Monthly Archives

April 1993

1993, مقالات, نشرة رعيتي

السرقة / الاحد 25 نيسان 1993 / العدد 17

السرقة تبدأ بشهوة ما يقتنيه الغير. “من القلب تنبعث المقاصد السيئة والقتل والزنى والفحش” (متى 15: 18). دواؤها التنزه عما لا نملكه والاستقلال عما نملكه. فإن تملكنا هذا الذي عندنا حتى العبودية فنحن معرضون لاشتهاء ما عند سوانا ايضا. العيون النهمة تدفع اليدين الى السطو والنهب واذا أردنا شيئا واقتحمنا المكان الذي هو فيه فنحن مستعدون للقتل اذا دافع من اعتدينا على موجوداته وعن نفسه.

نحن لا نعرف كيف تكونت ثروة هذا وذاك. ان حصلّها بطرق غير شرعية فله من يدينه. واذا قررنا ان نقيم توازنا بيننا وبين من أثرى بالحرام نقع في الخطأ الذي ارتكبه هو. نحن ليس شأننا ان نقيم العدل بيننا وبينه. العدالة الاجتماعية شأن المجتمع كله وشأن الدولة بخاصة.

المال الحلال هو الذي يأتيك بالعمل او بالإرث. “هناك ستة ايام يجب العمل فيها” (لوقا 13: 14). فالانكفاء عن العمل خطيئة الا اذا اضطرتك عليه البطالة. اجل هناك أوضاع تغري في اية مسؤولية مالية انت فيها. هذا كان وضع يهوذا الذي “كان سارقا وكان صندوق الدراهم عنده، فيختلس ما يلقى فيه” (يوحنا 12: 6). انت موظف شركة مثلا أرسلتك في مهمة فقدمت لها فواتير كاذبة. انت متعهد بناء وقبضت ثمن المواد ولم تضع في البناء المواد المتفق عليها. او انت أهملت صيانة مطلوبة منك. ليست السرقة فقط ان تدخل الى بيت وتنهبه ولكن ان تأخذ بالارتكاب ما ليس لك او ان تؤذي الآخرين بإغفال يجلب عليهم خسارة.

ان تحرم الناس ظلما مما لهم حق فيه هذا ما يحدث كثيرا : العامل الذي لا تدفع له الحد الأدنى او تبقيه على الحد الأدنى وانت قدير، الخادمة التي تستغل فقرها لأنها لبنانية في حين انك تدفع الأضعاف للخادمة الأجنبية كل هذا نوع من انواع السرقة. وقد تنبه لهذا الكتاب الإلهي في قوله: “ها ان الأجرة التي حرمتموها العملة الذين حصدوا حقولكم قد ارتفع صياحها، وان صراخ الحصادين قد بلغ أذني رب القوات” (يعقوب 5: 4).

كفاحنا لروح السرقة واستغلال الفقراء يكون بتربية انفسنا على العمل وعلى حب العطاء. بهذا المعنى قال بولس: “من كان يسرق فليكف عن السرقة، بل الأولى ان يعمل بيديه بنزاهة لكي يحصل على ما يقسمه بينه وبين المحتاج” (أفسس 4: 28).

تربية النفس على الا تشتهي الا الحاجة الضرورية، ان تذوق الحياة مع المسيح على انها الثروة الحقيقية، ان تتقشف في سبيل العطاء، ان تصلي من اجل البقاء على عفة النفس كل هذا يدنينا من الاستقامة. الا يغير المال رأيك في شيء، الا يجعلك متزلفا، الا تخشى مخلوقا، ان تكره الكذب فوق كل شيء، كل هذا من مقتضيات الطهارة. لقد كب يسوع كل أمجاد العالم وقدر ان يقول: “لا تستطيعون ان تعبدوا ربين الله والمال”. العفة عن طلب المال بصورة غير شرعية شرط اساسي لمحبة الله.

يستطيع الانسان بعد إنفاقه على اولادهالصغار ان يعيش هو وزوجته بمتاع قليل. هكذا فقط يعصم نفسه ويصير فقيرا الى الله.

