Monthly Archives

September 2013

2013, مقالات, نشرة رعيتي

قواعد الأخلاق المسيحية/ الأحد 29 أيلول 2013/ العدد 39

يقول لنا إنجيل اليوم وهو مأخوذ من بشارة الإنجيلي لوقا: “كما تريدون ان يفعل الناس بكم، كذلك افعلوا أنتم بهم”. نجد هذا القول للسيد في إنجيل متى ايضًا (٧: ١٢). هذا قول ثانٍ والقول الأول، ولم يُقرأ اليوم، كان: “ما لا تريدون ان يفعل الناس بكم لا تفعلوه أنتم ايضًا بهم”.

عندنا في إنجيل اليوم قاعدتان أساسيتان في السلوك المسيحي: القاعدة الأولى هي أن نمتنع عن أذى الناس، ألا نشي بأحد، ألا نكذب، ألا نسرق، ألا نقتل. أيّ شيءٍ لا نتمنّاه لأنفسنا ينبغي ألا نفعلـه ضد الآخرين لأن الآخرين، كل الآخرين، هم أبناء الله والرب يفـرح بهـم، يضيئهم جميعًا بوجهه الى اي حيّ انتموا ومن اي فئة جاؤوا. فالناس كلهم لله، شاؤوا أَم أَبَوا، علموا به أَم لم يعلموا. وكما ان الأبنـاء في العائلـة قد لا يعرفون أن أباهم وأمّهم يحبّانهم، قد لا يشعـرون في ذاتهم بمحبة والديهم، مع ان الوالدين يحبّون اولادهم ويريدون لهم كل خير، هكذا الله معنا: يحب، يحب من يعرف نفسه ابنًا له ومن لا يعرف نفسه ابنًا له لأن هذه هي أخلاق الله.

والقاعدة الثانية في السلوك المسيحي أَوجَزَها لنا ربنا بقوله: “كونوا رحماء كما ان أباكم هو رحيم”. هكذا اختُتم إنجيل اليوم بعد أن أعطى السيد فيه أمثلة عن تعليمه: إن أقرضتم أحدًا ولم يدفع لكم فلا تكونوا ضده. لا تنتظروا أن تستوفُوا شيئًا، فالناس قد لا يبادلونكم العطاء بالعطاء.

المسيح لم يقل لنا: إن أحببتم الناس، يُحبّونكم بالضرورة. طبعًا هذه هي القاعدة أننا إذا أحببنا بشكل صحيح وعميق، بإخلاص، يبادلنا الناس المحبة. ولكن هذه ليست قاعدة منتظرة: قد يبادلوننا البُغض. قد لا يقدر انسان أن يحب. ولكن علينا نحن أن نتشبّه بالمسيح الذي أَحبّ أعداءه وغفر لهم وهو على الصليب، لأن المحبة غلاّبة في الأخير، هي دائمًا منتصرة.

هذا يعني أن لا نُقصي أحدًا عن قلوبنا، الا نجعل واحدًا في القلب وواحدًا خارجه. كلهم في الداخل ونعاملهم على هذا الأساس. القربى نُنشئها نحن، نحن نبادر بالاقتراب الى الناس ولا ننتظر منهم شيئًا. البشر في طبيعتهم لا ينفتحون على الآخرين، يتعصّبون لعائلتهم او قريتهم او طائفتهم. يظنون أن عائلتهم خير من بقية العائلات، وأن قريتهم أفضل من غيرها، وان طائفتهم خير من كل الطوائف. والواقع أننا كلنا من هذا الطين، كلنا مجبولون بالخطايا.

ما يقوله لنا الإنجيل هو أنه ليس من مجموعة بشرية امتازت بالأخلاق، هذا غير صحيح. توجد ظروف وانفعالات، ولكن البشر، الى اي مجموعة انتموا، بينهم خطأة كثيرون، كما بينهم محبّون كثيرون. الخطيئة والبر لا يحتكرهما أحد. الخطيئة موزّعة، والقداسة موزّعة.

عندما نجتمع معا لنُقيم الذبيحة الإلهية، نُعلن اننا جميعا واحد في المسيح، واحد في محبته، موزّعون قلوبنا الى الناس جميعا من أطراف الدنيا الى أطرافها، لنبقى أمناء حتى النهاية، والحب عندنا له الكلمة الفصل.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

في الخلق / السبت في ٢٨ أيلول ٢٠١٣

الله قبل الخلق الحسي كان في نفسه ملامسا مخلوقاته بنوع من الملامسة أي كان باثا فيها ما كان غير مخلوق. يلامس بمشيئته ولا يلامس بطبيعته حتى يبقى الفاصل الكينوني قائما بينه وبين الخلق. ولكن ما تعني محبوبية المخلوق؟ ما العلاقة الداخلية بين الواجد والموجود؟ في العقل وجب القول بأن ثمة فاصلا كيانيا بين الواجد والموجود. ولكن كيف نفهم الحب الإلهي للمخلوق؟ هل من فاصل بين المحب والمحبوب؟ هل الله يتعدى ليلتصق؟ ما اللصوق الإلهي بنا؟ هذه أشياء نفهمها بالحب ولا نحتاج إلى فلسفتها. ولكنا نحيا بما لا نفهم عقليا اذ نحيا بما خبرنا.

