Category

2012

2012, مقالات, نشرة رعيتي

انطلاقة بولس/ الأحد 30 كانون الأول 2012 / العدد 53

بولس الرسول في استخدامه كلمة «إنجيل» يعني البشارة بالمسيح كما يُقدّمها في رسائله، ولا يعني الأناجيل الأربعة، والمضمون التعليميّ واحد بين هذه الأناجيل وما علّمه بولس.

ثم يوضح أن ما يُعلّمه لم يتسلّمه من إنسان اي من الرسل الذين سبقوه، ولكنه أخذه من يسوع بكشفٍ له خاصّ.

وهنا يسرد ملخّصا عن سيرته ويذكُر أنه لما كان في ملّة اليهود كان يضطهد كنيسة الله بإفراط ويُدمّرها، وهذا ذكره سِفرُ أعمال الرسل في مطلع الإصحاح التاسع.

هذا كان سلوك من كان يُسمّى شاول الطرسوسيّ قبل أن يظهر له السيد على طريق الشام التي كان ذاهبًا اليها ليضطهد المسيحيين مبعوثًا من رئيس الكهنة اليهوديّ في اورشليم. كان شاول مهيّأ لهذا البغض للمسيحيين بسببٍ من انتمائه الى مذهب الفرّيسيين المُعادي للمسيح وأتباعه.

على طريق دمشق، بعد ظهور السيد له وبعد كلامه له، انقلب شاول الى المسيح وخدمته العظيمة حتى موت الشهادة فقال: «فلما ارتضى الله الذي أَفرزني من جوفِ أُمّي ودعاني بنعمته الخ…».

بولس يعتقد أن الله جاء به الى مسيحه، وأنه قبْل أن يضطهد الكنيسة كان الله مهيّئًا إياه ليدخل كنيسة المسيح. هدايته هي في التصميم الإلهي فيما كان يضطهد المسيحيين، وكشف له دعوته بعد أن حاول تدمير الكنيسة.

ظهر له المسيح فيما كان ذاهبا الى دمشق ليقتل المسيحيين او يُلقي القبض عليهم. يقول ما معناه انه بسبب هذا الظهور كان المفروض فيه أن يصعد الى الرسل ليتعلّم منهم الإنجيل. غير أنه انطلق توّا الى «ديار العرب» أو المنطقة الرومانية المدعوّة «العربية» وهي تعني حوران وجبل العرب في سورية الحالية.

بعد ذلك رجع بولس الى دمشق. ثلاث سنين بعد مكوثه في دمشق او في حوران يقول: «صعدتُ الى اورشليم لأَزور بطرس». النص يعني انه كان يعرف ان بطرس هو المميّز او البارز بين الرسل، وبلغه أنه كان لا يزال في اورشليم، وربما كان بقيّة الرسل ايضا في اورشليم وما كانوا قد ذهبوا بعدُ خارج فلسطين للبشارة. لماذا أقام خمسة عشر يومًا عنده؟ ربما لأنه لم يكن عارفا بغيره، وربما قيل له ان بطرس هو المميّز بين الرسل. والدليل أنه كان قاصده قوله: «لم أرَ غيره من الرسل سوى يعقوب أخي الرب».

في متى 13: 55، نعرف المُسَمّين «إخوة يسوع» اي أنسباء له في العُرف العبريّ أنهم يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا. ونفهم من تاريخ الكنيسة الأولى أن يعقوب صار أول أُسقف في اورشليم.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

البطريرك / الأحد 23 كانون الأول 2012 / العدد 52

رأس الكنيسة المحلية (الأبرشية) هو الأُسقف. والكنيسة المحلية هي الموصوفة كالكنيسة العالمية واحدة، جامعة، مقدّسة، رسوليّة. على هذا الأساس الرسوليّ تأتي كل كنيسة يرئسها أُسقف أرثوذكسي. بتطور الأزمنة أخذ أُسقف العاصمة يسمّى «ميتروبوليت» التي صارت «مطران» بالعربية عن طريق اللغة السريانية.

غير أن الميتروبوليت تسمية شرفية لأسقف العاصمة ولكنه -على صعيد الأسرار الإلهية- هو مجرّد أسقف. من سُمّي «رئيس أساقفة» أو «ميتروبوليت» أو «بطريركًا» يبقى في جوهر الأسرار أُسقفا. الميتروبوليت أو البطريرك ليسا مرتفعين دينيا عن الأُسقف الا من حيث الترتيب المجمعيّ.الميتروبوليت في القديم يرئس مجمع الأساقفة.

