Monthly Archives

November 2012

2012, مقالات, نشرة رعيتي

التبرير بالإيمان/ الأحد 25 تشرين الثاني 2012/ العدد 48

«قبْل أن يأتي الإيمان كنّا محفوظين تحت الناموس». معنى بولس أن الإيمان هو الإيمان بيسوع المسيح. هذا عنده هو الإيمان الكامل. قبل ذلك كان الناموس اي شريعة موسى. في ظلّها كان مغلقًا علينا بانتظار الإيمان بيسوع. هنا استعار بولس صورة المؤدّب ويعني بها الخادم الذي كان يرافق الطفل الى المدرسة. قبل الإيمان بالمسيح كان فقط هذا الخادم (الناموس) الذي كان يسوقنا الى المسيح.

الآن صرنا «أبناء الله بالإيمان بيسوع المسيح». هنا يعطي بولس للإيمان صورة الثوب الملتصق بنا اي الذي صرنا واحدًا معه وواحدًا به فيقول: «انتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح لبستم». لا يوجد شيء آخر سواه، ولهذا زال الافتراق بين اليهودي واليوناني (ويقصد هنا الوثني) وزال الافتراق بين العبد والحر (وفي عهد بولس كان المواطنون الرومان يُقسمون الى عبيد وأحرار، والعبد ليست له شخصية قانونية). ليس المهم ان يكون الانسان عبدًا او حرًّا، وليس المهم ان يكون ذكرًا او أُنثى.

يبقى كل منّا (العبد او الحر، الذكر او الأنثى) على حاله على المستوى القانوني. تزول الفوارق الاجتماعية او تلك المتعلقة بالجنس «لأنكم جميعكم واحد في المسيح يسوع».

قبل التصاقنا بالمسيح كنا كالأطفال الذين هم «تحت الأوصياء والوكلاء، متعبّدين تحت أركان العالم» اي خارجين عن الإيمان. «فلما حان ملء الزمان (اي هذا الذي يتحقق فيه مشروع الله، المشروع الكامل)، أَرسل اللهُ ابنه مولودا تحت الناموس (الشريعة اليهودية)، مولودًا من امرأة ليفتدي الذين تحت الناموس» وهم اليهود ولكنهم لا يُفتدَون وحدهم. غير أن كلمة الخلاص أُرسلت اليهم بدءا. وغاية الافتداء أن ننال التبني.

في عقل بولس الرسول كنا أبناء الغضب بسبب من الخطيئة أي ما كنا مدركين اننا أبناء الله في خطة الله. جعلنا الرب أبناء بفضل بنوّة المسيح للآب وشراكتنا للمسيح. فنحن إخوة له. وكما أن الابن هو ابن الله في الجوهر صرنا أبناء الله بالنعمة. بنوّتنا لله مكتسبة، أمّا بنوّة المسيح لأبيه فجوهرية سابقة للزمان.

بنوّتنا لله فضل إلهيّ وليست ثمرة جهد لنا. ولكننا نستطيع بالنعمة أن نسلك كأبناء عارفين أن الله بمحبته لنا جعلنا أبناء. نحن لا نصنع بنوّتنا لله. نُدركها. ثم نسلك بها في طاعتنا للرب. نُحقق بنوّتنا في محبتنا للرب وطاعته. ندخل في عائلة الآب ونعي انتماءنا لله. نصير إلهيين كما صار الابن بشرا. الإنسان بمعنى التبنّي يصير ابنًا وجالسًا مع الابن على يمين الآب.

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

محبّة الله ومحبّتنا / السبت 24 تشرين الثاني 2012

الدنيا خيبات ان كنت تتوقّع ان ترد لمحبّتك محبّات. ما طلب الله في كتابه ان تسعى إلى ان يحبّك احد. أمرك أنت ان تحبّ كما أحبّ ابنه حتى الموت. أنت، زارعًا تزرع على الرجاء ولكن ما قال الرب في هذا المجال انك تزرع لنفسك. انه هو الحصاد للخير الذي أنت تعطيه. قد لا يرد احد لك جميلا وليس عليك ان تنتظر ذلك. أنت تتعزّى بما تعطي لا بما تنتظر اذ قد يرد لطاعتك رفض.

أنت تعطي مجانا وترجو ان يرد المعطى له شكرًا لله. لا ينبغي ان يكون سعيك ان يرد لك احد جميلا. أنت تعطي الآخر ليحسّن علاقته بالله. تعطيه لخلاصه وهذا يزيد نصيبك بالخلاص. أنت تنتظر من عطائك خلاصًا لك ولمن أعطيت وهذا يأتيك من مجانية الهبة الإلهيّة التي نزلت عليك وأوحت لك ان تحب.

أنت تفهم من كل هذا انك فقير إلى الله وحده لأن احدا لا يستطيع ان يعطيك الا ما عنده وقد لا يكون عنده الا القليل. ما قاله يسوع الناصري ان المحبّة فيها تبادل. هو تكلّم عن أجر لك في السماء بمعنى انه هو الذي أخذ ما ظننت انك تعطيه بشرا ورأى ربّك انه هو الآخذ.

