Monthly Archives

August 2012

2012, مقالات, نشرة رعيتي

إنجيل بولس/ الأحد 26 آب 2012/ العدد 35

عندما يتكلم بولس عن إنجيله لا يريد به طبعًا الأناجيل الأربعة لأنها لم تكن مكتوبة. يقول لأهل كورنثوس انهم قبلوا هذا الإنجيل وأنهم قائمون فيه وأنهم به يخلُصون. هو حياة كاملة وفيه تقويم سلوكنا. ثم يعطي مضمون هذا الإنجيل بعد قوله انه تسلّمه من الرعيل الأول. المضمون هو هذا «أن المسيح مات من أجل خطايانا على ما في الكتُب».

الكتُب تعني هنا العهد القديم لأن العهد الجديد لم يكن قد انسكب في كُتُب. وجوهر البشارة أن المسيح مات وقُبر وقام في اليوم الثالث وأنه تراءى لصفا (اي بطرس) ثم للإثني عشر. لا يذكر متى هذا الظهور. مرقس قال انه ظهر للأحد عشر ولا يذكر بطرس. ربما يوحنا يوافق هذا الكلام في الإصحاح الأخير من إنجيله. أما الخمس مئة الذين ظهر لهم حسب الرسالة فلم يُذكروا في الإنجيل ولم يُذكر يعقوب. عندنا إذًا ظهورات الرب في روايات مختلفة كان الرعيل الأول يتداولها. بعد هذا يقول بولس: «ثم تراءى لي كأنه للسِقط»، والسِقط هو الولد الذي يولد ميتًا.

سبب تسميته نفسه هكذا انه اعتبر نفسه أصغر الرسل «لأني اضطَهدتُ كنيسة الله». وهو يشير هنا الى شراكته في قتل استفانوس وذهابه الى دمشق ليُلقي القبض على المؤمنين.

غير أن بولس لم ييأس من حياته السابقة ولو كانت تُحزنه فأكّد: «بنعمة الله أنا ما أنا». الحنان الإلهي يمحو كل خطيئة ويجعل التائب إنسانًا جديدًا. ثم لا يكتفي بالقول بأن النعمة خلّصته ولكن دفعته الى العمل أكثر من الجميع. ولكن بعد أن رأى نفسه عظيم الانتاج اي عظيم البشارة متنقلا بين الكثير من المدن الهامة حول البحر المتوسط أخذ تعبير التواضع فقال: «فسواء كنتُ انا أَم أولئك، هكذا نكرز وهكذا آمنتُم». هو واحد مع الرسل لأن عندهم مضمونا تعليميا واحدا وبنتيجته آمن من آمن. هذا يقودنا الى القول ان التقليد الرسوليّ او التراث الرسوليّ واحد يعبّر عنه كل واحد حسب موهبته. فهذا يتكلم هكذا، وذاك هكذا، فتأتي كل الرسائل واحدة في عمقها بفضل من الروح القدس الواحد الذي يُلهم هذا تعابير وذاك تعابير حسب استعداد كل رسول وحسب مستواه العقليّ وخبرته الحياتية.

نحن ليس عندنا تنزيل اي إملاء إلهيّ بكلمات. عندنا إلهام اي تقوية من الروح القدس، والرسول يتكلم بشريًا بكلماته وإلهيًا بإلهامه.

من هذا أن متى له كلماته ويوحنا له كلماته، وأنت لك الحق أن تحبّ أشياء كثيرة عند متى، وأشياء أُخرى عند يوحنا، وأن تتذوّق هذا الإنجيليّ حسب مواهبك، وذاك الإنجيليّ حسب مواهبك. من هنا نفهم أن المسيحيين متعددو الأذواق اللاهوتية، فهذا المؤمن عميق في اللاهوت، وذاك يفضّل التعليم الأخلاقيّ. وهذه مواهب تتكامل فتأتي الكنيسة متنوّعة وواحدة بآن، ويتمجّد الرب بتعدّد المواهب ووحدتها في الروح القدس.

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

الأمّة / السبت 25 آب 2012

في الخطاب الاسلامي الديني ترد لفظة الأمة الكثيرة الاستعمال على جماعة المؤمنين بالإسلام وهذا مقتبس من القرآن: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر» (آل عمران 11، 2). وتدل أحيانا على غير المسلمين كما في قوله: «من اهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله» أو كقوله: «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة».

هذا الفكر القرآني لا يختلف عن فكرة شعب الله في العهد القديم إذ يقول الله عن العبرانيين: «تكونون لي شعبا». (إرميا 7: 23)، هذا بعد ان قال: «فأكون لكم إلها». الشعب يكونه الله. وهذا الاختصاص بالله ليس مبنيا على كونهم أكثر من سائر الشعوب. انه عطاء مجاني من محبة الرب (تثنية الاشتراع 7: 7 و8). هذا أمر ليس فيه استعلاء او اعتقاد عند العبرانيين بحسنهم الخلقي.

لا يختلف عند هذا المفهوم المسيحيون عن المسلمين واليهود. فقد ورد في العهد الجديد: «أما انتم فنسل مختار وكهنوت ملوكي وامة مقدسة وشعب اقتناه الله» (1بطرس 2: 9).

