Monthly Archives

August 2014

2014, جريدة النهار, مقالات

لماذا البغض؟ / السبت في 30 آب 2014

لماذا البغض لأتباع يسوع الناصري؟ لقد زال الاستعمار وأزاله المسلمون ولا أحد منهم يعتقد اليوم ان المسيحيين العرب يأتون هم اليوم به. وهو ليس حصة أحد. لماذا اذًا كل هذا الانقضاض على اتباع الناصري في العراق وفي غير العراق؟ بعد ان تفشت الصهيونية في كل بقعة لم تبق حكرًا على أحد. هل يعتقد أحد من المطلعين ان الصهيونية لم تتسرب إلى كل العرب؟

ليس شيئا جديدا اتهام المسيحيين فلما أراد الامبراطور نيرون الروماني اضطهادهم ادعى انهم احرقوا روما وما كانت عندهم قوة لإحراق قشة. لماذا تكافأ المسيحية بالبغض وهي معلمة المحبة؟ لماذا كل هذا الانقضاض عليها؟ أنا تلميذ مدرسة مسيحية فرنسية. لم اسمع فيها كلمة واحدة ضد الإسلام. لم يشعر أحد من جيلي ان هذه المدرسة كانت معقلا لمسيحية متعصبة. التعصب ابن هذا البلد في كل أطرافه. هل كانت المدرسة الفرنسية جاذبة إلى الغرب وإلى ثقافته؟ إلى ماذا كنا نريدها ان تجذب؟

أحيانا كثيرة تكره الذي ليس من معسكرك. بسبب من التنظيم الاجتماعي تراه عدوا. غير صحيح القول الروماني القديم ان الانسان ذئب للإنسان. في بدء العلاقات البشرية الانسان أخو الانسان. ثم تتأزم العلاقات لمئة سبب وسبب.

تكره الدعوة إلى المحبة لأن هذه الدعوة تأنيب. ان تنادي بالفضيلة باستمرار وبقوة يعرضك إلى اضطهاد الأشرار. انهم لا يثبتون أنفسهم الا به. قاعدة البغض ان يموت الآخرون في أجسادهم أو في أرواحهم. الآخر عند بعض مشروع موت. لذلك كان الإيمان بالقيامة مخالفًا لمألوف البشر. القول بالقيامة غريب عن رؤيتنا الدائمة للموت. هو من إيمان وليس من رؤية.

البغض قاعدة لأنه الصورة السيكولوجية للموت. القاتل ان نفذ أو لم ينفذ يحمل إلغاء الآخرين. القتل إبادة الموجودين فعلا أو رغبة. هو في عمقه إلغاء الخلائق والخالق. القاتل ضمنا لا يعترف الا بنفسه وفي آخر المطاف هو المنكر لله لأن الله يثبت أهمية القتيل.

ان تعترف بالله لا تترجم عندي أصلا الا بالاعتراف بالآخرين. ان تقر بالآخرين هو الدليل الحقيقي على إيمانك بالله. اذ كيف تثبت الإله غير المنظور الا اذا ثبت المنظور؟

الإقرار بالآخر في حسناته وسيئاته صعب. أنت تحبه فيما لا يزال على سيئاته لأن الله هكذا أمر. ان تعترف بالآخر تعني انك لا ترى نفسك وحدك موجودا. ترى نفسك في الجماعة، عائشا معها وبها. هي تقر بك وتزداد أنت وجودا. الإقرار بالآخر يعني قبوله كما هو قائما لا بشروطك بل بما وهبه الله. هذا ضمنا يعني قبولك بوجود آخرين مختلفين عنك وقد يكونون خصومًا ولا تريد ان تقتلهم. ترضى بمجتمع متخاصم إلى ان يلهم الله بعض الناس شيئا آخر.