ان لم تبقَ فقيرا إلى الله تغرق في الخيبات. الناس يعطون، حقيقة، في حالة واحدة اذا أحسّوا انهم معطون ربّهم في ما يعطونك. أنت لست غنيا بحد نفسك. أنت تستغني بالله فتبدد نعمته على الآخرين. مَن وهبك ولم يحسب انه يهب الله أو لم يحسب انه يوزع لك الثروة التي اقتناها من ربّه يصبح مستعبِدك. ليس لأحد شيء ليبدّده. انه مؤتمن على ما استودعه ربّه. الانسان يلتمس غنى ربّه فاذا جاءه يشرك الناس فيه وعلى من قدّم للناس عطايا ان يشعرهم بأنه وكيل الله لتوزيع هباته وان ينقلهم إلى شكر الله حتى اذا شكروه. مَن بذل من ماله أو فكره أو حبه مجرد جسر بين الله ومن افتقدهم. الشعور الوحيد الذي لنا الحق فيه ان نذهب بمن نسكب عليهم حنانا إلى ربّهم الذي يعاد إليه بالشكر ما نقدّمه للناس بسبب من محبّته لهم ولنا.

#   #

#

ما لم نبق فقراء إلى الله لا نستطيع ان نأخذ منه شيئا. لذلك كانت علاقاتنا بالآخرين ترجمة لعلاقتنا بالله.

غير ان ارتباطنا بالله لا نمتحن حقيقته أو صدقه الا اذا ارتبطنا بالبشر. انهم هم وجه الله الينا. فإن ارتضيناهم نكون قد ارتضيناه وان رفضناهم نكون قد رفضناه. لذلك أهل الطقوس ليسوا بالضرورة أهل الله. أجل كل حب الهيا كان أو بشريا يتطلّب تعابير وتعبيرنا لله عن محبّتنا له تلبس تعبيرنا عن محبتنا للناس. عندهم نلتقيه. انهم مذبح عبادتنا الحقيقيّة له. هذا المذبح يقول يوحنا الذهبي الفم أهمّ من المذبح الذي قدّمنا عليه القرابين. الحب هو القربان.

#   #

#

حب البشر للبشر يمكن ان ينعكس فيه حب الله لنا. فاذا ارتقيت أنت على معارج حبك لربّك أمكنك ان تحبّ الناس في صفاء تؤتاه من فوق وفي تجرّد عمّا يمكنك ان تكسبه منهم. اذا صارت مودّتك لهم صورة عن مودّة الله لخلائقه تكون مودّتك لهم غير مختلطة بمنافع لك أو استلذاذ بمشاعرك.

محبة البشر للبشر ان كانت إلهيّة يمكن ان يخامرها تأثّر عاطفي. ليس باطلا ان تطهّرت. والمحبة المبذولة منك إلهيا لإنسان دون ان ترجو منه ما يقابلها كثيرا ما خالطها لهب بشريّ. ليس هذا بمحرم. فاذا احببنا الهيا يمتزج هذا بالبشرة ولا أذى من ذلك. ليس الحب الالهي النفحات فينا لبشر لحميّ الاندفاع فقط. ان التلاقي بين الألوهة فينا واللحم سرّ من أسرار الوجود. علينا ان نحاول ان نجعله على صورة التلاقي بين الألوهة والبشرية في المسيح. التلاحم بيننا وبين الربوبية الكامنة فينا يبقى سرا نتلقاه ولا نفسره. ولكني أيقنت اني أستطيع ان استخدم لفظة التلاحم التي تشير، لغة، إلى لقاء اللحم واللحم. هكذا يكون تداخل الألوهية المتأنسنة فينا والبشرية في ارتقائها إلى هذه الإلهية القابعة فينا.

هذه هي خبرة القديسين التي حاولت في رؤيتي لها من بعيد ان أترجمها لنفسي وللقارئ بلغة البشر. يا ليت ربي يهب كلاّ منّا ان يتلقاها في نفسه كما تريد له النعمة ذلك. مَن حاول يذيقه، بمقدار صدقه، ربه شيئا من ذلك.

في هذا نستقر اذا اردنا ان نفهم. القديسون يستعملون لغة العقل بعد ان رأوا الرؤية. ان العقل الا مجرّد ترجمة لخبرة القديسين الا في المجالات التي تخصّه وحده.

من صار إلى هذه الرؤية لا تحجبها بالضرورة عن أبصاره خطيئاته ولكن ان تكشفت هذه تذهب عنه الرؤية ويعود بشرا من تراب والتراب لا يرى شيئا. والرؤية مسكوبة على من سعى وجاهد نفسه جهادا شرعيا طويلا حتى لا يبقى فيها الا الله أثرا.

