Monthly Archives

December 1999

1999, مقالات, نشرة رعيتي

2000/ الأحد 26 كانون الأول 1999 / العدد 52

حتى انتهاء العام نبقى مع ذكر الميلاد وبركاته, ونركز اليوم بالذات على والدة الإله الرفيقة الأولى لهذا الحدث والنموذج لكل نفس عذراء تطلق السيّد في العالم كما يقول مكسيموس المعترف. “المسيح الرب” هذا هو الذي أعلنته السماء للرعاة المتنقلين من مرعى إلى مرعى حتى وجدوا يسوع.

كل منا متنقل, متحير حتى يجد مقره في السيد. عندئذ يمشي حيث يشاء ويحمل يسوعه معه ويرجو أن يمدّ الناس بهذا المسيح الذي يحمل, بالشهادة. إذا استمر فرحنا بالعيد فأي فرح هذا؟ هل هو موسم مخصّص للهدايا, للأطفال, للمعايدات حتى نخرج من حياة رتيبة؟ ولكن نخرج إلى أين, إلى من؟ هل هو حقا فرح بأن إيماننا هو أن المسيح هو أبداً جديد يزيل عنا ما أمسى في النفس عتيقا, مهترئا؟ هل صار يسوع في الواقع ذلك الشيء الجميل الذي هو أثمن من نسائنا وأولادنا وأملاكنا وقلوبنا فنعطي كل شيء لنقتنيه؟

بعد ستة أيام من اليوم ستحل الألفية الثالثة وتستقبلها البشر بالأضواء والألعاب في عواصم العالم وعلى مدى بلدان. وقد أُنفقت ملايين من الدولارات في فرنسا أي مجموعة مليارات في أوربا لأن الناس تأمل شيئا جديدا لنفسها. ربما استردّوا هذه الأموال بما ينفقه السواح. ولكن الفقراء في رأس السنة القادمة ستبقى جائعة.

ليس أحد يعرف ما تخبئه الألفية لنفرح بها. هناك أشياء نعرف أنها ستصير. تقدم كبير في عالم المعلوماتية, انفتاح الأسواق بعضها على بعض في ما يسمى العولمة, وصول الأخبار, كل الأخبار إلى من كان عنده وسائل لالتقاط الصور (تلفزيون وسواه), تقدم للجراحة والطب, قضاء أكيد على سرطان الدم وربما كل سرطان.

هذه بعض الأشياء التي نعرف أننا واصلون إليها. ولكن لا نعرف بعد إذا كانت الأحقاد بين الإثنيات أو الأعراف أو الشعوب ستقلّ, لا نعرف شيئا عن الحروب الأهلية التي كثرت في كل أنحاء الدنيا بعد الحرب العالمية الثانية. ماذا عن حرب الحضارات؟ هل ستنفجر؟ ماذا عن العداء بين الطوائف؟ الكثير مما ينتظرنا مجهول.

غير أن المعلوم إيماننا. هذا ثابت إن شئنا أن يثبت لأن الله يريده أن يبقى. إيماننا هو الحصن لقلوبنا, لمبادئنا لا الألفية الثالثة. هذه كالوعاء يمكن أن يبقى فارغا أو أن تملأه بعطر. العالم المقبل بعد أيام وكذلك القرن القادم سيكونان عطية الله إذا الناس بذلوا جهودهم ليكون الدهر كذلك.

أنت لا تتلقى إذاً لا العام ولا القرن أو ما تيسّر لك أن تعيش من القرن. أنت تعبئ نفسك من المسيح وترحل في العام والسنوات التي ييسرها لك ربك. أنت سفير المسيح, والسفير يمثل بلده. هل أنت, في أقوالك وسلوكك, مندوب المسيح؟

لا عبرة عند المؤمن للأزمنة تنقضي لأن “ألف سنة في عينيكَ كيوم أمس الذي عَبَر”. يمكن أن يكون يوم واحد عندك مليئا بالرضاء والبركات أكثر من سنوات. الزمان لا شيء. املأه أنت نعمة ولطفا حنانا. املأه هدوءاً. “وعلى الأرض السلام في أناسِ المسرة” أي الذين رضى الله عنهم. يرضى الله عنك إذا أنت استرضيته. كيف تسترضيه؟ بالإيمان. لماذا الناس لا يؤمنون؟ لأنهم يطلبون مجدا بعضهم من بعض. إذا ابتعدت عن شهوة السلطة تقبل الآخر, تهدأ, تلقاه اليوم وغداً. أنت وإياه ستكون معا في السنين القادمة. هذه المعية هي الفرح.

