الاستعداد للصوم/ الأحد 26 شباط 2012 / العدد 9
اليوم قبل دخولنا الصوم نقرأ في متّى: «إن غَفَرتُم للناس زلاّتهم يغفر لكم أبوكم السماوي ايضًا». اي انت لست قائمًا بالصوم ما لم تُحبّ أخاك، ومن أبرز ما في هذه المحبة الغفران الذي دونه لا تقوم الشركة وهي شركة الروح القدس الذي يجمعكم. وإيضاحًا لهذا المعنى يقول: «إن لم تغفروا للناس زلاّتهم لا يغفر لكم زلاتكم». تبدأ بطراوة القلب لأن البعض يأتي من القسوة. وبعد هذا تتصالح. أَذكر في طفولتي عند الاعتراف كان الكاهن يسألني في مطلع الاعتراف: «هل انت زعلان مع أحد؟». وما كان مألوفًا في أوساطنا أنّ المصالحة شرط للمناولة إذ المناولة مشاركة أعضاء الجماعة للأعضاء الآخرين.
المقطع الثاني في هذا الفصل دعوة الى الفرح في اليوم الذي كان اليهودي يتطوّع فيه للصوم او في يوم الغفران. لمّا قال السيّد: «لا تكونوا معبّسين كالمرائين» غالبًا ما كان يقصد الفريسيين المحبّين للظهور وأن يقول الناس عنهم حَسَنا. في الصوم المسيحيّ علاقتُك الأُولى هي مع الله ولا تحتاج الى شهادة من أحد، وكلنا معًا في حالة الفرح. واذا دعا أحدُنا الآخر الى مائدة لا بد أن تظهر صائمًا وأن يشارك ضيفُك صومك، ولا معنى اذا كان الضيوف كثيرين أن تُهيّئ طعام زفر لمن يشاء وطعامًا صياميا لمن يشاء. هذا يعني أنك تقبل حرية المخالف. ومن كان لا يحب التقيّد بالصوم فلا تدعُه الى مائدتك.
المقطع الثالث يستهله إنجيل متى بقوله: «لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض… لكن اكنزوا لكم كنوزًا في السماء». هذا نهيٌ عن عشق الفضّة كما نسمّيه في كتاب الصوم المعروف بالتريودي. وهذا ليس منعا من وجود ثروة لك. إن العمل الاقتصادي الكبير يفترض وجود مال كثير أكان في شكل ودائع أم في شكل عقارات.
هذا الكلام ليس كل تعليم يسوع عن المال الذي قال عنه الآباء انك مؤتمَن عليه وانه بين يديك وديعةٌ انت حاضر لتوزيعها على المحتاجين او لاستثمارها في سبيل من احتاج اليها. ما دعا يسوع أن يصبح كل المؤمنين به فقراء ليدخلوا ملكوت السموات، ولكنه دعاهم ألا يتعلّقوا بشيء أرضيّ. لقد أراد السيد أن يوضح لنا أنك لا تستطيع أن تخدم الله والمال، فإذا استعبدك هذا فلستَ محبّا للمسيح.
وقد أوضح هذا في اختتام هذا الفصل بقوله: «حيث تكون كنوزُكم هناك تكون قلوبُكم». القصة كلها قصة القلب وتحرّكه. ما هو اتجاه قلبك؟ فإذا اتّجه الى الشغف بالمال لا يبقى فيه مكانة للفقير. ان كنت غنيا او ميسورا لا تعط اعتبارا لما تملك. انت لا تقوم بمُلكك. انت تقوم بمحبة الله لك ومحبتك له، انت في ذاتك مستقلا عن كل ما في الأرض. كلما تحررت من عبوديتك لما تملك تصير عبدًا لله.
أن تخرج من الغرق في بحر المال شرط من شروط الصيام الذي يبدأ غدًا برحمة الله وفيض نعمته علينا.
Continue reading