Continue reading
1993, مقالات, نشرة رعيتي

الكذب / الاحد 11 نيسان 1993/ العدد 15

لعل الخطيئة الأكثر تفشيا في بلدنا الكذب. له تعريف بسيط وهو ان تقول غير الواقع لمّا يكون عليك ان تشهد للحقيقة، ان تقول للآخر ما كان من حقه ان يعرفه الا اذا كان هناك خطر على حياة انسان وهذا ما سمح به الآباء الشرقيون. ازيد على ذلك انه مسموح اخفاء الحقيقة ان كان هناك خطر على صيت انسان فليس عليك ان توافق على النميمة اذا جاء من ينسب الى احد الناس سيئة او فاحشة انت تعرف بها. ذلك انه ليس من حق احد ان يكشف عورات الناس الا اذا استدعتك المحكمة وطلبت جلاء واقعة.

الكلام الذي غالبا ما تسمعه في اوساطنا ان هناك كذبة بيضاء لا تؤذي احدا. الحقيقة ان تغيير الحقائق يؤذي الكاذب نفسه لأنه يعلمه الجبن ويثبته في الخوف ويقزم شخصيته. الحقيقة تسكن فيك كما الله لأنه هو الحقيقة والله كشف نفسه بيسوع المسيح ولم يصمت. وجه الله فيك الحقيقة التي تبديها. هذه يجب ان تبِين كأنك بها تنقل الله. ولا ينبغي ان تفصل بين الباطن والظاهر. ففي احد كتبنا القديمة ان اليوم الأخير يحل عندما يكون الظاهر كالباطن. المسيحيون لا يخشون احدا. لا يخافون الموت ولذلك يرفضون الباطنية التي تقول انه مرخص لك ان تكفر بالله ان كان هناك خطر على نفسك. الإنجيل يطلب ان تؤدي الشهادة امام الأمم ولو كان ثمن ذلك الموت. «اذا شهدت بفمك ان يسوع رب، وآمنت بقلبك ان الله أقامه من بين الأموات، نلت الخلاص» (رومية 10: 9).

القاعدة هي الشهادة. ولذلك يسمي الكتاب المسيح «الشاهد الأمين الصادق» (رؤيا 3: 14). واخلاق يسوع تنعكس في المؤمن: «الشاهد الأمين لا يكذب» (امثال 14: 5). ويجعل العهد الجديد الصدق اساس التعامل بين الناس فيقول: «لا تكذبوا بعضكم على بعض» (كولوسي 3: 9)، ويربط احيانا الكذب بشهوة الادعاء: «فلا تفتخروا ولا تكذبوا على الحق» (يعقوب 3: 14). ويلح الكتاب ليس فقط على استمرارنا بالصدق ولكن على ان نبغض الكذب، ويحض على الا نصغي الى كلام كذب.

غير ان الكلمة الإلهية رأت بُعدا في الكذب قلما نفكر به، فلم تحدده فقط بالكلام الغاش ولكن بالمواقف المناقضة للحقيقة، ولذلك قالت ان هناك ليس فقط من يقول كذبا ولكن من يصنع كذبا (رؤيا 22: 15). فأن نتبع رجلا كذابا ونواليه ونظهر اننا من انصاره، ان نسكت حيث يجب الإفصاح، الا نقاوم مشروعا مغلوطا، ان نغالي في المديح، ان نمدح للكسب او الاسترضاء، ان نتصرف كأننا متلهفون لواحد ونحن لسنا بمتلهفين لنخدعه، كل هذا كذب في العمل. ولهذا قال هوشع: «احاط بي افرايم بالكذب» (12: 1).

هذا كله مصدره الشيطان الذي قال عنه يسوع: «انه كاذب وابو الكذاب» (يوحنا 8: 44).

من انتابه هذا الضعف يضرب جذوره، يحاول الا يخاف. هذا يأتي عن تقوية الثقة بالله حتى اذا تدعمت به لا تخشى عقاب البشر. واذا كذبت فاستغفر وتروض على الصدق المرة تلو المرة ترَ أنك قادر عليه لأنك اصبحت قويا بالمسيح.

في غياب الصدق وانتشار الباطنية لا يقدم احد على معاملة. الكذب يقوي الشك عند الصادقين فيحجمون عن التعامل. القاعدة ان يكون «كلامكم نعم نعم ولا لا» وان تشرِّف الوعود التي وعدت بها وان تحس ان الصدق يحررك من الجبن ويجعلك مرجعا في القوم ويدفعهم بدورهم الى قول الحق وسلوك الحق.

Continue reading