Monthly Archives

January 2014

2014, جريدة النهار, مقالات

إلى الوحدة / السبت ٢٥ كانون الثاني ٢٠١٤

نجدد في مثل هذا الأسبوع ذكرى الوحدة المسيحية التي نتوق إليها. نقول ان لنا إيمانًا واحدًا. في الأساسيات صحيح اننا لسنا في الواقع المنظور كنيسة واحدة. محزن هذا الواقع لأنه صورة تمزقنا. غير ان القادرين على رؤية أعماقنا يعرفون ان جميع الذين يحبون يسوع المسيح يجعلهم هو واحدًا فيه.

أنا لا أتوقع ان نصبح يومًا كنيسة واحدة متراصة ذات هيكلية قانونية. هل أراد المسيح في الحقيقة وحدة كهذه؟ على الأقل أراد الا نتقاتل مع انه لا بد من الجدل ولكن الجدل أمسى قليلا بيننا. ليس اننا نرضى عقليًا بالخلاف وهناك غير خلاف ولكن باتت قلوبنا متداخلة مع اعتبار ان الآخر على خطأ كبير أو صغير. صرنا نرى ان المسيح يحبنا جميعًا على اختلافنا.

ماذا يعني ان نصبح في الواقع واحدًا؟ ما تتوق إليه الكثلكة اي خضوع المسيحيين جميعًا على اختلاف ألوانهم وعقائدهم وبلدانهم لسلطة مركزية آمرة ناهية غير معقول على المدى المنظور والمدى غير المنظور. الرؤية الأرثوذكسية التي أدين بها تبدو لي صورة الوحدة كما عاشتها المسيحية قبل الانشقاق أي تلاقي كنائس الأرض في وحدة الإيمان والتقديس في نظام أسقفي جامع ولا يبدو لي ان الكنائس قابلة في المدى المنظور ان تعتمد نظام الأسقف الأعلى التنفيذي في كل الكنائس. هذه الأممية المسيحية لم يكن لها وجود يومًا. خارج كل نقاش لاهوتي لا أرى ان العقل البشري العصري يقبل سلطة انسان واحد على المسكونة كلها حامل عصمة إلهية في ذاته ولو افترض انها مستمدة من عصمة الكنيسة.

إلى أي هدف نتوق ان تكلمنا عن وحدة المسيحيين؟ ليس أحد في الكثلكة أو غيرها يحلم بأن المسيحيين جميعًا يريدون ان يعيشوا تحت سلطة واحدة. الأرثوذكس يعتبرون ان عندهم وحدة كاملة بوجود كنائس مستقلة إداريًا وواحدة في الايمان. الكاثوليك على اعتقادهم في وحدتهم يعرفون ان ثمة لاهوتًا فرنسيًا ولاهوتًا المانيًا وان الوحدة الكاثوليكية نفسها أمنية ولا وحدة قبل اليوم الأخير. الإنسان في مسعى.

وما يبدو وحدة منظورة في الكثلكة قائم مع تعدد وتنوع كثيرين. ماذا يجمع في الواقع السيكولوجي كاثوليك المانيا وكاثوليك أميركا الجنوبية؟ ماذا يجمع موارنة جبة بشري الذين عايشت وأحببت إلى لاتين ميونيخ؟

اظن ان الجهد الكبير في السعي الوحدوي يقع على عاتق الكنيسة الكاثوليكية بحيث تقبل تنوعًا في فهم الكنيسة الإداري. بات صادمًا لمشاعر الحرية عند الشعوب ان توجد سلطة تنفيذية وحيدة في الكنيسة الجامعة. النمط السائد في البشرية تنوع الأمم ومواهبها واختلافها في الأنماط مع سعي إلى توحيد الوجدانات والمساعي. لذلك كان التصور الكاثوليكي لوحدة قائمة على عصمة رئيس وقوته التنفيذية في العالم غير مرتضى عند الأكثرين. ولهذا يزين لي ان كل المساعي البابوية لتوحيد الفكر اللاهوتي والأنماط التدبيرية والمناهج عند الشعوب. كل تصور السلطة في المركزية والرؤية الأممية لحكم الكنيسة أمسى من مخلفات القرون الوسطى. لذا باتت الكنيسة الكاثوليكية متحيرة بين ميراثها السلطوي وتطلعات الكنائس المحلية أو الاقلية لتأكيد ذاتيتها بالروح القدس.

