Category

2004

2004, مقالات, نشرة رعيتي

عيد جامع لوالدة الإله/ الأحد في 26 كانون الأول 2004/ العدد 52

اليوم الثاني الذي يلي بعض الأعياد الكبرى نعيّد للشخص الذي يأتي بالدرجة الثانية بعد المسيح. فبعد الظهور الإلهي نقيم عيدا جامعا ليوحنا المعمدان لأنه كان هو الصابغ. وفي اليوم الذي يلي دخول السيد إلى الهيكل نعيد لسمعان الشيخ وحنة النبية. على هذا المثال نقيم اليوم عيدا لوالدة الإله ليس عيد حدث كعيد مولدها او رقادها.

            فبعد ان عيدنا للميلاد أمس جئنا نذكر ام الرب وجسدُهُ منها. لذلك رأينا ان تعظيمنا لحدث الميلاد يقودنا إلى تعظيم التي جعلت هذا الميلاد في الجسد ممكنا. وفي القراءة الإنجيلية اليوم نراها ترافقه إلى مصر (وقد تكون فقط برية سيناء) القريبة من بيت لحم. ونراها ترافقه في العودة إلى ارض اسرائيل وتلازمه في الناصرة التي انطلق منها إلى البشارة. وعند لوقا تحمله مع يوسف إلى الهيكل ثم يرافقانه إلى الهيكل لما بلغ سن الاثني عشر. وكانت معه في عرس قانا الجليل حتى انتصبت امامه لما كان معلقا على الصليب. فاذا رافقناه نحن في الروح رافقناها ايضا. هذا اليوم هو يومها.

            نحن نعي اهميتها عنده. وهذا يتجلى بنوع خاص لما قال السيد للتلميذ الحبيب الذي كان في رفقتها إلى الصليب: “هذه امك”. وعند هذا اخذها التلميذ الحبيب إلى خاصته. وهذا يعني ببساطة انه آواها عنده. ولكن بما هو اعمق روحيا من هذا الكلام يعني ان كل تلميذ حبيب يعتبرها امه اي يقيم معها علاقة إجلال وعلاقة محبة وعلاقة صلاة باعتبار ان السيد بعد رقادها أخذها إلى المجد الإلهي. فاذا انت استقطبك هذا المجد ورفعت عينيك إلى يسوع تراها معه. وفي هذا انت تراعي كلمتها في انجيل لوقا: “ها منذ الآن يطوبني سائر الأجيال” (1: 48).

            يقول احد القديسين وهو مكسيموس المعترف انك ان ولدت المسيح في قلوب الناس (بالتعليم او البشارة او الشهادة) تصبح مريما جديدة. والكنيسة عرفت مكانة مريم فسمتها والدة الإله في المجمع المسكوني الثالث وقالت عنها في المجمع الخامس انها الدائمة البتولية.

            هذه العبارة الأخيرة لا تدلنا فقط على عذريتها الدائمة الا انها دعوة الينا حتى نكون نحن -متزوجين كنا ام غير متزوجين- كارهين الخطيئة، دائمي النقاوة. المسيح كامل النقاوة ولكنه جعل امه بنعمته ايضا محفوظة من الدنس، اي دنس لتكون لنا قدوة اي لنقرر بإرادتنا ان الخطيئة ولو غلبتنا نستطيع ان نستعيد الطهارة التي حافظت عليها مريم. واذا تطهرنا بالتوبة نصير مريميين. مريم قدرت، بنعمة ربها، الا تسقط. فاذا كانت ارادة الله قداستنا وأطعنا إرادة الله ونهضنا نكون متشبهين بمريم. واسمها باللغة الآرامية التي كانت لغتها تعني “السيدة”. هذا كان اسما على مسمّى. ان نكون مريميين على هذه الطريقة يجعلنا طالبي قداسة في عصر كثر فيه الفسق واخذت الأمانة الزوجية تضعف فيه، عصر انتشر فيه الكذب وكل وسائل الاحتيال والهدر والسرقات، عصر شرعت فيه بعض الدول علاقات بين الناس مخالفة للطبيعة.

            كان الناس دائما يخطئون ربما بالقدر نفسه الذي يخطئ فيه هذا العصر. ولكنهم كانوا يستحيون بعد ارتكابهم المعصية. عصرنا هذا -وليس فقط في الغرب- يتباهى بأنه يفعل هذه الأشياء القبيحة ويعتبرها طبيعية. يسرقون بعضهم بعضا ويزكون السرقة في قولهم وفي أفعالهم ولن اعدد الخطايا فإن ذكرها قبيح كما يقول الرسول.

            ولن ينقذ اهل هذا الجيل الفاسد الملتوي الا الأنقياء الذين يكرهون الشر بكل جوارحهم. من منا يهرب من الآثام هربه من نار؟ من منا مقتنع ان الحياة الحرة هي الحرية من المعصية وان عيشنا مع الله هو العيش الحقيقي الذي يجعلنا متشبهين بالله؟

            امام انجرافنا إلى الشرور تنتصب مريم لتوحي الينا ان اقترابنا من يسوع هو الذي يعصمنا من الشرور ويعيد الينا العافية الروحية ويجعلنا بشرا سويا.

            واذا ولدنا مع يسوع في عيد ميلاده فالمهم هو المحافظة على هذه الولادة الجديدة التي تجعلنا حقا ابناء الله فنولد كل يوم بالنعمة لنبقى على النعمة التي ظللت والدة الإله وجعلتها قابلة للانتقال إلى المجد.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

أحد النسبة/ الأحد في 19 كانون الاول 2004 / العدد 51

هو الأحد السابق للميلاد يحتوي على “شجرة العائلة” التي وُلد منها السيد وعلى رواية الميلاد. غاية إيراد نَسَبِ المخلّص عند متى الذي وضع كتابه لليهود وللهيود المتنصرين ان يبين لهم ان يسوع هو ابن داود ليقول انه وريث الملك ولكن ملكه روحي. ثم ليقول انه ابن ابراهيم ابي المؤمنين والذي انحدر منه يهود ذلك الزمان (يهود اليوم ليسوا معظمهم اولاد ابراهيم). كان هّم متى ان يدل ان يسوع بشر حقيقي وثمرة السلسلة التي ورد معظم اسمائها في العهد القديم.