Continue reading
1999, مقالات, نشرة رعيتي

2000/ الأحد 26 كانون الأول 1999 / العدد 52

حتى انتهاء العام نبقى مع ذكر الميلاد وبركاته, ونركز اليوم بالذات على والدة الإله الرفيقة الأولى لهذا الحدث والنموذج لكل نفس عذراء تطلق السيّد في العالم كما يقول مكسيموس المعترف. “المسيح الرب” هذا هو الذي أعلنته السماء للرعاة المتنقلين من مرعى إلى مرعى حتى وجدوا يسوع.

كل منا متنقل, متحير حتى يجد مقره في السيد. عندئذ يمشي حيث يشاء ويحمل يسوعه معه ويرجو أن يمدّ الناس بهذا المسيح الذي يحمل, بالشهادة. إذا استمر فرحنا بالعيد فأي فرح هذا؟ هل هو موسم مخصّص للهدايا, للأطفال, للمعايدات حتى نخرج من حياة رتيبة؟ ولكن نخرج إلى أين, إلى من؟ هل هو حقا فرح بأن إيماننا هو أن المسيح هو أبداً جديد يزيل عنا ما أمسى في النفس عتيقا, مهترئا؟ هل صار يسوع في الواقع ذلك الشيء الجميل الذي هو أثمن من نسائنا وأولادنا وأملاكنا وقلوبنا فنعطي كل شيء لنقتنيه؟

بعد ستة أيام من اليوم ستحل الألفية الثالثة وتستقبلها البشر بالأضواء والألعاب في عواصم العالم وعلى مدى بلدان. وقد أُنفقت ملايين من الدولارات في فرنسا أي مجموعة مليارات في أوربا لأن الناس تأمل شيئا جديدا لنفسها. ربما استردّوا هذه الأموال بما ينفقه السواح. ولكن الفقراء في رأس السنة القادمة ستبقى جائعة.

ليس أحد يعرف ما تخبئه الألفية لنفرح بها. هناك أشياء نعرف أنها ستصير. تقدم كبير في عالم المعلوماتية, انفتاح الأسواق بعضها على بعض في ما يسمى العولمة, وصول الأخبار, كل الأخبار إلى من كان عنده وسائل لالتقاط الصور (تلفزيون وسواه), تقدم للجراحة والطب, قضاء أكيد على سرطان الدم وربما كل سرطان.

هذه بعض الأشياء التي نعرف أننا واصلون إليها. ولكن لا نعرف بعد إذا كانت الأحقاد بين الإثنيات أو الأعراف أو الشعوب ستقلّ, لا نعرف شيئا عن الحروب الأهلية التي كثرت في كل أنحاء الدنيا بعد الحرب العالمية الثانية. ماذا عن حرب الحضارات؟ هل ستنفجر؟ ماذا عن العداء بين الطوائف؟ الكثير مما ينتظرنا مجهول.

غير أن المعلوم إيماننا. هذا ثابت إن شئنا أن يثبت لأن الله يريده أن يبقى. إيماننا هو الحصن لقلوبنا, لمبادئنا لا الألفية الثالثة. هذه كالوعاء يمكن أن يبقى فارغا أو أن تملأه بعطر. العالم المقبل بعد أيام وكذلك القرن القادم سيكونان عطية الله إذا الناس بذلوا جهودهم ليكون الدهر كذلك.

أنت لا تتلقى إذاً لا العام ولا القرن أو ما تيسّر لك أن تعيش من القرن. أنت تعبئ نفسك من المسيح وترحل في العام والسنوات التي ييسرها لك ربك. أنت سفير المسيح, والسفير يمثل بلده. هل أنت, في أقوالك وسلوكك, مندوب المسيح؟

لا عبرة عند المؤمن للأزمنة تنقضي لأن “ألف سنة في عينيكَ كيوم أمس الذي عَبَر”. يمكن أن يكون يوم واحد عندك مليئا بالرضاء والبركات أكثر من سنوات. الزمان لا شيء. املأه أنت نعمة ولطفا حنانا. املأه هدوءاً. “وعلى الأرض السلام في أناسِ المسرة” أي الذين رضى الله عنهم. يرضى الله عنك إذا أنت استرضيته. كيف تسترضيه؟ بالإيمان. لماذا الناس لا يؤمنون؟ لأنهم يطلبون مجدا بعضهم من بعض. إذا ابتعدت عن شهوة السلطة تقبل الآخر, تهدأ, تلقاه اليوم وغداً. أنت وإياه ستكون معا في السنين القادمة. هذه المعية هي الفرح.

