وُلد سيادته في 6 تـمّوز 1924. يقول في مطلع كتاب «لو حكيت مسرى الطفولة»[1] إنّ «صاحبه»[2] «لا يذكر الكثير عن طفولته. مرّت غامضة كأنّه لم يكن يومًا طفلًا»[3]. لكنّه يذكر أنّه نشأ في عائلة متوسّطة الحال تسكن في حيّ إسلامي، في طرابلس. وكان أبوه صائغًا في «حارة النصارى»، كما كانت مدرسته الأولى. طالما كان يحنّ إلى هذه «الحارة»، التي «طبعت بعضًا من أحاسيسه وأفكاره»[4].
التحق لاحقًا بمدرسة الفرير في طرابلس التي «أخذ منها… نواة المسيحيّة… والتثقيف المسيحيّ… التي كانت كثيرة الارتباط بالأخلاق والانضباط… والدّقة في التفكير»[5]. وكره جهل الرهبانُ معلّموه «كنيستَه واحتقارهم إيّاها»[6]، لكن «أذهله أن ينسلخ الراهب الأجنبيّ من بلده عشرات من السنين يتعاطى فيها تعليم أحداث لا يقدّمون له في ما بعد سوى النسيان»[7]. وقد سهر على اكتساب اللغة الفرنسيّة وآدابها، دون أن يقلّل من عُشقه للغة العربيّة وتبحّره فيها.
كان يمرّ، في طريقه إلى المدرسة، بغير مسجد، ويرى «جموع المصلّين يسجدون وينتصبون»[8]، وكان له أصدقاء مسلمون من مرحلة الدراسة، ما أثار اهتمامه بالإسلام باكرًا جدًّا في حياته. فانكبّ على قراءة القرآن الكريم «ليرى أثار المسيح في هذا الكتاب، وليفتّش فيه عن المسيح»[9]. ودرس الإسلام على نفسه وبمطالعة المستشرقين، إلى أن انتهى إلى تعليم الحضارة الإسلاميّة في الجامعة اللبنانيّة بين 1965 و1970، كما علّم الإسلاميّات في معهد القدّيس يوحنّا الدمشقي اللاهوتي في البلمند من 1978 إلى 1993.
فتنه بولس الرسول منذ صباه وقاده نحو الربّ يسوع[10]. «فأحبّ عنف الإنجيل ولطفه وبرارة مَن ولدهم… (فسعى) أن يدرك الكلمة مع صحب له، يومًا بعد يوم، تلامسهم وتغري، تقرّع وتلوم، تعاتب وتلاطف… فتجعلك إنجيلًا آخر، حيًّا، لأنّ المهمّ أن تصبح أنت مقرّ الله وكلمته»[11].
وعى هكذا منذ شبابه أنّ «الإيمان ليس أن تؤكّد نفسك على الإيمان، بل أن تكون حقًّا عليه… أن يكون الله الهواء الذي تتنشّقه، أن يملأك بوجوده، أن يكون المرجع الذي تعيه، أن تربط به كلّ فكر»[12]. ووعى أيضًا أنّ هذا الإيمان يكون باطلًا إن لم يتجسّد محبّة للناس وخدمة للفقراء. لذلك اشترك في المظاهرات التي قامت السنة 1943 ضدّ الاحتلال الأجنبي، و«ضربه العسكر وسبّوه»[13].
ترك طرابلس السنة 1939 ليكمّل آخر سنة من دراسته الثانويّة في مدرسة الفرير في بيروت، حصل في آخرها على شهادة البكالوريا. فالتحق بجامعة القدّيس يوسف لدراسة الحقوق وتخرّج منها، مجازًا بالحقوق، السنة 1944.
حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة
تعرّف في بيروت على شباب من عمره، يشاطرونه تطلّعاته النهضويّة، فأسّس معهم، السنة 1942، حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة. يقول عنها إنّها «إحياء للإنجيل، وغرسه، وعدم الاكتفاء بالعبادات ترجمة وحيدة للحياة الروحيّة، ولكن الذهاب إلى الأصول، إلى المناهل… ما كنّا حركة تمرّد على الإكليروس، بل حركة توعية للجميع. منها انطلقت الرهبنات، ومجلّة النور، ومنشورات النور… كنّا مقتنعين بأنّ كنيستنا الأرثوذكسيّة هي كنيسة التراث، المخْلِصة للألفيّة الأولى، والقادرة تاليًا بتراثها هذا وبمجد ليتورجيّتها، أن تحيا من جديد»[14].
وكانت «الحركة» مصبّ اهتمامه طيلة حياته، وكان مرشدًا لشبيبتها وملهمًا. وقد شغل أمانتها العامّة مرارًا حتّى السنة 1970، حين انتُخب أسقفًا. وكانت مساهمته فعّالة في إيجاد أولى الرهبنات الجديدة، في دير القدّيس يعقوب – ددّه للراهبات، ودير القدّيس جاورجيوس – دير الحرف للرهبان.
اللاهوتي والكاهن
بعد تخرّجه من الجامعة، أكمل تدرّجه في مهنة المحاماة في طرابلس، وأصبح محاميًا في الاستئناف. وكان في الوقت ذاته، يعمل، مع إخوة كثيرين، على نشر «الحركة» في أنحاء الكرسي الأنطاكي. لكنّه ترك عمله سنة 1947، وذهب إلى معهد القدّيس سرجيوس اللاهوتي في باريس ليتعلّم «اللاهوت»، طلبًا لمزيد من المعرفة، واقتناعًا بأن «يكمّل النهضة على أسس المعرفة»[15].
خلال وجوده في الخارج، اشترك في مؤتمرات عدّة، أرثوذكسيّة ومسكونيّة، وتعرّف على كبار الوجوه المسيحيّة، وبقي على صداقتهم. وكان بين الذين أطلقوا فكرة تأسيس منظّمة سيندسموس، الرابطة العالميّة لحركات الشبيبة الأرثوذكسيّة.