الشيخ مهدي شمس الدين الذي أحبني كثيرًا كان دائمًا يحذرني من الحلولية. أنا أفهم ان الحلولية فزاعة المسلم لأنه يخشى ان يمس التنزيه الإلهي. والمسيحي لا يخشى الحلولية كثيرا لعلمه ان التجسد الإلهي يحفظ نزاهة الله عن المحسوس ولا يمزج بين الطبيعتين الإلهية والبشرية في المسيح اذ الوحدة بينهما قربى وملامسة وتداخل بلا انصهار. أفهم ان يكون المسلم في حالة رعب من الحلولية لكونه يتهيب الكلام عن الاتحاد بين الله والإنسان. يخشى كلاما يشتم منه نوع من انحلال اللاهوت في الناسوت. نحن المسيحيين المستقيمي الرأي أقمنا قواعد تمنعنا من خلط اللاهوت بالناسوت فإذا قلنا ان ابن الله صار انسانا منعنا الكلام عن تحول اللاهوت فيه إلى ناسوت. إقامة الناسوت في لاهوت المسيح يحفظ كلا منهما على خواصهما. اللاهوت عندنا لا يصير ناسوتا. ابن الله يضم اليه الناسوت ضما أو تبنيا والخواص متداخلةً تبقى على ذاتيتها. في اللاهوت الأرثوذكسي نحن نعرف ان المخلوق يبقى خارج الطبيعة الإلهية وان كانت قوة هذه مبثوثة في المخلوق دون انصهار أو تحول أو تشوش. هذه أشياء نعرفها بالقلب. الله في عطائه لا ينتقص من كيانيته وحبنا له لا يعدم كيانيتنا. هناك تواصل حتى التلامس مع حفظ الاستقلال للكيان الإلهي وللكيان البشري.

هناك رؤية دقيقة جدًا في الكنيسة الأرثوذكسية للعلاقة بين الناسوت واللاهوت في المسيح. بين اللاهوت والناسوت في السيد ليس من انصهار ولكن ليس من تباعد. هذا هو السر الذي لا نتخطاه بالكلام. لا ينتقص التجسد شيئا من ألوهية الرب يسوع ولا يزيد في الطبيعة شيئا على بشرية الإنسان. هذا لقاء في سر الآب.

ماذا أعني بقولي ان بين الله والانسان ملامسة. الواضح عندنا ان ليس من اختلاط أو امتزاج بين الالوهة والبشرية.

الله يبث منه شيئًا في الإنسان. ولكنه، لا يشرك الإنسان في طبيعته. هذا يكون شركا أي اختلاطا أو تمازجا أو انصهارا بين الطبيعتين. في اللاهوت الأرثوذكسي هذا غير ممكن. ما التلاقي اذا بين الله والإنسان اذا تجاوزنا التعبير الشعري لنقول شيئا كيانيا؟ في ما اجتهدنا فيه في المسيحية الأرثوذكسية ليس هناك اندماج بين الطبيعة الإلهية والبشرية. نحتنا في الأرثوذكسية كلمة جديدة ان ثمة تلاقيا بين القوى الإلهية والقوى البشرية على نحو لا نفهمه عقليا ولكننا نختبره في الحب. بين الله والإنسان لقاء إلهي من حيث ان ثمة فينا شيئا غير مخلوق يتقبل الله وأتجاسر ان أقول ان فينا شيئا يحتضن الله.

في المخلوق قوة إلهية هي ليست حلول أو انصباب طبيعة في طبيعة. واضح في اللاهوت الأرثوذكسي وهو لاهوت آباء الكنيسة ان الإنسان يتأله كما ان الله تأنس في المسيح ليس بمعنى ان طبيعته تتحول إلى طبيعة الهية ولكن بمعنى انه يكتسب قوى إلهية. اللاهوت دون ان ينفطر (ينكسر) يلتقي الناسوت فينا. يداخله ولا يتحول إليه من حيث الطبيعة. اذا كان عندك حب لله حقيقي تفهم هذا. كل منا على صعيد الخبرة الروحية وليس على صعيد القياس العقلي.

هذا صعب الكلام فيه لأنه ذوق إلهي. النفس ذائقة الله والا لما استطاعت ان تتحدث عنه. الله ليس موضوع إنشاء. انه خبرة حب يصورها اللسان كما يستطيع. والقديسون يعرفون كل هذا في ذوقهم لله وينقلون إلينا الحق من قلوبهم وتتقبله قلوبنا. مشكلة اللاهوت الحقيقية انه لا يسكب في قوالب عقلية. اللاهوت الحقيقي حسنا بالله ولا يأتيك من كلام. ينزل اليك أو لا ينزل لأنه من الله الذي لا توضع حقيقته في قوالب. اللاهوت قداسة وهذه ليست زينة كلامية. اللاهوت في كنيستي ليس معلومات عن الله اذ الله لا يعرف بالكلمات. مشكلة اللاهوت الذي نكتبه انه حديث في الله وليس الله. لذلك كان اللاهوت الذي تؤمن به كنيستنا قداسة وليس علما تتلقفه من الكتب أي ان اللاهوت حياة تقرن بكلام او لا تقرن بكلام. بعض من كبار القديسين لم يكتب شيئا ولكنهم تكلموا. المسيح لم يكتب شيئا ولو كان قارئا للكتاب الإلهي.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