            من اول الكلام يُظهر متى ان يسوع هو المسيح. كلمة “المسيح” هي صفة ليسوع. وردت في الكتاب ووردت عند علماء اليهود وكانت تعني عندهم منقذ اسرائيل الذي يأتي في آخر الأيام ليقيم العدل ولكنه ليس المخلّص بالمعنى الروحي. المسيح مخلّصا من الخطيئة والموت فكرة مسيحية صرفة.

            السلسلة اوردت ثلاث مراحل، الاولى من ابراهيم الى داود، الثانية من داود الى جلاء بابل (لأنه حدث مهم في تاريخ اسرائيل)، والثالثة من جلاء بابل إلى المسيح. اربعة عشر جيلا في كل واحدة، والرقم 14 هو رمز داود التي تكتب في العبرية بلا ألف. رمز الدال 4 ورمز الواو 6 في ما يسمى عندنا علم الجمَّل. الحصيلة 14. فرتب متى السلسلة هكذا مستقيا الأسماء من العهد القديم.

            الى ذلك اورد اسماء اربعة نساء: تامار، وراحاب، وراعوث، اما الرابعة فلم يذكر اسمها ولكنه ذكرها بقوله “التي لأُوريا”. الاوليان ارتكبتا زنى. راعوث اجنبية، والاخيرة اخذها داود الملك بعد ان قتل زوجها. هذا ليوحي بأن السيد منحدر من جنس بشري خاطئ وان الطهارة هي فيه هو.

            يقف النسب عند يوسف لأن الولد منسوب الى أبيه او المحسوب أباه (يوسف لم يكن أبا لسيد). عرّفه الإنجيلي على انه خطيب مريم اي زوجها حسب العقد الذي كان معروفا عند اليهود بحيث انه ولو لم تقترن به فعليا ترثه. غير انها لم تكن مقيمة عنده. زفافها اي انتقالها الى بيته تم بعد الميلاد وهذا ما يشير اليه هذا الفصل بقوله: “فأخذ امرأته” بمعنى آواها في منزله لتحسب زوجة بنظر الناس. كان لا بد ان يظهر يسوع، لحماية مريم، ابنا ليوسف. اسم يسوع مؤلف من الياء وهي اول حرف من كلمة “يهوه” التي تعني الله بلغتهم، ومن “يشوع” وهو فعل يعني خلّص، يخلص. الاسم كان معروفا عندهم واختاره الآب ليسمي به ابنه على الأرض. اما اسم عمانوئيل (وفيه إيل وهو اسم آخر لله في العهد القديم) فهو اسم آخر للسيد ولكنه لم يُستعمل بالمناداة. غير ان هذا الاسم يشددنا بالايمان ان الله صار معنا بمسيحه.

            ثم قد يأتي السؤال من آخر القراءة: ما معنى “لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر”؟ كل ما أراده متى ان يذكر ان العذراء حبلت في عذريتها. الانجيل يروي هذه الحقيقة بقولتين: “ها العذراء تحبل وتلد ابنا”. والقولة الثانية “لم يعرفها” تؤيد الاولى، ولا يقول شيئا عما اذا جرى زواج فعلي بين يوسف ومريم بعد الولادة. انه يؤكد عدم وجود تواصل بينهما قبل الميلاد ولا يهتم لما جرى بعد. الأمثلة عديدة في مخاطبة الناس بعضهم بعضا ،فاذا سألتك: هل كنت امس حتى الظهر في بيتك؟ وقلت لي: نعم. تكون مجاوبا عن سؤالي. انا ما سألتك عما فعلت بعد الظهر، وانت اجبت عن سؤالي ولم تكشف لي عما فعلته بعد الظهر. هاجس متى لم يكن ان يروي شيئا عن حياة مريم بعد ولادتها يسوع. كان هاجسه ان يؤكد الميلاد البتولي.

            اما كونها “الدائمة البتولية” فهذا نعرفه من اعتقاد المسيحيين الموثق مند القرن الثاني للميلاد وما نحن نردده في العبادات وما أكده المجمع المسكوني الخامس. وهذا عندنا نحن الارثوذكسيين جزء من معتقدنا. هذا هو تقليدنا او تراثنا.

            اليوم يزداد تهيؤنا لميلاد الرب الذي ظهر قديما بالأنبياء والآن يظهر لنا بشخصه لابسا جسدا مثلنا ومتخذا كل اوضاعنا ما عدا الخطيئة. الآن نحن نولد ايضا، اذا شئنا، بالتواضع وانكسار القلب. الآن نصير فقراء اليه لأنه هو إله الفقراء. واذا صرنا الى وداعته وحلاوة نفسه نقدر نحن ايضا ان نُظهره في العالم لأن المطلوب ان يولد يسوع في كل قلب. ما يَسُرُّ الله هو عيد موصول في النفس البشرية العائدة اليه.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

أحد الأجداد/ الأحد في 12 كانون الاول 2004 / العدد 50

هذا هو الأحد السابق لأحد النسبة، نذكر فيه أجداد المسيح في الجسد، اي الذين سبقوه من اول الخليقة اليه الذين كانوا من الأمم (اي الوثنيين) والذين انحدروا من ابراهيم. والكنيسة  أرادت بتلك الذكرى ان تبيّن ان كل الجمالات الروحية في الشعوب كلها جمعها المسيح في بشريته المقدسة، فلا فضل في هذا ليهودي على أممي لأنهم جميعًًًا سوف يخلصهم المسيح، اي انه خلّص بموته الذين كانوا في مملكة الموت يهودًا كانوا أم أمميين. فالذين ماتوا قبله  نقول انهم في الجحيم ونعني بها نطاق الموت وقد زارهم بروحه  عند صلبه. أما الذين جاؤوا بعده فقد خلصهم بالإيمان.