هذا المسعى ليس الاعتزال قوته. أنت لا ترى الله الا اذا رأيت الإخوة وضممتهم إلى صدر المسيح ليسمعوا نبضات قلبه والكلمات التي لا يسوغ النطق بها. واذا انضمّ الناس إلى صدره يأخذون إخوتهم إليه حتى يبدأ الملكوت على الأرض ونفرح به معا. اذ ليس الملكوت مرجأ لأن الملكوت هو المَلك وقد جاء ليبشّرنا بأن الله محبّة وان المطلوب ان نقرأ محبّته لنا وان نستمدّها ليقرأ الناس ربّهم اذا انحنى عليهم وأذاقهم حنانه فإنه بهذا يظهر غناه وانحناؤه لنا.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

هيكل الله / الأحد 18 تشرين الثاني 2012 / العدد 47

عندما قال بولس: «إن المسيح هو سلامُنا» تابعها بقوله: «هو جعل الإثنين واحدًا» وأراد بالاثنين اليهود والأمم، وكان اليهود يُبغضون الشعوب الوثنية عملا بقول الكتاب: «سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتُبغض عدوّك» (متى 5: 43) والمفهوم أن قريبك هو اليهوديّ فقط، والغريب هو العدوّ.

وأوضح الرسول بُطلان هذا الموقف بقوله ان المخلّص نقض في جسده اي في موته حائط السياج الذي كان يُفرّق اليهود عن الأمم، وأبان يسوع أنه خلق الاثنين اي اليهود والأمم في نفسه، ويعني هنا ايضا بموته، جعلهما معا «انسانا واحدا جديدا» بعد أن كانا اثنين متخاصمين إذ أجرى السلام بينهما بدمه وصالحهما كليهما في جسد واحد بعد أن صارا معا بإيمانهما بيسوع جسدًا واحدًا مع الله.

اتحدا بالصليب اذ كانا معا في المسيح ولم يبقَ من بعيد. صرتم قادرين أن تُصلّوا معًا الى الآب الذي هو منتهى كل شيء، والجامع بينكما هو الروح القدس الذي أرسله المخلّص اليكم بعد صعوده الى السماء.

ثم يتابع بولس فكره بقوله: «فلستم غرباء بعد ونزلاء بل مُواطني القديسين وأهل بيت الله». قبل معموديتكم كنتم غرباء وما كنتم أهل بيت الله، والآن صرتم مُواطني القديسين وواحدا مع المؤمنين. الكنيسة صارت لكم الوطن العُلوي النازل من السماء.

«وقد بُنيتم على أساس الرسل والأنبياء» ويعني بالرسل تلاميذ يسوع الاثني عشر، وبالأنبياء يعني كتب أنبياء العهد القديم وهم الأربعة الكبار (إشعياء، إرميا، دانيال، حزقيال) والأنبياء المعروفين بالصغار الذين وضعوا أسفارا في العهد القديم، كذلك يريد الأنبياء الذين لم يضعوا اسفارا.

ويريد بولس بالبناء بناء العقد الذي نبنيه في الشرق وهو مؤلّف من حجارة ملاصقة بعضها ببعض وليس بينها مادة كالكلس او ما يُشبهه، ويجمعها ما يُسمّيه الرسول «حجر الزاوية» ونُسمّيه بالعامّية اللبنانية «حجر الغلق». وفي هذا البناء يستند الحجر الى الحجر وتلتقي الحجارة كلها بحجر واحد هو حجر الغلق.

بهذا الحجر يشبّه بولسُ يسوعَ المسيح الذي به ينسق البنيان كله (وهذا ما عندنا في البناية الشرقية) فينمو البناء الذي صرتُموه «هيكلا مؤسسًا في الرب وفيه أنتم أيضًا تُبنَون معًا مسكنًا لله في الروح». هيكل مقدس في الرب يرادفه مسكن الله في الروح اي في الروح القدس الحالّ فيكم. عندنا هيكل غير منظور وهو الكنيسة جعلها الله مسكنًا له، وأنتم هذا المسكن بالروح القدس الذي يحلّ على كل واحد بالمعمودية والميرون.

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

البغض / السبت 17 تشرين الثاني 2012

«انهم أبغضوني بلا سبب» (مزمور 29: 15) وفي ترجمة حديثة «بحماسة يبغضونني». هل كان صاحب لسان العرب واعيا وعيا عميقا لما عرّفه على انه نقيض الحب. أليس هو أسوأ من ذلك بكثير؟ فإن للحب مراتب او كثافات. اما البغض فهو العداء بالذات بحيث لا تبقى عند المبغض ذرّة واحدة من المحبة.

انه بدءًا، فصل الآخر عن نفسك وعيشك موته فيك ولو كنت لا تريد إماتته الجسديّة خوفا من عواقبها في دنيا الجزاء او لكونك لم توهب شجاعة الإبادة للآخر. ولكن شهوة القتل قائمة فيك. ليس هناك نصف بغض او ربع بغض. هناك ذوق قتل انت خائف من اتمامه. الذات فيك اعني أعمق كيانك نافرة من ذاته ولا تلتقيان في الخيال لأنك في خياله غير موجود. المقولة الداخلية فيك هي محو الآخر.

هناك نفوس مبغضة. لا تتأثر بالمحبة المسكوبة عليها. هناك مطويون على الكراهية ونفوس منفتحة على الحب. هذا سر الإثم كما يقول بولس ولا نعرف كيف انغلق ناس على عتمات نفوسهم ولماذا رحّبوا بالظلام. نلاحظ احيانا ان بعضا تأذّوا من كلام او معاملة ولم يقدروا على تحمّلها. كأن الآخر قتلهم او قرأوا معاملته قتلا فوضعوا في وجوده سلبية رهيبة فهموها انها تلغيهم.