تخرّج من المعهد مجازًا في اللاهوت، السنة 1952، حيث كتب أطروحة بعنوان «فكرة شعب الله في العهد القديم» نُشرت لاحقًا بالفرنسيّة في كتاب «كلمة الله»، الصادر عن منشورات مسكونيّة، مثلت فيه الرأي الأرثوذكسي في الموضوع.
لدى عودته من باريس، أراد أن يترهّب، ويؤسّس رهبنة في دير القدّيس جاورجيوس في دير الحرف، وخدم راهبًا في البطريركيّة في دمشق. لكنّه أطاع إرادة البطريرك ألكسندروس الثالث (طحّان) الذي أراد أن يُرسم كاهنًا. فرُسم شمّاسًا ثمّ كاهنًا في ظرف أسبوع السنة 1954، وخدم رعيّة الميناء – طرابلس بين 1955 و1970. واعتبر أنّ الكاهن يجب أن يكون «إنسانًا متألّمًا حتى يعين المجرَّبين»، لأنّ «مَن كان المسيحُ كلَّ وجوده ينقذ الكنيسة من أعدائها»[16].
كان يتابع عمل الحركة في لبنان وسورية، مُلهمًا شبيبتها، ومُرشدًا لها، ومستمعًا صبورًا إلى اعترافاتها، ومبديًا تجاهها بامتياز دور الأب الروحي الصالح، الذي لا يُظهِر نفسه، بل وجه المخلّص. كان يمارس سرّ الاعتراف على الطريقة التي وصف بها الكاهن الذي كان يعترف لديه في شبابه: «نصوحًا بوضوح وملاطفة، يعطيك وجه المحبّة في كلّ وصيّة، فيشعرك أنّك أمام الله… ولم يكن يمنعه هذا الاحتضان من أن يوبّخ في التعليم ويقسو»[17].
وكان ينشر مقالات في مجلّة النور، التي استلم رئاسة تحريرها حتّى السنة 1970، وفي الصحف اللبنانيّة[18]، تحت أسم الأخ يوحنّا، وائل الراوي أو الخوري جورج (خضر).
كان صوت الكنيسة الأرثوذكسيّة بامتياز في المحافل العربيّة، وفي الندوات الثقافيّة والمسكونيّة المحلّية والعالميّة. كان صوته مدوّيًا في الدفاع على القضيّة الفلسطينيّة وقضايا الإنسان العربي، ووضع كتبًا ومقالات لا تُحصى في هذا السياق[19].
وبما أنّه مزج المعرفة بالصلاة، أعطاه الله أن يكون حقًّا لاهوتيًّا، فأبدى أفكارًا جعلت اللاهوت المسيحيّ يتوجّه بجرأة وإبداع إلى أوضاع الإنسان المعاصر. لذا حصل على عدد من دكتوراه شرف في اللاهوت من معهد القدّيس فلاديمير اللاهوتي الأرثوذكسي في نيويورك، السنة 1968، ومن كلية اللاهوت البروتستانتية في باريس، السنة 1988، ومن معهد القدّيس سرجيوس للاهوت الأرثوذكسي في باريس، السنة 2007[20]. وقد حصل على وسام الأرز برتبة ضابط من رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة في السنة 2017.
العاشق المسيح
هو قبل كلّ شيء الإنسان الذي يعشق وجه المسيح، المجيد والدامي بسبب خطايا البشر، ولا يفوّت سانحة للدعوة إلى ملاقاته. ويعتقد أنّ هذا الوجه المبارك ينكشف في «الوجوه المخلوقة»[21]، وفي كلمة الإنجيل وصلاة الكنيسة واجتماع الأخوة ووجوه القدّيسين. بالنسبة إليه يسطع «شخص يسوع الناصريّ وحده في كلّ التاريخ البشري… نحن لسنا أهل كتاب، نحن أهل هذا الإنسان يسوع الناصري… بهذا المعنى، المسيحيّة هي ديانة حبّ، هي ليست فقط تأمر بالمحبّة للأعداء والأصدقاء، هي أكثر من حبّ، هي عشق لهذا الشخص، وتاليًا هي التشبّه به»[22].
كان بانكبابه على دراسة الثقافات والأديان يبحث على «المسيح النائم في ليلها»، ويسعى لإيقاذه وجعله يمدّ الجسور بين البشر.
يقول إنّه «مع كنيسة الخاطئين، وصليبي أن أقبلهم كما هم،… وأتعلّم من ارتشاف الكأس ما لن يعلمني كتاب»[23].
هو فقير إلى الله والأخوة معًا. كتب مرّة لأحد تلاميذه: «أنا أعرف نفسي فقيرًا، فقيرًا إلى كلّ واحد منكم. آخذ ما تعطون… ولا يعرف العتب إلى نفسي سبيلًا، لأنّ الفقراء لا يشترطون. المسكين دائمًا صفر اليدين، شكور».
الخدمة الأسقفيّة
انتُخب مطرانًا على أبرشية جبيل والبترون وما يليهما، 15 شباط 1970 وخدم الأبرشيّة حتّى 3 آذار السنة 2018، حيث استقال لأسباب صحّيّة.
الراعي
أمّا عمله الرعائي في أبرشيّته، فكان يتمحوّر حول الأمور الأساسيّة التالية:
كان همّه الأساس تأمين كهنة صالحين ومتعلّمين وقد أوجد الكثيرين منهم.
شجّع نموّ الأديرة ولم يتوقف عن رعاية رهبان وراهبات كلّ من أديرة دوما، وكفتون، ودير الحرف وبسكنتا وحماطورة.
اهتمّ بالفقراء والمحتاجين، مريدهم أسيادًا في الكنيسة، وأسّس مركز طبّي اجتماعي تابع للأبرشيّة، وصندوق التعاضد الأرثوذكسي.
اهتمّ في أوّل سنوات أسقفيّته باستصلاح أراضي الأوقاف، عبر الاستعانة بأخصائيّين، وقد وُضع أكثر من مشروع تنموي حالت الحرب اللبنانيّة دون إكمالهم، لا بل خرّبت بعضهم.
سهر على بناء أو إعادة تأهيل أكثر من خمسين كنيسة.
اهتمّ بالشباب واشترك في معظم نشاطاتهم.