            فقد اتجهت كل الأفكار الصالحة التي ظهرت قبله اليه اذ كان عند الوثنيين ولا سيما اليونانيين فكر عظيم تجلّى بالفلسفة. الفلاسفة التمسوا بعض ما قال به المسيح التماسًا. كذلك كانت هناك حكايا وثنية فيها تعاليم روحية او صوَر تشبه بعض ما جاء في الإنجيل. فقد عاش هؤلاء على بعض من الحقائق ولم يعيشوا الحقيقة كلها.

            ما من شك عندنا ان الحقيقة الأسطع كانت في العهد القديم الذي يبدأ في سفر التكوين بذكر الله خالقًا ثم بذكره مخلّصا لشعبه من مصائب حلّت به ومن معصيات ارتكبها. كانت  في شريعة موسى إشارات الى السيد ورموز. فالهيكل رمز الى الهيكل الوحيد الذي هو المسيح. والختانة رمز للمعمودية. غير ان ذروة العهد القديم الذي تكلّم بصوَر تتراوح بين الغموض والوضوح عن مولد السيد (ها ان العذراء تحبل وتلد، وذلك في اشعياء) او عن موته (كشاة سيق الى الذبح وكنعجة أمام جازيها هكذا لم يفتح فاه). لهذا قال آباؤنا ان اشعيا هو الإنجيلي الخامس. فالله قاد الشعوب كلها، على قدر ما كانت تستطيع ان تفهم، الى المسيح فلما جاء الكامل بَطَلَ الناقص.

            بسبب هذا التهيؤ لظهور المخلّص كان الرسل يكلمون الوثنيين بطريقة قريبة اليهم ويكلمون اليهود استنادا الى كتاب كان الرسل واليهود يعتبرونه معا ملهَمًا من الله.

            اما نحن المؤمنين بيسوع فتكون قلوبنا قريبة من قلوب الوثنيين او من قلوب اليهود، فيها غلط او فيها تحجر. وقد دعانا يسوع اليه بالمعمودية اي بأن نميت شهواتنا ونلتصق به ولكنا نفضل احيانا كثيرة خطايانا على المسيح وكأننا لم نتعمد. لهذا يدعونا السيد باستمرار اليه بالأعياد والصلوات المختلفة وكلمات الإنجيل ويدفعنا بالنعمة الى ان نوقظ النداء القديم الذي استمعناه وعشنا منه في عائلات مسيحية.

            ها ان ذكر الميلاد يتكثف. وقد بدأنا ذلك من اسابيع بالترتيل واستعدت قلوبنا لنستقبل حلاوة يسوع وطراوته ونترك ما هو ضده من فكر وسلوك. فالوثنيات تستيقظ في تيارات فلسفية او شبه فلسفية، والفكر الذي يدمر العائلة ويسعى الى انفكاكها يظهر بصورة قاسية. والابتعاد عن الكنائس يقوى في مكان او لا يزال هو اياه في مكان آخر. ليس هيرودس وحده اراد خنق المسيح. كل البدع الخارجة عن الكنيسة مدعيةً إخلاصها للمسيح هي ايضا من القوى المعادية لنا.

            زد على ذلك الإهمال في هذه الرعية او تلك. هل كل رعية دافئة كالمذود؟ هل كل انسان حاضن للطفل الإلهي مثل مريم؟

            هذا العيد يتم في قلبك او ليس عيدا. وانت قادر ان تجعله عيدا للآخرين اذا اجتمعتم بالغفران والعطاء جميعا حول يسوع الآتي من اجلنا.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

رسالة اليوم (غلاطية 5: 22-6: 2)/ الأحد في 5 كانون الأول 2004 / العدد 49

ما يلفت في بدء الرسالة قول بولس “ثمر الروح” بالمفرد ثم يعدد الفضائل التي يزرعها الروح القدس فينا. المحبة والفرح والسلام الخ… ليوحي ان ليس من حسنة فينا الا ومعطيها الروح الإلهي وليوحي ايضا ان الفضائل متماسكة فمن عنده المحبة التي يسميها اولا تأتيه الفضائل الأخرى لكون مصدرها واحدا.

            وحتى لا يظن القارئ ان الفضائل محفورة فينا الى الأبد يلفتنا الرسول الى ان هناك جهدا نبذله لنحافظ عليها فيأتي الخلاص موآزرة بين الجهد البشري والنعمة الإلهية. الفضائل ليست خزانة حديد اذ يجب العمل على حفظها وإذكائها والاقتناع بما يلغيها او يدمرها فينا. لذلك قال: “الذين للمسيح صلبوا اجسادهم مع الآلام والشهوات”. ويريد بالجسد الجانب الخاطئ فينا المكون من الأهواء التي ننفعل بها (ويسميها الآلام) وكذلك الشهوات التي هي تحقيق للأهواء الكامنة. لذلك يريد ان نضرب لا الخطيئة الظاهرة وحسب ولكن الأعماق النفسية التي نبتت منها الخطيئة. وهذا ما سيتكلم عليه كثيرا آباؤنا النساك الذين سموا الأهواء واعتبروها ثمانية وتحدثوا عن العلاج الروحي الذي نتقبله لنستأصلها من النفس حتى نصير احرارا من الهوى بمعنى النزعة المؤذية المولدة للشر على انواعه.

            اذًا نعيش بالروح اي بالروح القدس، نمتلئ منه فنسلك به. سلوكك يأتي من الداخل الذي كوّنه الله بالنعمة وبعد هذا يأتي العمل. ثم العمل بدوره يستدعي الروح الإلهي لينزل عليك. عندئذ يختار الكاتب ثلاث رذائل كأمثلة ويذكر العُجب او التباهي والمجد الباطل وهما مرتبطان بالكبرياء ثم الغضب الذي يدل على ان النفس ليست مطمئنة الى الله ولا تحب الإخوة واخيرا يذكر الحسد الذي يجعلنا غير محبين للخير عند الآخرين او نشتهي الذي عندهم من خيرات الدنيا ونكره ان يكونوا افضل منا.