في هذه الحال سبب ولكن المسبب ضخم جدا لا يفهم بخلل نفساني على ما أرى ولكنه يفهم بأهواء كثيرة معششة انفجرت بلا معادلة بين من آذى ومن تأذّى، هناك خروج عن العقل الطبيعي او المألوف للدخول في عواصف لا نفهمها بالتحليل بحيث لا نستطيع ان نلمس صلة بين الضربة التي حدثت وردّة الفعل عليها. عند غياب الصلة بين ما قام به المعتدي وما قام المعتدى عليه لكوننا قد خرجنا عن المألوف من المعقول ودخلنا في عالم الجنون.

نحن في انعدام المحاكمة، في غياب العقل، في الانفعال الكامل، ولذا قال الكتاب: «انهم أبغضوني بلا سبب» وتضخم السبب الى حجم يزيد كثيرا عن سبب انفعالي حتى صحّ قول المزامير «انهم ابغضوني بلا سبب».

#   #   #

ما المسيرة التي توصل الى البغض؟ في هذا يسعفني القديس دوروثيوس الغزاوي وكان ناسكا من غزة في القرن السادس للميلاد. هذا يقول: الضغينة شيء والبغض شيئ آخر ثم السخط واخيرا الكدر. نساكنا كانوا يعرفون الخطيئة في جزئياتها. جاؤوا الى ما يشبه علم النفس من علمهم بالخطيئة.

في العهد القديم الغضب والبغض متلاقيان او متلازمان وكأن الغضب تعبير خارجي للبغض. الغضب يشبه بالنار. يحرق صاحبه وقد يحرق من انصبّ عليه. هناك ايضا حديث عن غضب الله وهذا من باب التشبيه. على هذا هناك رجاء على ان يعبّر الغضب. ما من شك عند الأبرار ان ثمّة إمكانا للتحرّر من الشهوات والبغض في قراءتي شهوة رهيبة لا تضربها الا عاصفة من المحبة تنزل برضاء الرب فقط لأن القلب على طبيعته يقصفه البغض قصفًا شديدا.

كثيرا ما وقع علينا بغض المبغضين من حسدهم بلا كلمة جارحة. فهناك من لا يريدك موهوبا او ناجحا او جميلا او فصيحا او طاهرا او متقدسا. لذلك يصبّ عليك كل المساوئ بعد ان يخترعها اختراعا ليقتلك ادبيا. وكثيرا ما استعمل النميمة لكي يلطّخ سمعتك فيجعلك سارقًا وناهبا او كذوبا ولا تعجب ان قال هذا ولم يكن فيك شيء منه. هناك ناس عندهم رغبة التحطيم وقد لا تنتشر الكذبة انتشارا رهيبا. من يرد الكذب والناس بسطاء او أغبياء وتلصق بك التهمة عشرات من السنين ولا يقطعها احد.

كثرة من الصادقين لا يصدقهم احد لأن الآهون ان يصدّق الكاذبون. احيانا كثيرة انت ذبيح الى الأبد ويراك الله وحده وهو وحده يزكيك، وقد لا يعرف هذا ابدا في هذه الحياة الدنيا. ويجب ان تكون مكتفيا بتزكية الله حتى لا تحزن فتبكي وحدك والرب وحده يمسح كل دمعة عن عينيك.

#   #   #

انت تحمل مبغضك بقوتك الوحيدة التي هي الغفران. لا شيء يؤكّد ان الغفران يشفي العدو ولكن لا حيلة لك فقد كتب: «احبّوا أعداءكم. باركوا لاعينيكم. أحسنوا الى مبغضيكم… لأنكم ان احببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم» (متى 5: 44-46).

رجاؤنا شفاء المبغضين حتى يستقيم العالم. «العالم واقع كلّه تحت الشرور» (1يوحنا 5: 19). هذا لا يقودنا الى اليأس ولكن قد يقودنا الى ألم شديد اذا كنا نحب خلاص الناس.

خلاص العالم سعي من المتقدسين وصلاة لهم لا تنقطع. المحبة في الأخير تنتصر ولكن قد لا نعرف في حياتنا نصرها. الرجاء هو ايضا سعي. ونحن مخلّصون على الرجاء.

لا ينبغي ان تذهب نفوسنا ضدّ الخطأة. لا نكرههم. نكره خطاياهم. ولا نبغض المبغضين. لا نيأس من توبتهم واذا عادوا الى ربّهم لا شيء يفرحنا مثل توبتهم لأنها وحدها تنقذ نفوسهم من شرورها. متى يصبح المبغض قياميا؟

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

من قريبي؟/ الأحد 11 تشرين الثاني 2012 / العدد 46

الناموسيّ الذي أراد أن يختبر المعلّم طرح عليه سؤلا لاهوتيا: «ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟».