كل كتلة دينية من هذه الثلاث تسمي نفسها شعب الله أو امة الله وانه لشرعي ان تنظر الى نفسها كذلك اذا كانت لا تدعي في ناسها عظمة ولكنها تنظر الى الدعوة الالهية التي كونتها.

ومن الشرعي ايضا الا تنظر هذه الكتل الثلاث على انها واحدة او هي مدعوة بدعوة واحدة وهذا لا يعنينا الى انها جماعة واحدة في الوطن ما لم نتخذ غير المعيار الديني. هل ممكن ان نكون امة واحدة من هذه الدنيا ويحتفظ كل منا بانتسابه الى الله كما يشاء ويفهم علاقة الناس الذين ليسوا من «الامة» الدينية التي ينتمي اليها كما يشاء.

بعد الثورة الفرنسية نشأت فكرة الامة المتبناة اليوم في كل الشعوب ومن حيث هي كذلك لا رأي لها في اية أمة دينية. قبل الثورة الفرنسية لم تكن امة مدنية. كان الناس رعايا الملوك والارض كانت ارض الملوك يقطعون قطعا منها للافراد. بانتقال الارض اليهم قانونيا انتقل الملك. ولكون الناس صاروا مالكين وملتصقين بالارض باتوا امة وظل الله في السماء وهم اليه ولكن الله عندهم لم تكن له علاقة بملك الارض ولا للملوك علاقة. انت بت خاضعا للدولة ولك ان ترفض حكومتها لان الدولة تجعلك ماسكا بالارض وتعلنك مواطنا ولك حريتك في شأن الآخرة.

#   #

#

السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الأساس الذي نبني عليه امة في العصر الحديث؟ مرة كنت أجالس صديقا مسلمًا متنورًا جدًا. فاجأني بهذا السؤال: لماذا اخترعنا العروبة نحن واياكم وما ارتضينا ان تقفوا انتم على ارض المسيحيين ونحن على ارض الاسلام. فاجاني سؤاله ولا سيما انه كان يتضمن خلسة اننا نحن المسيحيين اخترعنا العروبة لنهرب من التسلط الاسلامي الممثل آنذاك بالسلطنة العثمانية.

اليوم لا يبدو لي ان العروبة بقيت الارض السياسية الواحدة ولا سيما ان الدستور اللبناني يقول بالامة اللبنانية. العروبة ايديولوجية وكثرة من الامم لا تبني نفسها على ايديولوجية او على هوية قومية. ما هي اللحمة الحقيقية في بلدنا بين المسلمين والمسيحيين؟ لا نستطيع ان نقف على ارضية دينية اذ لا تربطنا وحدة عقيدة وهناك من كان ايمانه ضعيفا او من ألحد على طريقته. لا يبقى على ما ارى الا الانتماء الى الارض وجعلنا التاريخ في قطعة منها فيها لنا غذاء وامكانات تقدم ونتآزر فيها بالاستقامة والمعرفة. ويشرف علينا تاريخ هذه الارض واستمداد الاكثرين منا مبادئ ما نعتبره الوحي.

نجيء من الله  ونحيا به هذا لنا مجتمعين ونحكم بعضنا بعضا بقوانين جاء بها التاريخ وتشدنا الى المستقبل.

نستسيغ من التاريخ ما يروق حياتنا المشتركة ونستشف الآتيات نقتبس ما نقتبس من المصادر التي نستحب اي في ما يوافق الارضية المشتركة اعني ارضية البلد الواحد الذي يضبطه الحكم المدني اظن ان معظمنا لم يبقَ خائفاً من هذه العبارة. أظن أن هذه العبارةلا يراد بها أكثر من أن أهل المدينة واحد كما كان يقول اليونانيون القدامى ونحن نقول البلد.

#   #

#

غير ان القول بالحكم المدني لا يخلق بشرا جددا متلألئين بالفضائل. ماذا ينفع الحكم المدني ان لم يكن قائما على القيم الروحية التي لا مصدر لها في الحقيقة الا الاديان. المؤسسة الدينية لا تحكم ولكن الدين من حيث هو سماحة وسلام ومحبة هو الذي ينشئك في العمق ويثبتك امام المشقات ويجدد كيانك في كل حين. ليس من دولة دينية. هناك ناس دينيون يجعلون البلد على صورة بهائهم. اذا كان هؤلاء موجودين معا قد لا تحتاج الى حكم. الحكم ضروري لرفع شأن العدالة والفقراء. وهذا يتطلب فضائل كبيرة.

«المدينة الفاضلة» هو عنوان  لحسنات الناس الخلقية. اساسا الحكم عندهم. الحكم يشجع بعض النضال ويستمر به. ولكن لا حكم بلا مجتمع فاضل. الاساس هو المواطنون. والدولة تقوم بهم ولا يقومون بها.

من هنا كان الدور الاساسي للمعلمين الروحيين والوعاظ والتجمعات المصلية والداعين الى التقوى. من هنا اهمية الفكر الديني الخلاق الذي يجدد الدعوة بالتعبير المقبول لدى الانسان العصري. الكلام التقليدي لا ينفع شيئا. العبارة التي لا تجعل منك انسانا جديدا تكون لك كالجيفة.

