Monthly Archives

October 1995

1995, مقالات, نشرة رعيتي

احبوا اعداءكم /الأحد 15 تشرين الأول 1995 /العدد 42

الذي يكرهني حسدا او يؤذني يريد مني يسوع ان ارحمه لأن شقاءه الداخلي غلبه وجعله لا يطيقني. ان أرحمه هو ان أسعه لأني وعاء كبَّره المسيح وليس لهذا الذي يكرهني حظ في التحرر من عداوته الا اذا انا احببته وأشعرته اني غافر له وخادم.

    لا يكفي ان اقول: انا لا أبادله العداء. هذا عدم مبالاة به. يهمني ان أنقذه من الجرح الذي جرح به نفسه. هو لا يستطيع ان يجرحني اذا فتحتُ له قلبي أضمّد فيه جراحه. انا اخدمه اولا داخل نفسي، استقبله فيها لأنه في حاجة الى حنان. لذلك بعد ان قال السيد: “احبوا اعداءكم”، قال: “صلوا من اجل مضطهديكم” اي تمنوا لهم كل خير واعملوا ليصيروا الى هذا الخير. القضية ليست فقط ان نغفر ونبقى عند هذا الحد ولكن ان نبادر الى عمل صالح يجعل العدو يتوب ويهنأ في توبته.

    هذه المحبة للأعداء تجعلنا نصير بني الآب الذي في السموات. فإننا اذا اعتبرنا العدو أخا وخبرنا هذا في قلوبنا ندرك اننا ابناء الله. ولهذا يتابع المعلم قوله عن أبيه: “انه يُطلع شمسه على الأشرار والأخيار، ويُنزل المطر على الأبرار والفجار”.

    معنى هذا ان الله يوحد في قلبه هؤلاء واولئك بالنعمة الواحدة التي يُنزلها عليهم، فاذا هو وحَّدهم فلماذا انتم تفرقون بين الصديق والعدو؟ الله أب وبالتالي انتم إخوة. هكذا تربحون هدوء نفوسكم ويربح من كان لكم خصما هدوء نفسه.

    هذا لا يعني انكم لا تحزنون اذا عاداكم احد من الناس. ولكن حزنكم يؤول الى فرح ان انتم غفرتم. يجوز ان تشفقوا على العدو وان تستغربوا ظلمه لكم. ولكن لا يكفي ان تبقوا عند الشفقة. انها ساكنة. يجب ان تنتقلوا الى فتح قلوبكم ثم ان تحاولوا الاتصال مرة ومرتين وثلاثا، واذا مكّنكم من الحديث اليه فتحدّثوا بكل تواضع. لا تدافعوا كثيرا عن انفسكم ولا تعاتبوا بغضب ولا تعتدُوا. واذا رفض عطاءكم والانفتاح فثابروا على الصلاة من أجله طويلا. اذكروا في الصلاة اسمه. اذكروا اسم يسوع عليه ليباركه تحْفظوا انفسكم من الضغينة. لا بد يوما ان تفتقده الرحمة.

    اذا عاداك انسان افطن انه هو المهم، انه يجب ان ينجو هو. لا تثأر من اجل ما تسميه الكرامة لأن كرامتك الوحيدة هي التي الله معطيك اياها. الانسان يحصل على كرامته ان هو احب.

    لماذا تستطيع ان تغفر؟ لأنك طبيب لكل الناس. والرب جعلك بخاصة طبيبا لمن يعاديك اذ تنشأ بينك وبينه صلة. انت صرت طبيبا له لأنك انت وحدك تعرفه مريضا. يكشف نفسك له اذا ابغضك. وانت لا تهمك نفسك التي حاول جرحها ولم تسقط ولكن همك نفسه المجروحة بالبغض. عداؤه لك فرصة لكي ترد له شره بالخير الذي اودعه المسيح فيك. ليس عندك وعنده -اذا تقبلك- فرح اعظم من هذا.

Continue reading
1995, مقالات, نشرة رعيتي

الأنا المصلوبة/ الأحد 1 تشرين الأول 1995 / العدد 40

كل روحيتنا تأتي من هذا الصليب الذي تم عليه خلاصنا. هو ليس فقط ايقونة نتبرك بها ولكنه مكان المعاني تتوهج فينا. والواضح ان ربنا تطوع للآلام  ولهذا نختم صلوات اسبوع الآلام بقولنا: “ايها المسيح الهنا الحقيقي يا من أتى الى الآلام الطوعية من اجل خلاصنا”. لا احد ينتزع منه حياته. هو يبذلها عن الخراف. على مثاله المؤمن يبذل حياته. ولهذا قال السيد: “من أراد ان يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني”. اي ان السير وراء المسيح يفترض انك لا تسير وراء شهوتك ولا تسعى الى مصالح لك غير شرعية وتتجرد من عشق الدنيا ومغرياتها ليكون وجهك الى المسيح.

    بهذا المعنى قال بولس: “قد صُلبتُ مع المسيح، فما انا احيا بعد ذلك، بل المسيح يحيا فيّ” (غلاطية 2: 19). يريد بذلك اني كنت مع السيد وفي قلب السيد عندما صُلب ولذلك نلت الحياة منه. ويقيني قائم على اني “احيا في الايمان بابن الله الذي احبني واسلم نفسه عني”. لكون المسيح معطى لأجلي فأنا بدوري اعطي نفسي له وللآخرين.

    ويتابع الرسول فكره في آخر الرسالة الى اهل غلاطية قائلا: “اما انا فحاشا لي ان افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح، وفيه اصبح العالم مصلوبا عندي، واصبحت انا مصلوبا عند العالم” (6: 14). العالم يريد به عالم الخطيئة. فإن كنت انا حيا في المسيح فلا علاقة لي بالخطيئة، انها ميتة بالنسبة الي. وبالمقابل ان كان عالم الخطيئة ذا حقيقة فأنا ليس عندي حقيقة. انفصالي الكامل عن الخطيئة يجعلني مصلوبا مع المسيح وبالتالي كما انتصر المسيح على الشر وهو على الصليب ثم قام فأنا ايضا منتصر على الشر وحر منه.

    الصليب اذًا طريقنا الى الحياة الحقيقية التي هي متعتنا بالمسيح وحصولنا على جمالاته والفضائل. نحن لا نفتخر بالتعذيب وبأداة تعذيب. نعتز بالنصر الذي يعطيه السيد لأحبائه. وعند ذاك ينتقل كل منا من كونه يفرح بخطاياه وعاداته السيئة وتسلطه ومجده الباطل الى ان يكون مسرورا بالمسيح.

    ينتج من هذا اعتقادنا مع بولس انني لا احيا انا بل المسيح يحيا فيّ. كان كياني -قبل معانقتي المصلوب- شهواتي وعزتي وكبريائي. صار كياني فارغا من كل هذا وممتلئا من حضرة المسيح بالروح القدس الذي ينقيني.

    اذا كان المسيح حبيبي فهو يصير شخصيتي. فلست املك شيئا فيما بعد. اتفرغ من كل شيء لأصير مملوك المسيح. اكون قد كفرت بنفسي وتبعت السيد مهما كلفني ذلك من مشقة. هذه المشقة تتحول بدورها الى فرح. استطيع، عند هذا، ان امشي وراء يسوع الى الجلجلة او اكون قد اتخذت الصليب منهجًا لي وسرت -وهو على كتفي- الى القيامة.

Continue reading