لم يجب السيد هذا الرجل، ولكنه ردّ على سؤاله بسؤال: ماذا كُتب في شريعة موسى؟ فأجاب هذا الرجل: «أَحبب الرب إلهك…». هذه هي الوصية الأولى التي اقتبسها لوقا من سفر التثنية 6: 5، والوصية الثانية: (تحبّ) قريبك مثل نفسك، موجودة في سفر اللاويين 19: 18.

هذا الرجل الذي طرح السؤال على يسوع ليجرّبه قال له يسوع: إفعل هذا فتحيا. إذ ذاك سأل هذا يسوع: «من هو قريبي؟». هذا سؤال ليس سهلا على اليهود لأنهم ما كانوا يحبّون الغرباء.

أجاب يسوع عن هذا السؤال بمَثَل أي بحكاية من عنده وكلّمه عن إنسان يهوديّ كان نازلا من أورشليم الى أريحا فوقع بين لصوص ضربوه. «وتركوه بين حيّ وميت».

مرّ بهذه الطريق يهوديّان آخران أَحدُهما كاهن وآخر لاويّ. اللاويّون سُمّوا كذلك لأنهم من نسل لاوي بن يعقوب. كان من واجباتهم أن يحملوا خيمة الاجتماع إذا رحلوا وينصبوها إذا حلّوا. هذان عبرا عن الجريح حتى جاء سامريّ غريب الجنس والدِين. هذا تحنن على هذا المرميّ على الطريق.

كان السؤال المطروح على يسوع: من هو قريبي؟ لم يُجب الرب. أجاب بسؤال: «أيّ هؤلاء الثلاثة تُرى صار قريبًا للذي وقع بين اللصوص؟». لم يدلّ يسوع على قريب هذا الجريح، بل سأل من هو الذي صار قريبًا له؟ المعنى أنك أنت بالمحبة تجعل ايّ انسان تخدمه قريبًا لك.

أنت إذا صنعت الرحمة مع أحد الناس تصير قريبَه. ردّ يسوع السؤال «من هو قريبي؟». وصار السؤال: مَن أَجعلُه قريبًا لي؟ هذا يعود بنا الى كلام الرب: «أحبب قريبك كنفسك».

بالانتباه الى الآخر، بخدمته ومحبته تجعل الآخر قريبًا لك. لا تفتّش عن قريبك في النسيب او ابن ضيعتك. ليس انسان مخلوقا قريبا لك. أنتَ تجعله كذلك اذا ذهبت اليه وقدّمت له ما يحتاج إليه.

كلام يسوع مفادُه أنْ صِرْ قريبًا لمن وجدتَه على طريق حياتك بانصرافك الى حاجاته.

القربى الروحية تنشأ بين القلوب من خلال العمل في سبيل الآخر.

هي فوق كل قربى جسدية وفوق كل مصلحة. هي عطاء كامل بلا حساب. أنت لا تنتظر شيئا ممن تحب. تحبه لكي يقرب من ربّه.

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

الجمال / السبت 10 تشرين الثاني 2012

الجمال قائم بذاته وانت تحس به موضوعا خارجا عن عينيك او أذنيك فتلتقطه. يصبح فيك بعد ان كان موضوعا في الكون. لماذا يصبح لك ثم فيك ولا يدركه آخر؟ واذا لم يدركه آخر وكان هذا فيك ممكنا معنى هذا انه كان بينك وبين الموضوع افتراق. لماذا شيء فيك أحدث هذا الافتراق؟ أادراك الجمال محتوم عليك ان كنت سويا واذا اختلفت مع القادرين على تأمّله فبمَ تفسّر هذا الاختلاف؟

اذا اخذت رائعة ليوناردو دافنتشي الجوكوندا يتفق الناس كلّهم على جمالها. قد لا يرون جميعا انها الأجود في مصنوعاته ولكن لم أقرأ أن احدًا رفض اعتبارها تحفة من تحف الدهر. فيها اذًا سطوع يفرض نفسه عليك الا اذا كنت اميا في مجال الفن. بهاؤها يفرض نفسه لأنه قائم فيها ولا مجال للتأويل او التفسير ولا سيما انها ثابتة او غير متحركة بمعنى انها هي التي تأتي اليك وانت تتلقاها وليس لك في ذلك تحيّر او تردد.

هذا يعني ان للجمال الكلاسيكي قواعد استنبطها علماء الجماليات لكونهم شاهدوها في الموضوع الذي تأمّلوه وتحرّكهم العاطفي او الانفعالي بالموضوع كان قليلا وتمسكوا بالأسس التي اتفق عليها اهل الفن او اهل تفسير الفن هذا اذا تبنينا قول ارسطو ان الفن يقلد الطبيعة.

من هذا المنظار اظنّ انه يصح اعتبار ان مثقفي الفن الكلاسيكي والجاهلين به ليسوا بعيدين بعضهم عن بعض في تقديرهم. انهم يقيسون العمل الفني بالطبيعة التي يعرفون وقبولهم بالطابع الجمالي للمنتج يفرض نفسه عليهم. اجل إحساس العارفين أقوى من إحساس غير المتدربين على الرسم وهذا ما يوحي لهم تفسيرا غير وارد عند العامة. هناك درجات من القبول او تفاوت في كثافة الحس ولكن الفنّ الكلاسيكي يفرض نفسه كالطبيعة التي جاء منها.