في منتصف القرن الخامس ظهر المتروبوليت الذي بقي -دينيا- أُسقفا ولكنه يرئس الأساقفة في النظام المجمعي. يتقدمهم ويكون الاول بين إخوة متساوين. جوهريا، الأساقفة مهما كانت مقاماتهم الإدارية هم أساقفة فقط. يجتمعون بإقامة رئيس أساقفة أو ميتروبوليت أو بطريرك.

البطريرك يرئس من لهم لقب أُسقف أو مطران أو رئيس أساقفة. على صعيد الأسرار، البطريرك مجرّد أُسقف، وليس من أحد دينيا فوق الأسقف. البطريركية ليست درجة، هي ترتيب تنتظم فيه حياة الجماعة.

في الوضع الحاضر عندنا صارت الميتروبوليتيّة مجرّد تسمية للأسقف. كل رئيس أبرشية في الكرسي الأنطاكي صار يسمّى «ميتروبوليت». ليس هذا هو الوضع في الكنائس الأخرى.

الميتروبوليت القديم صار لقبه بطريركًا في أواسط القرن الخامس، وهو يرئس المجمع المقدس كله. ثم اندثر عندنا مقام المتروبوليت كرئيس لمجمع صغير يؤلّفه الأساقفة المحليّون. وصار كل رئيس كهنة في الكرسي الأنطاكي يدعى «ميتروبوليت» أو مطرانا. والمطارنة أصحاب الأبرشيات يؤلّفون مجمعا برئاسة البطريرك.

المجمع المقدّس هو اجتماع مطارنة كنيسة مستقلّة، فهناك، على سبيل المثال، المجمع القسطنطيني يرئسه بطريرك القسطنطينية، وعندنا المجمع الأنطاكي الذي ينعقد برئاسة البطريرك الأنطاكي.

البطريرك يرئس المجمع ويسعى الى التقارب الروحي بين الأبرشيات ويتّصل برؤساء الكنائس الأرثوذكسية المستقلة ويعبّر عن وحدة الكنيسة الأنطاكية تجاه كل الهيئات الدينية والمدنية. هذا لا يمنع أيّ مطران من الاتصال الشخصي بزملائه المطارنة الآخرين في كرسيّنا وخارج كرسيّنا أو أن يُراسل من يشاء في العالم وأن يشرح وجهة نظره في هذا الأمر او ذاك. البطريرك لا يقيّد حرية المطارنة بالتعبير عن فكرهم او أن يسافروا، ويمكن لأيّ مطران من عندنا أن يشرح لصديق له في كنيسة مستقلّة أُخرى مواقف كنيستنا او أن يناقشه في اللاهوت او أن ينشر في مجلة ارثوذكسية او غير أرثوذكسية او في مجلة علمية ويتحمّل مسوولية ما يكتب.

غير أن البطريرك اذا تحرّك خارج الكرسيّ الأنطاكي لا ينطق باسمه ولكنه يعبّر عن رأي المجمع. لا يقول: هذا موقف الكنيسة الأنطاكيّة الا اذا تسلّح بقرار من المجمع المقدس. هو لسان حال المجمع. البطريرك ينقل فكر إخوته.

هو حامل المجمع. مسؤوليته السَهَر على المجمعية وعلى وحدة الفكر الأنطاكي. والمطران يحمل الى المجمع أبرشيته لأنه غير مستقلّ عنها. المفروض أنه يتفاعل مع أهل الرأي في أبرشيته ويُكوّن رأيه بالمشاروة. ليس أحد منّا منفصلا عن التراث وتعاون الإخوة. الأسقف يحمل القديم والحاضر معا. لا يخالف التراث ولا التعبير الحيّ عن التراث في اليوم الذي يعيشه.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

الناموس القديم والإيمان/ الأحد 9 كانون الأول 2012/ العدد 50

همّ بولس الكبير في الرسالة الى أهل غلاطية أن نثبُت في الحرية التي حرّرنا المسيح بها ولا نبقى مرتبطين بناموس موسى لكوننا وصلنا الى الإيمان. وتوضيحًا لقيامنا بالمسيح بالإيمان وأننا تبرّرنا به، يوضح الرسول أننا لا نخلص بطاعة المسيح، ويأتينا بكلام يدل على ان اليهود الذين رفضوا المسيح هم عبيد مع مدينة اورشليم، ويقول ان المسيحيين أكانوا من الأمم أصلا ام من اليهود هم مواطنو اورشليم السماوية.

