التعالي والتساوي / السبت 29 تشرين الثاني 2014
قال الله لك انه في التعالي في حصرية عبادته: “أنا هو الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر، لا يكن لك إله سواي”. هذا هو تعاليه عن كل المخلوقات بحيث لا يُشبّه بسواه ولا يشبه سواه به. إلى هذا، هو معنا بالمحبة وفي هذا تنازل لأن المحبة تفترض شيئا من التساوي. في العربية نقول انه العلي أي العالي المطلق إلى قولنا انه محب حتى ذهبت المسيحية إلى انه محبة. هو جامع الصفات بمعنى ان الصفات حديث عنه وأنت ان وُصفت بصفة فتشبها به. فالكمال له من حيث الكيان ومن حيث الصفات وكل حديث عن اكتمال روحي في الانسان مجرد تشبه بالكمال الإلهي.
فالله يبقى دائما متعاليا لا يسوغ الدنو منه ولكن المسيحية كلها حديث عن الالتصاق به، ذلك الذي يستحيل تحققه في العقل بسبب البعد الأساسي بين كيانك وكيانه ولا يفهم الا بالحب. لا يمكن ان تفهم بالعقل انك تكون في حضن الله وجوهرك غير جوهره ولكن المحبة تفهم كل شيء. كيف تصل اليه وهو في دوام التعالي؟ في ظل التعالي ما معنى الاتحاد؟ واضح انك في العقل لا تتصور شيئا من هذا. المسيحية ما أعطت جوابا عقليا عن هذا السؤال. قالت فقط: “والكلمة صار بشرًا وعاش بيننا فرأينا مجده” (يوحنا ١: ١٤). بتعبير آخر لم تفسر المسيحية سر الله. قالت فقط ان الله جاء الينا بابنه في جسد فأحبنا واقتبلنا محبته. كل العلاقة بيننا وبينه هي على مستوى الحب. التصادم المنطقي بين تعالي الله وتساويه بنا نتجاوزه فقط في الحب. هذا معنى قوله: “الله محبة”. فيه تحل الصدامات العقلية لأنه هو الرؤية.
من أهم ما قالت به المسيحية عن الله انه تنازل. هو يتنازل بالحب ولا يخسر شيئا من سموه. هو تاليا فوق وتحت. ان جعلته فوق فقط تكون قطعت صلته بالبشر. ان جعلته تحت فقط أبطلت ألوهيته. هو وحده الجامع بين الفوق والتحت. التناقض بين التعالي والتساوي حله ربك في سر المحبة. كيف يساويك ويبقى أعلى منك هذا سره. أنت ان أحببت وأنت على الأرض تبقى فوق في محبتك. المحبة هي موضع اللقاء بين التعالي والتساوي.
الله كله في جسد المسيح وان كان لا يمتد لأنه ليس في المدى. هو في كل مكان بمعنى حلوله ولكن ليس بمعنى امتداده. “الله روح” ولا يمتد. لا يمس الشيء مسّا ولا يلمس لمسا ولكنه بروحه يحتضن. صح القول ان الله في كل مكان. هي تعني انه ليس في مكان ولا يحده مكان. الله غير داخل في نظام المكانية.
الله فينا في الحب وليس في انصهار كياننا وكيانه. الله لا تدنو أنت منه بكيانك. هو يدنيك اليه بحبه ويبقى متعاليا. ماذا يعني المسيح فيّ ولا يصير إياي بالكيان ولو اتحدنا بالمحبة؟ هذا يفهمه الذين وصلوا إلى محبة الله. يعرفون وحدتهم بالخالق الفادي ويعرفون الفارق. ما معنى الفارق في الوحدة؟ أنت تفهم هذا بحبك للإله فقط. تعرف انك بعيد وتعرف انك قريب. قلبك يفهم الاثنين معا. الله فوقك وفي داخلك في آن والرب وحده يلقنك ذلك.
مشكلتنا مع الفهم الروحي انه لا يشبه الفهم المنطقي. فيه منطق خاص لا يخلو من عقل ولكن ليس عقلا كله. الفهم الروحي يفترض اهتداء قلبك إلى الله أي يشترط توبتك لأنه يضم اليه كل ملكات وجودك الداخلي. الفهم الروحي يشترط تآزر كل قواك الداخلية من عقلية وروحية والتزام كل وجدانك. الانسان كله وليس العقل وحده هو الذي يؤمن. عندما تقول: أؤمن بإله واحد تعني انك تأتي اليه بكل طاقات وجودك وليس بالذهن البحت وحده. لذلك لا يبتّ خلاف في الامر الروحي والوجداني فقط بالمناظرة العقلية. أنت ملتزم بكل انسانيتك وتواجه الآخر بكل انسانيته. المسائل الدينية لا تحل فقط بالمواجهات الذهنية. الذهن فقط طاقة واحدة لاقتبال الايمان. هناك في الانسان الداخلي غير الذهن وحده.
الايمان عملية انسانية كاملة تجمع العقل والنعمة التي فوق العقل وإرادتك الخير أي انه موقف يأتي منك ومن انعطاف الله عليك. اذا قلت “أؤمن بإله واحد” أنت لا تعني انك تقوم بعملية عقلية بحتة. أنت قائل ان انسانيتك كلها مشدودة إلى الله وقائمة فيه. الايمان اذًا عملان عمل الله في الانسان وقبول الانسان لله. بالإيمان اذا لا تعود بمحض قواك إلى الله ولكنه هو أيضا يعود اليك بنفسه. عندنا في الايمان حركتان حركة النفس إلى الله بكل طاقاتها وحركة الله إلى ذاته.
ليس من عمل إيماني يقوم به الانسان بلا عون إلهي. الانسان لا يأتي إلى الله الا بقوة الله. التوبة حركة إلهية في النفس البشرية أولا.
Continue reading