Continue reading
1999, مقالات, نشرة رعيتي

أحد النسبة/ الأحد 19 كانون الأول 1999 / العدد 51

يدعى هذا الأحد هكذا إذ نقرأ فيه أسماء السلالة التي انحدر منها المسيح حسب الجسد. فهو ابن إبراهيم وابن داود وابن مريم, من هذه الأجيال التي كانت وحدها تعبد الله الواحد وتنتظر المخلّص حسب الوعد الذي قطعه الله لشعبه على لسان الأنبياء.

ومن قرأ أسماء الأجداد لا يراهم على الكمال الخلقي المرجو كما نعرف سيرتهم من العهد القديم, فإن المخلّص يجيء من هذه الطينة البشرية كما هي وآباؤه لا يولونه شرفا. إنه هو الذي شرّفهم بالخلاص. أما جدّات السيد فمنهن راعوث الوثنية ومنهن ثامار وراحاب وكلتاهما تعاطى البغاء. هذا ليقول الإنجيل أن مقاصد الله تخترق أوضاع الناس على شقائهم, وليقول أيضا أن طهارة يسوع هي من فوق.

النسب عند متى يبدأ بإبراهيم أبي المؤمنين. نحن إذاً مع المسيح في اكتمال التخطيط الإلهي القديم. النسب عند لوقا يصعد إلى آدم ليقول أن يسوع مخلّص الجنس البشري كله وليس مرتجى اليهود وحدهم, ليقول أيضا أنه ملك الإنسانية المتوّجة به.

وأخيرا يقول الكتاب في متى أن السيد مولود لعذراء ليوحي بأنه ليس مدينا بظهوره لأحد من البشر فإنه مبعوث الآب. المسيح يأتي من ابنة لداود. يؤكد ذلك بولس في رسالته إلى أهل رومية(1: 3). فما من شك على أن المعلّم اتخذ جسده من العبرانيين. وكل محاولة أخرى لجعله من الأمم لا أساس لها في النصوص وتقطع الصلة بينه وبين الكلمة الإلهية التي انسكبت على شعب واحد. المسيح “ملء الزمان” يحقق وعود قطعها الله على نفسه قديما. المسيح نهاية تهيئة. لم يخرج من عدم تاريخي. ولعل ذكر من كان قبل إبراهيم في رواية لوقا هو تأكيد على أن السيد ابن الوثنيين أيضا. أي أنه مصبّ الأمم جميعا ومصبّ خيراتها.

وأخيرا كان لا بد أن نشير إلى القولة:”ولم يعرفها حتى وَلدتْ ابنها”. طبعا لا شيء في اللغة يؤكد على أن فعل “عرف” يدل على العلاقات الجنسية. فقد تعني الآية أن يوسف لم يعرف قدرها أو قيمتها قبل مولدها. ولكن “عرف” قد يدل على العلاقات الجنسية كما ورد ذلك في استعمال سفر التكوين لهذا الفعل. عندئذ يكون المعنى أن يوسف لم يتصل بها قبل مولدها. بعد المولد لا يقول شيئا لأن متى غير معني في كتابه بوضع سيرة لمريم ويوسف. يهمل هذا الأمر ولا يؤرخ له.

في اللغة, الآية تعني الانقطاع الكامل للصلة بين يوسف والبتول ولا تعني بدء صلة بعد المولد. على سبيل المثال إذ سألتني: ماذا كنت تعمل أمس قبل الظهر؟ أجيبك مثلا: قبل الظهر كنت في بيتي. هذا لا يعني أني غادرت بيتي بعد الظهر. ولكن أنت كان اهتمامك بهذه الفترة من النهار.

 موضوع أمومة مريم لأولاد آخرين مبحث مستقل لا علاقة له بسرد حادثة الميلاد في إنجيل متى. وكل نص ينبغي أن يفسَّر على ضوء تحديد المجمع المسكوني الخامس من أنها دائمة البتولية وتكرار عباداتنا لذلك.

في عباداتنا وعند آبائنا أن الميلاد عيد النور. هو ليس تجديد الذكرى لمولد على طريقة البشر الذين يعيّدون كل سنة لمولدهم. ما عيّد له المسيحيون الأولون ليس حدث المولد من بيت لحم, ولكن معنى المولد, أي أنهم فرحوا لانبثاق النور في تاريخ الناس, وأكدوا على أنهم يعاهدون النور.