الدليل الأساسي على النعمة والحرية هي الخبرة المسيحية لحياة جديدة في المسيح. ويحثّ كل الذين كانوا تحت الناموس المقروء في المجامع أن يفحصوا نتائج اتخاذ الناموس عوضا عن النعمة كطريق خلاص.

توضيحًا لموقفه يدخل الرسول في تأويل وضع إسماعيل ووضع إسحق ابني إبراهيم. أُمّ إسماعيل هاجر كانت عبدة لسارة أُمّ إسحق الذي هو ابن الموعد. ابن الجارية مولود حسب الجسد. كان لسارة تسعون سنة لما وُلد منها إسحق. هنا يؤكد بولس أن الأمر صار ممكنا بسبب الإيمان. هذا ما سمّاه الموعد. إسماعيل ظهر بلا موعد دون غاية روحية معينة وليس له مساهمة في تاريخ البشرية. اما فرع إسحق فأعطى المسيح.

ويوضح بولس أن هاتين سارة وهاجر يرمزان الى عهدين، أحدهما من طور سينا وهو جبل في ديار العرب ويناسب اورشليم الحالية، وفي الواقع ان طور سينا المعروف الى اليوم بهذا الاسم هو في ديار العرب (وليس من مصر). اورشليم التي لم تصل الى حرية أبناء الله اي التي بقيت على عبوديتها اليهودية هي عاقر ولم تلد أحدا بالروح اي بقيت على الجحود اليهودي. اما نحن المولودين من اورشليم الحُرّة فأولاد الموعد سواء انحدرنا من إسحق في الجسد أَم لم ننحدر لأننا بالإيمان أبناء إبراهيم. الذين لم يؤمنوا بالمسيح وُلدوا حسب الجسد في شهوات هذا العالم، وهؤلاء يضطهدون الذين وُلدوا حسب الروح اي في الروح القدس بالمعمودية.

ماذا يستنتج بولس من صورة سيناء وصورة اورشليم الحرة. يريد أن الذين بقوا بلا مسيح هم أبناء الجارية ولا يرثون مع ابن الحرة. يصل بولس بعد هذا الى القول اننا لسنا اولاد الجارية بل أولاد الحرة. نحن تَحرّرنا من النظام الموسوي القديم وبتنا أولاد الحرية. «لقد دُعيتم الى الحرية» التي حررنا فيها المسيح ليس فقط من الخطيئة ولكن من الناموس ايضا وجعلنا أبناء المحبة التي صارت الناموس الجديد الذي نحيا فيه. لهذا تغلّبنا على عبودية الخطيئة وعبودية الناموس وباتت علاقتنا مباشرة مع الله في دم المسيح وفي قيامته.

أنتَ اذا تحررتَ من الخطيئة تصير قائمًا في البر الذي يأتيك من الإيمان بيسوع. وهذا يفرض عليك قانون المحبة الذي ليس فوقه قانون. بهذا تأتي من أعماق المسيح وتُلازمها وتُلازمك ما دُمت في سلوكك ابنًا لله.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

الحياة في النُّور/ الأحد 2 كانون الأول 2012 / العدد 49

بعد أن أنهى بولس الرسول كلامه اللاهوتي العظيم في الرسالة الى أهل أفسس، وصل الى الناحية السلوكية وحذّر المؤمنين من الكلام الباطل حتى وصل الى القول ان المسيحيين هم نور في الرب وحثّهم على أن يسلكوا كأولاد النور وأوضح أنهم يصيرون هكذا اذا امتلأوا من الروح القدس مصدر كل صلاح وبرّ وحق.

ينتج من توصيته هذه أن يختبروا ما هو مرضيّ للرب بتركهم أعمال الظلمة، وليس فقط هذا بل يحضّهم على أن يوبّخوا هذه الأعمال عند إخوتهم المسيحيين لتكون الكنيسة كلها جميلة. الأعمال المظلمة نميل الى إخفائها. لذلك يحثّ بولس المؤمنين أن يُظهروا أعمال النور.

وبعد تأكيده النور، يستشهد بنشيد كان يُستعمل في العبادة وهو «استيقِظْ ايها النائم وقُم من بين الأموات فيضيء لك المسيح». يستنتج مِن كون المسيح نور العالم فيدعو الرسول المسيحيين أن يسلكوا لا كجهلاء بل حكماء لأن الأيام شريرة.