اما الفن المعاصر لكونه مفلسفا منذ الانطباعيين فليس امامه الناس واحدا. ذلك ان الناس مختلفو الفلسفة وتاليا مختلفو الأذواق. الفن المعاصر وراءه كلام او يترجم كلاما او خيارا فلسفيا.

هذا لا يمنع المختارين ان يخترقوه لاقتناعهم بالفكر الذي جاء به او لقدرتهم على تحسس الطاقات عند الفنان المعاصر او تحسس نفسه الذي يقول هو انها تمخضت بالمنتج الفني، اذا استطعت انت ان تصل الى ما كان في نفس المبدعين اذا ابدعوا يقال انك التقطت الرسالة. هذا لا يعني انك فهمت. فالفن الحديث يستغني عن الإدراك العقلي. يجب ان يدخل الفن اليك دخولا فيه من التلمّس الداخلي، الوجداني ما لا يفرض تماسا عقلانيا.

#   #   #

مناصرو الفن الحديث وذائقوه لا يرون ضرورة ان يتصور بعض الجمال بالعقل او ان يعبر به. لا يقلقهم ان يرسموا قامة بلا رأس. يريدون ان ترى قامة ما التي نعرفها بعيوننا. يريدون ان ينقلوا احساسهم اليك كما تكون في نفوسهم بحيث تتحسس القطعة الفنية كما تستطيع وتخرجها لوحة كما تعرف بلا قاعدة فتأتي القطعة من تحسس غامض عند صانع الشيء فينتقل منه اليك ما ينتقل وليس همّ الفنان ان تكون متفقًا معه بما يمكن تفسيره وهو لا يناقشك بما تحس ولكنه يريدك ان تقبل.

الفن لم يبقَ لغة متفقا على مكوناتها، لغة قابلة للتفسير. المتأمّل فيه يعترف لك انه اقتبل شيئا او لم يتقبل. بعض من الناس مَن يرى ان هذا الفنّ لغة تواصل. هل من تواصل بالإحساس فقط بلا واسطة العقل اي خارجا عن الوضوح؟ يبقى انسجام الألوان الذي هو نوع من الموسيقى ولكن لا موضوع.

المدى الجمالي عند المعاصرين خارج عن المدى الفكري اي عن الكل الانساني المتماسك. قد لا يحس الانسان الحالي بضرورة الترابط بين العقل والشعور ويقبل ان يعيش بتفاعلات عاطفية او غريزيّة لا يشرف عليها الوجدان البشري المطهر.

#   #   #

لقد أخذنا عن افلاطون ان الكيان البشري كما كيان المدينة قائم على الجمال والخير والحق وهذا ثالوث غير قابل للتجزئة. فانهزام العقل امام الجمال هو انهزام الخير الذي ينقينا وانهزام الحق الذي لولاه لما قامت انسانيتنا اذ نكون قد اصبحنا عواصف داخلية تجعلنا في تخبّط داخلي غير قابل للتهدئة.

الجمال مرتبط بالأحاسيس مصدرا وتلقيا، هذا اذا أردنا الا نتحدث عن الجمال الروحي الذي هو في مدى القداسة. هذا يجعل التقاطنا للجمال معرضا للهشاشة او مختلطا بأهوائنا. الجمال عند وصوله الينا بالفهم والحس في حاجة دائما الى تنقية في وجداناتنا حتى لا يخامره عنصر ضدّ الخير او ضدّ الحق. وهذا طبعا دقيق جدا.

بكلام آخر اذا سعينا الى قبول الجمال فينا علينا ان نسعى معه الى دعوة الخير والحق الى قلوبنا فاذا انقسم الثالوث الذي اشرنا اليه وتبعثر الجمال والخير والحق نصبح على غير هدى. بلا التناسق الوجداني بين هذه العناصر الثلاثة يفنى التوازن البشري فينا ونقع في هذه المغالطة الرهيبة القائلة بإمكان فصل الجمال عن الخير والحق.

عبادة الجمال بدعة رهيبة اذا استقل عمّا يلازمه في الوجدان النقي اعني اللصوق بالخير والحقيقة. دون هاتين القوتين فينا يصبح الجمال إبادة للنفس فتصير هذه مقبرة للجمال نفسه.

القيامة من موت النفس هي في الجمع بين الوحدة بين الجمال والحقيقة والخير، هذا هو الثالوث الذي رآه الإغريق قبل ان يسكن الإنجيل قلوب البشر.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

مقام المطران في الكنيسة/ الأحد 4 تشرين الثاني 2012 / العدد 45

يعلم المؤمنون أن المطران رأس الأبرشية والأبرشية هي الكنيسة المحلية وفيها كل صفات الكنيسة الجامعة. هي مقدسة ورسولية. هي ليست مجزأة. هذه الكنيسة الواحدة برئاسة المطران موجودة كليا في كل رعية من رعايانا، والأبرشية تحل وتربط في كل مكان. المطران يقرر في كل مكان. ولكونه أبًا يقرر بمحبة وبما ينفع الرعية المحلية وبالمشاورة مع الكاهن ومجلس الرعية لأن المحبة تربطنا ومن أحب لا يستبدّ.

