” الموصوفة بها هذه المرأة تعني انه كان عندها انحناء في العمود الفقري. لما رآها السيد قال لها: “انت مُطْلَقة من مرضك”. عندئذ وضع يده عليها فاستقامت واخذت تمجد الله. كان المفروض ان يفرح جميع الحضور. غير ان رئيس الكنيس كان مغتاظا لأن الشفاء حصل يوم سبت. هذه المسألة (هل يجوز الشفاء في السبت) كانت موضوع جدل عند اليهود. احتج رئيس المجمع الذي كانت وظيفته ان يشرف على الصلاة والوعظ. توجه بنقده لا الى يسوع ولكن الى الشعب كله: لا يجوز الشفاء في السبت. المؤسسة كانت عنده اهم من البشر.

          عند هذا الاعتراض جابه المعلم رئيس المجمع ونعته بالمرائي، بالمنافق وقال: “الا يحل كل واحد منكم في السبت ثوره او حماره من المذود ويمضي به ويسقيه؟”، من باب اولى يجب شفاء الإنسان. المرأة كانت أتت الى المجمع لتصلي. ان شيئا في الشريعة لم يكن يمنع صانع عجائب ان يتمم اعجوبته ولكن الفريسيين اخترعوا تقاليد بشرية وادعوا استنتاجها من شريعة موسى. غير ان السيد علم “ان السبت للإنسان وليس الإنسان للسبت”.

          موقف يسوع أخجل خصومه. خجلوا لأن يسوع أفحمهم. وازداد خجلهم لأن الشعب كان مع يسوع. هؤلاء المعاندون للمعلم كانوا يطلبون المجد الباطل وقواعد بالية. اما الشعب الذي كان قلبه مع الله ففرح.

          هذه الأعجوبة شبيهة بشفاء السيد للرجل الذي كانت يده يابسة، الشفاء الذي ورد ذكره عند مرقس. “فصاروا يراقبونه هل يشفيه في السبت لكي يشتكوا عليه”. فبعد ان شفا الرب المريض “قال لهم هل يحل في السبت فعل الخير او فعل الشر، تخليص نفس او قتل”. وبسبب من هذه المعجزة “خرج الفريسيون للوقت مع الهيرودوسيين وتشاوروا عليه لكي يهلكوه”.

          هذا التفسير الخاطئ للسبت كان بداءة الموآمرة على المسيح. عبارة “تشاوروا عليه ليهلكوه” تتكرر في الآلام هكذا عند متى: “ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه”. كذلك مرقس يستعمل عبارة “تشاور رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله”.

          في الحياة الدينية في كل دين يخترع الناس قواعد ليست من الدين ليكبلوا حرية المؤمنين. ما ورثوه من تقاليد شعبية فولكلورية يريدون فرضه على الجميع. ان يؤتى بصورة الميت في قداس الأربعين او السنة يعتبرونه مقدَّسا (كيف كانوا يعملون قبل دخول التصوير الشمسي الى بلادنا؟). ان يقرع الجرس بعد نهاية القداس هي عندهم عادة مقدسة مع ان وظيفة الجرس ان يذكّر المؤمنين باقتراب موعد الذبيحة. ان يمروا تحت نعش المسيح عادة متأصلة ولا علاقة لها بطقوسنا. ان يذكر الكاهن اسماء الأحياء والأموات في الدورة الكبرى شيء مخالف لعباداتنا اذ يذكرهم الكاهن في الهيكل عند إعداد الذبيحة. تقليد وثني، كامل الوثنية استعمال المفرقعات صباح الفصح. مع ذلك يصعب في كثير من الأماكن ان تردّ الناس عن ذلك. ثوب مار انطونيوس او مار الياس للأطفال عادة غير موجودة في الارثوذكسية، ويطلبون منك ان تبارك الثوب ونحن لا نبارك القماش.

          في بعض الرعايا ان يخلع العريس بعض ثيابه قبل ذهابه الى الكنيسة تقليد بشري لم تأت كتبنا على ذكره. ان يمسح المؤمن الايقونة بيده ثم يقبّل يده شيء يؤذي الايقونة على مر السنين، والكنيسة تقول انت تقبل الايقونة تقبيلا. عادة وثنية تماما في رعايا قليلة تقبيل باب الكنيسة قبل الدخول.

