الكاهن أيقونة / ذكرى خمسين سنة لرسامته الكهنوتية، دير سيدة النورية، 18 كانون الأول 2004.
أيها الأحبة،
تذكَّر بعض الإخوة أنه مرّ عليّ خمسون سنة من القسوسية. فرغبتُ أن تأتي التلاوتان، الرسائل والإنجيل، مناسبتين لأتذكّر وأتوب. وما وددت أن أقوله لكم هو ما فهمتُ من الكهنوت. وأما ما تعلّمته حقًا فإن الديان الرهيب سوف يكشف لي إنْ تعلّمْتُ. تذكرون أن حزقيال قال ويلات ضد رعاة إسرائيل، وقال إنهم يُهملون الرعية ويَرعَون أنفسهم حتى أنهى إصحاحه الشهير الرابع والثلاثين بقوله إن الله سيبعث داود راعيًا لشعبه. ما معنى هذا القول وقد مات داود؟ فبدا لي أن داود هذا الذي يقصد، إنما هو ابن داود، حتى جاء المخلّص في هذه التلاوة العظيمة من يوحنا يقول: «أنا هو الراعي الصالح»، ثم يقول «الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف»، سأقف عند هذا. «أنا الراعي الصالح» مع ال التعريف المطلقة التي تعني أنه لم يكن قبله راع صالح، ولن يجيء بعده راع صالح.
نحن الذين نُسمّى رعاة إنما نحاول بصورة باهتة جدًا أن نُساهم مع المعلّم في رعاية قطيع يخصُّه ولا يخصّنا. ربما جُرّب الكاهن أن يظن أن الإخوة الذين هم حوله في كنيسته إنما هم رعيته. هذا من باب التسمية. إنهم ليسوا رعيته، إنهم رعية المخلّص. وقدَرُ المخلّص أن يرعانا خلال ألفي سنة مع رعاة خاطئين، أساقفةً كانوا أم قسسًا. وكانت فترات من الزمان، ليست ببعيدة، لم يكن أحد يعرف شيئًا، ولا أحد يُعلّم شيئًا. وما كانت الكلمة تُنقَل، ما عدا هذا الفُتات القائم في الليتورجيا والمعبَّر عنه باللغة الفصحى. مهما يكن من أمر، هناك راع صالح واحد فقلِّدوه ولو بصورة باهتة.
كيف كان راعيًا صالحا؟ أَتخذُ كلمة من الرسالة إلى العبرانيين لأفهم هذا «وإله السلام الذي أقام من الأموات راعي الخراف العظيم ربنا يسوع المسيح بدم العهد الأبدي يُكمّلكم في كل عمل صالح». ومعنى هذا أن السيد المبارك صار راعيًا لـمّا اقتبل أن يصير حَمَلاً لله، أي على هذه الخشبة، فلما سُفِك دمه حبًا صار راعيًا صالحًا. هذا كان الشرط.
لذلك ليس من كاهن ولا أسقف يمكن أن يكون راعيًا كاملاً لأنه لا يستطيع في هذا الجسد أن يحب حبًا كاملاً. ولكننا نسعى. والويل لمن لا يسعى. كيف تكون صالحًا بالقدر البشري الممكن؟ تنظر إلى هذا الذي نسي نفسه على الخشبة ومُحِقَ محقًا كليًا. فمن لا يمحق نفسه محقًا تامًا فهو ليس براع، أي ليس بموجود. قلت لكم، خلال سنوات، الكاهن غاسل أرجل أي إنه مُوحَّد مع الأرض. وهو لا يتطلّب من أحد أن يوقّره. هذا الذي يطلب توقيرًا لنفسه واحترامًا وإمارات تقدير، هذا يظن نفسه شيئًا. والتعظيم يذهب إلى المسيح. فمن لا يُقدّرك كاهنًا قَبّل أنت رجليه لكي يعرف أنك كاهن. قبل هذا لا يستطيع أن يعرفك.
الشيء الآخر الذي فهمته، وهو في هذا الخط، أننا في العهد الجديد لا نعيش على نظام الكلمة، ولكن على نظام الأيقونة. ما معنى هذا؟ العبرانيون الذين لم يكن لهم إله في الجسد كانوا يعتبرون أن الله يُعبّر عن نفسه بكلمات. كانوا بدوًا كالعرب. والبدو يتكلّمون تحت الخيام. ويظنون أن الله بدويّ كبير، رئيس قبيلة. ولذلك يحكي. وكان هذا النظام نظامًا صحيحًا لأن الله كان يعامل بدوًا.
صح أن آباءنا أعطوا قوة كبيرة للكلمة. والسيد نفسه قال «إنكم أنقياء بسبب الكلام الذي كلّمتكم به»، وهذا الكاهن الحقير الذي يكلّمكم الآن لم يركّز أحد مثله في هذه البلاد على ضرورة الكلمة وقراءتها وتمحيصها ودرسها ولا أزال أُركّز. ولكن هذه وسيلة فقط، تربية. أنتم لستم كلمات، الله ظهر في الجسد فأتى المسيح أيقونة لأبيه.
ماذا يقول يوحنا في مطلع سِفره؟ «الكلمة صار بشرًا ونَصَبَ خيمتَه في حيّنا». هذه هي الترجمة الصحيحة. «نَصَبَ خيمتَه» ولكنه لم يحكِ كالبدو. صار إنسانًا في حي البدو. وتاليًا، الذين يحاولون أن يصبحوا رعاة، إن لم يصيروا أيقونات مثله سيظلّون حكيًا يُحكى وأصحاب ليتورجيات رائعة تُدغدغ المؤمنين وتجعلهم يَحسبون أنهم اختُطِفوا ولعلّهم اختُطِفوا إلى لحن. الكاهن أيقونة. فمن رآه يرى الله. ومن لم يَرَ الله مرتسمًا على وجهه لا يستطيع أن يتخذه راعيًا. لذلك وَهْمٌ أن نقول إننا نُعلّم الكتاب المقدس فيمرّ. لا يمرّ. الكتاب المقدس إن لم يصر أنت لا يمرّ. هذا استيهام أكاديميين. لا يمرّ. يجب أن يصير أنت. الحب وحده يمرّ.
ولذلك جاء يسوع ليقول أنتم لا تعيشون وفق نظام الكلام. في الأخير لا تحتاجون إلى كلام، نحن لسنا في الأخير الآن، يجب أن نتمرّن حتى نصل إلى الأخير، وأفتخر بأني أول مذكّر بهذا منذ ستين سنة، أول مذكّر بضرورة الكلمة. ولكن هذا ليس الأخير، هذا قبل الأخير. الأخير هو أن تموت وأنت هنا قبل انقضاء عمرك، أي إنك تسكب دموعك ودمك واهتمامك وحضورك في سبيل الإخوة، لكي يتمكنوا من أن يفهموا ما أتمّه المصلوب. لقد حيينا نحن، نحن حيينا بموته. القيامة كانت كشفًا وبشارةً لهذا الذي حصل قبل ذلك. غاسل أرجل، متواضع ووديع، هذه نتيجة. محبّ حتى النهاية، معلّم كبير. معلّم كبير لماذا؟ لا ليفهموا. الدماغ لا يعبر إلى الدماغ. أنت تُعلّم لا ليتعلّموا ولا ليحفظوا ولكن لكي يصيروا.
فإذا ما خُطَّت فيك خطوط أيقونة، إذا كُتبَت فيك، تكون قد شرعت أن تصير راعيًا لرعية المسيح وتكون هي أيضًا حاولت أن تصير مجموعة أيقونات، آمين.
Continue reading