معنى المناولة/ الأحد 22 أيلول 2013/ العدد 38

إن المناولة او سرّ الشكر كالمعمودية والميرون والزواج والتوبة والكهنوت تُسمّى أسرارا لأن بها شيئًا عظيمًا من صميم الله. نحن أمام شيء عميق محجوب عن الأنظار، ولكن الانسان يستطيع كلما ازداد إيمانه ان يقترب من فهمه. هذا لا يعني أن هناك من يفهم أكثر من غيره بالعقل. الله محاط بنور لا يُدنى منه. هنا اللاهوتيّ القدير والجاهل في الكنيسة يتساويان. لا يستطيع احد منا أن يحلل بعقله أسرار الله. الفرق بيننا ليس فرقا بين عالم وجاهل، لكن الفرق كله بين انسان يصلّي ويدرك في قلبه وانسان لا يمارس ولذلك لا يعرف.

تعلمون ان السيد أخذ التلاميذ الى علية صهيون وهناك أخذ خبزًا وقدّسه وبارك وكسر وأعطاهم قائلا: “خذوا كلوا هذا هو جسدي الذي يُكسر من أجلكم لمغفرة الخطايا”. وهذه الصيغة هي التي اعتمدتها الكنيسة في القداس مقتبسة اياها من الاناجيل ومن رسائل بولس. ثم بعد أن تناولوا طعام العشاء أخذ الكأس وقال: “اشربوا منها كلكم، هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يهـرق عنكـم وعن كثيـرين لمغـفـرة الخطايا”. تناول الخبز ثم الخمـر كما كان يفعل رب العائلة اليهـودي في العشاء الذي يقيمونه ليلة السبت ويتذكرون خروجهم من مصر. عنـدما تنـاول السيد ذلك العشاء في العلّية قـام بطقس عادي ولكنه صبغه بمعنى جديد. أعطى تلاميذه الخبز والخمر لكي يصبحوا مبصرين الى موته مشتركين في قيامته. اذن هذا الذي نتناوله معا في القداس الالهي مدخل لنا في سر الموت وفي سر القيامة. يسوع المسيح في ميلاده وصليبه وقبره وقيامته يأتي الينا في الخبز والكأس صباح كل أحد.

“اصنعوا هذا لذكري. كلما أكلتم من هذا الخبز وشربتم من هذه الكأس تُخبرون بموت الرب الى ان يجيء”. قبل ان يجيء المسيح ثانية، لنا أن نطلبه، ان نلتمس حضوره في ما بيننا. انه يأتي الينا بشكل خفيّ. لن يأتي بمجد الآن. سوف يأتي بمجد في اليوم الأخير، ولكنه قبل ذلك يأتي بصورة غير منظورة على الأرض، متواضعا مخفيا عن الأنظار. لما ارتفع عنا وعد قائلا: “ها انا معكم كل الأيام الى انقضاء الدهر”. كيف يكون معنا الى انقضاء الدهر؟ بالمناولة: “خذوا كلوا هذا هو جسدي… اشربوا منه كلكم هذا هو دمي”. أي انني سأكون معكم في كل حقيقتي كما كنت هناك في فلسطين. أعيش بينكم كما عشت بين اليهودية والجليل. هناك كان التلاميذ يرون فيّ جسدا، وجها، يدين وقامة، وانتم الآن في كل قداس تجتمعون فيه بالصلاة والمحبة والتوبة والتواضع، تتقدمون الى الكاهن بخبز وخمر. يرفع هو هذا الخبز ويرفع هذه الكأس، وبسبب محبتي أجعل هذه الخبزة جسدي وهذا الخمر دمي، اجعلهما كياني، إنها انا. فإذا أخذتموها لن تكونوا آكلين خبزة عادية، ولكنكم تكونون آخذين نفسي وروحي وألوهيتي وكياني.

المسيح محبة لأنه أراد ان يجمعنا الى الله أبيه عن طريق المحبة. وجه من وجوه هذا السر الذي قلما ننتبه اليه هو أن المسيحيين يصبحون كيانا واحدا عندما يتناولون معا. بولس يقول: “انتم جسد واحد لأنكم تأكلون من الخبزة الواحدة” (١كورنثوس ١٠: ١١)، ولذلك تلاحظون أن المسيحيين يستغفرون قبل المناولة كما يفعل الكاهن، اي ان الواحد يطلب العفو، الغفران، من الثاني قبل ان يتناول. المعنى العميق لهذا أن هذا السر (المناولة) هو اتحاد بين المؤمن والمسيح من جهة وبين المؤمن والمؤمن من جهة ثانية. في المناولة يصبح كل منا مسيحا. في لحظة مباركة من لحظات الوجود لا يعرف الانسان إن كان هو على هذه الأرض أم صار في السماء. لا يعرف إن بقي من تراب أَم صار من نور. لا يعرف إن بقي انسانا أَم صار إلهًا.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

الشيخوخة والعتاقة / السبت ٢١ أيلول ٢٠١٣

الشيخوخة مرحلة من العمر او هي قدمه وكثيرا ما رافقها هبوط الهمة والحزن احيانا حسب قول الشاعر: يا ليت الشباب يعود يوما. حزن على النضارة وربما اللذات التي فاتت والحس باقتراب الموت، حسّ يرافقه حزن عند الكثيرين شغفا بالحياة. ربما لم يإلف الكثيرون ان الشباب مرحلة تنقضي لكونهم يحسون ان الحياة هي اللذة ولكونهم لم يدخلوا بعد مرحلة الفرح المقيم المستقل عن تقادم الزمان. الناس معظمهم من هذا اللحم وليسوا فقط في هذا اللحم. يذهبون بذهابه: لذلك يحسون ان الشيخوخة عتاقة اي انقضاء الطيب من الحياة مع ان اصحاب الحس الرهيف يرون جمالنا في كل مرحلة من مراحل الوجود.