          هناك ديانة شعبية يقوم بها بعض الناس ويظنونها كنسية. هي تخالف التقاليد الرسولية ولا بد من التنقيح. هذه كلها اليهود تقتل معرفتنا الحقيقية للمسيح.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

اعمى أريحا/ الأحد 1 كانون الاول 2002 / العدد 48

في انجيل اليوم اجتاز يسوع نهر الأردن الى اليهودية. كان معه مرافقون: التلاميذ بلا ريب وبعض أتباعه. الى غرب النهر قامت اريحا القديمة وقليلا بعدها اريحا الجديدة الرومانية. بين هذين القسمين من المدينة كان اعمى يستعطي. هذا المرض يعرض الفقراء المصابين به الى الاستعطاء. مرقس يذكر الحادثة ويسمي الأعمى ابن طيماوس.

          سأل الرجل ما هذا الجمع فلما أخبر بأن يسوع الناصري عابر صرخ “يا ابن داود ارحمني”. ما من شك ان الأعمى كان قد سمع ان الرب شفى عميانا او مرضى بعامة. نداؤه ليسوع يدل على انه كان يعتبره المسيح الآتي. صرخ لأنه لم يكن يعلم مكان يسوع في كل هذا الجمهور. الذين كانوا في الخط الأمامي زجروا الرجل. لشدة تأثره وتوقعه للأعجوبة بقي يصرخ.

          عندئذ يقف يسوع ويأمر بأن يؤتى بالرجل اليه. سأله يسوع: ماذا تريد ان اصنع لك؟ طبعا كان المعلم يعرف ان هذا كان طلب الشحاذ. ولكن المعلم اراده ان يسأل ليؤمن الرجل فيما بعد بالمصدر الذي جاء منه  الشفاء. اذ ذاك قال هذا “ان أبصر” وفي النص اليوناني الأصلي “ان أرى من جديد”. كان يعرف جمال الدنيا وصعوبة العيش عند المكفوف وذل الاستعطاء.

          جواب يسوع: “أبصر” كما ترجمناها تعني “رَ من جديد توا”. اما قول المخلص: “ايمانك خلصك” فلها ان تعني: كن معافىً الآن كليا وباستمرار او تعني الخلاص الروحي او كليهما. يسوع يتجاوز الموضوع الصحي البحت: “ايمانك قد خلصك”.

          الموضوع ليس انتظار الأعجوبة. الانتظار انتظار الشفاء وتخيله والشوق اليه هو مجرد اختلاج نفسي ويستحيل ان يعيد البصر. لا يشفي عطلا عضويا. ما يعنينا قول الكتاب: “آمن بالرب يسوع فتخلص انت واهل بيتك”. النفس تتحرك نحو المسيح ولا تخلص بحركتها. سبب الشفاء هو المسيح لا النفس البشرية. اجل النفس تقبل نعمة الله ولكن “نعمة الله هي المخلصة لجميع الناس”. تعليم كنيستنا عن الخلاص بمعناه الروحي هو ان هناك موآزرة بيننا وبين الله. نحن لسنا علة خلاصنا. نحن نتقبل خلاصا أتمه الله مرة واحدة بيسوع المسيح. انت تنال ما هو موجود او تُقبل على ما هو موجود.

          ثم اذا التمست شفاعة قديس فأنت لا تشفى بقوة منه. انت تشفى فقط بقوة المسيح. القديس يتشفع من اجلك فيلبي الرب نداءه. ليس لأحد في السماء او في الأرض قوة مستقلة عن قوة السيد. لا مانع من الكلام الدارج: هذا شفاه مار جرجس او مار انطونيوس او سواهما على ان نعرف في قلبنا وعقلنا ان القديسين هم شركاؤنا في الصلاة وان من نطلب منه هو يسوع نفسه.

          ثم في حال اوجاعنا الجسدية قد يلبينا الرب وقد لا يلبي حسب مقاصد حكمته. هو في كل حال يلبينا روحيا بمعنى انه يمنحنا التوبة ويطهرنا من خطايانا. وهذا اهم بكثير من عافية الجسد. قد لا نتربى الا بالآلام. قد لا نتوب الا بالوجع. الرب يعرف ما يفيدنا.