تجند الكنائس للمسيح يدفعها ان قامت على العمق الى انشاء مجتمع فاضل. لا يكفيها ان تذكر الوصايا العشر. حسن ان يصبح هاجسها دعوة المؤمنين الى بناء «مدينة فاضلة» بكل تنوعاتها وبكل همومها، مدينة فيها اعضاء الكنائس وبقية الناس. هذه هي الامة المقدسة المبثوث فيها الروح القدس والعاملة في توجيهه في تقديس الذات والعمل الاجتماعي. قبل ذلك نحن نحلم.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

عائلة الآب / الأحد 19 آب 2012 / العدد 34

هذه الأبرشية مؤلفة من قرى صغيرة او كبيرة. والقرية مؤلفة من عائلات، والإنسان موصول بعائلته ويحبّها، وإذا أَحبّها فهو على حق. من تجاوز الخلافات ضمن العائلة الواحدة يقترب من عائلة واسعة سمّاها بولس الرسول عائلة الآب. هذه لا تقوم على لحم ودم. الرابطة العظيمة بين الناس لا تقوم على الدم ولكن على معرفة الإنسان أنه هو ونسيبه وغير نسيبه من أبناء الله، وهذا أقوى رباط يجمع الإنسان والإنسان.

المُلاحَظ اجتماعيا أن كثيرا من العائلات في حالة مواجهة للعائلات الأخرى تصل أحيانا الى حد المجابهة، والمجابهة كلمة عربية تعني ان تكون الجبهة (الجبين) الى الجبهة الأخرى بحيث يدقّ العظم بالعظم فتتولد الخصومة. المشهد هو هذا أن هنا قلّة من الناس وهناك قلة، وان الانسان يشعر بحاجة الى دعم ولا سيما اذا كان لا يشعر بضرورة مشاركته للآخرين أقرباء كانوا أَم بعيدين. يتقرب الى من هم ألصق به، الى من يلتقيهم كثيرًا.

والانسان لا يقترب من آخر بعيد الا بالقلب، والقلب عطية الله، فإذا أَحببت البعيدين يكون الرب قد استولى عليك وأعطاك نفحاته او أنزل عليك روحه فتكون علاقتك بالآخر مسكوبة فيك من عند الرب، واذا لم تحب البعيد يكون قلبك خاليا من الشعور الإلهي.

التعاضد العائلي من أجل عمل إنسانيّ مشترك شيء جميل. ولكن أن تسيء الى الآخر لأنه أساء إليك يعني أنك لا تعرف المسيء أخًا لك. في المسيحية كل إنسان آخر أخوك، وعلى صعيد المحبة تُحبّه كما تحبّ أخاك او أختك. هذا مات المسيح من أجله، والمحبة واحدة له ولشقيقك او لأبيك وأُمّك فلا تفريق في المحبة. أخوك ليس أقرب اليك من أي مخلوق. أخوك والغريب كلاهما ينموان بمحبة الرب النازلة عليهما.

في التجمع القرويّ، انت في خدمة الناس جميعا، وإن اختلف عضو العائلة التي انت منها مع إنسان من عائلة اخرى فأنت لست بالضرورة مع نسيبك. أنت مع الحق ومع المشاورة لأنك تريد إصلاح النفوس. فإذا أخطأ أخوك او أبوك الى آخر يكون واجبك أن ترده عن الخطيئة. همّك أن تُصلح نفسه، أن تقودها الى الحق، أن تُطهّرها بتذكيرها بالغفران.

الغفران هو الصلة الحقيقية بين البشر. فإذا أسأنا في أي شيء وتُبنا الى الرب فهو غفور. لذلك أمام الله إنسان يغفر او إنسان لا يغفر. الحقود ليس من عائلة الله. في البغض يفصل نفسه عنها. بالغفران تنضم الى الله.

عائلات متنازعة لا تؤلّف مجتمعا مسيحيا. العائلات التي تُبغض بعضُها بعضا ليست قريبة الى الله. التلاصُق الاجتماعي ليس بشيء. إلتصاق الروح الطيّبة بروح أُخرى تجعلها طيّبة. العائلات التي أصلحت نفسها تصبح كنيسة.

أُمنيتي ألاّ تبقى القريةُ قريةً بل أن تُصبح كنيسة. كيف تصير انت عدوّا لمن تأكل معه جسد الرب؟ نحن واحد في الرب. إذا فهمتم هذا تحيون.

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

الله والأعمار / السبت 18 آب 2012

خطايا شبابي وجهلي لا تذكر (مزمور 24: 7) وكأن داود بهذه الكلمات يرى تلازما بين المعصية وسن الشباب وكأنه كذلك ينظر الى الكهولة او ما بعدها على انها مرحلة توبة أخيرة. في الحقيقة اننا في الكنيسة الأرثوذكسية عندنا مصطلح الهوى الذي هو مصدر الزلات التي نرتكبها كما عندنا الحرب الروحية الشرسة على الأهواء بغية التطهر وفي سبيل إدراكه وضع آباؤنا النساك قواعد صارمة بحيث انك لا تتنقى من سقوطه ما لم تضرب مصدرها وهو الهوى الذي يتضمن كل أسباب السقوط في الجسد او في العقل كالغضب والبغض والكسل والشراهة وشهوة الجسد. ضدها الفضائل التي قمّتها المحبة.

إزاء كل شهوة تقانة كفاح روحي يستمر حتى استئصال الأهواء من جذورها. غير ان ما يُجمع عليه آباؤنا ان السبب الحقيقي لضرب كل الأهواء هو ان يتملكك الله.