هذه كانت التوصية العامة أن تتمسكوا بحكمة الله («كونوا حكماء كالحيّات»، هذا كان قول الرب). ولكن أن نسلك كما يريد الرب يتطلب أن نفهم ما مشيئة الرب. مشيئته هي أن نحفظ وصاياه، أن نتشبّه به، أن نسعى أن نكون مثله.

هنا يعطي مثلا عن السلوك المسيحيّ لا يتضمن كل شيء ولكن يُقاس عليه فيقول: «لا تسكروا بالخمر التي فيها الدعارة»، والمقصود أن السُكر يوصل الى رفض العفّة، وهذا ما يسمّيه الرسول هنا الدعارة. والقاعدة في موضوع الخمر هي أن يتخذها الانسان باعتدال. ففي كثير من حضارات الشعوب المسيحية هي شراب عاديّ، ولكن اذا وقع الإنسان في السُكر يكون قد خالف الوصية. «السكّيرون لا يرثون ملكوت الله» (1كورنثوس 6: 10). إن هدوء العقل الذي يفقده السكّير أساسيّ عند المؤمنين. الشراهة والسُكر واحد.

ضد السُكر يقدّم بولس الامتلاء بالروح القدس الذي شرطه العفّة. فاذا امتلأتم من الروح القدس تصبحون قادرين أن «تُكلّموا بعضُكم بعضًا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية». هنا نفهم أن العبادة المسيحية (الطقوس) في عهد بولس كانت تتضمن أناشيد وليس فقط قراءات.

هناك مَن اعترض من الرهبان بعد زمن بولس على الترنيم باستعمال الألحان. ولكن الكنيسة لم تُعِرْ هذا الاعتراض على الموسيقى أهمية، وثبتت الموسيقى في الشرق دائما وفي الغرب حتى القرن الثاني عشر بلا أدوات موسيقية، ورأت الكنيسة الشرقية أن الترنيم بالصوت البشريّ كافٍ ليرفع النفس الى الله.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

التبرير بالإيمان/ الأحد 25 تشرين الثاني 2012/ العدد 48

«قبْل أن يأتي الإيمان كنّا محفوظين تحت الناموس». معنى بولس أن الإيمان هو الإيمان بيسوع المسيح. هذا عنده هو الإيمان الكامل. قبل ذلك كان الناموس اي شريعة موسى. في ظلّها كان مغلقًا علينا بانتظار الإيمان بيسوع. هنا استعار بولس صورة المؤدّب ويعني بها الخادم الذي كان يرافق الطفل الى المدرسة. قبل الإيمان بالمسيح كان فقط هذا الخادم (الناموس) الذي كان يسوقنا الى المسيح.

الآن صرنا «أبناء الله بالإيمان بيسوع المسيح». هنا يعطي بولس للإيمان صورة الثوب الملتصق بنا اي الذي صرنا واحدًا معه وواحدًا به فيقول: «انتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح لبستم». لا يوجد شيء آخر سواه، ولهذا زال الافتراق بين اليهودي واليوناني (ويقصد هنا الوثني) وزال الافتراق بين العبد والحر (وفي عهد بولس كان المواطنون الرومان يُقسمون الى عبيد وأحرار، والعبد ليست له شخصية قانونية). ليس المهم ان يكون الانسان عبدًا او حرًّا، وليس المهم ان يكون ذكرًا او أُنثى.

يبقى كل منّا (العبد او الحر، الذكر او الأنثى) على حاله على المستوى القانوني. تزول الفوارق الاجتماعية او تلك المتعلقة بالجنس «لأنكم جميعكم واحد في المسيح يسوع».

قبل التصاقنا بالمسيح كنا كالأطفال الذين هم «تحت الأوصياء والوكلاء، متعبّدين تحت أركان العالم» اي خارجين عن الإيمان. «فلما حان ملء الزمان (اي هذا الذي يتحقق فيه مشروع الله، المشروع الكامل)، أَرسل اللهُ ابنه مولودا تحت الناموس (الشريعة اليهودية)، مولودًا من امرأة ليفتدي الذين تحت الناموس» وهم اليهود ولكنهم لا يُفتدَون وحدهم. غير أن كلمة الخلاص أُرسلت اليهم بدءا. وغاية الافتداء أن ننال التبني.

في عقل بولس الرسول كنا أبناء الغضب بسبب من الخطيئة أي ما كنا مدركين اننا أبناء الله في خطة الله. جعلنا الرب أبناء بفضل بنوّة المسيح للآب وشراكتنا للمسيح. فنحن إخوة له. وكما أن الابن هو ابن الله في الجوهر صرنا أبناء الله بالنعمة. بنوّتنا لله مكتسبة، أمّا بنوّة المسيح لأبيه فجوهرية سابقة للزمان.