            بعد هذا يلاحظ الرسول ان كل الناس معرضون للزلل فيقول: “اذا أخذ احدكم في زلة فأصلحوا انتم الروحيين مثل هذا بروح الوداعة”. لا تكرهوا احدا بسبب خطيئته فإن كل انسان حبيب الله ولو سقط وكل انسان افتداه يسوع ولكنه غفل عن رؤية الحق وعن مراقبة نفسه وأهملها فدخلت اليها عتمات الخطيئة. هذا اصلحوه باللوم او التأنيب او النصيحة الهادئة حسب احواله فلكل من الناس كلمة تقولونها له. ولا تكونوا قساة عليهم ولو كنتم ذوي حزم وعزم.

            اصلحوه بروح الوداعة التي قال عنها يسوع: “تعلموا مني انني وديع ومتواضع القلب”. تسلس بالوداعة علاقتك بالناس فاذا احبوك بسببها تستطيع ان تقول لهم كلمة الله وهي تصلحهم بقوة ذاتها. ولكن اذا أصلحت الآخرين “تبصر انت لنفسك لئلا تجرب انت ايضا” اي لا تستكبر اذا اصلحت ولا تحسب نفسك خيرا من الآخرين وتواضع امام الله لتعبر كلمته من فمك الى قلب الآخرين.

            ويختتم بولس هذا المقطع بقوله: “احملوا بعضكم اثقال بعض وهكذا أتموا ناموس المسيح”. فالناس متعبون ومرضى نفسيا وروحيا وكثيرون منهم غليظة قلوبهم وغليظة اقوالهم. احتملوهم جميعا كما حملنا السيد على كتفيه. واذكروهم في ادعيتكم اذا خطئوا وهذا افضل حمل لهم. احملوهم بحب يرضَ الله عنكم وعنهم.

            ذلك لأننا واحد في المسيح وكنيسة واحدة. وتتجلى الكنيسة اذا صبرنا بعضنا على بعض وتآزرنا ولم نحاسب احدا على خطيئة ثم رفقنا به وخدمناه حتى الموت.

            وينهي بولس قوله اذا فعلتم هذا تتمون ناموس المسيح الذي تختصره كلمة محبة.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

العيد يقترب/ الأحد في 28 تشرين الثاني 2004/ العدد 48

دخلنا صيام الميلاد في الخامس عشر من تشرين الثاني. نبقى اربعين يوما ننتظر ميلاد الرب ونرجو ظهوره في احداث الدنيا، في تاريخ الناس وفي قلوبنا لئلا يفوت الدنيا وجهه وتبقى قلوبنا فارغة من دواخلها. الزمان في ظاهره زمان إمساك لمن أَلِفَ هذا الصوم ليكون لنا جميعا زمن توبة. “ما احلى الرجوع اليه”. ويتعالى نداؤنا اياه في الخدمة الإلهية اي اننا نستبق البركات ونذوق معاني العيد قبل ان يحل يوم الخامس والعشرين من الشهر القادم.

            نستقبل يسوع طفلا ليّنا، طريئا، فقيرا. معنى هذا لنا انه يريد نفوسنا لا خشونة فيها ولا تَصلُّب ولا عناد ولا رغبة كسر لأحد. هذا عيد لحلاوة النفس وليس فقط لهدايا الأطفال. الطفولة البكر طفولة النفس في براءتها من الخبث وبساطتها في المواجهة. طفولة داخلية ضد الخطيئة التي تعقدك وتربكك وتكبلك. والمسيح ولد فقيرا ومات عاريا، يملك الدنيا ولا تملكه. وجهه دائما الى الآب طيلة خدمته البشارية وفي اللحظات الأخيرة من مكوثه في الجسد لأن الآب يعضدك في المحنة ويقيك شر التجارب وينشلك من الضيقات. تتعامل هنا مع الناس جميعا ولكنك لا تستطيع ان تتعاطى علاقاتك بهم اذا أسروك بمنافعهم ومنافعك. استقلالك عنهم من اجل حسن العلاقة لا يعطيكه الا الرب برحمته وقوّته. ان يكون الله وحده مرآك ومبتغى روحك هو الضمانة الوحيدة لتقدر على محبة البشر وسلاسة المعشر والصبر على الكيد والضغوط. واذا قويت الفضائل فيك يكون المسيح مولودا فيك، واذا اديت صلاتك تكون باحثا عنه. انت تنشد وجهه وحده ولو طابت الوجوه. واذا قلت له في وسط ما يعتريك من ضيق: “تعالَ ايها الرب يسوع” يقول لك: اتكئ على صدري كما فعل التلميذ الحبيب في العشاء السري. بعد هذا لا تحتاج الى متكأ.

            حوّل هذا العيد من ذكرى في الطقوس الى لقاء معه في داخل نفسك لئلا يمر عيد على عيد وانت فقط في التسليات الاجتماعية والطعام والشراب في بيتك. المطلوب ان تصير انت بيت يسوع وان تأكل جسده وتشرب دمه ليس فقط في الأسرار الإلهية ولكن في كل كلمة يصورها في ضميرك لئلا تأتيك فقط الكلمات التي تأتي من ضجيج العالم، وتصغي الى الكلمات التي تخرج من فمه لتحييك.

            المهم ان تصير انت خزانة لكلماته محفورة في ثنايا القلب ليعبر العيد الآتي الى حضور للمسيح فيك دائم. واذا حل، حقيقة، فيك لا يأتي العيد الا دعوة اليك الى الإخلاص ودوام الطاعة. ما وُضع العيد في يوم من ايام السنة الا ليصير فيك ديمومة حضور. غير ان الديمومة تفترض منك دوام الإصغاء الى ما تسمع. وهذا يعني ان كان في بيتك إنجيل ان تبادر بفتحه او تستمر على قراءته. نفسك قاحلة بلا هذا الماء الحي الذي يصير فيك ينابيع يرتوي بها الآخرون.