علّم وكتب ووعظ في كلّ المناسبات، أثناء الخِدَم وفي نشرة رعيّتي[24] (التي أسّسها رابطًا بين الراعي والرعيّة) وفي الصحف وفي غير مكان، داعيًا الناس إلى الإيمان الحقّ، وتفعيل وزناتهم والبحث عن وجه يسوع، عبر الأصنام، ومنها التقويّة والطقوسيّة، التي تغشّيه، والإنصات إلى صوت الربّ.
في خضمّ الحرب اللبنانيّة، سعى إلى مصالحة الأطراف، إذ كان مقبولاً من جميعها، وخلّص بمراجعاته أكثر من مخطوف. وسعى جاهدًا، بعد الحرب اللبنانيّة إلى مساعدة المهجّرين، وتسهيل عودتهم إلى ديارهم.
المصلِح في المجمع المقدّس الأنطاكي والعالم الأرثوذكسيّ
لعب دورًا طليعيًّا ونهضويًا في المجمع المقدّس الأنطاكي، ثائرًا على كلّ انحطاط في الأشخاص والمؤسّسة في الكنيسة. يعتبر أن التمثّل بالمسيح ولقائه في الكتاب المقدّس والليتورجيا والتخلّق بأخلاقه كفيلون وحدهم بنشل الجماعة الأرثوذكسيّة من الثقل الاجتماعي وتحويلها إلى كنيسة المسيح.
ساهم في تأسيس معهد القدّيس يوحنّا الدمشقي اللاهوتي، وكان عضوًا في مجلس أمنائه. وقد علّم فيه وراقب أعماله.
كان عضوًا في مجلس أمناء جامعة البلمند ورافق تطوّرها.
ترأس اللجنة المجمعيّة للعلاقات الخارجيّة حتى السنة 2007.
مثّل الكنيسة الأنطاكيّة في اللجنة المشتركة العالميّة للحوار اللاهوتي بين الكنيستين الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة من 1980 إلى 2007.
مثّل الكنيسة الأنطاكيّة في الاجتماعات الأرثوذكسيّة العامّة التي أطلقها البطريرك المسكوني أثيناغوراس وما نتج عنها من مؤتمرات واجتماعات.
الناطق باسم كنيسة أنطاكية في الأوساط المسكونيّة
مثّل الكنيسة الأنطاكيّة في لجنة «الإيمان والنظام» في مجلس الكنائس العالمي، من 1963 إلى 1969.
اشترك في جمعيات مجلس الكنائس العالمي العموميّة في إيفِنستون، السنة 1954، ونيو دِلهي، السنة 1961، وأوبسالا، السنة 1968، وغير اجتماع للجانه المختلفة.
ترأس اللجنة اللاهوتيّة في مجلس كنائس الشرق الأوسط من 1976 إلى 1982.
مثّل الكنيسة الأنطاكيّة في لجنة «الإيمان والنظام» في مجلس كنائس الشرق الأوسط منذ 1984 ورئيسها منذ 1992 وحتى 2010.
ألقى محاضرات في عدد من المؤتمرات الثقافيّة واللاهوتيّة العالميّة حول وحدة المسيحيّين، ومسيحيّي الشرق، وفي النهضة الروحيّة والمواقف المسيحيّة تجاه العنف والحروب والسلام وتحدّيات العالم المعاصر.
رغب صادقًا في وحدة المسيحيّين بالحفاظ على المحبّة الأخويّة والحقيقة المسلّمة في التراث الرسولي. وقد ناضل لتحقيق هذا الهدف الذي أصبح «بُعدًا لكلّ نشاط ولونًا من ألوان الرسالة»[25]. لكنّه أسف لما آلت إليه الحركة المسكونيّة من رتابة واختصار على البيانات، قائلًا: «كُتب علينا أن نتجرّع كأس مرارة حتّى يحلّ زمان الوحدة، ويرتضي المسيح أن يلقي علينا حلّة العرس»[26].
المحاور الإسلام
كاد أن يكون الأسقف الوحيد[27] الذي يلتزم الحوار الصدوق مع المسلمين، و«يتعاطى القرآن تعاطي ودّ»[28].
كان له أصدقاء بين العلماء المسلمين وجوه النهضة الإسلاميّة في لبنان، وقيّم «لصوق (هذه النخبة) بالله وكيف أن تخلّقت بأخلاقه»[29].
تبحّر في الحضارة الإسلاميّة وعلّمها.
قال بما أنّنا لا نعرف بعضنا في العمق ونكتفي بالمظاهر، فإنّ الحوار ضروري للتوضيح والاستضاح، ومعرفة بعضنا بعضًا كما يرانا الله.
خاطب المسلمين بلغة القرآن الكريم، واستشهد بآيات قرآنيّة مرارًا.
شدّد «على القيم الروحيّة في الإسلام وإلى تقاطعها مع قيم المسيحيّة»[30].
عبّر عن رغبته الأكيدة إلى قيام نهضة في الإسلام تتخطى الحرف وتصل إلى أعماق الوحي.
قال فيه أحد كبار العلّامة المسلمين: «ما كتبه المطران خضر هو ما كنت أريد أن أكتبه… إنّ سرّ نكهته الطيّبة المنعشة، اللاذعة أحيانًا، الحارقة أيضًا، ولكنّها تحرق فيك ومنك أوشابك»[31].
· «لن يبقى الشرق التاريخي شرقًا بغزو التقنيّة له، إلّا إن استطاع أن ينقّي جوهره بإيمان يتعمّق كثيرًا ويبقينا صامدين أمام مغريات العصر»[33].
شدّد على فصل الدين عن السياسة، وميّز بين الكنيسة والطائفة. وشكى من أن امتزاج الكنيسة والدولة إلى حدّ كبير في ضمير الأرثوذكسيّة التاريخيّة أفقد المسيحيّين همّ الشهادة وانتقاد السلطات.
الكنيسة ضمير العالم والعالم لا يعرف ضميره. الكنيسة موجودة أمام الله ولا تتحدّى العالم المخلوق منه، بل هي وعد بتجلّيه وتجلّي الإنسانية.