أنت تقبل الاختلاف بلا قتال وربما بلا تناحر. المجتمع تحديدا ناس مختلفون وان لم يكونوا أعداء. البغض في حقيقته رغبة في إلغاء الآخرين. الاختلاف يقبل الله به من أجل التعاون. المهم الا تقتل أحدا في فكرك، ان تقتنع ان الله يرى للخلاف شرعية وان تعترف ان لكل إنسان قيمة مطلقة مهما كانت مواقفه. والمحبة هي الاقتناع بأنك ان أعطيت تنتج الحياة وان هذه تنتقل إلى العدو ان أنت أجبته. وثق انك قادر على توليد المحبة فيك وفي الآخر.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

حرية الخطأة / السبت في ٢٣ آب ٢٠١٤

يأسف الكثيرون ان الله لا يمنع القاتل ان يقتل ولا الكاذب ان يكذب. غير ان الرب آثر حرية البشر على ان يضطرهم على العبودية لأنه أرادهم ان يقرروا مصائرهم بحريتهم ليعودوا إليه بحريتهم. بكلام آخر ما أرادهم آلات مضطرين إلى غرائزهم ليصيروا له بحب. هذا هو التمييز الوحيد عندي بين الحيوان والانسان. الحيوان لا يحب. يشتهي. ان تحب هو ان تختار. أنت بار أو طاهر اذا اخترت الله. لذلك يحزنني بعض السذجة الذين يسألون ان كنا مخيرين أو مسيرين وكأنهم يؤثرون ان يكونوا كالآلات. تحزنهم حريتهم ولا يسرهم الانتصار على الخطيئة. أنا لا أفهم حسرة الكثيرين من انهم غير خاضعين للجبرية. كيف يرى هؤلاء انسانيتهم مميزة عن الحيوان الذي هو مخلوق جميل ولكنه مجبر. اظن ان بشرًا كثيرين لا يفتخرون بتغلب جنسنا على الخطيئة. هل هي أجيال الانصياع للعبودية التي لا مسؤولية فيها والتي قادتهم إلى كره الحرية؟ أعرف ان الحرية متعبة ولكن أليست هي القوة الاولى فينا التي تجعلنا شبيهين بالله؟ ما معنى اننا أفضل من الحيوان؟ أليس في اننا لا نكون في الخير الا اذا أحببناه وأقمنا فيه؟ يؤلمني كثيرا هؤلاء الذين يأسفون على تمتعهم بالحرية. منطقهم يجعلني اعتقد انهم يأسفون ليس على عمل الشر وحسب ولكن على عمل الخير. كثيرون يريدون لو كانوا آلات بيد الله. ان كانوا هكذا كيف يخاطبونه؟ كيف يقدرون أنفسهم والأبرار؟

تأسف لحريتك خشية من الخطيئة؟ لا ترتكبها وافرح بالنصر. هذا بعض منك ولو كان أكثره من الله. الله يراك مثله فأراد ان يكون ابنه مثلك ذا جسد ليشفي جسدك أي كيانك كله. هذه هي المسيحية كلها شبه الله بالإنسان. هذا وجه من وجوه الوحده بيننا وبينه لأنه ان لم تكن وحدة كيف يحبنا حبا حقيقيا أي حب اتحاد بين كياننا وكيانه؟ كيف نتكلم عن محبة بيننا وبين الله ان لم نفهمها اتصالا حقيقيا بين كيانين؟ كيف يدخل الله في الانسان ويحافظ هذا على جوهره؟ المسيحية لا تقبل بما هو دون ذلك والا كان المخلوق والخالق في مجرد مواجهة لا في تداخل. واذا كانا كذلك فليس من تجسد لابن الله. «والكلمة صار جسدا» لا تعني شيئا ان لم تغي اتحادا بلا اندماج أو صيرورة ولكنه حب وهو يعني ان الله صار إنسانا دون ان يترك طبيعته والإنسان صار إلها دون ان يترك طبيعته. أنت ان صرت إلى الاتحاد تفهمه. الحب لا يحتاج إلى فهم. هو الفهم.