            انتظر العيد ولكن بحركة. لست انت مولدها. دع يسوع يحركها بحضوره. لا فاعلية لنفسك ما لم يصبح هو وحده حركتها. تَفَحَّصْ قلبك ترَ اذا كنت جائعا الى الحبيب او عطشان اليه. والجائع يركض الى الطعام والعطشان الى الماء. لا تمت جوعا ولا تمت عطشا.

            ربما مضت الأعياد السابقة كنت فيها في تسليات الزينة واللباس والأطعمة. يسوع لا يسكن الظاهر. اجعل من الميلاد الآتي ترحابا عندك بالمخلّص اي طاعة لكلماته والتماسا لحضوره الدائم فيك، لئلا يبقى قلبك باردا كمغارته فيصبح هو دفء كيانك وانت في التجلّي.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

دخول السيدة إلى الهيكل/ الأحد في 21 تشرين الثاني 2004 / العدد 47

لا نعرف شيئا عن والدة الإله قبل أن يجيئها جبرائيل ليبشرها بولادة المخلّص. لذلك دخولها إلى هيكل أورشليم وإلى قدس الأقداس فيه ليس مذكورا في الكتاب ولكن في احد الأناجيل المسمّاة “منحولة” أي التي لم توافق الكنيسة على قانونيتها. مع ذلك أقامت الكنيسة هذا العيد وهو غير مؤسَّس في الواقع. يسمّيه العلماء عيدا فكريا أي أرادت الكنيسة أن توحي إلينا بأن الله اختارها منذ طفوليتها لتكون والدة المخلّص.

            ولما لم تجد الكنيسة أساسًا لحادثة الدخول نقبل معناه، ومعناه أن مريم اختارها الآب وصارت هي قدس الأقداس الذي كان رئيس الكهنة يدخله مرة في السنة ليكون في حضرة الله. مريم صارت اذًا في حضرة الله منذ طفوليتها.

            ولما كان ممنوعا أن نقرأ في الكنيسة نصا منحولاً، غير رسمي، اعتمدنا في صلاة السَحَر الفصل الذي يتحدث فيه لوقا عن لقاء مريم وأليصابات حيث يبدأ الحديث عن أن اليصابات أم المعمدان “ارتكض الجنين في بطنها وامتلأت اليصابات من الروح القدس”. وسلّمت على مريم بقولها: “مباركة انت في النساء ومباركة ثمرة بطنك”. هذه الكلمات إذا أضفناها إلى كلام رئيس الملائكة تؤلف صلاة معروفة في الكنيسة: “افرحي يا والدة الإله العذراء مريم الخ…”.

            عند ذاك قالت مريم: “تعظم نفسي للرب” إلى آخر النشيد الذي نرتله في كل صلاة سَحَر آية آية ونقول بين الآيات “يا من هي أكرم من الشيروبيم وارفع مجدا بغير قياس من السيرافيم…”. وهو يعتمد بلا شك على عيد رقاد والدة الإله حيث بانت مريم في انتقالها إلى الملكوت أعظم شأنا من الملائكة.

            في رسالة العيد المأخوذة من الرسالة إلى العبرانيين مذكور “قدس الأقداس”.

            في لقاء مريم اليصابات نجد عدة تأكيدات بعضها ذو طابع عقائدي. ولا سيما قول اليصابات للعذراء: “من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ” أي إن أم يوحنا المعمدان تعترف بأن يسوع هو الرب. والتأكيد العقائدي الثاني قول مريم: “ها منذ الآن تُطوّبني جميعُ الأجيال”. مريم تتنبأ بأن الأجيال المسيحية القادمة سوف تقدّسها. هذا الكلام الإنجيلي يبني اعتقادنا على إنها الأولى بين القديسين. ثم يدحض موقف الذين لا يطوبونها. فنحن اذًا إنجيليون أي موافقون للكتاب عندما نخاطبها وندعوها شفيعة لنا أي مصلية أمامنا ومعنا إلى الله وابنه. فاستقامة الرأي التي نحن عليها هي في جوهرها أننا موافقون للإنجيل وأننا لا نحرّفه ولا نزيد عليه شيئا.

            إن الشيء الأساسي في المسيحية الأرثوذكسية أن المؤمن ليس وحده ولكنه شريك في الصلاة والمحبة مع أولئك الذين انتقلوا إلى الملكوت. فإذا كنت في الكنيسة فلست منعزلاً عن أجواق القديسين الذين سبقوك إلى الحضرة الإلهية. الله يجعل من المؤمنين الراقدين والأحياء كنيسة واحدة هي جسد المسيح أي كيانه الحي الممتد منه رأسًا إلى كل أحبائه وكل منهم في المعمودية عضو من هذا الجسد الكلي الشامل.

            وإذا كنا إخوة للمسيح لكونه “اشترك في اللحم والدم” تصير مريم أمّنا جميعا إذ قال وهو على الصليب للتلميذ الحبيب دالاً على مريم الواقفة هناك: “هذه أمك”. والمعنى طبعا أنها حاضن لنا جميعا كأمنا الطبيعية وأنها تسهر على الكنيسة وأنها في وسطها كما كانت مع التلاميذ والإخوة وحاملات الطيب في العليّة لما انحدر الروح القدس بشكل ألسنة نارية.

            لا ينبغي أن ننسى أن مريم أم وعذراء معًا. نحن نتقبل بفرح أمومتها وتصبح كل نفس عذراء إذا أَخلصت للمسيح واحتضنته بالإيمان والحب. دور مريم تجاهنا مستمر بأمومتها العجيبة وبكونها تغذي العذرية الروحية فينا أي استعدادنا لنتقبل كلمة الله زرعا فينا ولا نتقبل زرعا آخر. وإذ ذاك نكون ليس في هيكل أورشليم القديم ولكن في هيكل الله الوحيد الذي هو يسوع.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

المجد الباطل/ الأحد 14 تشرين الثاني 2004 / العدد 46

إذا تكلمنا على المجد الباطل فمعنى ذلك ان هناك مجدا حقيقيا. فقد قال السيد للفريسيين: «انكم لستم تستطيعون ان تؤمنوا لأنكم تطلبون مجدا بعضكم من بعض، والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه» (يوحنا 5: 44). هناك مجد ينزل عليك من فوق ان كنت من المؤمنين، وهناك مجد يأتيك من مالك أو مركزك السياسي أو من سيارتك. نقول باطل لأنه فارغ ليس فيه شيء بنظر العارفين بالله.

