1996, مقالات, نشرة رعيتي

الأصنام/ الأحد 22 أيلول 1996/ العدد 38

آخر كلمة ليوحنا الحبيب في رسالته الاولى الجامعة: «يا أولادي احفظوا أنفسكم من الاصنام» (5: 21). لماذا يقول هذا وقد نجا مَن كَتَبَ اليهم يوحنا من عبادة الاوثان؟ قارئ الرسالة يفهم انه كانت هناك هرطقات ومنها ان المسيح لم يكن له جسد حقيقي وتاليا انه لم يتجسد وكأن الهرطقة العامة والدائمة ألا ّيحس المؤمن ان حقيقة المسيح بيننا وفينا.

هل السيد معنا وفينا اذا نحن استسلمنا لما يسلب حريتنا في المسيح وان تكون دوما عيوننا الى عينيه؟ ما من شكِ ان عبادة المال وعبادة المجد وعبادة الجسد هي من الاصنام الاءمة التي تسحر كل جيل وتراود الانسان عن نفسه ولكني متكلّم الآن عن اشياء اخرى.

منها عبادة العلم والتكنولوجيا وهي ديانة جديدة فالبعلم نشعر اننا نقتحم المجهول وكلما اقتحمناه نحس بأننا لا نخاف منه واننا اكثر فهما للواقع وإن شعرنا كثيرا اننا نقلق من هذا الذي ما كنا ننتظره. ولكن المعرفة مهما زادت لا تقلل من وطأة العصاب névrose ولا التوتر الداخلي ولا من مشاكل العائلة ولا من العزلة التي نعانيها في الكنيسة التي لا تمشي امورها كما كنا نترقب لمّا سعينا الى نهضتها. فالناس ناس وان سُمُّوا رجالا روحانيين. هذه مجرد تسمية في اكثر الأحيان ولكن بعضا منهم يفرح بالمال ويسكر بالمجد الباطل.

والعزلة نعانيها في مجتمع يقوم على التسلط وفيه الكثير من الكذب وكأن الانسان لا يؤمن بأنه يقوى بالصدق وانه يربح ماديا بالصدق واذا استطاع ان يصبر. والخوف من المستقبل لا يغادرنا، كذلك الخوف على صحتنا وهي مهددة بأمراض القلب والسرطان والضغط العالي والسيدا. واذا تلذذنا بالقصور والدُور الجميلة والأثاث الفاخر والسفر والنساء (وهن بالرجال) فلا شيء من هذا يمنع مرضا او يستبعد موتا وكأن اسباب الخوف هي اياها اية كانت وسائل الرقي والراحة. غير ان الانسان يحب ان يلهو وان يتزين لينسى همومه ويستقر الى حين وما من مستَقَرّ.

أنا لست ادعو الى ألا يتعلم الانسان ولكن ان يعرف ان العلم شيء نسبي في شمولية الحياة. ذلك ان الجاهل والعالم متساويان امام الموت وامام المرض، واذا كان الإيمان ضعيفا فميلنا ان نجعل من العلم بديلا. ليس من شيء خطِر في حد نفسه. فالمعرفة ليست خطرا ولكن الخطر ان تصبح هذه المعرفة بديلا عن القيم البسيطة التي تؤلف الوجود: المحبة في كل وجوه العطاء، المشاركة الإنسانية، العفة عن المبتذَل، العدل، الغفران وكل شيء ابدي انكشف لنا بالإنجيل.

اما التكنولوجيا فجيدة بحد نفسها لأنها تجعلنا نُكثر من الانتاج ونسيطر على المسافة ونختصرها ونتواصل مع كل جدث في العالم ونقضي حاجاتنا اليومية وبعامة نقلل مصاعب الوجود. ولكن لها ثمن ندفعه من اعصابنا ومن حياتنا الرحية ان لم نكن متيقظين جدا. هذا لا يعني ان نعود القهقرى والى الحضارة القديمة والصناعات اليدوية والى نمط البساطة. هذا حلم هروب لا يحقَّق ويقهر الشعوب الضعيفة. والأمم الكبيرة الصناعية تفرض عليك ذلك لأنها تقايضك بالآلة منتوجَ زراعتك.

يبقى لك اذا استطعت الإسهام في التكنولوجيا ألا تلجأ الى ما يؤذي الأخلاق ولا سيما في مجال الهندسة الوراثية التي تحاول اللعب بالجنات وتتحكم بالجنين وتولِد اجنة بالأنبوب وترميها بالمزبلة او تحرقها بعد ان تكون أعادت جنينا الى الأم التي تريده. نحن لسنا عبيدا للتكنولوجيا.

المهم ان تكون حرا من هذا الذي بين يديك كما كنت حرا من المال الذي تقبله والسلطة التي سُلَّمت اليك. الأشياء لا قدرة لها بحد نفسها ان تستعبدك. انت تجعلها اصناما اذا شئت. العبودية والحرية كلاهما في داخل نفسك.

Continue reading