الكاهن ومكانه/ الأحد 29 كانون الأول 2002 / العدد 52
في المعتقد الأرثوذكسي ان رئيس الكهنة هو كاهن كل رعية وكل مذبح، وان من نسمّيه «الخوري» هو القس الذي ينتدبه الأسقف لرعاية جماعة محددة. والمألوف ان يلازم الخوري رعيته إذا كان رساليا ونشيطا وسليم البنية تمكنه من خدمة كاملة. فغايتنا الرعية وغذاؤها الروحي وتغطية حاجاتها. وعند هذا يسقط كل اعتبار آخر.
الأمر الثاني ان الفعلة قليلون وأننا نربي كهنة جددا يدعوهم الرب ان يملأوا الكنائس التي تستخدم كاهنا معيَّنا أصلا على رعية آخرى. فمن الطبيعي إذا ظهر كاهن جديد ان يملأ الشغور أولا لسبب قانوني معروف وهو ان الكاهن يقيم ذبيحة واحدة في اليوم الواحد، وثانيا لأن الرعاية الحقيقية تجعل عددا محددا من المؤمنين يقوم بخدمتهم كاهن واحد. في الأساس مئتا بيت أو أكثر بقليل هو العدد الأقصى من البيوت التي يمكن ان يعرفها رجل واحد ويدرس أحوالها وحاجاتها الروحية والتعليمية عملا بقول المخلّص: «اني أدعو خرافي بأسمائها». الصلة الحميمية بين الكاهن وأبنائه أساسية. فيأتي التنظيم مبدئيا هكذا: إما ان تقسَم الرعايا وتبنى لها كنائس، أو يجتمع أكثر من كاهن في كنيسة واحدة حسب نظام تقدم واحد على الآخرين.
الأمر الثالث ان التقدم في السن أو تأخر الصحة تضطرنا إلى ان يلازم الكاهنَ كاهنٌ أفتى ليتحمل مسؤوليات لم يبق الكاهن القديم قادرا على تحملها. وهنا يقتضي التعقل والإخلاص ان نفهم ان الشيخ ليس كالفتى من حيث النشاط العملي الشامل (افتقاد كثير، تعليم الشبيبة والطفولة، زيارة المرضى في المستشفيات). وربما كان الكاهن المسن أعظم قدرا من ناحية الحكمة وربما التقوى. ولكن الخدمة لا تقوم بمجرد الحكمة مع جسد معرض إلى الزوال.
طبعا هذا كله يتطلب تدبيرا خاصا من حيث إعالة الكهنة لأن أحدا لا يريد ان يحتاجوا، والكاهن غير العاجز لا يطيق ألاّ يلازم المذبح. غير ان هذا يفرض على الرعية أو على إدارة الأبرشية ان تؤمّن معيشة كل اكليريكي أيا كان حجم نشاطه.
الأمر الرابع أننا إذا ربينا كهنة جددا فلا بد لنا من تعيينهم في مكان ما. ولا نريد ان نخسر مواهبهم وألاّ نستغلّ علمهم. لا يمكن ان نترك رعية بلا علم وبلا سهرات إنجيلية. نحن مسؤولون عن إيصال البشارة إلى كل مخلوق، ولذا أوجدنا معهد لاهوت في البلمند ليعمّ الإنجيل كل الناس.
نحن في حاجة إلى تأسيس رعايا جديدة. فالأرثوذكسيون باتوا منتشرين في كل مكان. وهناك مناطق لا يرعاها احد. فنحن مضطرون إلى إنشاء كنائس جديدة، وتاليا إلى اقتطاع أحياء عن الكنائس الكثيف عدد أبنائها، أو إلى إكثار القداديس في الكنيسة الواحدة بكهنة جدد.
يضاف إلى هذا أننا قد نضطر أحيانا إلى نقل كهنة من مكانهم إلى مكان آخر، فقد يكون احدهم أكثر أهلية لخدمة رعية اخرى وذلك لأسباب نحن نقدّرها. والنقل ليس عقابا لأحد. الذي لا يؤتى به إلى مجلس تأديبيّ لمخالفة ارتكبها ليس معاقَبا. في عملية النقل يعود المطران إلى حكمته في تدبير الشؤون، ولاسيما ان الكاهن مندوبه ورئيس الكهنة يعرف إلى أي مكان يجب انتدابه. الأمر ليس محزنا، وخادم الرب لا يحزن. ومن الواضح ان المطرانية تأخذ بعين الاعتبار وضع الرجل وعائلته والبيئة التي يمكن ان ينسجم فيها.
ومن الواضح أننا لا نستطيع ان نستفتي جماعة بكاملها في هذا الموضوع. فلا يستطيع المطران ان يشرح لكل إنسان الأسباب التي دعته إلى نقل احد الكهنة. هذا يعطل العمل الرعائي كليا. ان النقل ليس فيه خفض لأهمية احد الاكليريكيين. جل ما في الأمر أننا في حاجة إلى كَرَم أكثر إذا أضيف كاهن ثان أو ثالث. وعلى هذا نتعاون.
السؤال هو هذا: إذا أردتم ان يكون لنا وجود أرثوذكسي فاعل فينبغي ان تبذلوا الكثير. أنا لا اتحمل وجود عدد من أبنائنا لا تصل إليهم كلمة المسيح والأسرار المقدسة. الآن نحن قادرون ان نملأ بعض الشواغر. بعد سنوات قليلة أرجو ان يوفقنا الرب لملء كل الشواغر. أرجو ان تفهموني وان تتعاونوا وان تثقوا ان كل تدبير جديد صادر فقط عن محبتي لكم أجمعين. لا أطيق ان اتحمل ان يبقى أولادنا جياعا وألاّ نستطيع ان نسدّ جوعهم.
Continue reading