بنوّتنا لله فضل إلهيّ وليست ثمرة جهد لنا. ولكننا نستطيع بالنعمة أن نسلك كأبناء عارفين أن الله بمحبته لنا جعلنا أبناء. نحن لا نصنع بنوّتنا لله. نُدركها. ثم نسلك بها في طاعتنا للرب. نُحقق بنوّتنا في محبتنا للرب وطاعته. ندخل في عائلة الآب ونعي انتماءنا لله. نصير إلهيين كما صار الابن بشرا. الإنسان بمعنى التبنّي يصير ابنًا وجالسًا مع الابن على يمين الآب.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

هيكل الله / الأحد 18 تشرين الثاني 2012 / العدد 47

عندما قال بولس: «إن المسيح هو سلامُنا» تابعها بقوله: «هو جعل الإثنين واحدًا» وأراد بالاثنين اليهود والأمم، وكان اليهود يُبغضون الشعوب الوثنية عملا بقول الكتاب: «سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتُبغض عدوّك» (متى 5: 43) والمفهوم أن قريبك هو اليهوديّ فقط، والغريب هو العدوّ.

وأوضح الرسول بُطلان هذا الموقف بقوله ان المخلّص نقض في جسده اي في موته حائط السياج الذي كان يُفرّق اليهود عن الأمم، وأبان يسوع أنه خلق الاثنين اي اليهود والأمم في نفسه، ويعني هنا ايضا بموته، جعلهما معا «انسانا واحدا جديدا» بعد أن كانا اثنين متخاصمين إذ أجرى السلام بينهما بدمه وصالحهما كليهما في جسد واحد بعد أن صارا معا بإيمانهما بيسوع جسدًا واحدًا مع الله.

اتحدا بالصليب اذ كانا معا في المسيح ولم يبقَ من بعيد. صرتم قادرين أن تُصلّوا معًا الى الآب الذي هو منتهى كل شيء، والجامع بينكما هو الروح القدس الذي أرسله المخلّص اليكم بعد صعوده الى السماء.

ثم يتابع بولس فكره بقوله: «فلستم غرباء بعد ونزلاء بل مُواطني القديسين وأهل بيت الله». قبل معموديتكم كنتم غرباء وما كنتم أهل بيت الله، والآن صرتم مُواطني القديسين وواحدا مع المؤمنين. الكنيسة صارت لكم الوطن العُلوي النازل من السماء.

«وقد بُنيتم على أساس الرسل والأنبياء» ويعني بالرسل تلاميذ يسوع الاثني عشر، وبالأنبياء يعني كتب أنبياء العهد القديم وهم الأربعة الكبار (إشعياء، إرميا، دانيال، حزقيال) والأنبياء المعروفين بالصغار الذين وضعوا أسفارا في العهد القديم، كذلك يريد الأنبياء الذين لم يضعوا اسفارا.

ويريد بولس بالبناء بناء العقد الذي نبنيه في الشرق وهو مؤلّف من حجارة ملاصقة بعضها ببعض وليس بينها مادة كالكلس او ما يُشبهه، ويجمعها ما يُسمّيه الرسول «حجر الزاوية» ونُسمّيه بالعامّية اللبنانية «حجر الغلق». وفي هذا البناء يستند الحجر الى الحجر وتلتقي الحجارة كلها بحجر واحد هو حجر الغلق.

بهذا الحجر يشبّه بولسُ يسوعَ المسيح الذي به ينسق البنيان كله (وهذا ما عندنا في البناية الشرقية) فينمو البناء الذي صرتُموه «هيكلا مؤسسًا في الرب وفيه أنتم أيضًا تُبنَون معًا مسكنًا لله في الروح». هيكل مقدس في الرب يرادفه مسكن الله في الروح اي في الروح القدس الحالّ فيكم. عندنا هيكل غير منظور وهو الكنيسة جعلها الله مسكنًا له، وأنتم هذا المسكن بالروح القدس الذي يحلّ على كل واحد بالمعمودية والميرون.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

من قريبي؟/ الأحد 11 تشرين الثاني 2012 / العدد 46

الناموسيّ الذي أراد أن يختبر المعلّم طرح عليه سؤلا لاهوتيا: «ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟».