بسبب الضرورة للجهد الروحي نتعب أحيانا لأن الانهزام أمام الخطيئة أسهل. غير ان الرب أرادنا في الجهد أي في الاختيار لأن اختيارنا له صورة حبنا له. الانصياع لله ان كان فقط تلقائيا لا خيار فيه. ان تختار الله أو ان تقبل اختياره لك يعطيك الإحساس بأنك شريكه في صنع نفسك. صحيح انك لست صانع نفسك في الخير ولكنك متقبله نعمة. هذه هي الحصة المتروكة لك في الخلاص.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

مريم / الجمعة 15 آب ٢٠١٤

النفَس المريمي يقوى في الصيف بسبب من بعض الأعياد الموضوعة فيه ولكنه يحيينا في كل حين. سأحاول ان أتحدث عن مريم وهي ما كانت تحب الكلام حسبما تروي الكتب المقدسة لأفهم ما قيل عنها في الوحي. فتاة من فلسطين تسمع من السماء انها مدعوة إلى أن تصبح أم المخلص وتفهم حين الدعوة ما استطاعت. كيف طن في أذنيها كلام الملاك انها ممتلئة نعمة أو انها مباركة في النساء وبخاصة هذا الذي قيل لها عن الطفل الذي ستضعه؟ كيف كلام يدخلنا في السرّ الإلهي؟ ما كان المهم ان تفهم كثيرًا. مبتغى الله ان تطيع، ان تصبح صورة عن كل نفس مؤمنة تلد المسيح في العالم بالإيمان والحب. مبتغى الله في كل من اصطفاه للقداسة ان يصبح قدوة. أمومتها للمسيح على أهميتها الموضوعية ان توحي لنا ان كل نفس مدعوة ان تلد المسيح في العالم لئلا يبقى العالم عاقرًا.

إلحاح المسيحية على بتوليتها ليس مجرد إقرار بأنها لم تعرف رجلاً. هو دعوة ان يدخل كل منا في سر البتولية المدعو إليها في روحه أي ان يكون، كما تؤكد اللغة العربية. مأخوذًا إلى البتولية في معناها الأصيل أعني الانقطاع عن كل شيء في سبيل الله. ان يكون الإنسان متزوجا أو غير متزوج لا يهم الله. هذا وضع اختاره في الإيمان. ولكن ان يصبح فقط كائنا إلهيا هذا ما يهم الله. يجب ان تتحرر النفس المسيحية من المقارنة بين الزواج وعدمه. السؤال الوحيد هو هل نفسك قرينة الله أم تخلط معه أشياء أخرى؟ العمق في بتولية مريم انها لم تمزج شيئا بربها. المسيحية أعلى من الحديث في موضوع الجنس. هذا لا يأتي الا إضافة إلى الحديث عن انصرافك لربك.

الحديث في مريم من أدق الأحاديث عندنا. صعوبته في تجاوز العقيدة إلى العاطفة المفرطة أو في إهماله كما عند قوم. مريم جذابة وهذا في الكتاب الإلهي. بعض يخشى هذه الجاذبية ويحيد عن الكلام. وبعض تروقه فيسهب. كيف تكون محتشمًا في الحديث عن أم المسيح ولا تنقصها حقها؟ الذين تجاهلوها في العالم المسيحي ظنوا انهم متعلقون بإكرام السيد فقط ولكن من قال لهم ان يسوع يريد التوجه إليه وحده؟ الكنيسة تقول للقديسين إكرام لا عبادة ونحن عند ذلك بوضوح. أنا واثق ان أحدًا من المؤمنين مهما كان مولعا بقديس لا يعبده.

أنت تخشى عبادتهم؟ ليس الحل في ان تلغيهم. الحل في تصحيح موقف المؤمنين البسطاء وان ترشدهم إلى العدل في التقوى. هنا ارجو الا يتهم أحد اخوتنا الإنجيليين باطلا. هم يحبون القديسين مثلنا ولكن لا يتوسلون إليهم. أنا لا أعاتبهم على ذلك ولكني أرجو الا يفهموا اننا نعبدهم ونجعلهم في مصف الرب. هذا غير صحيح. أنا لا انتقص من وحدانية المسيح ومحوريته اذا كرمت أصدقاءه الذين ادعوهم قديسين. لا بد من جهد حقيقي عند كل فريق عقائدي عندنا ان يفهم الآخر كما يفهم هو نفسه لا ان يعاتبه على ما ليس يؤمن به. أنا لا أحرج المسيحي الإنجيلي حتى يتبنى إكرام القديسين في صلاته الرسمية. اتمنى فقط ان يفهم اني لا انتقص شيئا من ربوبية المسيح ان أكرمت أحباءه.