نحن خطونا معا خطوات عظيمة حتى لا تنفرد رعية بقرارها، وما من شك أن روح الرب منتشرة في كل مكان ولكن لم نبلغ الكمال حتى الآن اي معرفة أن الكاهن او مجلسه في تشاور دائم مع رئيس الكهنة لتتم كل أعمالنا بلياقة وترتيب كما يريد الرسول.

وهذا يعني أنه لا بد من طلب البركة من المطران لكل عمل. فإذا بدأنا بالحجر فكل عمل جديد فيه مثل الترميم او تغيير مبنى الكنيسة او تشييد بيت او رسم جدران الكنيسة يتطلب إذنا واضحا من الرئاسة الروحية. فهل من المعقول أن يزور الأسقف رعية ويرى أشياء جديدة لم يسمع بها؟

الوجود القانونيّ والمؤسس لاهوتيا هو للأبرشية ككل وهذه لها رئيس. هذا هو موقف الكنيسة الأرثوذكسية. نحن واحد، وهذه الوحدة تقوم على التشاور والتفاهم وعلى البركة الإلهية التي ينقلها الى المؤمنين مَن تسلّم القيادة الروحية بينهم. المؤكد أن بعضا من إخواننا مصابون بمرض الانعزالية وبمرض الشعور انهم أحرار في كنيسة القرية وكلامهم أن آباءهم أسسوا وأورثوا المؤمنين ما أوقفوه. حسب الإنجيل، المعطي يعطي مجانًا ولا يطلب شيئا لنفسه او لأولاده وأحفاده. إنها نعمة له من ربّه أنه قدّم ما قدّم. إنها بركة له واذا جاز له شيء فهو شكرنا له. غير أن هذا لا يعطيه ولا لعائلته سلطة على الكنيسة.

الكنيسة المحليّة قائمة بجهود الجميع. وأعضاؤها يتشاورون على رجاء العمل الدائم. غير ان الرئيس الروحي هو الذي يأمر بالعمل. نسمع أحيانا مثل هذا الكلام: «الأوقاف ملكنا. نعمل في الضيعة ما نشاء». بالحقيقة حسب النظام المدنيّ أن الأوقاف هي ملك الطائفة جميعا، والمتولّي الأوقاف بنظر الدولة والقضاء هو رئيس الكنيسة.

اما في الرؤية الروحية فالوقف لله وليس مُلكا لأحد. الكنيسة كلها اي كنيسة الأبرشية الممثلة برئيس الكنيسة هي التي تُحرّك الأوقاف.

الى هذا هناك أُمور فنيّة لها أربابها وليس كل شخص عالما بها. لذلك تحتاط المطرانية بأهل الخبرة لمنفعة الجميع. اذا كنا إخوة او أبناء لا يكون المطران معزولا عن الرأي.

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

المجانية / السبت 3 تشرين الثاني 2012

«مجانا أخذتم مجانا أعطوا» (متى 10: 8). اذا ارادكم ربكم ان تحبوه فهذه المحبة تتربون بها وتنعمون بها ولا يكسب الله منكم شيئا. هو يبادر بمحبتكم لتفيدوا انتم من استمرارها فيكم، لتصبحوا حبا اي قادرين ابدا على تلقي عطفه فإن حنانه كل شيء. انتم لكم صورة اذا سكن فيكم من حيث انه هو الذي يشكل كلا منكم بشرا سويا.

والرب يعرفكم ابناء له وهو اوجدكم بهذه الصفة وستبقون ابناء لأن ابوته باقية الى الأبد ولا يريد منكم الا ان تحبوا بعضكم بعضا لتنوجدوا بهذا الرباط ويراكم عقدا واحدا آتين من رضائه.

هكذا يعامل الخالق كل مخلوقاته بدءًا من الانسان. يعطي بلا حساب ولا يقدر الانسان ان يرد له شيئا سوى طاعته وتعود على الانسان نفعا له. »بماذا اكافئ الرب عن كل ما اعطاني؟« سؤال طرحه الانسان على نفسه بعد ان عامله الرب برأفاته. ولما أدرك الإنسان بعد السؤال انه لا يستطيع ان يعطي ربه شيئا قال: »كأس الخلاص أقبل وباسم الرب أدعو«. وكأس الخلاص من الرب الى الرب. والدعاء من قلب الإنسان الساكن الله فيه اي ان الرب يخاطب نفسه اذا دعاه الانسان.