Continue reading
1999, مقالات, نشرة رعيتي

إلى سيدة حمّاطورة/ الأحد 12 كانون الأول 1999/ العدد 50

صباح الاثنين في الثلاثين من الشهر الماضي قادني الرب في وعورة للطريق كبيرة إلى دير سيدة حمّاطورة الرابض في أعالي وادي قاديشا، وهو واحد فقط من المعالم الأرثوذكسية التي كانت حيّة في وادي القديسين باتجاه الشرق (كنيسة مار مخائيل القريبة، مغارة بيزنطية الرسوم درسها حسان سركيس, دير القديسين بطرس وبولس القائم حتى اليوم على النهر, دير مار جرجس فوق رأس كيفا). تصعد إليه من النهر الجاري تحت كوسبا، والدير يعلوها بقليل. في المدوّنات، آخر مطران على الجبل (وكان آنذاك مع بيروت) زار الدير هو السيد غفرئيل (شاتيلا) أي في القرن الماضي. منه كان يخاطب أبرشيته برسل يجيئون ويذهبون على متن الخيل.

          الدير بعضه صخر وبعضه بناء. وهو آخذ بالتوسع بعد أن أُعيدت إليه حياة النسك منذ خمس سنين. عندنا فيه الآن عشرة رهبان شبان كلهم. استغرق الصعود إليهم ساعة وبعض الساعة على هذا الطريق المليء بالحصى والتراب وبعض إسمنت. ولكن جمال الدير وجواره مذهل، وكأنك في فردوس عدن.

          استقبلني الرهبان عند مدخل الدير بالإنجيل والصلبان فأقمنا صلاة الشكر في الكنيسة وحدّثتُهم طويلا عن الحياة مع المسيح. أُخذنا بالزيارة. شاهدنا الجداريّات القائمة منذ القرن الثاني عشر ولعل بعضها أقدم وهذه كانت مخفية خلال قرون تحت الطلاء أو «الورقة» الذي سقط بنتيجة حريق قبل تأسيس الجماعة الرهبانية الحالية. وقد أخذ العلماء يدرسون هذه الرسوم. معظم الوجوه بيزنطية مع تأثير محلي في الثياب. بعض الوجوه خلاب.

          ما يلفت هو الأثر البيزنطي والأثر الفرنجي في الصلبان على الحجر. بعد ذلك تخبرنا المخطوطات عن اقتحام المماليك للدير وإبادتهم خمسين راهبا فيه. بين القرن الخامس عشر والسابع عشر عندنا أثر لوجود حياة رهبان فيه وأسقف في السابع عشر. بعد هذا لا يترك لنا التاريخ –بانتظار جلاء المخطوطات– حياة شركة قبل أن تنشأ الجماعة الحالية.

          اللافت أن الرهبان يصعدون وينزلون على الطريق وكأنهم طيور إذ لا بد لهم من سوق كوسبا وغيرها ليشتروا معظم حاجاتهم. يقضون أوقاتهم في الصلاة والعمل اليدوي والدراسة وأخذوا يرسمون الأيقونات. وللارشمندريت بندلايمون رئيس الأخوية نشاط رسالي من وقت إلى آخر. تقرأ اليونانية في المكتبة إلى جانب لغات أخرى.

          من إشعاع الدير أن فريقا صغيرا من أهل كوسبا يقصد الدير كل أحد صيف شتاء وإن جمعية خاصة في تلك البلدة –ولها امتداد في أوستراليا– تدعم الدير ماليا ولا سيما أن البناء القديم لم يكن ليتسع للرهبان الحاليين وللعمال. وبعض البناء الجديد يقوم به شبان متطوعون لا بد أن يقيموا في هذا الموضع أثناء قيامهم بمخيمات العمل. إن هناك تداخل صلاة وحب قائم بين أبرشية طرابلس وأبرشيتنا.

          إن المؤمنين الذين كانوا يحجون إلى الدير كانوا يطلبون والدة الإله. كانت تستقبلهم وحدها. اليوم تقام معهم الخدمة الإلهية كاملة ويستقبلهم إخوة مع بعض إرشاد وفي شيء من الدفء، وارجو أن يكون ذلك في العافية.

          الشهادة التي تؤدى أن ثمة قوما يحاولون أن يحيوا في إلفة العريس الإلهي. ومن هذه الإلفة تأتي محبتهم, وأرجو أن يأتي تطهرهم على ما يخامر البشر جميعا من ضعف.

          لقد بوركت هذه الأبرشية بخمسين راهبا وراهبة يسعون في حدود أجسادهم ونفوسهم بلا ادعاء ولا استعلاء, وأرجو ألا يظن أحد منهم إنه أفضل من الذين يحيون في العالم. إن الأدب النسكي يحذرنا كثيرا من هذه الخطيئة.