من هذا المنظار اتمنى ان يفهم اخوتنا الإنجيليون اننا لا نضيف مريم على المسيح في اعطائها قدرة تضاف على قدرته. القضية أبسط مما يظنون. إكرامنا ليس أكثر من إظهار حب لهؤلاء الذين سبقونا إلى القداسة. الاتهام اننا نؤله مريم غير مؤسس على نصوصنا المريمية. تكريم القديسين ليس شركا. هو فقط الاعتراف بأن محبتنا للسيد تستتبع محبتنا لأحبائه. هذا فيض حب لا شرك.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

التجلي / السبت في ٩ آب ٢٠١٤

التجلي عيد ليسوع هام لأنه يكشف حقيقته. يظهره لنا مخلصا. هذه هي العلاقة بيننا. يقول لنا الكاتب انه في تجليه على جبل ثابور في الجليل لما ظهر له موسى وإيليا كانا يتكلمان معه عن خروجه من أورشليم أي عن موته اذ ليس من كلام آخر لأن موته يحمل قيامته أو لأن قوة قيامته كامنة في موته. في صميم النور كلماه عن موته. بدأت فاعلية القيامة على الصليب لأنها هي والصليب الحب. ليس من نور آخر. كل حدث من أحداث سيرته كامن في الآخر. تجلياته واحدة. نفهم وحدتها في اليوم الأخير وكل مؤمن يكتشفها في حبه ليسوع.

ما معنى التجلي في سر المسيح؟ حقيقة المسيح كامنة في كل حدث من أحداث سيرته على الأرض. نور المسيح كان فيه قبل ظهوره على جبل ثابور. التجلي لا يعني ان نورا نزل على السيد بل ان نور السيد الكامن فيه بدا للتلاميذ. يسوع لا يكتب شيئا من الآب في كل مرحلة من مراحل حياته على الأرض. هو يكشف علاقته بالآب. التجلي هو انه جعلنا نقرأ هذه العلاقة. نحن نعرف الله في علاقته بمسيحه. لعل أهم ما نفهمه انجيليا عن التجلي ان نور المسيح كان في آلامه اذ كشف لنا لوقا ان موسى وايليا لما ظهرا له كانا يحدثانه عن موته وكأن لوقا أراد ان يقول ليس من حديث آخر فالصلب كامنة القيامة فيه.

يسوع لم يتغير في ذاته لما تجلى. اظهر لنا ذاته قادرا على كل شيء ومحبا. يسوع لا يتجلى. يكشف نفسه جميلا وأنت ما كنت تراه كذلك. هو يهب لك ان تراه كما هو لتستطيع أن تحبه وتحيا به.

هو تجلى لتتجلى أنت به مع كل المؤمنين. يسوع تجلى تعني ان لا شيء يحجبه عن قلوب أحبائه. هم باتوا أحياء لكونه حيا. سيبقون أحياء ما دامت الشهادة. المسيح لا يموت. انه حي في ذاته وفي أحبائه، ولسنا نخاف شيئا لأنه قضى على الخوف. محبته وحدها تحيينا إلى الأبد.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

الله يكتب / السبت في 2 آب 2014.

من كتب يكتب من جوع. يحس أنه يوجد إذا قال. الجائع يأكل أي يأخذ فيوجد. الكاتب إذا أعطى يوجد. الجائع هو بطنه. الكاتب هو كلامه ويؤخذ. هو غير موجود لنفسه ولو أغري أحيانا بالسيطرة. إذ ذاك لا يكون كاتبا عظيما إذ ليس من كتابة الا في الحب.

غير صحيح أنّ غايته في الكتابة أن يتحقق. هذا قد يأتي على الدرب. ليس خارج المحبة من غاية. الأطهار يحبون بالخدمة. الموهوب عقليا يحب أن يقول الكلمة. هذا ليس خياره. هذا ما صنعه الله فيه.

أنا لا أعتقد أن ثمة ناسا مغلقين. صح أن الإنفتاح درجات ولكن الإنسان أيا كان هو للآخر. يختنق بلا انفتاح. الكاتب يحيا في داخله لأنه يكتب. يحيا لأنه يحب. ما الأدب الا انك لا تعيش الا إذا قلت شيئا للناس. هو ترجمة من ترجمات المحبة. القديسون الصامتون كانوا أدباء لأنهم هكذا كانوا يترجمون الله.