الشيخوخة معنويا تعني الحزن على ما انقضى وكأنه بالضرورة الأفضل او الأكثر متعة. هؤلاء لم يذوقوا ان الفتوة ليست بالضرورة الأجمل او الأعمق وان القدرة الانسانية في أعماقها وأبعادها لا علاقة لها بالسن. هناك شبان عتقت همتهم ويئسوا من وجودهم وثمة مسنون ينظرون الى غدهم وما عتقوا. الأحياء الأحياء من لا يحسون ان شيئا منهم انقضى وان شهادتهم لا علاقة لها بالأعمار لكونهم يجيئون من الحق. الشيخ من نظر الى الموت يفنيه. الحيوية لا علاقة لها بالأعمار. الحياة هي الرجاء اي انها ان نذوق الغد في يومنا. الشيخوخة هي الشعور بالفناء قبل ان يأتي الفناء. ان كنت حيا فماضيك ما مضى، انت في موصولية دائمة.

تبدأ الشيخوخة اذا شعرت انك أدركت المرحلة الأخيرة من عمرك. اما اذا أحسست ان لك غدا فما انت بشيخ مهما انقضت الايام عليك. انت حي اذا شعرت بالغد. واذا تخيلت انك انتهيت فأنت منتهٍ. ان رأيت انك آتٍ من الله فأنت حي. واذا أحسست بهمة اي بإقبالك على الحياة فأنت حي. استعد للموت كل يوم ان كنت مؤمنا لأن لك بعده اقاء مع الله ولكن اعمل كأنك تعيش ابدا. لا تحسب للموت حسابا. لا تحتاج الى هذا ان عشت في التوبة. فكر بالموت ابدا لكي تبقى ابدا تائبا واذ ذاك لا فرق عندك بين موتك والحياة.

ليست الشيخوخة دائما حسنة. تصبح كذلك ان رافقتها التوبة لأن التوبة تجديد. انت شيخ اذا انطويت اي اذا ترسخت على ماضيك. لا تبقى شيخا ان أحسست ان لك غدا تنتظر فيه احساسا بالله وبالآخرين. القضية ليست قضية عمر. هي قضية حيوية. ويمكن ان تجربك الأوجاع وتحس انك موجود وفاعل. ولكن انتظار الغد لا يكفي. يحوجك الرجاء.

العمر هو في العطاء. هناك شبان انتهوا وشيوخ لم ينتهوا. الحياة تطلع من رجاء اي انتظار التحقيق لوعود الله في عمرك. المهم الا تسقط مع تقادم الزمان عليك. توثب دائما ولا تستسلم للعمر. الرب آت. آتٍ مع وعوده وكرمه. تيقن ان وعيك ممكن حتى منتهى الشيخوخة وان رجاءك ممكن.

لا تمت معنويا قبل ان تموت جسديا. هذه خطيئة. ليس المهم فقط ان تعيش. الأهم ان ترجو. لا تسقط في اليأس. لا تسقط في الحزن. لا يمكنك ان تنتج بلا فرح. سر دائما، لا ينقطع سيرك لأن الرب آتيك غدا. هو ينتظرك وكثيرا ما كانت الشيخوخة اطلالة على الفرح. وليست فقط اطلالة على الموت ولو كانت كذلك فالموت يحمل وعود حياة ابدية. تقول لله «لست اخشى الشر لأنك معي. عصاك وعكازك هما يعزياني. ملأت قلبي فرحا».

العتيق من انتهى. الثوب العتيق هو الثوب المعد للرمي. الانسان لا ينتهي. لا تقبل ان تعتق. في العطاء لا فرق بين شاب وشيخ. العطاء من الروح. والحياة الروحية لكونها نازلة من فوق لا علاقة لها بالسن. تأتيك متى تتقبلها. الشيخ حي اذا أبدع، اذا تجدد … الناس وكثيرا ما عتق الفتى بالضجر. لا تخشَ تقادم الزمان. انت لا تعتق بالجسد. تعتق ان كففت عن العطاء، ان وقعت باليأس. العمر لا يقاس بالسنين. يقاس بنوعية الوجود.

الجسد اذا شاخ له ان يحمل نفسا متجددة. في الامور الكبرى ليس الجسد شيئا. الوجود وعيك لله فيك ووعيك للعطاء. تنشأ الأشياء حولك بهذا الوعي. لا تخشَ إقبال الشيخوخة عليك. كثيرا ما كانت نعمة لانها كثيرا ما كانت وعيا، وعيا لله فيك وفي عطائك.