هناك أشياء عظيمة كالعلم تصير من المجد الباطل إذا افتخرت بها. أي شيء مخلوق لا يجوز الافتخار به. أية فضيلة فيك لا يجوز الافتخار بها، فلا تنسبها إلى نفسك وإذا أحسست بها تشكر الله. إذا أحس الإنسان بفراغ يسعى إلى الحياة الاجتماعية السطحية حتى لا يشعر بأنه ملغى من الوجود.

عند النساء الطعام الفاخر الذي تُعدّه وتُقدّمه في السهرات يمكن ان يغذي المجد الباطل. الثياب الثمينة يمكن ان تكون سببا للاعتزاز مع ان آخرين قد صمموها أو خاطوها.

أمام هذا، كيف يمكن ان يميز الإنسان إذا كان يحب المجد الباطل أم المجد الإلهي؟ التمييز هو في هذا: إذا كنت تعيش ليراك الناس ويروا سيارتك أو قصرك أو إذا كنت تفتش عن رضاهم فأنت واقع في المجد الباطل. أما إذا كنت ملحّا على ان يراك الله ويرضى عنك فأنت في المجد الحقيقي.

الفرق بين الناس ليس بين بائع خضار وصاحب معمل كبير. فالبائع الصغير يمكن ان يكون منتفخا ومالكُ المعمل متواضعا. السؤال هو هذا: هل أنت تطلب الله أم تطلب نفوذك ومقامك وتمجيد الناس إياك؟ أن تظن ان حجمك يزيد لأنك قابلت موظـفا كبيرا أو وزيرا، فمعنى ذلك انك غير مقتنع بوجودك المستقل الذي لا يزيد حجمه الا إذا اتصل بالأطهار. من أَمَّدك بخُلُق كريم وشدد إيمانك وعزّاك تعزية بالروح فهذا يكون قد أعطاك كنزا يفوق كل ثروات العالم. ما ينزل من الله عليك فوحده ذو قيمة.

ما هو الذي لا يتغير فيك إذا قَلَّتْ مواردك أو ساءت صحتك أو خسرت مكانة اجتماعية؟ إذا رأيت ان شيئا منك لا ينتقص إذا زالت عنك هذه الأمور، فأنت في الخط المستقيم طالب رضاء الله. أما إذا حزنت حزنا شديدا لكونك خسرت شيئا، فمعنى ذلك انك تطلب هذه الدنيا.

من الدنيويات التي صارت متحكمة ببعض الأوساط «العالية» انها تقتل الوقت بالسهرات الطويلة. يذكرني هذا بعشاء دعيتُ إليه في الولايات المتحدة. فابتدأنا عند السادسة والنصف وانتهى العشاء بعد ساعة وودعنا وانصرف كل منا إلى برنامجه المسائي. يقال لك في لبنان ان العشاء يبدأ في التاسعة وتحضر في الوقت المعين وتنتظر الآخرين ساعة أو أكثر. وقد لا يبدأ العشاء قبل العاشرة والنصف أو ما بعد ذلك ولا ينتهي الا عند منتصف الليل أو بعد هذا، أي انك تنفق ما لا يقل عن ثلاث ساعات لا تستطيع ان تقرأ بعدها كتابا ولا تنام مرتاحا. كل هذا مجد باطل.

إزاء هذا بساطة العيش في الفضيلة. ومنها ألاّ تدّعي معرفة كل شيء والا تبحث بما لا تفهم وخصوصا الا تُردّد ما قرأته في الجريدة. فان كنت غير عارف فالصمت أولى، وإذا كنت عارفا كثيرا فقد لا يكون سامعوك قادرين ان يفهموا فلا تفلش معرفتك لان هذا مجد باطل أيضا. وفي كل حال الصمت يوفّر عليك الغلط.

ولكن هذا السلوك الخفر لا ينزل عليك الا من التواضع بحيث لا تحس انك شيء، وإذا شعرت بمواهبك فأَعِدْها إلى الله. عند ذاك ينزل عليك مجد الله فإذا بك كائن إلهي وأنت لا تَعرف.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

«البطرشيل»/ الأحد 7 تشرين الثاني 2004 / العدد 45

ليس قصد هذه الكلمات أن أبين من الكتاب أن الفاعل يستحق أجرته (لوقا 10: 7) وان خادم المذبح يأكل من المذبح (2كورنثوس 9: 13). هذا تعرفونه وقد استغرق هذا وقتا طويلا ليفهم المسؤولون ان راتبا للكاهن كافيا هو من الأمور التي تصرفه عن التسول ولا سيما إذا لم يكن عنده دخل من كرم أو ايجارة بيوت. وقبل الشروع بالراتب من وقت قريب نسبيا (ربما نهاية الحرب العالمية الأولى) كان الكاهن معوزا بصورة عامة ويستند إلى «البطرشيل» أي إهدائه مبلغا إذا قام بخدمة روحية كالعماد والإكليل أو سواهما. وسمي هذا الدخل باسم البطرشيل الذي يضعه الكاهن حول عنقه أثناء إقامته أية صلاة.