الكلمة نير وضع عليك. تخون إن لم تقلها. الكاتب مجرد رسول، ليس خالقا. «في البدء كان الكلمة» (يوحنا 1: 1) وأنت لا تزيد شيئا على الكلمة. اختارك الله لتقولها. وضع فيك طاقة لذلك. ليس لك في ذلك شيء. أنت تأخذ طاقتك من فوق. غير هذا ادّعاء. نحن ليس لنا كلمة. كلمتنا زينة فقط لما قيل إلهيا. لذلك كان القديسون يختفون وراء الكلمة. كان يذهلني دائما لما كنت أقرأ عند آباء الكنيسة قولهم إنهم يرددون ما قاله الأسلاف. ما ادّعى أحد منهم شيئا لنفسه. المبدعون الحقيقيون يعرفون أنهم يترجمون الله ولا ينسبون شيئا فيهم الى أنفسهم. الإنسان لسان الله أو ليس بشيء.

ما علاقة الكاتب بالقارئ؟ الكاتب المؤمن لا تهمه هذه العلاقة. يسعى الى إقامة صلة بين القارئ وربه. الكاتب ليس خالقا. إنه مترجم. يترجم حسّه بالخالق بكلام بشري. الكاتب المؤمن لا يعرف نفسه الا دليلا على الله. ليس عنده كلمة. إنه غارق في كلمة الله تلبسه كما هي تشاء. عندما نقول عن شاعر إنه مبدع هذا من باب التجاوز الأدبي. أعظم شاعر في الكون ناقل الشعور الإلهي لأن الله استعار لغة البشر ليخاطبهم.

أنت لا تكتب. الله يكتب. لما قال الإنجيل الرابع: «في البدء كان الكلمة» أظن أنه قصد أنّ الكلمة كان في البدء وفي الآخر بدليل قول الله: «أنا الألف والياء، البداءة والنهاية». أنت لا تزيد على قول الله حرفا أو فاصلة. أنت لا تخلق. أنت تفسّر. علاقة الكاتب بالقارئ أنه ينقل كلمة الله إن كان كاتبا عظيما. يلبسها ثوبا بسبب وضعنا البشري. ولكنها لا تكون كلمة عظيمة الا إذا كانت مخفية وراء ثوب إلهي. عندما قال الله: «أنا الألف والياء» أظن أنه قصد أنك لا تزيد بكلامك حرفا على كلامه وأنت كاتب عظيم فقط إن أوضحت كلامه اذ تصبح إلها. ألم يقل هو: «أنتم آلهة؟». ذلك أنّ الألوهة كامنة فيكم. أعرف أنّ هذه مسيحية ولكن ماذا تعني لي الألوهة إن لم تكن منسوبة؟ أرجو أن يفهم المسلمون بعمق ايمانهم أنّ هذا ليس بتجديف والا ماذا تعني أن للرب صلة بي. كيف يصل إن لم يتصل، إن لم يلتصق ويصير إياي وأصير إياه بالحب؟ أن تكون علاقتي به ليست على هذه الصورة يعني أن لا علاقة. أنا مسيحي وإلهي تجسد. قبل تجسده أفهم أنه كان عنده حنان. الآن أفهم أن فيه لصوقا بي وأن عندي لصوقا به أي أني أنا فوق وهو تحت وإذا كان عندك حب تفهم ما أقول.

تنزل الكتابة -فإنها تنزل- لأن ما تقوله أنت سامعه. إذًا في البدء كان الكلمة. في كل الكلمات أنت تتلقى من الله ان كنت مطيعا. أنت لا تخلق إذ ليس ما كان في البدء الا في الكلمة.