لم يجب السيد هذا الرجل، ولكنه ردّ على سؤاله بسؤال: ماذا كُتب في شريعة موسى؟ فأجاب هذا الرجل: «أَحبب الرب إلهك…». هذه هي الوصية الأولى التي اقتبسها لوقا من سفر التثنية 6: 5، والوصية الثانية: (تحبّ) قريبك مثل نفسك، موجودة في سفر اللاويين 19: 18.

هذا الرجل الذي طرح السؤال على يسوع ليجرّبه قال له يسوع: إفعل هذا فتحيا. إذ ذاك سأل هذا يسوع: «من هو قريبي؟». هذا سؤال ليس سهلا على اليهود لأنهم ما كانوا يحبّون الغرباء.

أجاب يسوع عن هذا السؤال بمَثَل أي بحكاية من عنده وكلّمه عن إنسان يهوديّ كان نازلا من أورشليم الى أريحا فوقع بين لصوص ضربوه. «وتركوه بين حيّ وميت».

مرّ بهذه الطريق يهوديّان آخران أَحدُهما كاهن وآخر لاويّ. اللاويّون سُمّوا كذلك لأنهم من نسل لاوي بن يعقوب. كان من واجباتهم أن يحملوا خيمة الاجتماع إذا رحلوا وينصبوها إذا حلّوا. هذان عبرا عن الجريح حتى جاء سامريّ غريب الجنس والدِين. هذا تحنن على هذا المرميّ على الطريق.

كان السؤال المطروح على يسوع: من هو قريبي؟ لم يُجب الرب. أجاب بسؤال: «أيّ هؤلاء الثلاثة تُرى صار قريبًا للذي وقع بين اللصوص؟». لم يدلّ يسوع على قريب هذا الجريح، بل سأل من هو الذي صار قريبًا له؟ المعنى أنك أنت بالمحبة تجعل ايّ انسان تخدمه قريبًا لك.

أنت إذا صنعت الرحمة مع أحد الناس تصير قريبَه. ردّ يسوع السؤال «من هو قريبي؟». وصار السؤال: مَن أَجعلُه قريبًا لي؟ هذا يعود بنا الى كلام الرب: «أحبب قريبك كنفسك».

بالانتباه الى الآخر، بخدمته ومحبته تجعل الآخر قريبًا لك. لا تفتّش عن قريبك في النسيب او ابن ضيعتك. ليس انسان مخلوقا قريبا لك. أنتَ تجعله كذلك اذا ذهبت اليه وقدّمت له ما يحتاج إليه.

كلام يسوع مفادُه أنْ صِرْ قريبًا لمن وجدتَه على طريق حياتك بانصرافك الى حاجاته.

القربى الروحية تنشأ بين القلوب من خلال العمل في سبيل الآخر.

هي فوق كل قربى جسدية وفوق كل مصلحة. هي عطاء كامل بلا حساب. أنت لا تنتظر شيئا ممن تحب. تحبه لكي يقرب من ربّه.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

مقام المطران في الكنيسة/ الأحد 4 تشرين الثاني 2012 / العدد 45

يعلم المؤمنون أن المطران رأس الأبرشية والأبرشية هي الكنيسة المحلية وفيها كل صفات الكنيسة الجامعة. هي مقدسة ورسولية. هي ليست مجزأة. هذه الكنيسة الواحدة برئاسة المطران موجودة كليا في كل رعية من رعايانا، والأبرشية تحل وتربط في كل مكان. المطران يقرر في كل مكان. ولكونه أبًا يقرر بمحبة وبما ينفع الرعية المحلية وبالمشاورة مع الكاهن ومجلس الرعية لأن المحبة تربطنا ومن أحب لا يستبدّ.

نحن خطونا معا خطوات عظيمة حتى لا تنفرد رعية بقرارها، وما من شك أن روح الرب منتشرة في كل مكان ولكن لم نبلغ الكمال حتى الآن اي معرفة أن الكاهن او مجلسه في تشاور دائم مع رئيس الكهنة لتتم كل أعمالنا بلياقة وترتيب كما يريد الرسول.