يسكن الروح في الأمّة التي تسعى إلى إحلال العدالة والحقّ بين أفراد شعبها.
الكاهن رسول في هذا الدهر، ولا يجب أن تفقده رسالته الفكر السياسي، لأنّ رسالة المسيح لا تُفهم إلّا إذا عُبّر عنها في إطار المدنيّة التي ينتمي إليها سامعوها.
المحاكي الإنسان المعاصر
ثار على كلّ ظلم وتعدٍّ، اقتناعًا منه أنّ المسيح يئنّ في كلّ فقير ومظلوم، وأنّه سوف «يستحي بنا»[34] إذا لم ننتقل من سرّ الشكر إلى «سرّ القريب».
كتب مقالات أسبوعيًة في إحدى الصحف اللبنانيّة، كان ينتظرها كثيرون، حاكى فيها تحدّيات العصر وقضايا الإنسان الأخلاقيّة والمصيريّة.
انتقد المنهجيّة الغربيّة لافتقادها لموقف إنساني يقوم على المحبّة والرحمة والدعة، ولفردانيّتها التي هي «غربة عن الله والحياة المسيحيّة الأصيلة»[35]. وأعتبر أن المدنيّة المعاصرة الغربيّة «تقتل الإنسان بعد أن قتلت الله»[36].
وقف موقفًا رافضًا كلّ استخفاف بقدسيّة الحياة، من القتل على أنواعه، بما فيه الإجهاض إلى التلاعب الجينيّ والموت الرحيم وسواهم.
يقول إنّنا لا نملك جوابًا على حلول المحن والألم، لكن «نحن المؤمنين نرى ونلمس ونختبر أنّ الله رفيقنا في المحن، وممسك بيدنا ليخرج بنا من وطأة الألم ومما يبدو لنا عبثًا»[37].
لا مسيحيّة إلّا مسيحيّة متجسّدة في الأخلاق والتعاطي والانفتاح على الآخر ومحبّته وخدمته، والسعي إلى فضح الهوّة بين الأقوال والأفعال.
النبيّ، الكاتب والشاعر
يُعتبر من كبار الكاتبين بلغة الضاد، وشُبه بأشهرهم. وقيل فيه إنّه «ينحت الكلمات».
Nella nudita di Cristo (عري المسيح), Edition Qiqajon, Comunità di Bose, Italy, 1996
لبنانيات، دار النهار، بيروت، 1997
Et si je disais les chemins de l’enfance, Cerf, Paris, 1997
الروح والعروس 3 أجزاء (أهل بيت الله، سنة الرب المقبولة، عائلة الله في نسكها وروحانيتها)، منشورات مطرانية جبيل والبترون وما يليهما للروم الأرثوذكس، برمانا، 1999
أفكار وآراء في الحوار المسيحي الإسلامي والعيش المشترك(2)، منشورات المكتبة البوليسية، لبنان، 2000
أهل بيت الله، سلسلة الروح والعروس رقم 1، منشورات مطرانية جبيل والبترون وما يليهما للروم الأرثوذكس، برمانا، 2000
سنة الربّ المقبولة، سلسلة الروح والعروس رقم 2، منشورات مطرانية جبيل والبترون وما يليهما للروم الأرثوذكس، برمانا، 2000
عائلة الله في نسكها وروحانيّتها، سلسلة الروح والعروس رقم 3، منشورات مطرانية جبيل والبترون وما يليهما للروم الأرثوذكس، برمانا، 2000
مطارح سجود، الجزء الأوّل والجزء الثاني، دار النهار، بيروت، 2001
سفر في وجوه، دار النهار، بيروت، 2001
الحياة الجديدة، دار النهار، بيروت، 2001
L’appel de l’Esprit : Eglise et société, Cerf – Sel de la Terre, Paris, 2001
اغتنوا بالله، سلسلة «شذرات من نور»، رقم 2، تعاونية النور الأرثوذكسيّة، بيروت، 2021
مساهمات في كتب:
La Parole de Dieu, Editions Mame, Paris, 1996
Orthodoxy in the Middle East during the last hundred years, in: God and Man in contemporary Christian thoughts, Charles Malek (ed.), A.U.B., Beirut, 1970
Le christianisme et les arabes, Conférences du Cénacle, Beyrouth, 1968
Church and Development, in : Report of an Ecumenical consultation, Beirut, 1972
الكنيسة والعالم، منشورات النور، بيروت، 1973
المسيحيون العرب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1981
العمل والفكر الاجتماعيان عند الأرثوذكس العرب من 1800 إلى 1920، في كنيسة الفقراء، نشره خوليو دي سانتانا، دار فافر، جنيف، 1982 (بالانكليزية)
آراء أرثوذكسيّة في الكنيسة، منشورات النور، بيروت، 1982
L’activité et la réflexion chez les orthodoxes arabes de 1800 à 1920, in; L’Eglise des pauvres, Julio de Santana ed., Editions Favre, Genève, 1982
Le Credo, Essai d’interprétation dans un milieu non chrétien, Editions du Centre Orthodoxe, Chambésy, 1982
Le témoignage de la douceur évangélique face au déchaînement des violences. In: Foi chrétienne et pouvoirs des hommes. (Le Supplément. Revue d’éthique et théologie morale) Nr. 162, Éd. du Cerf, Paris, 1987
الأسقف في الكنيسة، منشورات النور، بيروت، 1984
Bible et Coran in : l’Ancien Testament dans l’Eglise, Editions du Centre Orthodoxe de Chambésy, 1988
Le dialogue entre chrétiens et marxistes à Genève (1968), Colloque international sur la collégialité épiscopale, Salamanque, 2-8 janvier 1988
عنف الحرب، دار كاجا، إيطاليا، 1991 (بالإيطالية).
العلاقات الإسلامية – المسيحية، قراءة في الراهن والمستقبل، في العلاقات الإسلامية – المسيحية، قراءات مرجعية في التاريخ والحاضر والمستقبل، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، 1994
الـمُشترَك: رؤية مسيحية العدل في نطاق العيش، العدل في المسيحية والإسلام، منشورات المكتبة البوليسية، لبنان، 1996
المسيحية والعرب في عهد الندوة اللبنانيّة خمسون سنة من المحاضرات، دار النهار، بيروت، 1997
Christianisme, Judaïsme et Islam, Fidélité et Ouverture, Académie Internationale des Sciences Religieuses, Cerf, Paris, 1999.