ان تؤمن روما بأنها تأتي من الكنائس ولا تذهب إليها فقط بدء خلاصها وخلاصنا. ان تعلي روما الألفية الأولى فوق رؤوسنا هذا مشتهانا. ان تصبح الكنائس الأرثوذكسية واحدة في مقاربتها روما وأقل خوفًا هذا هو الرجاء.

ان تعي الكنائس الأرثوذكسية انها ان قويت في المعرفة اللاهوتية لا تستطيع كنيسة أخرى ان تبتلعها وان فيها من عظمة الروح والقداسة ما يجعلها تواجه العالم المسيحي كله هذا بدء طريقنا.

دعائي إلى الله في هذا الموسم ان تقتنع كنائس منطقتنا انها مدعوة إلى الإسهام في الوحدة على صعيد اقليمي وعلى صعيد عالمي. ليس علينا ان يصطف كل فريق منا إلى مثيله في الخارج بل علينا ان نبدع في العطاء اللاهوتي ولا يعوزنا في هذا تدريب أو فطنة.

ليس على أي فريق مذهبي عندنا ان يكتفي بالاتكال على مثيله في الخارج من حيث الفكر. مطلوب إسهامنا في الفكر الخلاق. العلاقات الودية جيدة وقد ارتقينا بها. ولكن لا بد من لاهوت على المستوى العالمي. ليس حسنًا ان نكتفي بالترجمات. اننا قادرون على الإبداع.

على المستوى العالي من الإبداع ترتسم معالم الوحدة الفكرية كما ترتسم في العلاقات الرعائية بالمحبة.

لا تقتصر المحبة على ان نقوم باحتفالات دينية معًا كالأكاليل والمآتم. هي ان نختلط في حياة اللاهوت بمقدار الحضور والإنتاج. هي الا نخشى الاختلاط بين عناصر التعليم أساتذة وطلابًا، هي ان تعترف بأن الآخر أفضل منا في هذا الحقل أو ذاك، هي ان نطالع خير الإنتاج اللاهوتي عند الجميع، ان ننقد بصراحة ما يصدر عندنا، ان نرى كنيسة المسيح في حقيقتها بادية في هذه البيعة أو تلك. هي ان نحب معالم القداسة في كل كنائسنا وان نصر مع ذلك على ما يجمعنا في استقامة الرأي عند الجميع.

كنيسة المستقبل لا تنبع من كنيستي وحدها. تأتي منا جميعًا أولاً بالحب والتواضع وثانيًا في الدراسة اللاهوتية. بعض منا يحب التقارب البسيط على طريقة المودات في لبنان. هذا جيد ولكنه لا يكفي. الفهم أساس التلاقي.

ان السير إلى الوحدة كامن في جدية السعي إلى الحقيقة التي في المسيح أي في تقديس الحياة وتعميق الفكر اللاهوتي. اللاهوت الحقيقي تبلغه ان أحببت ربك. ليس هناك فقط تنزيل. هناك درس. لا تخشى الاحتكاك بفكر الآخر. هو يهذبك، يرقى بك إلى الرب وافهم ان خير طريق لك إلى رؤية الوحدة السعي في الدراسة اللاهوتية الدائمة التي تحررك من الانغلاق وتذهب بك إلى حرية أبناء الله.

السعي إلى الوحدة في حقيقته هو السعي إلى رؤية الله في تجلياته في الكنيسة وفي العالم. ان أحببته كثيرًا ترى كثيرًا وتسير مسيرة طويلة.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

التعزيات / السبت ١٨ كانون الثاني ٢٠١٤

تتركنا آلامنا في التعزيات لأن التعزية وجه الله إلينا. هو إياه قائم في الفرح وفي الألم قبل ان يتجلى في اليوم الأخير. والألم الشخصي سر ترحب به ان استطعت تجاوزه بالإيمان. الإيمان لا يلغي العذاب، يدفعه إلى التجلي. إلى تجاوزه كما تجاوز الصليب بالقيامة ولا تلقيه.

والتعزيات تقيم في وسط الألم ولا تأتيك بالنسيان وحسب ولكن بالتجاوز. في الفن القديم المسيح مصلوبًا حي، معطي فرح، قائم من بين الأموات. لا فاصل بين موت السيد وقيامته. هو قائم في موته. المسيح صار فيه موت عقبته قيامة. لا تستطيع ان تقول بموته ما لم تقل بقيامته. ولعل هذا معنى القول: «ما قتلوه وما صلبوه».