واذا قال الكتاب: «الروح يشفع فينا بأنات لا توصف» (رومية 8: 26) معنى ذلك انك اذا خاطبت الروح القدس بصلاتك فإنما هو يخاطب نفسه. بتعبير آخر هو الذي يصلّي فيك ويأخذ ناسوتك الى لاهوته حتى لا يعلق في ناسوتيتك شيء من الفساد. بكلام آخر الرب يعيرك نفسه لتعود نفسك بك اليه فيستريح اليك وتقر فيه. انت لك ان تكون تاجرا في التقوى وهذا ما يقوله الكتاب ولكن الله ليس بتاجر. هو لا يبادلك بشيء. انه يبادلك نفسه. انت لا تسترضي الله بشيء. انك تسترضيه فقط بالايمان اي ترد له ما اعطاك ثم يكرر عطاءه كل يوم وانت تذوقه جديدا لأن ربك دائما جديد بالينبوع الذي فيه وانت، على قدر نعمته، تحس انك أمسيت كائنا جديدا كأنك مخلوق عند فجر كل يوم ، كأنك ترى ربّك محييك صباح مساء لأنه لا يريدك على حس العتاقة ولا يرضاك قابعا في الموت الروحي فيبعثك حيا وكأنك لم تمت في خطيئة فإنه ينساها ولا يسجلها في ذاكرته التي لا تحفظ الا عودتك اليه.

#   #

#

ويريدك ان تبذل نفسك للناس غير طالب منّة ولا شكورا حتى لا تكون تاجرا ان عاملتهم. فاذا كنت فقيرا الى الله فلست فقيرًا الى أحد واذا أعطاك احد شيئا فيكون معطيا مما وهبه الله. لك ان تشكر لكل مخلوق ما أعطاك. ولكن ان شكرته فليس لتعرف نفسك مدينا ولكن ليعرف هو انه مدين للرب. لا تنسَ ان تعيد الناس الى الرب. لا يسوغ ان يحسوا بفضل عليك. هذه تجارة. المهم ان يؤمنوا انهم بنعمة الله أحبوك وخدموك. فاذا عرفوا انهم أحبّة الله يكونون اذا اعطوك عائدين الى ربّهم.

نحن عند وصيته ان احببنا بعضنا بعضا وهذا يربينا. ولكن من نحب اذا احببنا؟ في الحقيقة نريد ان يصبح الآخر إلهيا. اجل نحن نؤلف مجتمعا من الذين يحبون الله. الله يمتد او ينتشر اذا صحت الصورة بمعنى انه يضع حضرته فيّ ويضعها فيك. انه لا ينتقل. انه يسكن حيث يرحب به. هو لا يقتحم، لا يغتصب. هو يتأنسن فيك ويتأنسن بمن اختار. هو خفي فيك ويجعلك تتكلم باسمه. ولكن حذار ان تنسى انك تستعير كلامه الذي يصير كلامك بمعنى واحد وهو ان تطيع. سلوكك البهي هو كلمته. والكلمات التي وضعها ما قامت في كتابه فقط لتقرأها ولكن لتصيرها. هو سيرى في اليوم الأخير اذا صرتها وان لم تفعل تكون بقيت أميا بالمعنى الروحي.

انه يريدنا ان نصير بالمحبة كلمة واحدة وان بدونا بسبب من رؤيتنا اجسادا مختلفة. واذا قلنا اننا أضحينا كلمة واحدة فلنعني اننا بتنا حياة واحدة في سر المشاركة التي تجعل المؤمنين واحدا. هذه الوحدة اذا قامت بيننا ينكشف الله واحدا لنا وانكشافه كذلك يجعلنا انسانية واحدة قائمة بحبه هذا الباذل لنا حبيبه الوحيد.

في هذه الرؤية يصبح العشق الإلهي فينا كيانا اي انه ينزل علينا من هذا الذي احبّنا اولا وجعلنا له. واذا استأثر بنا فلمنفعتنا نحن، لنموّنا به، لسيرنا اليه والأولى ان نقول سيرنا فيه.

نحن لا نصير فقط بنعمته ولكننا نصيرها. احد كبارنا قال اننا نكون بحبه بلا بدء. هذا طبعا سرّ لا كنه له عقليا ولكنك بمحبوبيّتك تدرك كل شيء وتفهم ان النعمة مبثوثة فيك ان انت أطعت حتى ينتهي عقلك كله الى قلبك.

#   #

#

هذه كانت غاية الخلق واذا كان الله لا يحتاج الى خلق العالم والإنسان يكون قد برأك ليفيض حبّه عليك، لتصير كائن حب على صورته وحسب مثاله.

هل بعد هذا لك ان تتصور مجتمع حب؟ طبعا كان هذا هو مبتغاه في الخلق. انت ليس لك مبتغى آخر اذ ليس لك غذاء آخر او صورة بقاء وليس لك مع الآخرين صلة. الصلة انت تقيمها مع الآخرين بقوّة العطاء الذي فيك.

هذا مجتمع القديسين الذين اختطف بعضهم اليه والذين يقيم بعضهم على الأرض في ملكوته. ان الذين اخذهم اليه بعد ان ادركوا هذه الصورة والذين استبقاهم على هذه الأرض بعد ان نحتهم بالنعمة هم الأبناء الذين يؤثرهم والذين لم يدركوا جمال هذه الصورة يرحمهم حتى يفهموا ويصيروا. يصيرون اذا فهموا انه اعطاهم كل جمال فيهم مجانا فيشكرون وهو بأمانته الى نفسه يغدق دوما عليهم العطاء ليحسوا انهم اخذوا مجانا فتعلو قاماتهم اليه حتى يلامسوا عرشه ويظلوا هناك.

Continue reading