أفكار وآراء في الحوار المسيحي الإسلامي والعيش المشترك 2، المكتبة البولسيّة، بيروت، 2000
Parole orthodoxe, Conversion – Au cœur de la foi – Communion ecclésiale – Prière et liturgie – Pâques, Paris, 2000.
Les richesses de l’Orient Chrétien, Sel de la Terre, Editions St Augustin, 2000
Youakim Moubarak, L’Age d’homme, Lausanne, 2005
Lettres à Dieu, Calmann-Levi, 2005
Colloque international organisé par l’Institut européen en sciences des religions (IESR) et l’École pratique des hautes études (EPHE), Quel avenir pour les Chrétiens d’Orient ?, 16-17 novembre 2007
Colloque L’ICAM-L’Olivier et l’Institut Frantz Fanon avec Mohammed Taleb, Genève, 2017
Colloque Les Matinales de la Civilisation Arabo-Musulmane, 2017
حوارات شرقيّة في الإسلام والمسيحيّة، بالفرنسيّة، مع محمود أيّوب، دار حوّار، 2018.
المقالات والمحاضرات:
نُشرت له مئات من المقالات والمحاضرات ومقدّمات لكتب مختلفة ولكن لم يتمّ رصدها كلّها بعد، بلغات مختلفة مثل العربية والفرنسية والانكليزية والإيطاليّة والألمانيّة واليونانيّة والروسية، في جريدة «لسان الحال» وجريدة «النهار» ومجلّة «النور» ونشرة «رعيّتي» الأسبوعيّة وصحف ومجلات عربية وأجنبية كثيرة، خاصّة في المجّلات الأجنبيّة التالية:
Messager Orthodoxe (Paris), Contacts (Paris), Service Orthodoxe de Presse – S.O.P. (Paris), Istina (Paris), Irénikon (Belgique), Saint Vladimir’s Seminary Press (New York)
من أهمّ هذه المقالات نذكر:
المسيحية والعرب، محاضرات الندوة اللبنانية، مجلد 22، بيروت، 1968
الأرثوذكسية في الشرق الأوسط في المئة سنة الأخيرة، في كتاب الله والإنسان في الفكر المسيحي المعاصر، نشره الدكتور شارل مالك، الجامعة الأميركية، بيروت، 1970
Le christianisme dans un monde pluraliste, Irénikon, No. 2, 1971
L’arabité in Palestine et arabité, Pentalogie islamo-chrétienne, tome 5, Editions du Cénacle Libanais, 1972-1973
Le christianisme, l’Islam et l’arabité, Contacts, Année 3, No 110, Paris, 1980
المسيحيّة العربية والغرب، في المسيحيّون العرب، 1981
I have called you friends, in the Muslim World, vol. 71, no. 3-4, Hartford, 1981
L’Esprit Saint dans la tradition orthodoxe, supplément 68 au S.O.P., 1982
باسيليوس الكبير: الأسقف والراعي، مجلة معهد القديس فلاديمير للاهوت الأرثوذكسي، نيويورك، 1985
Christians of the Orient: witness and future, in WSCF Journal, Geneva, 1986
Le témoignage de la douceur évangélique face au déchainement des violences, dans : supplément 120 au S.O.P., 1987
Renouveau interne, œcuménisme et dialogue, dans : Les chrétiens du monde arabe, Colloque 1987, Ed. Maisonneuve et Larose, 1989
La communication du message en terre d’Islam, Etudes théologiques et religieuses, Trimestre 1989
L’exorcisme de la guerre, S.O.P., no. 158, 1991
الحوار بين الأديان، المجمّع الثقافيّ، أبو ظبي، 1993
العلاقات الإسلاميّة المسيحيّة، قراءة في الراهن والمستقبل، في قراءات مرجعيّة في التاريخ والحاضر والمستقبل، 1994
الدين والدنيا، الدين والدنيا في المسيحية والإسلام، مركز الدراسات المسيحية الإسلامية، جامعة البلمند، 1996
مدخل إلى النظرات المتبادلة، النظرات المتبادلة بين المسيحيين والمسلمين في الماضي والحاضر، مركز الدراسات المسيحية الإسلامية، جامعة البلمند، 1997
الأصولية والحركات الإسلامية، جريدة «الرأي العام» الكويتية، لبنان، 1997
نحو الجدال الأحسن: محاورات إسلاميّة مسيحيّة، المطران جورج خضر والدكتور محمود أيّوب، تحقيق جورج مسوح وكاترين سرور، مركز الدراسات المسيحية الإسلامية، منشورات جامعة البلمند، 1997
التسامح، ندوة التسامح والفلسفة، فندق بريستول، بيروت، 17 تشرين الثاني 2005
إشكاليات في طريق الحوار الإسلامي المسيحي، الكومودور الحمرا، بيروت، 9 تشرين الثاني 2006
الطائفية، جامعة القلمون، 28 تشرين الثاني 2006
الخلاص، مصر، 2006
المسيحيون العرب، الجامعة الأميركية في بيروت، بيروت، 24 أيار 2007
أمة الله الواحدة، مجلة أديان، قطر، 2009
Orthodox Handbook on Ecumenism, Regnum Studies, in ; Global Christianity, 2013
الملحق رقم 3
مقالات، كتب وأطروحات جامعيّة عنه
Tarek Mitri, Conscience de soi et rapport à autrui chez les orthodoxes au Liban (1942-1975), Thèse de Doctorat 3e cycle, Université Paris X – Nanterre ver des Sciences Juridiques, 1985
Jad Hatem, Ethique chrétienne et Révélation, Etudes sur la spiritualité de l’Eglise d’Antioche, Cariscript, Paris, 1987
L’épiphanie du visage chez Georges Khodr, Contacts 141, 1988, pp. 50-68
أحمد بيضون، جورج خضر أو صعوبة هابيل، في مسالك في الحرب اللبنانيّة، المركز الثقافي العربي، 1990
Georges Massouh, Mgr Georges Khodr – Un regard Chrétien sur l’Islam, Mémoire de maîtrise, Institut de Théologie Orthodoxe Saint Serge, Paris, 1992
أديب صعب، قراءة في كتاب لو حكيت مسرى الطفولة، مجلّة النور، 1995، ص.50-56