فالقصة عندنا ليست ترويض الإرادة والرؤية العقلية لفساد الخطىئة. القصة كلها ان ترتمي في أحضان الرب الذي يحرق كل هشيم فيك ويضيء داخلك بحضوره الأخاذ. القضية ان تقيم في الأعماق الروحية التي هي أصل شخصيتك كما صنعها الله ببره فأورثك البر لتحقق كونك على صورته ومثاله وكانت الزلات تهزّ هذه الأعماق وتلطخها وتسلخك عن النشوء الأصلي الذي أتيت منه والناس لا يعلمون انهم خرجوا ناصعين من الفداء الذي اغتسلوا فيه فنالوا صبغة الله. حقيقتك الكبرى هي التي نزلت عليك لا التي نسجتها في ضعفك وظننتها خلابة وما هي بخلابة.

ووخز السقوط يجرحك ابدًا ويمزقك احيانًا ويفتتك وانت محتسب ان لك في سقطاتك تركيبة جديدة تجد فيها لذائذ وما تلبث ان تحس انها عابرة وانها تركتك مهشّمًا ليس فيك وحدة.

اجل الخطيئة توهم احيانا بوحدة اخرى ولكنك تحس بأنها صادمة للكيان الطيب المحجوب فيك وعبثا تحاول بدون العشق الإلهي ان تضرب البناء الفاسد وتدمّره انه كان لك بالفضيلة كيان عظيم.

#   #

#

اذا ارجأت توبتك قد تعود وقد لا تعود. الإرجاء يعني انك لا تزال عاشق الخطيئة ولم تتحسس فيك ذوقا لله. الله عندك مجرد حكي وليس وجودا مالئا كيانك. في هذا التردد لا تزال مشتتا مبعثرا بين الخطيئة المعششة فيك ورغبات صلاح لم يكتمل. لم تجلد نفسك بعد. لم ينزل منك دم ولم تذق حلاوات الله. لم تشنَ الحرب على زلاتك لكونك في الحقيقة لا تزال حليف السوء الذي فيك.

الويل لك ان داهمك الموت وانت غير تائب. معنى هذا ان الله يراك عند فراقك قبيحا اذ ابتعدت بعدًا رهيبا. لا يرى فيك ذلك الذي خلقه شبيهًا ببهائه. هذا لم يرضك فاستعرت الهًا مميتا ترضى ان يأخذك الى تيه قد يقودك الى الغرق النهائي. ماذا تعمل بعد هذا رحمته؟ هذا شأنه. هو كلّمك ولم تسمع او ما أردت ان تفهم. مَن قال انك بعد موتك ستسمع؟ هو لم يعد بذلك.

ليست التوبة مرتبطة بسن محددة. هي تنزل من فوق وكثيرا ما نزلت على شباب تراهم بيضا كالثلج. شيبك لا يعني شيئا. القلب كل شيء وفيه تختزن الكنز الإلهي. قد ينكسر جسدك ويتهاوى. هذا لا يسوق الى الاهتداء بالضرورة. انت لا تعرف سر الموت ولا تعرف ساعته. انه يأتي عليك كاللص كما قال الكتاب. الموت يسجل موتك الروحي او يسجل قيامتك. هل تريد لحنا ملائكيا بعده او صراخ شياطين. هل تشتهي لطفا الهيا او سخط إله. القرار بين يديك. اطلب من الله ان يُنزل عليك القرار لئلا تفنى في الجهالة.

#   #

#

لا احد يعرف حكمة الله في الأعمار. هناك ظاهرة بيولوجية لا ريب في ذلك ولكنها ليست مستقلة عن تدبير الخالق لها. ان يحفظ الانسان جسده معافى مرتبط به الى حد ومرتبط بالعناية الالهية الى حد. اكثر من هذا لا نعرف وليس من حاجة ان نعرف. جلّ ما يطلبه الله ان نكون مستعدين للقائه وما من لقاء حقيقي الا من بعد استعداد. عندنا نصوص يُفهم منها ان المسيح يستقبل الميت بما عنده من حنان ولكن هذا الحنان لا يتقبل من الميت فراغا. من هنا ضرورة تكليف الانسان نفسه ما في وسعها او أكثر حتى يكون قبولها مشاركة بينها وبين ربها. والرحمة لا حدود لها. هي فيض. هل للإنسان ان يحسن فقط؟ الحنان الإلهي اذا عنى شيئا فلا بد ان يعني تجميلا للنفس التي استُدعيت . بعض القديسين القلائل يقولون ان الرب لا يترك احدا في الجحيم الى الأبد. غير ان القديس اسحق السرياني الذي كان يؤمن بهذا منعنا من تعليمه رسميا خشية الانزلاق.

عندي ان المهم الاعتناء بذواتنا هنا روحيا مع الاتكال على الرحمة. المبتغى هو الجهد الأقصى لأن الرب جدي يطلب الينا الجدية ويكره الاسترخاء. ولكون الموت مداهما لا يسوغ اي تفريط. لذلك يجب ان نجعل أنفسنا امام الحساب وامام خوف الله والخوف تدرج لنا الى السماء.