وهذا يعني أنه لا بد من طلب البركة من المطران لكل عمل. فإذا بدأنا بالحجر فكل عمل جديد فيه مثل الترميم او تغيير مبنى الكنيسة او تشييد بيت او رسم جدران الكنيسة يتطلب إذنا واضحا من الرئاسة الروحية. فهل من المعقول أن يزور الأسقف رعية ويرى أشياء جديدة لم يسمع بها؟

الوجود القانونيّ والمؤسس لاهوتيا هو للأبرشية ككل وهذه لها رئيس. هذا هو موقف الكنيسة الأرثوذكسية. نحن واحد، وهذه الوحدة تقوم على التشاور والتفاهم وعلى البركة الإلهية التي ينقلها الى المؤمنين مَن تسلّم القيادة الروحية بينهم. المؤكد أن بعضا من إخواننا مصابون بمرض الانعزالية وبمرض الشعور انهم أحرار في كنيسة القرية وكلامهم أن آباءهم أسسوا وأورثوا المؤمنين ما أوقفوه. حسب الإنجيل، المعطي يعطي مجانًا ولا يطلب شيئا لنفسه او لأولاده وأحفاده. إنها نعمة له من ربّه أنه قدّم ما قدّم. إنها بركة له واذا جاز له شيء فهو شكرنا له. غير أن هذا لا يعطيه ولا لعائلته سلطة على الكنيسة.

الكنيسة المحليّة قائمة بجهود الجميع. وأعضاؤها يتشاورون على رجاء العمل الدائم. غير ان الرئيس الروحي هو الذي يأمر بالعمل. نسمع أحيانا مثل هذا الكلام: «الأوقاف ملكنا. نعمل في الضيعة ما نشاء». بالحقيقة حسب النظام المدنيّ أن الأوقاف هي ملك الطائفة جميعا، والمتولّي الأوقاف بنظر الدولة والقضاء هو رئيس الكنيسة.

اما في الرؤية الروحية فالوقف لله وليس مُلكا لأحد. الكنيسة كلها اي كنيسة الأبرشية الممثلة برئيس الكنيسة هي التي تُحرّك الأوقاف.

الى هذا هناك أُمور فنيّة لها أربابها وليس كل شخص عالما بها. لذلك تحتاط المطرانية بأهل الخبرة لمنفعة الجميع. اذا كنا إخوة او أبناء لا يكون المطران معزولا عن الرأي.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

مع المسيح صُلبتُ/ الأحد 28 تشرين الأول 2012 / العدد 44

«مع المسيح صُلبتُ». العبارة تدل على المسيح الحاوي في نفسه كل أحبائه. العبارة المرادفة لها والتي يستعملها بولس كثيرًا هي «في المسيح» وتدل على أن الرب يسوع أخذنا في ذاته، جعلنا فيه لمّا تمّم خلاصنا بموته.

بعد هذا القول اللافت عند الرسول قوله «صُلبتُ فأَحيا». وفي هذه الكلمات دلّ بولس على أن حياتنا الجديدة أوُتيناها من موت المسيح إذ على الصليب بدأ خلاصنا بمعنى أننا نلنا الحياة الجديدة.

بعد أن قال بولس «فأحيا» استدرك فقال «لا أنا، بل المسيحُ يحيا فيّ». ارتكز هذا على الوحدة القائمة بين كل واحد منّا والمسيح. فإذا ملأني الرب يسوع بكل نعمة من عنده يكون هو الحيّ فيّ وتنسكب حياته فيّ بالروح القدس. من أَحب المسيح بقوة يكون قد أخذ المحبة التي أَحبنا المسيحُ بها. دائمًا تبدأ المحبة بالمسيح، ونحن نستجيب لها بطاعة وصاياه.

بعد هذا يقول الرسول: «ما لي من الحياة في الجسد انا أَحياه في الإيمان بابن الله». هو يريد الحياة في المسيح. وعبارة «في الجسد» تعني من كل كياني. انها الحياة التي يسكبها الروح الإلهي فينا، ولا يقصد بها حياتنا البيولوجية. هناك حياة أقوى تنزل علينا من فوق. هذه يعطيها الإيمان اذ الإيمان حياة جديدة تبدأ عندنا بالمعمودية وتنمو بالإيمان ونغذّيها بصلواتنا والأسرار الإلهية. أحيا في إيماني بابن الله لأنه، ساكنًا فينا، يعطيني الإيمان به.

إذا آمنت بابن الله أَعرف أنه أَحبّني وبذل نفسه عني. كل الإيمان في حقيقته وعمقه أن أعرف أن الله أَحبّني. هذه هي المرة الوحيدة التي يوضح فيها بولس أن يسوع يحبه هو، ولا يقول أَحبّنا. كل مؤمن مخصّص بحب يسوع له. إنه لمهم جدا أن تعرف نفسك حبيب الرب وأن تفهم هذه العلاقة الخاصة بينك وبين المخلّص. ما هي حياة المسيح فيك؟ أَوضحها بولس بقوله: «وبَذل نفسه عني» والمعنى طبعا أنه مات ثم قام لخلاصي.