الانسان ليس بعمره. انه بتوبته اي بمعرفته انه يجيء من فوق وانه يصنع حياته بما ورثه من فوق. الحياة لا تأتيك. انت تأتيها بما نزل عليك من ربك. الوجود نوعية وجود. انت تذهب من داخلك الى ما حولك. لا تأتي انت من الخارج. لا تخش شيئا. اخش فقط ان تصبح انسانا سيئا، ان تسمي الخير شرا والشر خيرا. هذه هي نهاية وجودك الانساني. واحدة اسأل الرب واياها التمس ان تبقى امام وجه الرب طوال ايام حياتك. الدنيا، اذ ذاك، تعطاها كزيادة.

لا فرق، عند ذاك، بين شيخوخة وشباب، بين غنى وفقر، بين صحة ومرض. لا تسع الى شيء من الارض فالرب يعرف حاجتك اليه ويمن عليك على قدر حاجتك. «الرب يرعاني فلا يعوزني شيء». لا زيادة على الله. وربك رفيقك في كل مراحل عمرك. لا تطلب لنفسك منه شيئا محسوسا. هو يكللك بكل نعمة منه.

أنت لا تنطوي في أي سن لأنك منفتح على العطاء النازل عليك. ليست الحياة سعيا فقط. انها تقبل نعمة اي انها رجاء. والرجاء ممكن في كل مراحل الوجود. حياتك يصنعها الله معك. اقبلها منه عطية. لا تخشَ الشر. انه غير قادر على المؤمنين. سر راجيا مجيء الله اليك. انه يجيء متى شاء.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

الصليب / الأحد 15 أيلول 2013/ العدد 37

لـمــاذا نُصرّ على الصليـب؟ على رسم إشارة الصليب؟ لأننـا نعيـش في نطاقـين: النطـاق النـفسي والنطـاق الجسدي، وكلاهـما يعبُد الـرب. يعبُـدانـه معـًا.

هكذا الـمـصافحــة بين شخصين حيـث اليـد تتحـرك لأن القـلب اختـلـج. هكذا القبـلـة. هـذه ليست اصطنـاعيـة. الـمــصافحـة رمـز، إشـارة تحتــوي معـنـاهـا وتنـقـله.

بالـروح عينـها نتقدم الى الـمـناولـة الإلهيـة وذراعانـا مضمـومتان على الصدر بشكـل صليب. والشمّاس يطـوي الـزنـار الذي يتمـنطـق بـه، يطـويـه بشكـل صليـب على صدره ليـدل على انـه مصلـوب مع الـمـسيـح ومُبيـد الخطيئــة. اما في الـمــعـموديـة فيُعطى الولد صليبا يُعـلّـق في عنـقه لكي يذكُـر على الـدوام ان مخلّصـه حـيّ.

ينبغي ان نتصل بالـلـه بالقـلب كلـما صلَّبـنـا وجوهـنـا لا أن تـأتي علامة الصليـب آلـيّة. نحـن لسنـا في عالـم السحر حيـث الاعتـقاد أن الساحـر اذا قـام ببعـض إشـارات يـأتـي بنـتـيجـة معـيـّنــة. إشارة الصـليـب عنـدنـا مصحــوبـة بذكر الـمخـلّص او الثالــوث جـمـلـةً.

في الاتجاه نفسه ظهر إكرام الصليب كأداة توضع في الكنـائس أو أماكـن اخرى منـذ القرن الثـالث. في القرن السادس نرى الـمـصلوب مرسومـا على الصليـب. ولكن في البـدء نجد يسوع لابسا حلـة ملـوكيـة ومفـتـوح العـينين لكـونـه غـالـب الـمـوت. في العالـم الارثوذكسي لا نعـرف الصليـب عـاريـا. الـمخلّـص مـرسوم دائما، الأمر الذي يجعـل الصليب عنـدنـا أيقـونـة لـها شكـل خاص. ويُستعمـل لـلبركـة ولتقـديـس المــــاء يـوم الظـهـور الالـهي.

أقدم شهادة عن إشارة الصليـب هي مـن القرن الثاني الـمـيلادي. انها ممـارسـة منـذ العصـور الاولى ولـم نبتـدعها ابتـداعا. وحتى الانشقاق سنـة ١٠٥٤ وبُعيده، كان العالـم الـمـسيحي يمارسها على الطـريقـة التي نحتـفـظ بهـا نحن (ثـلاثـة اصابع مضمومـة والاشارة مـن الجبين الى الصدر الى الكـتـف اليمـنى اولا). وعنـدما يرسمـها الكـاهـن على الشعـب يُنــزل يـده مـن فوق الى أسفـل ثم ينـتقـل الى جهـة اليسار قبـل اليمين ليـأتي الـرسـم على يمـين الـمـؤمنين. هذه العلامة يرافقها دائما ذكْر الثالـوث الـمـقدس: باسـم الآب (او الـمجد للآب) والابـن والـروح القـدس او قـدوس الـلـه، او ايّ دعاء يتضمـن معـنى السجود، اذ نشيـر بذلـك الى ان الثالـوث الإلـهي منـذ الأزل صمّـم مـوت الابـن على الصليـب “فالمسيـح ذبيـحٌ قبْـل إنشـاء العـالـم”.

اما الإكرام في العبـادات فيـوما الاربعـاء والجمـعـة مـن كل اسبـوع مركّـزان على “الصليـب الكـريم المحيـي” ربمـا لكـونهما يـومي صيام بـل اول صيـام ظهـر في المسيـحيـة. كذلـك نصوم في ١٤ أيلـول يوم عيد ارتفاع الصليب لأن الصيام نـوع مـن مشاركتنـا آلام السيـد.