لعل الذين رفضوا القول بموته أرادوا بذلك إجلاله وغاب عنهم ان الموت الذي تتوقه حبا بالناس حياة لك ولهم.

الألم الشخصي الذي لا رؤية فيه مؤلم لانه منغلق. اما اذا تجاوزته بالرجاء فإنه طريقك إلى قيامات. نحن لسنا ديانة الألم كما يقال كثيرًا. نعرف: «انه بالألم قد أتى الفرح إلى كل العالم»، نصر المسيح ابتدأ على الصليب ولم يبدأ بقيامته. نحن لا نستلذ الألم. ليس هو بحد نفسه مصدر فرح. الألم مع اليأس والحزن مميت. الألم مع الرجاء يصبح وعد قيامة في هذا العمر. ليس الألم وحده شيئًا. الألم الذي فيه لقاء المسيح بداية فرح وتعزيات.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

الله حركة / السبت ١١ كانون الثاني ٢٠١٤

لفتني دائمًا قول الناصري: «أحبب قريبك كنفسك» وما قال يومًا اسع ان يحبك أحد. المحبة ذهاب إلى الآخر، ليست جلب عاطفة. ما قال المسيح يوما فتش ان تكون محبوبا. أنت تتكون بترك نفسك. هذا سر الانسانية ان ليس واحد منها قائما لنفسه أو هو قائم بنفسه. أنت موجود مع الآخرين وبهم. الكيان البشري شراكة: أنت يعرفك ربك ان كنت محبًا. انك موجود ان نسيت نفسك بذهابك إلى الآخر.

صح القول بالفردية اذا اردت استقلال كل منا عن استبداد الجماعة ولكن الفردية ليست الانفراد أو التفرد. الشخصانية في الفلسفة المعاصرة لا تعني التفرد أو التقوقع. هي تثبيت الذات بالمحبة لأن الذات في الشراكة.

ليس من تناقض بين الفردية السليمة والاجتماع لأن المجتمع الصالح لا يقضي عبلى ذاتية عاقلة ومحبة. انه لا يقوم الا بها. الجماعة ليست القطيع لأن القطيع لا محبة فيه.

«أحبب قريبك كنفسك» لأنه عديلك، لأنكما واحد عند الرب. من تحب ليس بالضرورة عشيرك. تحب لأنك تتكون بالمحبة من حيث هي خروج عن الأنا إلى الـ«نحن». الحقيقة في الـ«نحن». الأنانية اقصائية. اما المحبة فَتثبت وتثبت الآخر بآن. لا يمكن ان تحب الآخر ما لم تكن قائمًا في ذاتك ولم أقل بذاتك. ان تكون قائمًا في ذاتك تعني أيضًا ان تكون قائمًا بالآخر. ولا يمكنك ان تكون أنت بنفسك ما لم تكن واحدًا مع الرب. فإن لم يكن الرب فيك أنت قاتل لنفسك، آكل نفسك.

ليست المحبة  بنكران الذات. هي نكران الأنا المنغلقة. فإذا ذهبت إلى الآخر بطرح الأنانية عن نفسك تعود إليه حرًا. المحب لا يبغض ذاته. يبغض احتكاره لذاته. ان تحب ذاتك من حيث هي من الله هي ان تحب الله، ان تحصل الله لنفسك فإن لم تجعله لنفسك كيف يكون؟ ان لم تفهم انه حركة لا يصل إليك. هو ثابت في حركته.

الله حركة حب. ما عرفناه الا عند افتقاده شعبه ولا يعرفه أحد الا اذا حرك الرب نفسه إليه، اذا لم ينتقل إليه. الله دائمًا في حالة نزول. هذا هو المعنى الحقيقي للوحي. الله انكشاف. أجل الرب ثابت، هذا ثبات محبته.

الحب انتقال، ان تؤمن بأن الآخر أساسي لك حتى التنفس. واذا تحركت إلى وجه الآخر تجد وجه الله. في برجك المعزول ليس لك إله. هو انتحارك.