          السؤال الشرعي الوحيد عندما يتحدثون، هنا وثمة، عن معجزات هو ان نعرف اذا كان حدث الشفاء قاد الى الله وطاعته. فاذا كان الأهم في امر اعمى اريحا انه نال شفاء نفسه يبقى ان اعظم ما نطلبه ان ترى نفسنا بهاء المسيح.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

الحياة الأبدية/ الأحد 24 تشرين الثاني 2002 / العدد 47

الذي دنا الى يسوع في إنجيل اليوم سمي رئيسا في ترجمة عربية او احد الرؤساء او احد الوجهاء. خاطب السيد بقوله: ايها المعلم الصالح. لفظة المعلم تعني ان هذا الرجل كان يعتبر يسوع من الربانيين (يحسبه حاخامًا). غير ان المعّلم في اسرائيل القديم لم يكن احد يسميه صالحا. هذا نعت كان عندهم يطلق على الله وحده. اذا قصد هذا الشاب استعمال هذه الصفة مجاملة فيسوع يرفض المجاملة. لا يعني جواب السيد رفضه ان يُنعَت بالصالح، ولكنه لفت محدثه الى انه اذا سماه صالحا فإنما هذا يجب ان يعني ان يسوع هو عنده اكثر من انسان.

          ماذا يجب ان أعمل تعني هل من عمل معيّن، محدد يجب ان اقوم به. يسوع يحيله الى الوصايا التي سُلمت الى موسى. يجيب الشاب: “كل هذا حفظته منذ صبائي”. هذا تربى على الفضيلة واستمسك بها. انسان ممتاز ولكنه غير كامل. الكمال يتطلب ان يتجرد عن التعلق بأي شيء. رمز ذلك ان يعطي كل شيء: “بع كل شيء ووزعه على المساكين”. هذا تعبير على انك لا تشتهي شيئا في الدنيا. ولكن البوذيين ايضا يفعلون ذلك. فليس الفقر بشيء ولا الغنى. كلام يسوع كان: بع كل شيء وتعال اتبعني. انت لا تتحرر بالفقر ولا تتكبل، ضوروةً، بالغنى. لا تنال الحرية بتوزيع ثروتك ولكن اذا اتبعت يسوع. حبك ليسوع يجعلك تحب من سمّاهم إخوته الصغار اي المساكين. فاذا اكتشفت الرب بحيث تراه ثروتك الوحيدة تستغني عن ثروتك المادية وتنسلخ عن جمالك الجسدي وبهائك العقلي. كل هذه قد تحجب عنك وجه المخلّص الدامي.

          اذا فهمت ان غناك لا شيء وفقرك لا شيء او انك بما تراه في نفسك من فضائل انت ايضا لا شيء، تكون قد اقتربت من الرؤية الكبرى وهي ان الله المحب البشر قد اغناك بابنه وانك صرت حبيبه بالصليب. اما الذين يتمسكون بما عندهم من ثروة وجمال وعلم وذوق ولا يعتبرونها عطايا من الله فإنما نحتوا لأنفسهم صنما يعبدونه. من هنا قول المعلم: “انه لأسهل ان يدخل الجمل في ثقب الإبرة من ان يدخل غني ملكوت الله”.

          هو يريد انك غني بكل هذه اذا استغنيت بها عن الله. انا لست اقول انه يجب ان تحتقر الأشياء المخلوقة او التي يستعملها الإنسان كالمال، ولكن ان ترتفع بها الى الله وان تذهب بها الى الإخوة. المال تعطي منه الكثير ان كان كثيرا وتعطي القدر الذي يجعلك لا تتعلق به ان لم تكن على كثرة منه. الجمال لا تتباهى به ولا تزيده رونقا بصورة فاحشة او متغاوية ولا تجعله وسيلة للتسلط. والذكاء لا تتباهى به ولا تظن انه يعطيك اية ميزة عند الرب.

          اذا كنت انسانا حرا تصبح رقيقا كالخيط كأنك قادر ان تعبر ثقب الإبرة.

          لذلك لا داعي لاعتقاد بعض ان الرب يسوع يبالغ في صعوبة دخول الأغنياء ملكوت السموات. المقصود ذلك الحيوان المسمى الجمل وليس شيئا آخر لتخفيف الصعوبة.