اذا كان الله يحبك فلا تستغلّه لأن الاستغلال يعني انك لا تحب. انت حبيب الله. اذا لم ترضخ لمحبتك تكون خائنا له. السماء مفتوحة لك في كل مراحل حياتك. أحبب الدخول اليها.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

مريم في المجد/ الأحد 12 آب 2012 / العدد 33

أَوشكَ «صيام السيدة» أن ينتهي الى رقادها في منتصف هذا الشهر. تقشّفنا لنستحق رعاية والدة الإله وانعطافها. وهذا الانعطاف أعلنه المخلّص نفسه على الصليب حيث كانت هي واقفة مع التلميذ الذي كان يسوع يحبّه، فسمع هذا قول الرب عن مريم: «هذه أُمّك». هذه الأمومة لم تنسكب فقط على هذا التلميذ ولكن على كل مؤمن يحبه المعلّم.

شعورنا بوالدة الإله ليس تحرّكا عاطفيا تجاهها وحسب ولكنه إرادة المخلّص أن نكون تجاهها في حالة بنوّة اي ان مريم في حياتنا الروحية. تكريمنا مريم جاء أمرا من يسوع. هو الذي أعلن أُمومتها بالنسبة إلينا.

يطرح المؤمنون سؤالا حول ما جرى لها بعد موتها. الخدمة الإلهية تستعمل لفظة انتقال بمعنى إصعاد الله لجسدها اليه. السنة الـ1950 قررت الكنيسة الغربية إعلان انتقال العذراء نفسًا وجسدًا عقيدة من عقائد الإيمان.

نحن تكلّمنا طقوسيا عن الانتقال ولكن لم نصنعه عقيدة، فهناك لاهوتيون يقولون به وهناك من لا يقول هذا. أيقونة الانتقال تُصوّر العذراء راقدة ويسوع الى جانبها حاملا روحها بشكل طفلة مقمّطة بثياب بيضاء للدلالة على أنها في السماء. كل شيء عندنا يدلّ على أنها في المجد كالشهداء وأنها تتوسل من أجلنا بحيث دعوناها «أَكرم من الشيروبيم وأرفع مجدًا بغير قياس من السيرافيم».

الاعتقاد السائد في الكنيسة انها بلا عيب ولا فساد بمعنى أن الكنيسة تُنزّهها عن الخطيئة وتُسمّيها «عروس الله» وتُركّز على أهميتها الأساسية في سرّ التجسد الإلهي الذي تمَّ بخضوعها لمشيئة الله التي عبّر عنها الرب ببشارة الملاك إذ قالت له: «أنا أَمةٌ للرب، فليكن لي حسب قولك».التجسّد الإلهي اقتضى أن تقبل دعوة جبرائيل إليها لتحمل في نفسها هذا السرّ العظيم ولتكون صورة عن الكنيسة العذراء كما رأى صاحب سفر الرؤيا (الإصحاح 12).

أجل يسوع الإنسان هو الوسيط الوحيد بين الله والناس. هذا بمعنى انه الوحيد الذي تمّم الخلاص. غير أن القديسين وعلى رأسهم سيدتنا العذراء هم معه وحوله يُصلّون من أجلنا. فقد أعطاهم يسوع قوّة الشفاعة لخلاصنا بعد أن أثقلَتنا الخطيئة.

مريم في الملكوت فوق كل محاكمة وكل إدانة، وجعلَها ابنُها إلى جانبه في الملكوت لتشفع من أجلنا ويشاركها كل القديسين بهذا التشفع.

لذلك يرد ذكرها كثيرًا جدا في كل الكتب الطقوسية، ولا تخلو خدمة إلهيّة واحدة من التكلّم عنها والتكلّم معها.

لذلك كانت لها أعياد كثيرة قمّتُها عيد الرقاد الآتي حيث نعلن أنها مقيمة في المجد الإلهي منتظرة أن ننال نحن القيامة في اليوم الأخير ونرى مجدها الى جانب مجد يسوع.

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

الرموز والحقيقة / السبت 11 آب 2012

الرمزية عندنا ليست كالخيال. الحقيقة الروحية لا تنسكب فقط كلمات. تجيء صورا ايضا. صورة الحقيقة رمزها. ليسا شيئين منفصلين. عندما يتكلّم صاحب الرسالة الى العبرانيين عن المسيح يقول انه بهاء مجد الله ورسم جوهره. المجد في بهائه ورسم الجوهر من الجوهر.

عندما تصطبغ بماء المعمودية لا تدل على انك نلت الخلاص. تكون نلته حقا. ليس الماء دالا على شيء ليس فيه. انه يعطيك ما فيه اي واقع الخلاص الذي انتقل اليه. المادة تنقل من عالم المحسوس الى عالم المعقول . كذلك ما يبدو في المناولة لك خبزا اصبح في جوهره جسد الرب. لا يدل على الجسد. أمسى جسدا اي انه انتقل من المحسوس الى المعقول. لا نقول ان جسد الرب هو في الخبز او معه او تحته. نقول ان الخبز تحول جسدا ولا نتكلم عن الكيف.

السر هو في هذا ان ما يبدو لك رمزا لشيء آخر لم يبقَ كذلك. ليس هناك شيء آخر. الرمز في التعبير المألوف شكل يدلّ على المرموز اليه وليس بينهما الا علاقة التخيل. اما في الاصطلاح المسيحي فالرمز والمرموز اليه واحد. المرموز اليه يتجلى بالرمز ويستحيل عليك ان تفرق بينهما على مستوى الكيان.