هناك رعايا فهمت ان دعمها الحقيقي للكاهن هو راتب كافٍ. مع ذلك لم تمنع مؤمنا إذا شاء ان يهدي راعيه ما يشاء تعبيرا عن محبته له. لم نعمم نحن هذا في هذه الأبرشية لاعتبارات نفسية وربما كانت هذه العلاقة بين المؤمن وراعيه توطيدا للصلة الروحية بينهما. ولا شيء يمنع ان تكون الهبة كثيرة ولا هي محددة في معظم الأحوال والأماكن. والمبدأ ان نترك للمؤمن حريته الكاملة فيدفع إذا شاء ولا يدفع إذا شاء، فالكاهن يقوم بتعميد ابنك وهذا لك فرح عظيم أو يكللك وهذا فرح أيضا. وانه لمن المحظر على الكاهن ان يتذمر لقلة المبلغ لأن هذا يؤذي المؤمنين كثيرا. فالبطرشيل إذًا دفع ظرفي ويتغير حسب المواسم وحجم الرعية بحيث يصير رمزيا في رعايا الزيجات فيها قليلة والمعموديات تاليا قليلة.

وضع المطران شبيه بوضع الكاهن. والمتعارف عليه انه لا يتقاضى راتبا من صندوق الأبرشية ولم اسمع عن زملائي انهم «فوتروا» ثمن جبة أو حاجات أخرى. وقد يقوم أحيانا بإحسان. وقد اعتاد بعض المؤمنين ان يدعوا المطران إلى مشاركتهم في مناسباتهم العائلية.

هنا أريد ان أؤكد لكل المؤمنين ان لا شيء يضطرهم ان يدفعوا للمطران شيئا إذا هو لباهم وليس لمأتم أو اكليل أي تعرفة، ولذا أستغرب سؤال من سأل: كم علينا ان ندفع؟ ليس على واحد منكم ان يدفع شيئا. الا انها مناسبة هنا لأوضح ان الدعوة إلى أية خدمة فيها طرفان: الداعي والمدعو. وليس على الداعي ان يتضايق إذا لم يلبه المطران فقد يكون لهذا أسباب هو يعرفها. فقد يدعوه مؤمن من دوما ويكون هو في الشويفات. وقد يكون مريضا وليس عليه ان يشرح ذلك لأحد. ومع أني كلمتكم غير مرة ان صلاة الكاهن كافية، مع ذلك ألبي دعواتكم الا عند الضرورة القصوى.

لا يدخلن في نفوسكم انكم تعوّضون الاكليريكي عن تعبه. مطلوب منه التعب. ولكن من أَعطى فليعطِ متهللا ليكسب نفسه عند الله. وبقدر ما يكون كريما يحس انه ابتعد عن محبة المال وانه قام بعمل مشاركة.

فكرة الراتب أو «البطرشيل» هو ان تساعدوا الخادم الروحي الا يفكر بجني المال حتى ينصرف لخدمتكم انصرافا كليا. فإذا عرفتم ان وقفكم المحلي فقير فزيدوا عطاءكم الشخصي حتى لا يحزن إذ لا يستطيع ان يكفي عائلته. أهمية العطاء انكم به تسترضون الله وتظهرون محبتكم.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

أولادكم الطلاب/ الأحد في 31 تشرين الأول 2004 / العدد 44

أولادكم رعاية دائمة وحب عظيم. ولكن هذا يتطلب حضورا اليهم قدرا كبيرا من الوقت لاسيما إذا كانوا أطفالا لأن الولد يفهم العطف حضورا. وكما تُعنَوْنَ بهم عناية دقيقة منذ مولدهم حتى الخامسة مثلا فبعد ذلك تبقى العناية دقيقة ولو اتخذت اشكالا أخرى إذ تبين للعلماء ان نضج الولد وصحته النفسية مرتبطان بإحساسه ان له أبًا وأمًا يحضنانه حضنا رؤوفا. مرة أعجبت برجل قال لي انا لم أخرج ليلة واحدة من البيت لما كان أولادي صغارا. المهم ان التوازن بين المكث والسهرة يجب ان يكون لصالح الولد.

            من صور الاعتناء ان تساعدوا الولد في الدرس إذا امكنكم ذلك. فربما امكنكم جميعا ان تعأونوه في حفظ الدرس إذا كان لا يزال في الصفوف الابتدائية ولكن بعضا منكم -بسبب ثقافته- قادر ان يتابع ولده في المرحلة الثانوية. ولعل الميسورين قادرون ان يأتوا اليه بمن يعطيه درسا خصوصيا إذا احتاج إلى ذلك. هذا إذا كان متوسط الذكاء أو مقصرا، ولكن المدرسة بالمبدأ كافية.

            المهم ان تتيقنوا انه فهم الدرس الذي تلقاه في الصف وانه قادر ان يقوله للمعلم في اليوم التالي. الفكرة الأساسية ان يفهم جيدا وان يسمعكم ما فهم بلفظ جيد ولغة فصحى كائنة ما كانت اللغة التي يستعملها وذلك بلا تلعثم أو خوف. تأكدوا انه استوعب ما يقرأ فالقاعدة ان ما لا يستطيع الولد ان يعبر عنه لا يكون قد فهمه. كذلك تأكدوا انه يقوم بأعمال رياضة في المدرسة أو في البيت أو في الحي لأن هذا سبب كبير لحصوله على صحة جسد ترافقه طوال حياته. ان كثيرا من أتعابنا أو امراضنا في سن متقدمة سببه إهمال الرياضة في سن مبكرة.

            إلى هذا احرصوا إذا بلغ العاشرة أو قبل ذلك ان يطالع كتبا خارج البرنامج الذي يجب ان يحفظ لتقوى معرفته ويحصّل أسلوبًا في الكتابة وربما البلاغة. الذي لا يقرأ في طفولته لن يقرأ ابدا. ولكن اعرفوا من اين يأتي بالكتب واسهروا على سلامتها الأخلاقية وقد تكونون قادرين على ان تعرفوا جودتها الأدبية. وفي سن متقدمة نسبيا لا مانع ان يقرأ الجريدة ليتثقف سياسيا إذ يجب ان يعرف ما يحدث في البلد وفي العالم.

            طبعا ينبغي ان تولوا كل أولادكم عناية واحدة ولا تفرّقوا بينهم الا إذا اضطررتم ان تهتموا بالولد المقصر اكثر من اهتمامكم بالولد الناجح.

