العطاء المبرور/ الأحد 26 تشرين الأول 2008 / العدد 43
في الكنيسة العيش في سلام هو نمط العيش والسلام هو المسيح. غير أنّ السلام يقوم ليس فقط على الانفعال العاطفي ولكن على أساس إيماننا. الانفعال الذي يُعظّم كل الإكليروس مثله الانفعال الذي يخفض قيمتهم جميعا. فالكنيسة اذا كانت جسد المسيح تحوي كل أعضاء الجسد إكليروسًا كانوا ام عوامّ. وهؤلاء ليسوا طبقتين اذ ليس في الكنيسة من طبقات. الاختصاص في المسؤوليات، فهناك من يقدّم الذبيحة والأسرار، ومن نسمّيهم اليوم علمانيين يشتركون فيها، وليس كل الأعضاء لها وظيفة واحدة كما يعلّم الرسول. واذا قلنا في هذه الزاوية ان الكاهن له إكرام وإجلال يأتيانه فهذا من كون الأسقف وضع عليه يده.
الى هذا فهناك صلاة تجعل هذا الرجل أبًا روحيا، وأبوك ليس ابنك لتؤدّبه ولو كان كل مخلوق عاقل يحتاج الى نصيحة بنوية وبالنصح نبني بعضنا بعضا. أنا أفترض أن أباك الروحي يُفصّل لرعيّته كلـمة الحـق بـاستقـامـة، وانـت طاعتـك للكلمة، والمفتـرض ان يرشدك اليها كما المفترض ان تطيع الإرشاد.
في هذا الشرق كان الأولاد يقبـّلون يد أبيهم وأمّهم. وهذا ما يقـوم به الأرثوذكسيّون في كل أماكن التقوى تجاه الكاهن بعد ان يأخـذوا منه البرَكة بإشارة الصليب عليهم. اما مَن أراد ألا يقـوم بهذا الانحناء فهذا شأنه ولنا أن نعلّمه تقاليدنا. ومن أراد أن يتصرّف «مدنيًا» وأن يصافح باليد فهذا شأنه وهذا شأن المسيحيين في الغـرب اليـوم. وليس علينا نحن ان نقلّد أحدًا. واذا ذهبتْ بك العاطفـة أن تقبّل الكاهن او المطران على خدّيه فمن يناقشك، واذا أردت ان تتصرّف معه تصرّف الندّ والندّ على الطريقة الديموقراطيّة او الشعبويّة فلك ذلك. ولكن ان «يَنْسمّ بدنك» لأن غيرك متمسّك بالتصرّف التراثي فهذا ليس من الديموقراطيّة التي تبشّر بها.
قال دوستويفسكي العظيم في إحدى رواياته: اذا أكرمتَ الكاهن بتقديم دلو من اللبن او بعض بيضات تلحظ ان عنايته تزداد بعائلتك. في الكَرَم تدريب وترويض. انا لست نصير الهدايا من أيّ نوع كانت، ولكنّي نصير العطاء المجّاني الذي لا يطلب صاحبه شيئا لنفسه. هناك كنائس نظّمت العطاء بالراتب الشهري المجموع كلّه او بعضه من الصواني ودخل الأوقاف. وهناك كنائس عندها تدبير آخر. وهذه مشكلة لا تزال معقّدة عندنا. في أبرشيّتنا لست أعرف كاهنا تمطر عليه العطايا من كل صوب. اذا كانت ميزانيّتك لا تسمح لك بأيّ تبرّع شخصي لكاهنك فمن يطالبك به؟
كثيرون ممّن حدّثتهم منذ ستين سنة قبل مجيئي الى هذه الأبرشيّة وبعده عن احتضان الكاهن ماليا كانوا يجيبون: عندكم أوقاف كثيرة. هناك رعايا ليس فيها وقف واحد، وهناك أراضٍ تعطي غلّة حينًا ولا تعطي احيانا. وهَب ان ليس عندنا من ينصرف حقيقة ليجني للكنيسة دخلاً من الوقف الزراعي، يعني هذا ان ليس عندنا دخل كافٍ في كل مكان لمعاضدة الكاهن. الذين يتكلّمون كثيرًا عن ضرورة الاهتمام بالأوقاف ولا يبذلون من جيوبهم يستعفون من واجبهم الشخصي لتحريك أوقاف لا تتحرّك كثيرًا. انا أعرف أكثر من ضيعة ميسورة ولكن ليس فيها أوقاف، وثلاثة أرباع المؤمنين فيها لا يـجـيـئــون الى الكنـيـسة، ويـبق الكاهـن محتاجا.
هل أنا بكافر اذا دعوت للكرم؟ انت لا تكسب الكاهن بالعطاء. انت كاسب نفسك بالحبّ وفاتح لنفسك الملكوت.
Continue reading