هل اليد الى اليد عند المصافحة ام هو القلب الى القلب ان كنا صادقين. عندما يقول بولس: «سلّموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة» ماذا يريد الا ان تكون القبلة بلا غش. بلا كذب؟ هل التلاقي في الحب الزوجي رمز ام حقيقة. في الكنيسة الأرثوذكسية عند ترتيل: «لنحب بعضنا بعضا» يقبّل الكاهن الكاهن الآخر. ولكن في الماضي كان كل الشعب يقوم بهذا التقبيل والمفهوم ان الكنيسة تتكون بالمحبة. هذا الجسد يحمل الروح التي تتواصل والروح الأخرى ولا بد من جسر بينهما وهو هذه الركيزة المؤلّفة من لحم ودم وعظام.

في الخط نفسه الكلام عن الكنيسة المبنية وموسيقاها ورسمها. فقد كان ممكنا الا تكون معابد وان يكتفى بالكلمة الإلهية في قراءتها غير ان عدد المؤمنين في تزايده اقتضى مكانا كبيرا للصلاة وكان لا بد من اجراء طقوس وهي رموز متناسقة بمعانيها واشكالها معا. والطقس في اجرائه يسكب عليك معنى ثم المعنى يعيدك الى صورته. والصلاة كلمات والكلمة صورة ومعنى بآن.

واذا أخذت الكتاب المقدس فهو كلمات تُعرب اي انك تدخل اليه باللغة واللغة تصوير. والكتاب المقدس ليس لغة واحدة. عندنا هو العبري والآرامي واليوناني. هذه اللغات رموز ككل الرموز ومن خلال هذه تطلب الحقيقة والحقيقة في كلماتها. وعندما يخضع المفسرون نص الكتاب الإلهي للتفسير فإنهم يخضعونه للغات اي لرموز الحقيقة ولكنهم يبتغون الحقيقة. هذه وصورها اذًا في طبق واحد الى ان يصير الله بلا صور عنه في اليوم الأخير حقيقتنا الوحيدة والكبار في الأدعية في كنيستي يدركون يوما لا يقولون فيه كلمات. صلاتهم، اذ ذاك، نسميها داخلية. يكون هؤلاء المصلّون استدخلوا في قلوبهم دعاء اسم يسوع  ويكون اسمه قد استقرّ فيهم. لا يلفظون، عند ذاك، اسما ولا كلمة. يكونون في الحضرة. امام الحضرة تنتفي مشكلة العلاقة بين الرمز والمرموز اليه.

اذا أخذنا سر مسحة الزيت نتساءل لماذا يجب ان يُدهن المريض بالزيت. هل انه كان اساسا لبعض الأدوية ام لأن اسمه باليونانية واسم الرحمة من جذر واحد. ما يبقى من هذا السؤال اننا في عمل مقدس كهذا يجمع الرمز الى ما يرمز اليه. لا نخرج في هذا عن طبيعة الإنسان.

ثم لا بد من انهاء الحديث عن الرموز في الكنيسة بذكرى الأيقونة. ماذا انت فاعل ان وضعت عليها شفتيك؟ هل هذه قبلة للصورة ام لصاحب الصورة؟ يوحنا الدمشقي بعد ان كسر يزيد ايقونات لنا كتب اننا ان أكرمنا الصورة (إكراما لا عبادة) انما نكرّم المسيح او مريم او القديس المرسوم عليها وذلك بسبب من التجسد اي ان ابن الله الوحيد اتخذ صورة بشرية، جسدا من لحم ودم فاذا انضممنا الى الأيقونة ننضم اليه.

لعلّ كلا منا في حدود معينة ايقونة الله وبالبشرة نرتقي اليه ولا يبقى الا وجه ربك الذي لا رمز له. اذا استطعت ان تدركه هكذا بلا تعبير تكون قد أدركت الكمال.

هذا سيكون في اليوم الأخير (في تعبيرنا) او الآخر في تعبير اخوة لنا وأصدقاء. كل جماعة لها تعبير أبصور كان هذا ام بكتاب والكتاب صورة. بعد القيامة لن يكون لك وجه بشري تعاين الله فيه. سيكون لك جسد آخر وصلاة غير مكتوبة ولن يكون في قلبك خيال لأن الخيال صورة. قلبك لن يختلف عند ذاك، في مضمونه وبهائه عن قلب الله.

نتوكأ الآن، ضرورة، على كلمات وهي تخيل، على إشارات وعلامات وفنون الى ان تزول هيئة هذا العالم ويخطفنا الله على أجنحة محبته الى وجهه الذي لا يسوغ الكلام فيه.

واذا استطعنا هنا ان نحب بعضنا بعضا فكأنما نرى وجوها هي فوق الوصف لأن الوصف يحتاج الى صور وقد تخطيناها بلصوق المحبة.

الذين حطموا الأيقونة بين القرن الثامن والتاسع الميلادي أما كانت ثقافتهم تكشف لهم ان الكتاب المقدس هو كان ايضا ايقونة لكونه يقود الى الله بكلمات هي صور؟ الحقيقة المجردة في قلبك اذا تشبه بقلب الله اذا ارتفع محتوى القلب الى رؤية الله.