          هل يعني ذلك استحالة الخلاص للأغنياء؟ عندما يقول السيد “ما لا يستطاع عند الناس مستطاع عند الله” لا يعني ان الله قد يخطر بباله ان يخلص الأغنياء ولو بقوا على عشق مالهم. المقصود ان عليهم ان يغيّروا ليس فقط ذهنيتهم ولكن سلوكهم بمحبة الفقراء.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

الغني بالله/ الأحد 17 تشرين الثاني 2002 / العدد 46

إنجيل اليوم فحواه مثل من امثال يسوع التي يصم بعضٌ أذنيه عند سماعها لكونه منشغلا بنفسه عن الملكوت، ويفتح بعض اذنيه لسماعها حتى يخلص بها. قصة اليوم ان مزارعا كبيرا أخصبت أرضه قصة مألوفة وان يتأمل بجميع ما فاض عنده من الحبوب في مخازن قمح اعظم مما كان لديه هي رغبة طبيعية جدا. هكذا توظف الأموال. والمال لا بد من توظيفه.

            وان يأمل بعد هذا بشيء من البحبوحة وان يأكل ويشرب على منوال لم يكن لديه فيما قبل فطبيعي جدا. لماذا يسميه الله جاهلا؟ الا يبدو هذا ان الرب ضد توظيف الأموال وضد الادخار؟ “هذه التي اعددتها لمن تكون؟”. الجواب الطبيعي انها تكون لأولادي. غير ان الرب يكمل حديثه مع الرجل اذ يقول: “هكذا من يدخر لنفسه ولا يستغني بالله”.

            الذي الله يلومه هو من يُراكم الأموال ويشعر ان قوته في هذه الدنيا او استمراره هو بها. ربما لما كان هذا الرجل مزارعا صغيرا كان يتكل على الله. السؤال هو هذا: هل يقدر مثل هذا ان يصبح مزارعا كبيرا ويبقى اتكاله على الله؟ مبدئيا هذا ممكن اذا لم يغير نقطة اتكاله. اما اذا سحرته امواله الجديدة وتعلق بها ولم يعد يرى لنفسه غنى آخر، غنى روحيا، يكون هذا الازدياد أفسده.

            اجل لوقا الذي اورد هذا المثل يعطي مكانة كبرى للمساكين. غير انه هنا لا يقول لصاحب الأرض: راوح مكانك ولا تستغل ارضك ولا توسع اهراءك او مخازنك. يقول لا تنسَ ان ثروتك هذه الجديدة لا ترفع شأنك وانك تخطئ اذا انت فقدت اتكالك على الله لتتكل على مال هذه الدنيا.

            القضية قضية قلب. ماذا يملأه؟ هذا يبدو السؤال. غير ان سؤالا آخر يصاحبه: هل من شرط حتى يصير الله صاحب قلبك حقا؟ على صعيد الثروة لا يعني شيئا ان تقول له: انا احبك اذ يجب ان تحب الإخوة. محبة الله لا تكون باللسان. المحبة يمتحنها الله فيك. والامتحان ان تحب المساكين فعليا، بالعمل. كان بإمكان هذا الفلاح الا يحتفظ لنفسه بكل ما ربحه. كان عليه ان يحتفظ لصغار المزارعين الذين كان منهم بحصة من الحنطة تنفعهم للزرع القادم. ولكنه “داخ” بماله المتكاثر ونسي معا الله والأنسباء واهل الضيعة المحتاجين.

            ان نذكر الله ذكرا كثيرا لا تنتهي بأن نسأله حاجتنا او ان نشكره شكرا طيبا. ان نذكر الله هو ان نقيم مشاركة بيننا وبين الآخرين. الذي عنده ليعطِ الذي ليس عنده او يهتم له، واذا استطاع ان يساعده بواسطة اصدقائه حتى يجد لنفسه عملا، هذا هو التعاضد الذي يمكن ان نقوم به بمقدار قوتنا ومقدار نفوذنا. ان تحس ان الآخر من لحمك ومن عظامك وان تتوجع انت اذا توجع وتعمل لرفع ظلم هذه الحياة عنه هو المبتغى.