Maxime Egger, Georges Khodr ou la révolution de l’Esprit, dans : Et si je disais les chemins de l’enfance, 1997, pp. 5-37
الأب إيليا متري، الرعاية في فكر المطران جورج خضر، مجلّة النور ث، 1997، ص. 95-108
خالد زيادة، جورج خضر والإسلام، مجلّة النور 2، 1997، ص.109-112
As’ad Khairallah, The way of the Cross-as a way of life. Bishop George Khodr’s Hope in Times of war, in ; Religion between violence and reconciliation, T. Scheffler, 2002, pp. 481-495
Assad Kattan, Heremeneutics. A Protestant discipline for an Orthodox context?, N.E.E.C. Review 23, 2002, pp.47-57
الأب جورج مسّوح، المطران جورج خضر والحوار الإسلامي المسيحي، في نظرات في تقارب المسيحيّة والإسلام، جامعة البلمند، 2003
ريمون رزق، شهادة في المطران جورج خضر في يوبيله الذهبي، 2005
Some aspects of George Khodr’s attitude towards modern culture, Chronos, University of Balamand, 2006
وجه ووهج، كلمات مهداة إلى المطران جورج خضر، تعاونيّة النور الأرثوذكسيّة، 2007 الذي يتضمّن:
زهيدة درويش جبور، الصوفيّة والإنسانويّة في فكر المطران جورج خضر وتجربة الوجدانيّة، ص.15-32
· محمود أيوب، غربة الإيان ورابطة المحبّة الإسلام الروحي في فكر سيادة المطران جورج خض، ص. 33-83
الأب جورج مسوح، مسيح جورج خضر، ص.55-66
أسعد قطّان، تجسّد الكلمة في الكون والكتاب والتاريخ، ص.67-107
هاني فحص، أيقونتنا الحيّة ما أجمل وجهي في وجهك، ص. 241-247
جورج ناصيف، سأحدّثكم عن أسراره، ص. 248-250
الأب بولس وهبه، من المطران جورج على درب الربّ، ص. 251-253
الأب إيليا متري، قطوف من ذكريات طالب في دار مطرانيّة، ص. 254-269)
جورج عبيد، قراءة في فكر جورج خضر، 2008
La théologie contextuelle arabe. Modèle libanais, Paris Antoine Fleifel, L’Harmattan, 2011,
Théologies libanaises du dialogue islamo-chrétien : Georges Khodr et Mahmoud Ayoub, Pamela Chrabieh, 2011
«The Mystery of Divine Love in the Apophatic Theology of Bishop George Khodr», in: Theological Review of the Near East School of Theology, No. 33, 2012, pp. 39-68.
Sylvie Avakian, Conversations orientales sur l’islam et le christianisme, Editeur: Chemins de Dialogue, 2012
جورج خضر، أسقف العربيّة، منشورات الجامعة الأنطونيّة، 2012، الذي يتضمّن:
باسم الراعي، لبنان جورج خضر من الرومنسيّة التاريخيّة إلى الدولة الديموقراتيّة، ص. 55-82
ميشال جلخ، السامري الشفوق مؤرّخًا: تأريخ خضر بين تكفيرين، ص.83-114
أحمد بيضون، إسلام المطران وماتقى النهضة الروحيّة، ص.115-139
نايلة أبي نادر، المطران جورج خضر وفلسفة الحوار، ص.141-178
شفيق درادي، العيش الإسلامي – المسيحي والمطران جورج خضر، ص. 179-194
Marlène Kanaan, Georges Khodr: Intrépides chemins qui mènent quelque part, pp. 195-209
بسكال لحود، صاحبي وصاحبه والمسيح بينهما في تناصّ خصر وليفيناس، ص. 211-247
أمل ديبو، في لغة جورج خضر، ص. 251-260
يوسف كمال الحاج، الذهبي القلب والقلم، ص. 261-267
هاني فحص، سلّموا لي عليه، ص. 269-273
إلهام كلّاب، لو حكيت مسرى الصداقة، ص. 275-278
نداء أبو مراد، مسبحة الستراتس، ص. 279-282
جان عبدالله توما، المطران جورج خضر، أديب المقالة وأسقف العربيّة، مؤسّسة شاعر الفيحاء – منشورات سابا زريق الثقافيّة، 2016
Assaad Kattan, The cross as «islam». George Khodr’ approach to Islam as a paradigm of conceptual theology, Journal of Eastern Christian studies, 2017
Guy Raymond Sarkis, Un Islam réconcilié avec les chrétiens arabes (Propositions de Mgr. Georges Khodr), De Gruyter, 2022
الملحق رقم 4
مناسبات تكريميّة عامّة
شارع باسم المطران جورج في الشويفات – 21 أيار 2013
معرض عن المطران جورج خضر “محترف جورج الزعني” في الأونيسكو – 11 تشرين الثاني 2010
تسمية مكتبة باسم المطران جورج خضر (جامعة الألبا ودير سيدة النورية)
تكريم المطران جورج – كلمات في توقيع كتبه:
المركز الثقافي في انطلياس 8 آذار 1992
لمناسبة مرور أربعين سنة على سيامة المطران جورج خضر نظمت الرابطة اللبنانية للروم الارثوذكس ندوة حـول عدد من كتبه (اذكروا كلامي ووجه غابت) – 1 حزيران 2010
توقيع كتاب “نجاوى”، الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة – جامعة البلمند، سن الفيل، في 19 حزيران 2010
تذكَّر بعض الإخوة أنه مرّ عليّ خمسون سنة من القسوسية. فرغبتُ أن تأتي التلاوتان، الرسائل والإنجيل، مناسبتين لأتذكّر وأتوب. وما وددت أن أقوله لكم هو ما فهمتُ من الكهنوت. وأما ما تعلّمته حقًا فإن الديان الرهيب سوف يكشف لي إنْ تعلّمْتُ. تذكرون أن حزقيال قال ويلات ضد رعاة إسرائيل، وقال إنهم يُهملون الرعية ويَرعَون أنفسهم حتى أنهى إصحاحه الشهير الرابع والثلاثين بقوله إن الله سيبعث داود راعيًا لشعبه. ما معنى هذا القول وقد مات داود؟ فبدا لي أن داود هذا الذي يقصد، إنما هو ابن داود، حتى جاء المخلّص في هذه التلاوة العظيمة من يوحنا يقول: «أنا هو الراعي الصالح»، ثم يقول «الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف»، سأقف عند هذا. «أنا الراعي الصالح» مع ال التعريف المطلقة التي تعني أنه لم يكن قبله راع صالح، ولن يجيء بعده راع صالح.