المهم ان يتحد اللاهوت فيك بالناسوت مع بقائك كائنا ناسوتيا. الله لا يلغيك. تصاعد اليه بكلماتك واسجد له بكل جسدك الذي الله حامله.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

إيمان بطرس/ الأحد 5 آب 2012 / العدد 32

الحادثة التي سبقت أُعجوبة مشي يسوع على سطح بحيرة طبريا كانت حادثة إكثار الخبز، والناس كانوا كثيرين وكان لا بد ليسوع ان يصرف الجموع، فألزم الرب تلاميذه أن يسبقوه الى الضفة الأُخرى من البحيرة وهي المسمّاة العِبر حتى يصرف الجموع. بعد أن صرفهم صعد الى الجبل ليصلّي.

يسوع في طبيعته البشرية كان يُصلّي الى الله الآب. كان دائمًا يصلّي وحده في بنوّته للآب، ليس أحد معه. كلامه للآب غير كلام الناس. لم يكن عنده حاجات يطلبها.

بقي وحده في الجبل، وقد سارت السفينة حتى أواخر الليل تقذفها الأمواج لأن الريح كانت مضادة. وبحيرة طبريا كبيرة جدا (12 كيلومترًا طولا) والرياح ممكنة فيها.

التقى يسوع بالسفينة ماشيا على البحر. ولما رآه التلاميذ لم يعرفوه فناداهم قائلا: تشجّعوا أنا هو لا تخافوا. الطمأنينة تأتينا من يسوع اذا كنا في حالة اضطراب. المسيح وحده يُخرجنا من الخوف لأنه هو السلام.

بعد كلام الرب أجابه بطرس: «مُرني أن آتي إليك. فقال: تعال». فنزل بطرس ومشى على الماء ليأتي الى يسوع. بقوة يسوع استطاع أن يعمل مثل يسوع اي أن يمشي على الماء. «لكن لما رأى الريح شديدة خاف وأخذ يغرق». لما كان يرى يسوع وحده لم يكن يضطرب من العاصفة، لم يحسّ بالعاصفة. «ففي الحال مدَّ يسوع يده وأَمسك به وقال له: يا قليل الإيمان لماذا شككت». أَدخل المخلّصُ الى قلب الرسول السلام فعاد ينظر الى وجه يسوع فقط. الانسان يخشى كل عاصفة وكل ضعف يأتيه. المخلّص وحده يجعله غير متأثر بأية حال من حالات الضعف.

عندما عادت الطمأنينة الى قلب بطرس مشى مع يسوع الى السفينة. «ولما دخلاها سكنت الريح»، اي عندما أحس بطرس انه في حماية يسوع ورعايته زال عنه الخوف.

ولما رأى التلاميذ أعجوبة خلاص بطرس من الغرق سجدوا ليسوع اي اعترفوا بأنه مخلّصهم من كل خوف ومن كل سقطة. «فسجدوا له» أي اعترفوا أنه ابن الله.

هذا هو الاعتراف الذي سيقوله بطرس بعد فترة وجيزة: «أنت المسيحُ ابنُ الله الحيّ». هذا كان إيمان التلاميذ لما نجوا من الغرق. إيمان بطرس هو إيمان الجماعة وهو صخرة الكنيسة. القول بأن المسيح هو ابن الله الحيّ هو كل الإيمان. وأي كلام آخر متفرّع عنه. وهذا هو الاعتراف الذي تبنّاه دستور الإيمان في المقطع الذي يبدأ «وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد».

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

الوحدة الزوجية / السبت 4 آب 2012

كيف تتم الوحدة بين اثنين أبالشوق اي بالحب البشري بمقدار لهبه ام بالمحبة التي كشفها يسوع الناصري وهي قائمة على عهد إلهي ويعلمنا الفيلسوف الدنماركي كيركيغور ان الوصية: «احبب قريبك كنفسك» تعني، يجب ان تحب قريبك كنفسك. فنحن اذًا في ما يتجاوز الشوق الى الواجب الديني. الوحدة الزوجية ليست تاليا مجرد واقع. هي التزام امام الله.

اول ذكر حسب توارد النصوص في مجموعة الأسفار المقدسة ما ورد في سفر التكوين: «خلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرًا وانثى خلقهم». في هذه الرواية للخلق نفي لشرعية او قدسية علاقة في الجنس الواحد او ما يسميه بعض دول الغرب زواجا لا سيما ان هذا الكلام الإلهي يكتمل بالقول: «أثمروا وأكثروا وملأوا الأرض» ليس ان غاية الزواج هي الإخصاب وهذا الكلام ليس واردا في اية كنيسة ولكن التكائر من ثمرة هذه العلاقة.

في رواية ثانية في إصحاح لاحق من سفر التكوين ان الله بنى الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها الى آدم فقال آدم «هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي» ثم يكمل: «يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدًا». وفي ترجمة حديثة «يتحد بامرأته» وترجمة اخرى «ويلزم امرأته».

ما الجسد الواحد؟ هذا لا يعني البدن لأن هذا مستحيل. الجسد في الفكر العبري يعني الكيان اذ لم يعرف العبران ثنائية النفس والجسد. في التعبير الحديث نقول ان الذكر والأنثى في اتحاد روحين او قلبين ليس انطلاقا من الشوق وحده تحقيقا لعرس طاهر كما يقول الأرثوذكسيون في حفلة الإكليل.