الى جانب هذا الـعيد لنـا عيدان آخران. في اول آب عنـدنـا تـزييـح الصليـب اذ كانت الأمـراض تكـثـر في آب في القسطـنطـينـيـة فكـان يُطـاف بـيـن اول آب و١٥ منـه بعـود الصليب في شـوارعها لتقـديس الأمكـنــة ورفع الأمـراض، ثـم يـوضع في مكـان لكي يـراه الشعـب ويسجد لــه. ثـم فـي الأحـد الثـالـث مـن الصوم نعـيّـد فيـه لـلصليـب حتى يشتـدّ حبّـنـا لـلسيـد ولا تتـراخى عـزيمتـنـا بسبـبٍ مـن تـعـب الصـوم.

هكذا نشهـد بالرمـوز والعبـادة لسـر الخـلاص.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

آلام وقيامة / السبت ١٤ أيلول ٢٠١٤

ليس من حزن في الكنيسة منغلقًا على نفسه ومنتهيًا ومهما يكن من أمر لسنا مرة في موقع وجع معنوي نهائي. الرجاء دائما لاحق بالألم. هذه مسيرتنا على صورة ان يوم قيامة المخلص كان لاحقا لموته. ليس عندنا انفصال بين الموت والقيامة. باللغة الفلسفية هذه جدلية الموت والانبعاث. لذلك كان فصح الكنيسة الأولى يتضمّن الثلاثة الأيام الأخيرة من الأسبوع العظيم وما كان المؤمنون آنذاك واعين انهم يعيدون ليوم الجمعة العظيم ويوم الفصح مفصولين أو منعزلين احدهما عن الآخر.

الأهمية لهذا الثنائي ان آلام المخلّص ليست نهايته ولكنها انطلاقة إلى قيامته. المسيح كان حيا يوم الجمعة العظيمة كما كان حيا في الفصح. المسيح غالب في آلامه وحي في موته. لما قال: «أنا القيامة والحياة» لم يكن يتحدث عن قيامته من بين الأموات. كان يعني ان شخصه – في صلبه وانبعاثه – هو الحياة لأن الموت ولو حصل جسديا لم يقهره وما أخضعه. الرب حي في كل مظاهره الجسدية.

الأمر العجب ان القيامة في معناها العميق وفي مداها كانت مرافقة للسيد في كل أطوار حياته على الأرض. أجل مات المسيح في الجسد ولكنه ما أبيد. في موته كان حيا لأن ألوهته كانت مرافقته وكانت تحيي جسده. بصورة ما كنا نراها. مات يسوع ولم ينقرض. ما فني الرب لحظة واحدة. هذا سر يفوق العقل ولكن هذا هو ايماننا. يسوع كان دائما حرا من الموت ولو كان في قيده المنظور. موته كان عربون الحياة التي أعطانا اياها. لذلك نقول عن كل أمواتنا انهم راقدون على رجاء القيامة والحياة الأبدية.

نحن في آلامنا الجسدية والنفسية ذائقون موت المخلّص وقيامته بآن. حياته كانت في الصلب كما كانت في انبعاثه من بين الأموات. لذلك في عباداتنا في الجمعة العظيمة لا نتغنى بآلامه منتهية بنفسها ولكن نعرف اذا ذكرناها انها مطلة على القيامة. في آلامنا يغرس المخلص حياته فينا. واذا ذكرنا صلبه عندما نتوجع ينبغي الا ننسى ان هذا الصلب نافذة على القيامة. الفصح في كل طور في سيرة السيد. غلبة المسيح للموت كانت عند صليبه أيضا. ما انطوى المسيح في الصليب. عاش عليه. لذلك نقول صباح كل أحد في صلاة السحر انه في الصليب جاء الفرح لكل العالم.

نحن لا نبكي على المصلوب في صلاة الجمعة العظيمة. نندمج بموته لنحيا حياة جديدة. اذا تأثرنا بالبكاء قليلا فهذا من الطبيعة ولكنا نذوق في الإيمان اننا حاصلون بموت الرب يسوع على حياة جديدة.

نحن قياميون، قلناها مرارا. وذلك ليس فقط يوم الفصح ولكن يوم الجمعة العظيمة. ليس من حقيقة فعالة عندنا الا حقيقة الفصح وهي ظاهرة في كل يوم من الأيام وفي يوم العيد. اذا تكلّمنا في العبادات عن آلام المخلّص لسنا ناسين اننا بهذه الآلام مسافرون إلى انتصار الفصح. في آلام يسوع أنفسها نحن ناظرون إلى غلبة القيامة. نحن لا نتوارى بالآلام ثم نبعث. نحن قائمون مع السيد دائما ولسنا راقدين في قبر الأحزان.

القيامة كامنة في كل أعيادنا. الأعياد تصب في قيامة المخلص. كل ترتيب في الكنيسة صار عندنا استعدادا لفصح السيد ولفصح كلّ منّا ثمرةً فينا لفصح الرب.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

“بالنعمة أنتم مُخلّصون”/ الأحد 8 أيلول 2013/ العدد 36

بعد القيامة الذي صعد الى السماء هو المسيح في جسده لأن الصعود نتيجة القيامة.