الإيمان بابن الله يعطينا الحياة الأبدية، وهي تبدأ من هنا علاقة وجود مع المسيح. الحياة الأبدية لا تعني حصرًا تلك التي ننالها بعد الموت إذ هي تبدأ بالمعمودية وتقوى بالإيمان. تُسمّى «أبدية» لأنها لا تنقطع بالموت فالنعمة تنزل على كل الأحياء وعلى الأموات الذين هم أحياء في المسيح.

تبدأ حياتنا بالمسيح بالإيمان ونغذيها بالكلمة الإلهية ومناولة جسد الرب واستمرار ثقتنا بالله. هذه هي الحياة في المسيح المحيي كل مؤمن بها. ما من أُمنية أعظم لإنسان من أن يحيا المسيحُ فيه ويحيا هو في المسيح.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

إنجيل بولس/ الأحد 21 تشرين الأول 2012 / العدد 43

كلمة إنجيل التي يستعملها بولس تعني مضمون البشارة التي بشّر بها. هي طبعًا لا تعني الأناجيل الأربعة التي لم تكن دُوّنت بعد. إنجيله ليس بحسب الإنسان، أي لم يكتبه إنسان، ولم يعلّمه إياه إنسان، وفي الواقع لم يشاهد رسولا من الاثني عشر او تابعا لهم قبل ان يعلّم.

يوضح هذا بقوله: «كنتُ أَضطهد كنيسة الله بإفراط وأُدمّرها». هذا مؤكّد في سفْر أعمال الرسل عندما يتكلّم هذا السفْر عن اهتدائه. «أما شاول (اي بولس) فكان لم يزل ينفث تهددا وقتلا على التلاميذ» (أعمال 9: 1). قبل ظهور السيد له على طريق دمشق، كان اكثر من بقية اليهود «غيرةً على تقليدات آبائه»، والغيرة اليهوديّة جعلته يذهب الى أورشليم «ليسُوقهم موثقين الى أورشليم».

في طريقه الى دمشق لإتمام هذه المهمة، دعاه الله بنعمته «ليُعلن ابنه فيّ لأُبشّر به بين الأمم». كان المفروض عقليّا أن يصعد الى أورشليم ليتّصل بالرسل الذين قبله. المهم عنده إدراكه أن الله أفرزه من جوف أُمّه كما أَفرز الأنبياء القدامى، اي جعله خصّيصه، فلما أدرك انه للرب ذهب الى ديار العرب. لفظة «العربية» التي يستعملها تعني هذا القسم من بلاد العرب القريب من دمشق ربما حوران او البتراء في الأردن اليوم.

لا يبدو أنه أقام طويلا في أي مكان لكونه كان يتوقّع اصطدامه بالسلطات المدنية التي كانت تريد قمع المسيحيين.

في ديار العرب (حوران) كان الحُكم لملك الأنباط المدعوّ الحارث الرابع. وإذ خشي بولس القمع مِن قَبل الحارث رجع الى دمشق. يقول: «بعد ثلاث سنين رجعتُ الى دمشق». هل يحسب هذه السنين من بعد ظهور الرب له، أَم بعد رجوعه الى دمشق؟ لسنا نعلم على وجه الدقة.

بعد هذه التنقلات أَحسّ أنه لا بد له أن يصعد الى اورشليم حيث كان بطرس مقيمًا. واضح أن بطرس لم يكن قد رحل عن فلسطين الى البشارة، فمكث عنده خمسة عشر يوما.

لماذا اراد بولس لقاء بطرس ويعقوب أخي الرب؟ بطرس لأنه قائد الاثني عشر، ويعقوب لأنه من عائلة الرب. يعقوب هذا مذكور في مرقس 6: 3. كان يعقوب مهمّا في كنيسة اورشليم، بل عرفه التقليد انه اول أُسقف عليها. هذا قد يعني ان يعقوب بقي في هذا المقام حتى رجْمِهِ مِن قبل رئيس الكهنة.

اللافت في هذا المقطع أن بولس يؤسس مهامّه ومسؤوليته الرسولية على اتصاله المباشر بالرب يسوع بمعنى أنه لم يستمدّ رسوليته من سلطانه التعليميّ لأن الجماعة الرسولية لم تُعيّنه ولكن الرب يسوع اختاره.

على هذا الاختيار يؤسس كل تعليمه، ويطلب الالتزام بهذا التعليم.

Continue reading