            ليس المطلوب ان تقوى وحدك ولكن ان يقوى الآخر من اجل كرامته ومن اجل اولاده حتى يجتنب الذل ويتحرر من الفاقة والمرض. اذكر دائما قول السيد: “كنت جائعا فأطعمتموني، عريانا فكسوتموني”. اذكر اننا بعضنا الى بعض جسد المسيح. في هذا الجسد لا يمكنك ان تقول لواحد: انت أخي. أظهر له هذه الأخوة بصورة ملموسة حتى يثق بكلامك ثم يمجد الآب الذي في السموات. اذا شاركته يمكن ان يحس للمرة الاولى انه أمسى ابنا للملكوت.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

رفات القديسين/ الأحد 10 تشرين الثاني 2002 / العدد 45

هنا وهناك في القديم كانت الذبيحة الإلهية تقام على أضرحة الشهداء لكون الشهداء يقيمون في المجد الإلهي والقداس الإلهي احتفال بالقيامة الآتية. الشهداء يشددونا الى القيامة الأخيرة. ثم اندفع المسيحيون من هذا التكريم الى تكريم القديسين الآخرين الذين كنا نعتبرهم شهداء بيضا (اي بلا سفك دم) اذ أماتوا شهواتهم على الأرض. وفي الواقع احتفظ المسيحيون، هنا وثمة، بالهياكل العظمية لبعض القديسين مثل امبروسيوس اسقف ميلانو والقديس نيقولاوس اسقف ميرا الموضوعة رفاته في باري (ايطاليا).

         وما يميز هذه الهياكل او جزءا منها كالجمجمة او اجزاء من الذراع وسواها ان هذه العظام يفوح منها رائحة زكية كالعطور. أضف الى هذا اننا في حفلة تكريس كنيسة نضع في صلب المائدة المقدسة ذخائر من الشهداء وهذا استمرار لعادة اقامة القداس على قبور الشهداء.

         الفكرة الأساسية هي ان هذه الرفات تنطق بالقيامة المرجوة وتشير اليها. ولكن بسبب الضعف البشري ممكن ان ينشأ الاعتقاد ان هذه الرفات لها فعل في ذاتها كقول بعضهم انا احمل الذخيرة الفلانية (تخيرة بالعامية) وهي تحمينا من كل أذى. هي لا تحميك بلا ايمانك وتوبتك. الخطر تاليا ان نجعل لهذا الإكرام مركزا ممتازا يحِّولنا عن العبادة بالروح والحق.

         هذا في خط الإكرام العام الذي يليق بالقديسين. ومن الواضح عندنا ان كنيستنا تكرّم الذين طوبتهم هي بعد انفصال الكنيستين احداهما عن الأخرى كما تطوب قديسي الألفية الاولى. ذلك لأننا على علاقة روحية مع اولئك الذين كانوا على الايمان الارثوذكسي او استقامة الرأي. ايقونات هؤلاء نقيمها في كنائسنا ومزارات هؤلاء نزور. وهذا لا يمنعك ان تكون معجبا بالجمال الروحي الذي عند المسيحيين الآخرين وان تطلع على سيرته ويكون لك كفرد علاقة به لأن كل إعجاب نوع من العلاقة. غير انه من الثابت ان الانشقاق يجعلنا من حيث الإكرام الجماعي مرتبطين بالذين كانوا على ايماننا.

         غير ان الأهم ان يكون إكرامنا الفردي للقديسين خاضعا لعبادتنا الثالوث المقدس. وهذا التوازن تجده في الطقوس فلا يطغى ذكر مخلوق مهما سما على المسيح المبارك الى الأبد. المسيح هو وحده حياتنا. والقديسون شركاؤنا في الصلاة اليه.

         رُوِي لي مؤخرا ان فلانا يقول: انا اطلب شفاعة قديس ليساعدني على الكلام الى السيد لأن السيد بعيد. هذا يجري في الحكومة حيث تتوسط شخصا نافذا لتصل الى وزير. اما في المجال الروحي فيسوع اقرب اليك من مخلوقاته. انت لا تتوسط القديس بالمعنى الدنيوي. انت تقف معه في الصلاة امام وجه السيد الوحيد.