          لا يحقق أي دير في العالم السماء قبل أن يخطفنا الله إلى ملكوته. إنه مكان لبشر ابتغوا السماء بانكسار وجهد وفقر ومحاولة حرية داخلية. هكذا أعطاني الله أن افهم في رعاية عذراء حمّاطورة مع تغريد الرهبان – العصافير.

Continue reading
1999, مقالات, نشرة رعيتي

الثرثار/ الأحد 5 كانون الأول 1999/ العدد 49

انقُدِ الإنسانَ في وجهه إذا كنتما معا وحدكما طلبًا لرقيّه وحسنه بتهذيب كامل لا تشفّي فيه ولا انفعال. لا تنتقده في غيابه في حضرة من لا يستفيد من هذا النقد إلا إذا كنت قادرا على التحليل الصافي الذي لا بغض فيه ولا هدم. وفي كل حال لا تكشف عوراته لأنك لا تخلو أنت من عورة. فغالبا ما تقع في المعصية التي تنسبها إليه أو تكون قد وقعت ولا تشاء أن تتوب فتلصقها بالآخر. ولعل من أسوأ ما يحصل بعد ذلك أنك تُبعد الناس عن هذا الذي ارتكبت بحقه النميمة إذ تدفعهم إلى اليأس إذا سمعوا أن هذا وذاك قد ارتكب فاحشة أو سرقة أو ما إليهما.

فإذا كان الشر عميمًا كما أنت صوّرته, فمن يرجو ومن يثبت على الخير؟ أنا لم أقل أنك يجب أن تتوهم أن كل الناس أبرار. إن الكتاب يعلّمنا أنهم جميعا اخطأوا ويعوزهم مجد الله (رومية 3: 23). ولكن لا تكشف الخطايا لئلا يعثر الساعون إلى البر والأطفال الذين يزيّن لهم أن الكثرة من الناس قديسون. الويل ليس فقط لمن تأتي عن يده العثرات, ولكن الويل لمن يحكي العثرات. الله يقول: «استرنا يا الله بستر جناحيك» (مزمور 27: 5). على مثاله ينبغي علينا أن نستر ذنوب الآخرين. أنت أيضا لا تفضح نفسك. فليس في هذا منفعة لأحد. اكشف نفسك أمام الرب بالاعتراف. وإذا باح لك أحد بمعصية، فلا تقل أنك ترتكب مثلها. هذا يؤذي.

لا تقل إلا ما ينفع الآخرين ويشدّهم إلى فوق, إلى رؤية الخير ورؤية المحبة الإلهية تشملهم. اطلع أنت إلى الجبال العالية تأخذ الآخرين معك. وفي هذا التسلق لا تحتاج إلا إلى إيمانك بهذا الجالس فوق. كلّم الناس عن الرب ليزول حزنهم وينقطع يأسهم بأنفسهم. إذ ذاك يستعيدون إيمانهم بأنهم قادرون على الصلاح.

اذكر هذا: «إن كان أحد لا يعثر في الكلام فذاك رجل قادر أن يلجم كل الجسد (يقصد بذلك الكيان البشري) أيضا… فاللسان نار, عالم الإثم. هكذا جُعل في أعضائنا اللسان الذي يدنس الجسد كله ويُضرِم دائرة الكون ويُضرَم من جهنّم». هذا في رسالة يعقوب في الإصحاح الثالث. اقرأ المقطع كله وتأمله واعلم أن الصمت في كثير من الأحيان أفضل من الكلام. الصمت يروّض النفس على ألا تكون ثرثارة. فالثرثرة عاصفة داخلية ينجرّ فيها اللسان انجرارًا.

عفة اللسان من شأنها أن تقودك إلى كل وجه من وجوه العفة. ليس في الحقيقة من زلة لسان. الزلة كانت عندك في الغضب الداخلي أو البغض أو رغبة التلذذ الكلامي بالفواحش. وفي حالة الكراهية تكون الثرثرة أسلوبا من أساليب القتل.

إنه لقتل حقيقي أن تجعل للآخرين صيتا سيئا. فقد تتسبب بطردهم من أعمالهم أو تتسبب بفسخ زواج أو بقتل. فإذا جعلت صيت الآخرين سيئا فقد يكلفهم جهد استعادتهم لصيتٍ حَسَن سنين كثيرة. من تقتله يموت مرة واحدة. من تسيء إلى سمعته تقتله كل يوم. من بعد هذا قد تصدّق ما قلته وتيأس أنت لظنك أن الشر عميم. إذا عف لسانك كليا تمشي على طريق الرجاء.

Continue reading