قلنا في جسده صعدَ لأنه في ألوهيته كان دائمًا في السماء. نزل من السماء تدل على التجسد والصعود الى السماء تدل على ارتقائه بجسده القائم من الموت الى حضرة الآب والروح القدس.

ان رفـع مـوسى الحيـّة النحاسيـة كـان صـورة عـن رفع السيـّد على الصليـب. هكـذا نـفـهم ان الإيمان بالمصلوب يعطـي الحيـاة الأبـديـة التي قـال عـنـهـا إنـجـيل يوحنا: “والحياة الأبدية هي أن يعرفـوك أنت الإله الحـق وحـدك ويعـرفـوا الذي أرسلته يسـوع المسيـح” ١٧: ٣). هي حياة لنا منذ هـذا العـالـم. ان نعـرف الآب ونعـرف الابن ونتيـجـة لذلـك ان نعـرف الــروح القـدس هـو ان نعيـش فـي الثـالوث القـدوس وبالثالوث الـقـدوس. نحــن نصعـد اليـه وهـو ينـزل الـيـنـا.

نحن نعـرف انه يحبنا لأنه بذل نفسه عنا لما رفع على الخشبـة اذ أحبنا حتى الموت موت الصليب وليس حـب أعظم من هذا. وعند ذاك لا نموت بل تكون لنا الحياة الأبدية.

بموته رفع الدينونة عنا وبتنا مُخلّصيـن بـه. ونـلـنـا الحيـاة الأبـديـة منذ الآن. هي ليست مرجأة الى ما بعد الموت إذ تبدأ فينا بالمعمودية وتستمر بالإيمان. في المسيح لا فرق بين ما هو قبل موتنا وبعد موتنا. وفي المعـمـوديـة نمـوت مـع المسيـح ونقـوم بـه.

هذا هـو بهـاء الإيمان المسيحي اننـا نعـرف اننـا أحيـاء بالمسيح الساكــن فينـا بروحـه ويقضي فينا على أسباب المـوت الروحـي إذ يحيينـا دومـًا بالنعـمة. “بالنعمـة أنتم مُخـلّصــون”. مُخلّصون اليـوم وغـدًا ودائمـًا. أنتـم تتـكــوّنـون مـن الـنعـمة ولا تبقـون فـقـط لحمًا ودمًا لكونكم أبناء الله صـرتـم إلهـييــن وتـبـقــون كذلـك بالإخـلاص.

Continue reading
2013, جريدة النهار, مقالات

الانسان الجديد / السبت ٧ أيلول ٢٠١٣

قد يشيخ الانسان في شبابه ويحيا في شيخوخته كثافة روحية. ليست الأعمار بشيء أو الفتوة نعمة. نحن نوعية وجود وعمق كيان. العتاقة هي الخطيئة فقط والتجدد ممكن في كل مرحلة من العمر. ما أتفه الكثير من الشباب الذين يعطون قيمة للحمهم. الحياة فجر اليوم الآتي بالتوبة. الأعمار بيولوجية فقط ليس فيها مضمون. الأعمار بما ينزل عليها من الأبدي.

تشترط سن لأصحاب المناصب. هذا افتراض نضج ولكن نابوليون فتح ايطاليا وهو في العشرينات. الحياة العظيمة تنزل عليك نعمة ولا علاقة لها باللحم والعصب. أنت تكوين الله ولست وليد امك وان لم تكن منذ مولدك سماويا لن تصير ذلك ما لم تحل عليك نعمة تنعشك من جديد ذلك ان الله يحتاج ان يقيم فيك متى شاء وتكون السماء لا أمك قد ولدتك. في إنجيل يوحنا يقال انك مولود السماء أو مولود من جديد. يحار في هذا المترجمون. ليس الفتى دائما شقيا ولا الشيخ بالضرورة ناضجا. أنت تصير انسانا سويا ان ولدتك السماء. مولدك من امك ليس بشيء.

ليس الانسان مجرد ثمرة لتاريخه الشخصي. انه انصباب قوى تنزل عليه أو ترده من هنا ومن هناك. الانسان سر لكونه فريدا. الفرد لا ينتج نسخة عنه. ليس في الشجرة ورقة تطابق اخرى في حجمها. هذا ما نعنيه بكلمة حرية. من هذه الزاوية صح ان نقول عن الانسان انه خالق. هو لا يجتر. حتى اذا كرر قول آخر يبقى في كلامه شيء من ذاته. يبقى على الأقل الصوت أو الاداء وهما ينقلان معنى وللمعنى دائمًا طابع شخصي. ما يبدو موضوعيا يحمل دائما طابعا ذاتيا نبرة تأتي من الشخص، من خلفياته العاطفية أو الدينية، من تاريخه وتاريخ مكوناته.

اذا قلنا ان الانسان حي لا نريد فقط نموه البيولوجي. نريد تحول ذاته الحاصلة كل يوم في أي اتجاه يختاره. الانسان روح، ارادة عيش، توق ويكون سويا اذا تاق إلى الصالحات الباقيات. من اتى فقط من زمانه لا من فوق أسير زمانه.

ممكن بفضل الله ان يبقى الانسان طوال عمره على حيوية الشباب وعلى قدسية خياراته. ممكن للانسان الا يحول شيخوخته إلى عتاقة. ممكن له الا يهترئ بتكرار خطاياه، ان يخرج منها بتوبة صادقة.