فيما أكتب هذه السطور في بيت أبي أنظر إلى أيقونة بيزنطية من القرن الثامن عشر الناقلة وجه المسيح على المنديل. لماذا يجب أن أنظر إلى الأيقونة إذ أكتب؟ أليست الكتابة طاعة لإلهامها؟ ماذا تعمل بهؤلاء الأرثوذكسيين المتمسكين بالأيقونة ليصلوا بالله لا بلوحة من رافائيل؟ لماذا تريد أن تسلخهم عن هذا الشرق ليتمدّنوا؟ هم يعرفون كيف يتمدنون إذا شاؤوا. ماذا لك عليهم إن تمسكوا بتراثهم وتكلموا كل لغات الغرب؟ هذا يعني أنهم لا يحبون الهجين. دائما كان يذهلني هؤلاء الروس الذين هاجروا إلى الغرب بعد ثورتهم إذ كانوا ثقافيا يحبون روسيا والغرب معا. هل المحبات تتنافر؟

في الفهم المسيحي لإلهام الكتاب المقدس صعوبة إذ نقول إن الله كاتب الكتب وإن أصحابها كتبوها. هذه صعوبة ظاهرة. الله لما كتب اللوحين اللذين سلم موسى لم يكتب بإصبعه ولكنه قال كل الفحوى. الله هو القائل في ما هو مقدس. الكاتب الديني لا يشعر بثنائية إذا تكلم عن علاقته بربه. القصة ليست قصة سطور سطرت.

نحن في المسيحية لا نسعى إلى إقامة علاقة بين القارئ والكاتب. بين القارئ وكلمة الشراح صلة. الرب الموحي حتى نختفي جميعا في الكلمة. هذا سر إن رمت أن تعرف من حقا هو الكاتب. هل موصل الكلمة مبدعها أو مبلغها؟ كيف نخلق؟ هذا هو سر الأداء الأدبي أنك لا تعرف من هو المبدئ.

الكاتب المؤمن عنده صعوبة دينية مع الكتابة. إنه يريدها تبليغا إلهيا دالا لما كتب. مع ذلك يعرف من كل جوارحه أنها آتية من خبرته وذوقه ومن تراث عليه أن يكون أمينا له. كيف تكون إلهيا وأنت مجرد مستظهر للكلام الإلهي لأن الإجترار يلغيك كاتبا والنص الإلهي بلا تأويلك أفصح منك؟ أفهم أن تقول لي أنا أكرر كلمات الله. إذ ذاك أقول لك لست بكاتب وهذا لا ينتقص منك شيئا. ولكن إن أردت نفسك كاتبا لأن هذا من جوفك فلا تستطيع فقط أن تستظهر الآيات. أنت شيء مع الآيات، بالآيات إذ ذاك أنت كاتب. بلا هذا التمييز بينك وبين كلام الوحي أنت راوية وهذا جميل. ولكني أنا أحب لعبة الله بكلمات البشر كما أحب كلام الله وحده. هناك فرق بين الأديب المتأثر بالشعر وبين الناقد. الأديب يلعب أي يحيا. الناقد لا يلعب.

أنا من زمان عندي صعوبة مع الكتابة. دائما أخشى فيها أن أخون الأصل الإلهي المفروض عليّ. في أعماق العمق الإنسان ليس بشاعر. إنه ناظم. الله وحده شاعر. أعظم ما يقوله المؤمن أنه يحيا بالله. لا يقول إنه يحيا الله إذ هذا يتطلب اختلاط الجوهر الإلهي والجوهر البشري فينا. لذلك ما كانت الكتابة خلقا. إنها تقليد للخلق.

أنت تقلد الخالق إذا فكرت مثله أي إذا اقتربت منه في عمق كيانك. هذا فوق المستوى الذهني. هذا اختبار وجدان لأن لله قلبا ومن القلوب ما كانت شبيهة به. كيف تنسب إلينا فضائل هي أصلا لله إن لم تكن بين الأفضلين منا والله قربى وبيننا جميعا وبينه شيء من القربى؟ إذا كنت غير جائع اليها تحسب أنك طالب فضائل ولا تفهم أنك تبغي قربى. إن لم تفهم ضرورة القربى تكون أدركت أنك تريد فقط تشبهاً بفضائل الله لا قربى من كيانه. وإذا لم تحس بهذه القربى لا تشعر أنك أليف الله أو حبيبه أي تبقى أسير محسوسية الخلق. العاشقون يفهمون أنهم بالحب اخترقوا الحاجز بين الخالقية والمخلوقية.

Continue reading