نحن الذين نُسمّى رعاة إنما نحاول بصورة باهتة جدًا أن نُساهم مع المعلّم في رعاية قطيع يخصُّه ولا يخصّنا. ربما جُرّب الكاهن أن يظن أن الإخوة الذين هم حوله في كنيسته إنما هم رعيته. هذا من باب التسمية. إنهم ليسوا رعيته، إنهم رعية المخلّص. وقدَرُ المخلّص أن يرعانا خلال ألفي سنة مع رعاة خاطئين، أساقفةً كانوا أم قسسًا. وكانت فترات من الزمان، ليست ببعيدة، لم يكن أحد يعرف شيئًا، ولا أحد يُعلّم شيئًا. وما كانت الكلمة تُنقَل، ما عدا هذا الفُتات القائم في الليتورجيا والمعبَّر عنه باللغة الفصحى. مهما يكن من أمر، هناك راع صالح واحد فقلِّدوه ولو بصورة باهتة.
كيف كان راعيًا صالحا؟ أَتخذُ كلمة من الرسالة إلى العبرانيين لأفهم هذا «وإله السلام الذي أقام من الأموات راعي الخراف العظيم ربنا يسوع المسيح بدم العهد الأبدي يُكمّلكم في كل عمل صالح». ومعنى هذا أن السيد المبارك صار راعيًا لـمّا اقتبل أن يصير حَمَلاً لله، أي على هذه الخشبة، فلما سُفِك دمه حبًا صار راعيًا صالحًا. هذا كان الشرط.
لذلك ليس من كاهن ولا أسقف يمكن أن يكون راعيًا كاملاً لأنه لا يستطيع في هذا الجسد أن يحب حبًا كاملاً. ولكننا نسعى. والويل لمن لا يسعى. كيف تكون صالحًا بالقدر البشري الممكن؟ تنظر إلى هذا الذي نسي نفسه على الخشبة ومُحِقَ محقًا كليًا. فمن لا يمحق نفسه محقًا تامًا فهو ليس براع، أي ليس بموجود. قلت لكم، خلال سنوات، الكاهن غاسل أرجل أي إنه مُوحَّد مع الأرض. وهو لا يتطلّب من أحد أن يوقّره. هذا الذي يطلب توقيرًا لنفسه واحترامًا وإمارات تقدير، هذا يظن نفسه شيئًا. والتعظيم يذهب إلى المسيح. فمن لا يُقدّرك كاهنًا قَبّل أنت رجليه لكي يعرف أنك كاهن. قبل هذا لا يستطيع أن يعرفك.
الشيء الآخر الذي فهمته، وهو في هذا الخط، أننا في العهد الجديد لا نعيش على نظام الكلمة، ولكن على نظام الأيقونة. ما معنى هذا؟ العبرانيون الذين لم يكن لهم إله في الجسد كانوا يعتبرون أن الله يُعبّر عن نفسه بكلمات. كانوا بدوًا كالعرب. والبدو يتكلّمون تحت الخيام. ويظنون أن الله بدويّ كبير، رئيس قبيلة. ولذلك يحكي. وكان هذا النظام نظامًا صحيحًا لأن الله كان يعامل بدوًا.
صح أن آباءنا أعطوا قوة كبيرة للكلمة. والسيد نفسه قال «إنكم أنقياء بسبب الكلام الذي كلّمتكم به»، وهذا الكاهن الحقير الذي يكلّمكم الآن لم يركّز أحد مثله في هذه البلاد على ضرورة الكلمة وقراءتها وتمحيصها ودرسها ولا أزال أُركّز. ولكن هذه وسيلة فقط، تربية. أنتم لستم كلمات، الله ظهر في الجسد فأتى المسيح أيقونة لأبيه.
ماذا يقول يوحنا في مطلع سِفره؟ «الكلمة صار بشرًا ونَصَبَ خيمتَه في حيّنا». هذه هي الترجمة الصحيحة. «نَصَبَ خيمتَه» ولكنه لم يحكِ كالبدو. صار إنسانًا في حي البدو. وتاليًا، الذين يحاولون أن يصبحوا رعاة، إن لم يصيروا أيقونات مثله سيظلّون حكيًا يُحكى وأصحاب ليتورجيات رائعة تُدغدغ المؤمنين وتجعلهم يَحسبون أنهم اختُطِفوا ولعلّهم اختُطِفوا إلى لحن. الكاهن أيقونة. فمن رآه يرى الله. ومن لم يَرَ الله مرتسمًا على وجهه لا يستطيع أن يتخذه راعيًا. لذلك وَهْمٌ أن نقول إننا نُعلّم الكتاب المقدس فيمرّ. لا يمرّ. الكتاب المقدس إن لم يصر أنت لا يمرّ. هذا استيهام أكاديميين. لا يمرّ. يجب أن يصير أنت. الحب وحده يمرّ.
