محبّة النفس / الأحّد 22 تشرين الثاني 1964
عندما نبغض الأنانيّة ماذا نحن مبغضون؟ دائرة الأنا هذه الصغيرة التي يعطيها صاحبها كلّ قيمة الوجود ونحن نحسب أنّ أناه زائلة وفي كلّ حال ليست هي إلاّ القليل القليل. وفي تركيز كلّ شيئ عليها تبدو لنا هزيلة، كالفراغ. ومع ذلك قيل لنا «أحبب قريبك كنفسك» وكأنّ النفس ليست فقط ما يجب أن نحبّ ولكنّ محبّتنا لها هي قاعدة المحبّة وانطلاقها ومحكها. وكأنّ محبّة النفس هي بالكلّية غير ما نقصده بعبادة «محبّة الذات» السائرة.
أن أُحبّ نفسي هذا الحبّ الممدوح ليس أن أحب فرديّتي بأخطائها وغرورها بل أن أحب هذا الكيان العميق في ذاتي كما خرج من يد الله وكما سيكون إذا افتداني الله برحمته. هذه الشخصيّة النورانيّة التي فيَّ، وقد غتّطها نواقصي وأسرتها أوهامي، بذور القداسة كامنة فيها. هذا الأبديّ فيَّ، اسمي الإلهيّ، كما يقول ابن عربي، هذا هو مطلقي. هذا التضارب بين الأنا المقيت، هذا الذي يسبيني إلى الغرور وبين نفسي المطمئنّة إلى نورها وصفائها أقدِرَت أن تعاين الله من خلال نورها أم لم تقدر.
كلّ نفس، ما لم تمرض بتعذيب ذاتها، متحابّة. الإنسان يحنّ إلى الهناء والإستقرار والفرح، إلى وجود لا يشمبه الإنحدار. فالمؤمن يعرف أنّه الآن يصلّي أة يتمتم كلمات. يعرف أن فعله صادر عن ذاته أو عن هذه القشرة التي تغلّفه. وكذلك الشاعر يحسّ أنّه كان نفسه أو لم يكنها.
هذه الشخصيّة التي ندركها فينا يقول المسيح أننّا محبّوها بالطبع. يطلب إلينا أن نحبّ الغير كما نحبّها. أن نحبّ هذا الخير الذي هو في سوانا. ألمسْناه أم لم نلمسه. أن نؤمن بحقيقة الآخر وأن نجعله ساعيًا إليها لأنّها بالنهاية صورة الله. المهم ألاّ يحوّل شرّ الغير دون رؤيتنا الزرع الذي حرثه الله فيه ويمكن الإنسان أن يستنبه في كلّ حين.
إذا أدركنا أن اللقاء بين البشر هو بين الألوهة التي فيّ والألوهة التي في غيري فلا يبقى من أثر للسؤال: كيف أحبّ قريبي كنفسي؟ أنا وقريبي كلانا مقرٌ للإله. وفي الرؤية الصافية أنا محبّ فقط لهذا الإله الموزَّع في النفوس بدون انقسام. كلّ نفس عرشه. أحبّها لكي تدرك ذلك، لكي ترفع عنها الغشاوة التي كانت تحول دون معرفتها هذا الأمر الذي يستحقّ كلّ اهتمامها.
Continue reading