عيد جامع لوالدة الإله/ الأحد في 26 كانون الأول 2004/ العدد 52
اليوم الثاني الذي يلي بعض الأعياد الكبرى نعيّد للشخص الذي يأتي بالدرجة الثانية بعد المسيح. فبعد الظهور الإلهي نقيم عيدا جامعا ليوحنا المعمدان لأنه كان هو الصابغ. وفي اليوم الذي يلي دخول السيد إلى الهيكل نعيد لسمعان الشيخ وحنة النبية. على هذا المثال نقيم اليوم عيدا لوالدة الإله ليس عيد حدث كعيد مولدها او رقادها.
فبعد ان عيدنا للميلاد أمس جئنا نذكر ام الرب وجسدُهُ منها. لذلك رأينا ان تعظيمنا لحدث الميلاد يقودنا إلى تعظيم التي جعلت هذا الميلاد في الجسد ممكنا. وفي القراءة الإنجيلية اليوم نراها ترافقه إلى مصر (وقد تكون فقط برية سيناء) القريبة من بيت لحم. ونراها ترافقه في العودة إلى ارض اسرائيل وتلازمه في الناصرة التي انطلق منها إلى البشارة. وعند لوقا تحمله مع يوسف إلى الهيكل ثم يرافقانه إلى الهيكل لما بلغ سن الاثني عشر. وكانت معه في عرس قانا الجليل حتى انتصبت امامه لما كان معلقا على الصليب. فاذا رافقناه نحن في الروح رافقناها ايضا. هذا اليوم هو يومها.
نحن نعي اهميتها عنده. وهذا يتجلى بنوع خاص لما قال السيد للتلميذ الحبيب الذي كان في رفقتها إلى الصليب: “هذه امك”. وعند هذا اخذها التلميذ الحبيب إلى خاصته. وهذا يعني ببساطة انه آواها عنده. ولكن بما هو اعمق روحيا من هذا الكلام يعني ان كل تلميذ حبيب يعتبرها امه اي يقيم معها علاقة إجلال وعلاقة محبة وعلاقة صلاة باعتبار ان السيد بعد رقادها أخذها إلى المجد الإلهي. فاذا انت استقطبك هذا المجد ورفعت عينيك إلى يسوع تراها معه. وفي هذا انت تراعي كلمتها في انجيل لوقا: “ها منذ الآن يطوبني سائر الأجيال” (1: 48).
يقول احد القديسين وهو مكسيموس المعترف انك ان ولدت المسيح في قلوب الناس (بالتعليم او البشارة او الشهادة) تصبح مريما جديدة. والكنيسة عرفت مكانة مريم فسمتها والدة الإله في المجمع المسكوني الثالث وقالت عنها في المجمع الخامس انها الدائمة البتولية.
هذه العبارة الأخيرة لا تدلنا فقط على عذريتها الدائمة الا انها دعوة الينا حتى نكون نحن -متزوجين كنا ام غير متزوجين- كارهين الخطيئة، دائمي النقاوة. المسيح كامل النقاوة ولكنه جعل امه بنعمته ايضا محفوظة من الدنس، اي دنس لتكون لنا قدوة اي لنقرر بإرادتنا ان الخطيئة ولو غلبتنا نستطيع ان نستعيد الطهارة التي حافظت عليها مريم. واذا تطهرنا بالتوبة نصير مريميين. مريم قدرت، بنعمة ربها، الا تسقط. فاذا كانت ارادة الله قداستنا وأطعنا إرادة الله ونهضنا نكون متشبهين بمريم. واسمها باللغة الآرامية التي كانت لغتها تعني “السيدة”. هذا كان اسما على مسمّى. ان نكون مريميين على هذه الطريقة يجعلنا طالبي قداسة في عصر كثر فيه الفسق واخذت الأمانة الزوجية تضعف فيه، عصر انتشر فيه الكذب وكل وسائل الاحتيال والهدر والسرقات، عصر شرعت فيه بعض الدول علاقات بين الناس مخالفة للطبيعة.
كان الناس دائما يخطئون ربما بالقدر نفسه الذي يخطئ فيه هذا العصر. ولكنهم كانوا يستحيون بعد ارتكابهم المعصية. عصرنا هذا -وليس فقط في الغرب- يتباهى بأنه يفعل هذه الأشياء القبيحة ويعتبرها طبيعية. يسرقون بعضهم بعضا ويزكون السرقة في قولهم وفي أفعالهم ولن اعدد الخطايا فإن ذكرها قبيح كما يقول الرسول.
ولن ينقذ اهل هذا الجيل الفاسد الملتوي الا الأنقياء الذين يكرهون الشر بكل جوارحهم. من منا يهرب من الآثام هربه من نار؟ من منا مقتنع ان الحياة الحرة هي الحرية من المعصية وان عيشنا مع الله هو العيش الحقيقي الذي يجعلنا متشبهين بالله؟
امام انجرافنا إلى الشرور تنتصب مريم لتوحي الينا ان اقترابنا من يسوع هو الذي يعصمنا من الشرور ويعيد الينا العافية الروحية ويجعلنا بشرا سويا.
واذا ولدنا مع يسوع في عيد ميلاده فالمهم هو المحافظة على هذه الولادة الجديدة التي تجعلنا حقا ابناء الله فنولد كل يوم بالنعمة لنبقى على النعمة التي ظللت والدة الإله وجعلتها قابلة للانتقال إلى المجد.
Continue reading