ولذلك جاء يسوع ليقول أنتم لا تعيشون وفق نظام الكلام. في الأخير لا تحتاجون إلى كلام، نحن لسنا في الأخير الآن، يجب أن نتمرّن حتى نصل إلى الأخير، وأفتخر بأني أول مذكّر بهذا منذ ستين سنة، أول مذكّر بضرورة الكلمة. ولكن هذا ليس الأخير، هذا قبل الأخير. الأخير هو أن تموت وأنت هنا قبل انقضاء عمرك، أي إنك تسكب دموعك ودمك واهتمامك وحضورك في سبيل الإخوة، لكي يتمكنوا من أن يفهموا ما أتمّه المصلوب. لقد حيينا نحن، نحن حيينا بموته. القيامة كانت كشفًا وبشارةً لهذا الذي حصل قبل ذلك. غاسل أرجل، متواضع ووديع، هذه نتيجة. محبّ حتى النهاية، معلّم كبير. معلّم كبير لماذا؟ لا ليفهموا. الدماغ لا يعبر إلى الدماغ. أنت تُعلّم لا ليتعلّموا ولا ليحفظوا ولكن لكي يصيروا.
فإذا ما خُطَّت فيك خطوط أيقونة، إذا كُتبَت فيك، تكون قد شرعت أن تصير راعيًا لرعية المسيح وتكون هي أيضًا حاولت أن تصير مجموعة أيقونات، آمين.
أردتم هذه الذكرى، أتّخذُها فرصة ليتعلّم صاحب الذكرى التواضع. ففي الخدمة الإلهية، قبل تقدمة القرابين، يقرأ الكاهن «ليس أحد من المرتبطين بالشهوات واللذات الجسدانية مستحقًا أن يتقدّم إليك أو يخدمك يا ملك المجد». عندما أتلو هذه الكلمات سرًا، من وقت إلى آخر، تنتابني هذه الفكرة أنه لا بدّ لي من أن أَخرج من الهيكل لأنه ليس أحد من المرتبطين بالشهوات يستطيع أن يتقدّم، أو أن يقف إمامًا للجماعة. غير أن النير أُلقي عليّ كما يقول الرسول الكريم. ولا بد من أن يَفلح الثور وهو تحت النير.
ما جاء في الكتاب العزيز أن الكاهن «خادم الكلمة». هذا هو تعريفه في الوحْي، «خادم الكلمة». ولذلك قال بولس أيضًا لتلميذه شيئين: «اعكُفْ على القراءة حتى مجيئي»، أي نتذاكر في ما أنت قرأت. ثم قال له «عِظْ في الوقت المناسب وغير المناسب». أن تُعطي الكلمة، أن تُنعش المؤمنين وغير المؤمنين، تلك هي الوظيفة. ولهذا حاولَتْ مجموعة من الناس منذ ستين سنة أن تُذكّر كنيسة أنطاكية أن المسؤولية الملقاة على الكاهن هي أولاً أن يعكف على القراءة ليتمكّن من أن يعظ في وقت مناسب وغير مناسب حتى يحيا الناس بهذا الخبز السماوي النازل حياةً للعالم.
والكلمة طبعًا تصير سرًا إلهيًا، والأسرار هي نوع من الكلمات يأخذها الناس ويحيون بها. ليس عندنا نحن فَرْق بين الكلمة والسر، وكل منهما إطلالة من إطلالات الله علينا.
غير أن هذه الخدمة الكهنوتية تكاد تكون مستحيلة على البشر، كما قلت في استهلال هذه الكلمة. تكاد تكون مستحيلة، ولكن أحدًا يجب أن توضع الأيدي عليه وأن يُزجّ فيها، وإذا ما دعاه الأسقف. كيف يرعى؟ بأية قوة يرعى ولاسيما إذا كان رقيق الشعور؟ كيف يرعى هؤلاء الناس الذين يهبطون عليه كالصخور؟ كيف يتعامل الكاهن مع الصخور؟ مع كل هذا النتوء اليومي الذي يجرحه في شعبنا؟ قال الله المبارك «الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف». مِن بعد أن سُفك الدم الكريم على الخشبة، ليس من راع ٍ صالح. هي أمنيات. هي آمال فقط، لأن واحدًا سَفَكَ دمه على الصليب. الراعي الصالح هو من يبذل نفسه عن الخراف. مرة واحدة صار ذلك، ولهذا سُمّي الرب يسوع «راعي نفوسنا العظيم»، وبقية الأساقفة والكهنة منذ ألفي سنة يُسمَّون كذلك فقط على سبيل الرجاء.
لماذا قال الكتاب الإلهي «الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف»؟ ذلك أنك لا تستطيع أن تحب إلا إذا متّ، ولا تقدر أن تفدي أحدًا إلا بالموت. ولهذا قيل عن السيد المبارك شيء آخر، قالها أحدٌ استُشهد: «هذا هو حَمَلُ الله الحاملُ خطايا العالم»، وهذا ما سوف يؤكده سفر الرؤيا بقوله: «إن المسيح ذبيح قَبْل إنشاء العالم».
في المذاكرة الثالوثية، في الحوار الثالوثي بين الآب والابن والروح القدس، منذ الأزل، أُعِدَّ الابن لكي يُقتَل حبًا. وصار الحَمَل الفصحيّ المذبوح من أجلنا. ولما ذُبح على الخشبة فقط، صار راعي نفوسنا العظيم. صار راعيًا لأنه ارتضى أن يكون حَمَلاً. ولذلك ليس أحد منّا كاملاً إلا على سبيل التشبّه، وعلى سبيل ارتضائه هو ونعمته، ومن بابِ أنه هو يكهن فينا. لا يكهن أحد من نفسه. هو يستعمل أيدينا وعقولنا في سبيل تبليغ كلمته وأداء الصلاة. ولذلك هو وحده ممدود، وكل كهنة الأرض تراب. «ليس أحد من المرتبطين بالشهوات واللذات الجسدانية مستحقًا أن يدنو منك أو يخدمك يا ملك المجد».
ألا أهّل اللهُ هؤلاء الكهنة المجبولين من تراب ألاّ يُكسر خزفهم كثيرًا لكي يتمكّنوا من أن ينتصبوا حاملين الكنيسة في نفوسهم، أن ينتصبوا أمام المائدة المقدسة ويُخطفوا إلى وجه الآب، علّ الكنيسة ترى أن كل ما طُلب إليها أن تصير مخطوفة إلى الآب، علّها تصير العروس، آمين.