            إلى هذا أيضا احرصوا ألاَّ تغضبوا إذا كنتم تلقنون درسا والا ينفذ صبركم. وإذا كنتم عاجزين عن ذلك فالأفضل الا تهتموا بتدريس أبنائكم. إن الوداعة بالتعامل أهم من تلقين العلوم.

            وبعد هذا احرصوا على أن يصلي أبناؤكم وبناتكم قبل النوم أو توا بعد الطعام. وإذا كان الولد صغيرا جدا ربما احتاج إلى ان تقفوا إلى جانبه وتلقنوه بعض الصلوات البسيطة يؤلف بعضا منها من عنده أو يمكن العائلة أن تصلي معا عندما يصبح الولد مدركا لمعاني الصلاة.

            التربية متابعة وليست تغنيجًا. تابعوا كل يوم هذا العمل بطريقة هادئة وادرسوا انتم إذا لاحظتم أنكم مقصّرون عن متابعة الولد علميا. واحفظوا أنفسكم من الشرير لتكونوا قدوة فلا الدرس ينفع ولا النصيحة إذا لم تكونوا أعفَّاء اللسان ولم تقيموا في البيت وحدة وتفاهما بين الرجل والمرأة. الولد ينمو بالجودة التي يراها فيكم. الإنجاب يحصل مرة وأما نمو الأولاد فعمل مستمر وسهر وصبر. ليس المهم أن تلدوا أولادًا وحسب فالأهم أن تجعلوهم أبناء لله وبنات.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

مع المسيح صُلبتُ/ الأحد 24 تشرين الأول 2004 / العدد 43

المسيحية ليست مجرد كتاب. فقد عاش المسيحيون الأوائل ما لا يقل عن أربعين سنة قبل تدوين أول إنجيل، وعاشوا ستين سنة قبل ظهور إنجيل يوحنا. ما من شك ان الرسل حفظوا كثيرا من أقوال يسوع يتلونها شفهيا على المؤمنين. ولكنهم قرأوا رسائل بولس الذي استُشهد حول السنة الـ 65. اخذوا روح يسوع عن بولس وجوهر تعليمه. شخص يسوع الحي، القائم من بين الأموات هو ما تعلَّقوا به. فإيماننا نحن ركزه الرسل على محبتنا ليسوع. لذلك قال بولس في رسالة اليوم: «مع المسيح صُلبتُ فأَحيا، لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ» (غلاطية 2: 19).

المسيحية قائمة على هذه الخاصة ان حياة يسوع القائم من بين الأموات تنسكب على أتباعه إذا هم اعتمدوا وآمنوا به. فكما صُلِب هو وأمات الخطيئة وأباد الموت، أَنقطع أنا عن الخطيئة. وهذا هو صليبي. لست أنا أُبيد الخطيئة. انه هو الذي يبيدها فيّ. «حاشا لي ان افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح» وأنا كنت في أعماقه لما صُلب. لذلك أنا مصلوب.

بعد هذا يقول: «ما لي من الحياة في الجسد أنا أحياه في إيمانِ ابنِ الله الذي أحبّني وبذل نفسه عني». بذل نفسه عني أخذها بولس من إنجيل يوحنا قبل تدوينه أي أخذها بالتواتر. فقد قال يوحنا: «ما من حب أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه». هنا يؤكد كاتب الرسالة إلى غلاطية التي نحن في صددها ان الناموس الموسوي لا يعطي الحياة. هو أحكام لا تستطيع أنت تنفيذها، ومخالفتك اياها فضحتْ شقاءك. توا، وبلا تبرير الناموس لك، يبررك المسيح، وإذا بررك فهو يمجدك. لذلك يجمع بولس كل هذه المعاني فيقول: «ما لي من الحياة (أي الحياة بالروح القدس) في الجسد (أي في كياني كله)»، هذا أتاني من الله وأنا أحياه. كيف أحياه؟ إذا آمنت بابن الله («أنت المسيح ابن الله الحي» كما اعترف بذلك بطرس).

ابن الله هذا أحبني، وما قال أحبنا بصورة الجمع. كل واحد منا عليه ان يؤمن بأنه بات حبيب الله في المسيح يسوع. فكما كان المسيح حبيب الله في الجوهر والأزلية، أنا أصبح حبيب الله بالنعمة التي كشفها لي يسوع بموته وقيامته.

ما هو التعامل بيني وبين ابن الله؟ هو أحبني ويحب ان اعرف هذا. إيماني به هو إيماني بمحبته لي التي أبرزها أو جسّدها بالموت.

ما الذي يجمعنا نحن المسيحيين؟ هو إيماننا بيسوع. ما يعني هذا الإيمان؟ هو يعني أني أومن بأنه مات من أجلي ثم قام. المسيحية هي التعلق بشخص المسيح باعتباره المخلّص. أجل هو مخلص العالم. ولكنه مخلصي أنا أيضا شخصيًا. أنا أنضم إليه بالمعمودية فأموت فيها معه وأحيا معه وأكون قائما من الموت الروحي منذ الآن ومن الموت الجسدي عند القيامة. غير ان السيد يريد منك ان تفعّل معموديتك فتبقى على الدوام مميتا الخطيئة فيك، وعندما تتحرر منها تعرف وتحس انك قائم معه، حي ومنتصر معه.

ولكن هذه القيامة الدائمة تتطلب منك، إلى جانب الإيمان، جهدا موصولا فتهرب من الخطيئة أولا ثم تحيا بالبر، بالكلمة، بالصلاة الدائمة، وذلك في بيتك وفي الطريق وفي الخدمة الإلهية. فأنت لا تسير فقط إلى المسيح بهذه، ولكنك تسير في المسيح وكأنه بحر تسبح به. هذا هو الإيمان الحي الذي من أجله مات الشهداء. هذا هو الإيمان الذي يجعلك ناقلا إياه للآخرين بتبليغهم الكلمة والعمل الصالح.

Continue reading