الجدة الكاملة نبلغها في الحياة الابدية. ولكن لنا ان نذوق الجدة هنا. هذه سيرة يومية وجهد دائم. الجدة الا تعتق والعتاقة تراكم اشيائك التي اهترأت. الانسان الجديد من صنعه ربه كذلك. هذا لا علاقة له بالسن. هذا بُعد عمق. الله وحده لا عتاقة فيه. أنت تحل من ماضيك القديم والجديد. القوة الروحية أنت عليها ان انصهر قديمك بالجديد الذي تريده.

الله وحده لا عتاقة فيه. أنت اذا تشبهت به تصبح مخلوق ربك في اللحظة. معنى التوبة الحقيقي ان تقف الآن امام الله بنسيان ماضيك. الحقيقة دائما حاضرة ووجهك يتكون برؤيتك وجه الله الآن اذ هو دائما في الآن. أنت تصير انسانا جديدا ان أتيت من ربك. هذا فيه عمل النسيان لما هو عتيق فيك. أنت مرتبط بماضيك ان اتى من الحقيقة. وترمي ماضيك الذي من خطاياك.

الآن هو ان الله فيك. بهذا المعنى ليس الله في ما انقضى منك. هو فعله الدائم الرابط بما مضى منك وما هو كائن وما يجيء. التوبة هي عينا ان تنسى ماضيك وتقيم في الله الحال فيك اليوم. عمل الرب فيك انه يفرغك مما ليس هو فيك ليصبح كل شيء فيك.

Continue reading
2013, مقالات, نشرة رعيتي

يسوع في مجمع الناصرة/ الأحد أول أيلول 2013/العدد 35

يسـوع تجـوّل في الجليل اي في فلسطين الشماليـة، وأهم مدينـة فـي الجليـل النـاصرة التي كانت مدينتـه. توجـّه إلى المجمع الذي يجتمع فيـه اليهـود يـوم السبت وتتـلى عليهـم مقاطع من العهد القديم حسب ترتيب موضوع، فدُفع اليه كتاب إشعياء النبيّ وهو مخطوط مع اسفار اخرى فقرأ فيه، فوجد مقطعًا من السِفْر: “ان روح الرب عليّ…” من نبوءة إشعياء، ففسـّر هذا المقطع على أنه متعلـّق به اي اعتبـره موقعـا نبويـا بالمعنى الذي تعتمـده المسيحيـة اذ رأى ان هذا المقـطع يشيـر اليه او يتنبأ به. هكذا يجـب ان نفـهم ما ورد في إنجيـل اليـوم: “اليوم تمـّت هذه الكتـابـة”، أي اليـوم حقّقتُ ما قـالـه الأنبياء.

المعنى ان يسوع يعلّم ان العهـد القـديم رأى اليه وتحدث عنـه او أشار اليـه. قرأ السيّد إشعياء، وكشف ان قول النبيّ: “ان روح الرب علي” وما يليها الـواردة في سفـر لوقا والمقتبسة من إشعيـاء، كشف ان هذه الأقـوال متعلّقـة بـه.

العهـد القـديـم كـان مـخطوطًـا على صحـائف من البردي (نوع من الـورق) ملفوفة حول بكـرات. وكـان القـارئ يأخذ البكـرة المكتـوب عليهـا المقطـع ويقـرأه. فـي الـواقـع أدار السيـد البكـرة وقـرأ فـيهـا ما ذكـره الإنجيل هنا. كشف يسـوع أن إشعياء يتكـلّم عنـه نبـويـا. أبـان أن الأعـمال المذكـورة عنـد النبـي (تبشيـر المساكيـن، شفـاء العميـان) ستكـون أعمـال المسيـح. لهـذا قـال ان ما قالـه العهـد القـديم عنـه يتـم الآن.

يسـوع يقـرأ العهـد القـديـم ويـفسـّره. أحيـانـًا يـربـط الإنجيليـون حوادث سيـرة السيـد بالعهـد القـديـم، أي يشـرحـون أنـه يشيـر إلى العهـد الجديد بحيـث جـاء هـذا تطبيقـًا لـذاك. يقـول الإنجيليـون أحيـانـًا “ليتـم ما قيـل بالنبي القـائـل” أو شيئـًا كهـذا. انهم يـرون الـرابـط بيـن العهـديـن.

فـي مجمع النـاصرة، السيـد نـفـسـه رأى الـرابـط بين عملـه وشخصه مـن جهـه ونبـوءة إشعيـاء مـن جهـة. بـدا الـرب يسـوع مفسـّرًا لما يتعـلـق بـه فـي العـهـد الـقـديـم. نـرى هـنـا المـخلّص نفسه يفتتـح التـفـسيـر للرسـل مثـل بولس الذين كانـوا يـذكُـرون آيـات مـن الـعـهـد الـقـديـم فـي كـتـبـهـم ويـفـسـّرونـهـا.

هنـا يـجـب أن يعـرف القـارئ المسيـحـيّ انـه لا يستـطيـع ان يـفـهـم شـيـئـًا فـي العـهـد الجـديـد إلا مستـنـدًا إلى العهـد القديم. لذلك كان الانصـراف عـن العـهـد الـقـديـم الذي نلحظـه أحيـانـًا اليـوم انحـرافـًا عـن الخـطّ المـسـيـحـي المـتـّبـع عـنـد آبـائـنـا.

Continue reading