         المهم في كل هذا ألاّ نعتبر القديسين أنصاف آلهة واقفين على درجات منتصبة بيننا وبين الله وألاّ نعتبر ان شيئا ماديا (ايقونة، ذخائر) يحتوي بحد نفسه قدرة على الشفاء. الحركة هي من الله الى القلب بالنعمة ثم من القلب الى الله بالدعاء وذلك في شراكة الذين يحبوننا بالمسيح وعلى رأسهم اولئك الذين بلغوا وجهه.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

الاستعداد للمناولة/ الأحد 3 تشرين الثاني 2002 / العدد 44

أخذ المؤمنون يتناولون في كل ذبيحة لما اكتشفوا معنى المشاركة وعظمة ان يتغذى المؤمن بجسد الرب. وما من شك أن الأكثرين تنزل عليهم نعمة كثيرة بهذا. غير ان عملا كبيرا كهذا يقتضي تطهرا كبيرا فلا نقترب بشكل آلي ولا بخفة ولكن نتقدم بتوبة صادقة. ليس لأحد منا ان يدين الآخرين ليقول في نفسه: هذا يعمل كذا وكذا، فكيف يجرؤ على التقرب. هذا ليس شغلك. انت تهتم بتنقية نفسك. وبهذا قال الرسول: “اي من أكل هذا الخبز او شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرما في جسد الرب ودمه. ولكن ليمتحن الانسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس. لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه” (1 كورنثوس 11: 27و28).

            ماذا يعني الاستحقاق؟ هل من إنسان في الدنيا يستحق التناول حتى لو قام بتوبة حقيقية؟ هذه عند بولس دعوة الى أن يعي الإنسان وضع نفسه وان يندم على ما فعل ويعاهد الرب على الا يكرر الخطيئة عامدا. اجل من المفيد جدا ان يعترف لدى أبيه الروحي او اي كاهن آخر اذا لم يستطع الاتصال بالأب الروحي. وهذا يجب ان يتم بضع مرات في السنة وكل مرة يكون المؤمن قد ارتكب معصية كبيرة يشعر بها انه ابتعد عن الرب.

            اما اذا لم يكن هناك سر اعتراف فلا بد من استعداد طيب وجدي. ان تقضي مساء السبت سهرة طويلة فيها الكثير من الطعام والشراب وكل انواع الحديث فهذا ليس فيه تأهيل لمشاركة في مائدة الرب. ان تختلي إلى يسوع في نفسك يفترض اعتزالا لما هو ضد هدوء النفس.

            هذا هو جانب التعفف الذي يدفعنا الى وجه يسوع. نعبّر عن الحركة الى السيد بأننا نبدأ منذ السبت او عشية الأعياد الحديث مع المخلص. ما من أحد عند بعض الشعوب الأرثوذكسية يتناول إذا لم يحضر صلاة الغروب. أقله تلازم بيتك وتقيم بعض الصلوات (القطع الثابتة في الغروب وصلاة النوم الصغرى متبوعة بالمطالبسي الذي تجده في كتاب السواعي وهي مجموعة الأفاشين التي تدفعنا الى التوبة وتدنينا من جسد الرب).

            وعند الصباح تذهب باكرا إلى الكنيسة. فصلاة السحر تهيئة ولست افهم لماذا أهملناها. ولكن لا بد لك من حضور القداس كاملا. فاذا وصلت متأخرا او في وسط الكلام الجوهري او لحظات قبل المناولة فليس جديا ان تتناول. هذا فيه خفة كثيرة.

            الى جانب الصلاة لا بد من قراءة في العهد الجديد تجعلك تتأملها وتمتلئ من معاني الرب لكي تسكن هي قلبك وتطهره. في الصلاة انت تكلم الرب. بالكتاب المقدس هو يكلمك اي يدخل الى ثنايا النفس ويدعوها الى التوبة. كلام الرب هو يعطيك حياة ابدية. واذا قرأته كل يوم تتنقى نفسك اكثر فأكثر وترى نفسك قريبا من جسد الرب  ودمه.

            المهم وضع نفسك. هل أنت حاقد او مبغض لأحد، ام غفرت؟ واذا ارتكبت بحقه شيئا رديئا، هل استغفرت واحببت؟ انا عرفت جيلا من الكهنة منذ ثلاثين وأربعين سنة كان عندهم السؤال الأساسي: “هل انت زعلان مع أحد”. وكانوا يأمروننا ان نذهب اليه ونستغفر. واذا رفضنا كانوا يمنعوننا عن التناول. هذا يجب ان نحافظ عليه.

