استشهاد يوحنا المعمدان/ الأحد 29 آب 1999/ العدد 35
لماذا قُتِل يوحنا؟ لأنه كان يقول لهيرودس أنتيباس ابن هيرودس الكبير: لا يحلّ لك أن تكون لك امرأة أخيك. لماذا لم يكن له هذا الحق ولو من بعد موت أخيه؟ هذا ما نسمّيه زنى المحارم أي ذوي القربى أو الفاحشة في المصطلح الدقيق. «عورة زوجة أخيك لا تكشف، فإنها عورة أخيك…إنها فاحشة» (لاويين 18: 16 و17). يكون هيرودس عقد زواجا مناقضا للناموس.
أهمية الموقف الشجاع عند يوحنا أن الملك كان يسمع من النبي بانبساط فلم يسخّر المعمدان هذه الصداقة ليغضّ النظر عن مخالفة شرعية. الملك يفرح به ويخافه بآن ويحافظ عليه. لم يكن أنتيباس إذًا سيئا في كل شيء. ولم يدغدغ يوحنا أن الملك كان يحب أحاديثه. كانت بينهما مسافة وهي مسافة الشريعة. وحدها -لا الملك– كانت تملك على يوحنا. كان من هذه الزاوية شبيها بإيليا الذي كان أمام الله وحده وكان بسببٍ من ذلك ضد السلطة الحاكمة، ضد الملك وامرأته وكهنته.
لم ترضَ هيروديا بتأنيب زوجها لأن فيه تأنيبا لها أيضا. إنها ارتضت بدورها أن تخالف الناموس. فدبرت المكيدة وقبلت بإرسال ابنتها صالومي إلى حفل العشاء الذي أقامه المليك في مولده لعظماء الجليل وأعيانه وقواد الألوف (أي كبار الضباط). أرسلتها لتؤدي رقصة شرقية خليعة. أرادت أن تفحش أبنتها في حضرة ملك متخم سكران. وقد أثارت الشهوة كبرياءه لأنه وعدها لو طلبت منه أن يعطيها ولو نصف مملكته. وعْدٌ قطَعَه متأثرًا بضعفه أمام هذه الصبية.
طَلبتْ بعد استشارة أمها رأسَ يوحنا على طبق. رأس صديق لحاكم الجليل. لم يشأ أن يتراجع عن الباطل بسبب القَسَم الذي أقسَمه. التمسك بزواج غير شرعي، اشتهاؤه للفتاة في رقصتها، استكبار مَن حلف باسم الله باطلا من أجل فسق هذه الفتاة، كل هذه العناصر توافرت لقتل يوحنا.
وردت هذه الرواية كجملة طويلة معترضة لأن الإنجيل كان قد ذكر أن هيرودس سمع بخبر يسوع: فقال إن يوحنا المعمدان قد قام من بين الأموات. من أجل ذلك تُعمل به القوات. وقال آخرون إنه إيليا وآخرون إنه نبي. فبمناسبة الحديث عن السيد روى الإنجيل حادثة مقتل يوحنا.
يستند الموحدون الدروز على قول الكتاب «إنه إيليا» ليستدلّوا على عقيدتهم بالتقمص. الفكرة غير واردة عند اليهود لإيمان اليهود بأن إيليا كان قد انتقل إلى السماء وهو حيّ. في الفكر اليهودي أن نفس إيليا لم تنفصل عن جسده لتتقمص جسدًا آخر. «إنه إيليا» عنت عند بعض الشعب آنذاك أن إيليا نفسه قد عاد وليس أن روحه قد انفصلت عن جسده. لا، ليس في العهد القديم أي تلميح لاعتقاد العبرانيين بالتقمص.
لقد مات يوحنا ليشهد للحق. نحن المسيحيين لا مسافة بين قلبنا ولساننا. نحن نشهد بما نعلم ونؤمن به. نحن علينا أن نموت إذا طُلبت منا الشهادة، ولا يحق لنا أن نُخفي إيماننا عند الخطر على الحياة. هذا ما يتطلبه حبنا لإلهنا.
Continue reading