لا يبقى العهد الجديد على رؤية العلاقة الثنائية المحضة اذ يجعل من الزواج اولا علاقة تدوم كل الحياة اذ ينفي الافتراق في المبدأ وقد أضاف متى على العهد القديم «الذي جمعه الله لا يفرّقه انسان». عبارة «الا لعلّة الزنى» غير واردة في مرقس وفي لوقا. ما قد يفيد ذكره ان الكنيسة القديمة أباحت الزواج الثاني للفريق غير المذنب ولم تبحه للمذنب.

في الكنيسة الشرقية المعاصرة تدبير عملي انضباطي في إباحة الطلاق للطرفين ولكن هذا لا يعني ان الكنيسة غيّرت موقفها العقائدي في ديمومة الزواج. الإباحة القضائية للطلاق في حالات محدودة جدا لا تعني فتح الباب لحلّ الرباط الزوجي. اما التفلّت فيقع عقابه على الطرف المتفلت. ولكن ليس هنا مجال الاستفاضة في هذا التأمل الفرعي.

ما يجعل الزواج «مكرما ومضجعه غير دنس» كما يقول الرسول هو تأكيد بولس ان هذه العلاقةآتية من الرب وقائمة فيه. الكلمة الفصل في رسالة بولس الى أهل أفسس هي: «ايها الرجال احبوا نساءكم كما أحبّ المسيح الكنيسة الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها». في الحقيقة هذه محبة متبادلة بين الرجل والمرأة وواضح هنا مضمون المحبة. هي محبة المسيح لنا في موته . لا حدود تاليا للمحبة الزوجية لا شروط سلوكيا عند الآخر لتحبه. المرأة والرجل كلاهما من لحم المسيح وعظامه (أفسس 5: 30). بولس يؤكد ان الفريقين جسد واحد ولكنه كان قد أكّد قبل ذلك ان كلا منهما في المسيح حتى اوضح في وضوح اعظم ان كليهما معا هما في المسيح.

هذا يدفعني الى ان أقول ان من لم تنزل عليه هذه الرؤية يعيش جسديا وزواجه من هذه الدنيا وفيها. اقول هذا بسبب مما لمسته في المحاكم الروحية في المنطقة التي أعيش فيها وقد كشفت لي ان الأزواج الذين يحيون في محبة السيد لا يجيئون الى المحاكم الروحية ولا يعرفون بابها ولا اوراقها. انهم فاهمون ان رباطهم نزل عليهم من فوق.

لست طفلا لأقرر ان عائلات كثيرة لم تعبر بمحنة الخلاف. انت لم تعرف زوجتك قبل دخولها بيتك. تتعرف الى بعض خصالها في ايام الخطوبة اذا طالت. ولكن كل فريق منكما مخفية فيه اشياء  كثيرة قبل القران او تظهر فيه عيوب جديدة عليه وعلى زوجه بعد القران. بعبارة بسيطة تسوء العلاقات بسبب من اكتشاف الواحد للآخر بعد الزواج او ينحط البيت كثيرا او قليلا ومن بدا لك بارا قد لا يكون كذلك او يتفلت من قيود البر ويتعذر عليك معرفة كل ميوله قبل اللقاء الزوجي.

الى هذا صعوبة المجانسة احيانا او التأكيد المضخم على أهميّة هذه المجانسة. الى هذا طبائع ضعيفة وقلة من الصبر والاقتناع بضرورة الديمومة في العائلة. تسمع كثيرا من سنوات قليلة مضت: «انا لا احبه او لا احبها». وهذا تعظيم رهيب لنطاق الشوق وهو يبقى قليلا على زخمه ولا يمكن بناء الزواج عليه وحده بعد ان اسسنا الزواج على الاثنين رحمة من ربك.

اعرف ان بين علماء النفس مستشارين  في الخلافات الزوجية. بعضهم ساعد ويساعد والعلم جميل اذا نجح. نحن لا نحيد عن العلم ولكن مقاربتنا للحياة الزوجية مقاربة إلهية قائمة على كلمة الرب والصلاة الدائمة. فالعائلة قائمة في صلاتها.

لما كنت صغيرا كنا نجتمع حول والدي يكلمنا عن ذكرياته في الحرب العالمية الأولى ومما كان يقول: فلان تزوج السنة الـ1916 وكنت اعلم ان هذا الوقت كان وقت مجاعة. ففهمت بحكايا ابي ان الظروف القاسية لا تقوم دون تلاقي الرجل والمرأة في حياة واحدة. ولكن في زمان هذه الحكايات في بداءة الثلاثينات من القرن الماضي ما كان ابي يحدثني عن طلاق. كنا نفهم ان الصبية تأتي الى خطيبها مزينة بالعفة وانه لا يخطر على بالها ان تخالفها لعل الناس ايضا كانوا يحافظون على فضائل الآخرين او عهودهم.

تغيرنا كثيرا منذ زمان ابي ولا مجال الآن للتحدث في الأسباب وهي كثيرة ولكنا لا نستطيع ان نرفض بخفة قدسية الزواج الذي يتم في الرب وان نرفض انه النموذج للعافية الروحية وان ما قاله الله قاله لكل الأزمان.

«ذكرًا وانثى خلقهم» ليؤلّفوا المعيّة الإنسانية المباركة الطيبة، ليتقدس كل جنس بالجنس الآخر. هذه هي مشيئة الله الثابتة وكلمته الأخيرة.

Continue reading