            ثم يبقى ما هو متعلق بحشمة النساء. هذا شرط الدخول الى الكنيسة. غير القادرة على الاحتشام لا يليق بها الذهاب الى الكنيسة اصلا. اذا كنا نحن أخوة فلا يجوز للمرأة ان تؤذي الرجل. هي تعرف ما تقضي الحشمة به ولا تحتاج ان يعلمها احد.

            الكل مرحب به امام الكأس المقدس، ولكن الاقتراب منها يتطلب وعيا وفهما وتقديرا لقدسية الأسرار حتى تنزل علينا طهارة يسوع فلا نأكل ونشرب دينونة لأنفسنا.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

خطف العروس/ الأحد 27 تشرين الأول 2002 / العدد 43

عندنا عادة قبيحة تُسمّى بالدارج الخطيفة. وهي تذكِّرنا بسبي النساء عند العرب القدامى. طبعا ترافق الفتاة الشاب بإرادتها ويخفيان هذا عن الأهل. ويقول لي الخبثاء ان القضية كلها، في معظم الأحوال، ألاّ يتكبد العروسان نفقات العرس. غير ان القضية في ظاهرها تعني إقصاء الأهل عن حضور الإكليل. وهذا ليس بجميل لأنه مكتوب: «أكرِمْ أباك وأمك».

غير ان ما يبعث إلى الطمأنينة ان الفتاة تبقى عند أنسباء لها حتى يتم الإكليل. ولكن الصعوبة عندنا تكمن في ان شروط الزواج احيانا لا تكون مكتملة مثلا من جهة السن. ويكون مكتب الزواج في المطرانية في حرج ولاسيما أنّ قِصَر السن عند اي من العروسين يُعرّض الزواج الى الإبطال.

ويخفى عن الشابين ان القران لا ينحصر بالعروسين بمعنى انه يهم العائلتين وانه نوع من الحلف بينهما. لماذا لا نواجه الأهل بالحقيقة والجهد حتى نصل الى إقناعهما؟

هذه فرصة لأقول ان الزواج في وجهه العملي والاجتماعي لا ينبغي ان يقطع العلاقة مع الأهل. يبقى الإنسان مربوطا بذويه ويحنّ اليهم ويظلّون اساسيين في حياته العاطفية. كذلك اهل زوجته يصبحون اصدقاء له ويحتضنونه. العاطفة نحو الزوجة تكتمل بمحبة ذويها.

غير ان الصعوبة الكبرى التي تعترضنا ان الصبية قد تكون على دِين آخر. وفي فهمنا للزواج والقانون الكنسي انه يتم بين ارثوذكسي وارثوذكسية وانه، توسعا، قد يتم بين طرف ارثوذكسي وطرف مسيحي آخر. نحن لا نفهم الزواج على انه امر يجري على مستوى الطبيعة ولكنه سر إلهي بمعنى ان الحضرة الإلهية ساكنة هذه العائلة الناشئة، وهذا لا يتم الا اذا آمن الطرفان بالمسيح وربّيا اولادهما على محبته.

ما يصدم وحدة الإيمان ان يأتي رجل بفتاة غير مسيحية ويطلب اليك ان تعمِّدها فورا وكأنه لا يعلم قول السيد: «مَن آمنَ واعتمدَ يخلص». هذه قاعدة البالغين. فإذا عمّدْنا الأطفال على دين والدهم لا يحق لنا ان نعمِّد شخصا لا يؤمن بما نؤمن به. ولذلك لا بد له ان يخضع لتعليم لا يمكن ان ينتهي بيومين أو ثلاثة. ولو بقي سنة او سنوات ليتعلم، لا شيء يدلُّك مسبقا على انه سيقبل المسيح سيدا ومخلّصا. الماء المرشوش على انسان بلا إيمان لا يجعله مسيحيا. ونكون نحن مدنِّسين للسر الإلهي وغير مقدّرين عظمة السر.

لذلك لا يمكننا الا ان نرفض خطيفة كهذه. من هنا ان من يشعر بتعلّق بفتاة غير مسيحية يجب ان يمتنع عن الخطيفة ويتصل بكاهن رعيته حتى يقوم بواجب الإرشاد لهذه الفتاة التي اذا آمنت واتمت شرط المعمودية وهو الإيمان نستطيع اجراء المقتضى.

ينبغي ان يفهم الكل اننا بسبب ايماننا بيسوع لا نقدر ان نلين ونعمّد امرأة لا نعرف عن ايمانها شيئا.

Continue reading