أنت لا تواجه الله وحده. تجد فيه الآخرين لأن الله في الجماعة، في المحبة. لا ينكشف لك ما لم تغادر نفسك إليه وإلى الآخرين. ليس من وجود لك مع الرب ان لم تكن مع الآخرين. انه على وجوههم. هناك تقرأه.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

القديم الجديد/ السبت ٤ كانون الثاني ٢٠١٤

الله قديم جديد، واهب بركات. إن كنت ترجو شيئًا آخر في الأيام المقبلة لست على شيء. سيقول لك الله ما لم يقله إن كنت له أو بالحري سيقول لك ما لم تسمعه. بلغتنا إنك ابنه أي إنك حبيب. ستكون لك سنة جديدة إذا اكتشفت الله كما لم تعرفه. ليس من إله لك ما لم تعرف أنك حبيب. وجوده لك هو وجودك له. أنت مع الله في مبادلة بمعنى أنك تصير كلك اليه ويصير هو كله لك وتعرف هذا فتحيا.

الأيام الآتية لا تلقاها انت إن لم تحمل اليك مضمونًا. آنت ترجو اليها سعادة أي أن يكون غدك أبهى من البارحة وإن كنت من المؤمنين أقرب الى الحق. بعد خبرة الحق أنت لا تسعى الى شيء آخر. وإن أقمت فيه تشعر أنك في الله مقيم.

القضية ليست قضية أيام تتقلب. الآتي لا يعنيك إن لم يكن لك إقامة في الحق. أفهم أن تعني لك السنة الجديدة زمنًا خاليًا من الحرب، متعة سلام غير أن السلام تؤتاه من قلبك. الزمان زمان قلبك، جدته أو عتاقته. أهمية الأيام في مضمونها. هل تحمل بركات أم تتوالى على التفه؟ الجدة ليست في التواتر. إنها في نوعية وجود.

لك أن تأمل ولكن الوعد الإلهي هو الذي يحقق. إذًا أنت مشدود ليس الى الآتي بل الى القائم، الى غد يقيمك من بين الأموات. الأزمنة تتوالى ليست بشيء. أنت لا تنتظر الآتي ولكن ما يحمله من الحقيقة، من الخير، من تجديد للنفس. ترجو أن يزول العتيق. كان في ماضيك شيء من العتيق ولكن كان فيه شيء من الأبدية. رجاؤك أن يحمل آتيك الكثير من الأبدية، أن يأتيك فقط بالبركات.

ماذا تعني لك في هذه المسيرة الصلاة؟ هي انتقالك فوق تقلبات الزمان الى ما يدوم من النازل عليك من ربك. الصلاة هي ألا ترزح تحت الرتيب أو تحت خطاياك. أنت لست آتيًا من الأيام تتوالى. أنت تنزل من فوق ما شئت لأن ربك دائمًا يشاء. أنت قادر فقط إن عزمت أن تتخلص من خطاياك. الطهارة وحدها قادرة. لذلك أمكنك ألا تصير عتيقًا. «الأشياء القديمة مضت. ها كل شيء صار جديدًا» (٢كورنثوس ٥: ١٧). الزمان لا يعتقك إن قررت أن تبقى على الرجاء. تاريخك تاريخ عزائمك. والعزم تؤتاه إن أحببت أن تصير حليف الله. والرب ليس فقط هو الذي أوحى ومضى. إنه دائمًا آتٍ. إنه هو «اليوم وأمس والى الأبد» (عبرانيين ١٣: ٨). وأنت في كل أزمنته.

أدرك ماذا تستقبل أو من تستقبل. الأشياء كلها تمضي. ربك لا يمضي. أنت لا تنتظر زمانا. تنتظر ربك في الزمان الآتي أي تنتظر شيئًا حقيقيًا في زمن متقلب. وإذا حل فيك ربك ينتهي عندك التغير. ولا تخشى الآتي أو الغامض في الآتي. إذا رجوت تتحقق بما أعطاك ربك من مواهب. القضية في ألا تخاف. بهذا وحده تبقى.

أنت لا تبقى بتحصيلك في ما هو من هذا الزمان. أنت باقٍ بنعمة الروح الإلهي. الأزمنة المتقلبة ليست بشيء. النعمة إذا حلت عليك هي باقية. تذهب سنة وتجيء أخرى وأنت ترجو ما يأتي ولكن في الحقيقة لا تنزل عليك سوى النعمة ولا يأتيك إلا الرضا. أن تكون قائمًا في محبة الله إياك هو كل وجودك. ليس من إنسان يحيا بقوته. أنت تحيا فقط بالنعمة لأن الله هو يحيا فيك وبذا تكون جديدًا وتنزع الثوب البالي وتلبس التجدد بالحق.

Continue reading