Monthly Archives

February 2012

2012, مقالات, نشرة رعيتي

الاستعداد للصوم/ الأحد 26 شباط 2012 / العدد 9

اليوم قبل دخولنا الصوم نقرأ في متّى: «إن غَفَرتُم للناس زلاّتهم يغفر لكم أبوكم السماوي ايضًا». اي انت لست قائمًا بالصوم ما لم تُحبّ أخاك، ومن أبرز ما في هذه المحبة الغفران الذي دونه لا تقوم الشركة وهي شركة الروح القدس الذي يجمعكم. وإيضاحًا لهذا المعنى يقول: «إن لم تغفروا للناس زلاّتهم لا يغفر لكم زلاتكم». تبدأ بطراوة القلب لأن البعض يأتي من القسوة. وبعد هذا تتصالح. أَذكر في طفولتي عند الاعتراف كان الكاهن يسألني في مطلع الاعتراف: «هل انت زعلان مع أحد؟». وما كان مألوفًا في أوساطنا أنّ المصالحة شرط للمناولة إذ المناولة مشاركة أعضاء الجماعة للأعضاء الآخرين.

المقطع الثاني في هذا الفصل دعوة الى الفرح في اليوم الذي كان اليهودي يتطوّع فيه للصوم او في يوم الغفران. لمّا قال السيّد: «لا تكونوا معبّسين كالمرائين» غالبًا ما كان يقصد الفريسيين المحبّين للظهور وأن يقول الناس عنهم حَسَنا. في الصوم المسيحيّ علاقتُك الأُولى هي مع الله ولا تحتاج الى شهادة من أحد، وكلنا معًا في حالة الفرح. واذا دعا أحدُنا الآخر الى مائدة لا بد أن تظهر صائمًا وأن يشارك ضيفُك صومك، ولا معنى اذا كان الضيوف كثيرين أن تُهيّئ طعام زفر لمن يشاء وطعامًا صياميا لمن يشاء. هذا يعني أنك تقبل حرية المخالف. ومن كان لا يحب التقيّد بالصوم فلا تدعُه الى مائدتك.

المقطع الثالث يستهله إنجيل متى بقوله: «لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض… لكن اكنزوا لكم كنوزًا في السماء». هذا نهيٌ عن عشق الفضّة كما نسمّيه في كتاب الصوم المعروف بالتريودي. وهذا ليس منعا من وجود ثروة لك. إن العمل الاقتصادي الكبير يفترض وجود مال كثير أكان في شكل ودائع أم في شكل عقارات.

هذا الكلام ليس كل تعليم يسوع عن المال الذي قال عنه الآباء انك مؤتمَن عليه وانه بين يديك وديعةٌ انت حاضر لتوزيعها على المحتاجين او لاستثمارها في سبيل من احتاج اليها. ما دعا يسوع أن يصبح كل المؤمنين به فقراء ليدخلوا ملكوت السموات، ولكنه دعاهم ألا يتعلّقوا بشيء أرضيّ. لقد أراد السيد أن يوضح لنا أنك لا تستطيع أن تخدم الله والمال، فإذا استعبدك هذا فلستَ محبّا للمسيح.

وقد أوضح هذا في اختتام هذا الفصل بقوله: «حيث تكون كنوزُكم هناك تكون قلوبُكم». القصة كلها قصة القلب وتحرّكه. ما هو اتجاه قلبك؟ فإذا اتّجه الى الشغف بالمال لا يبقى فيه مكانة للفقير. ان كنت غنيا او ميسورا لا تعط اعتبارا لما تملك. انت لا تقوم بمُلكك. انت تقوم بمحبة الله لك ومحبتك له، انت في ذاتك مستقلا عن كل ما في الأرض. كلما تحررت من عبوديتك لما تملك تصير عبدًا لله.

أن تخرج من الغرق في بحر المال شرط من شروط الصيام الذي يبدأ غدًا برحمة الله وفيض نعمته علينا.

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

التوبة / السبت 25 شباط 2012

لكون التوبة رجوعا الى الله، الى كيانه، الى حياته تحصل بنزول حياته عليك. انت تتوجع اولا لكونك حجبت وجهه عنك لتعطي وجهك حق ان يرى ما لا يريد هو ان تراه وتعطي يديك حق ان تلمسا ما لا يجوز لمسه وقدميك ان تسيرا الى حيث لا موضع لك فيه. بمعنى آخر انت تعود من غربة اذ لا يقيم ربك حيث أقمت واعتقدت ان لك في ذا فرحا فهربت من المشقات ولا دخول الى الملكوت بلا مشقة.

ونسيت انك انت انت اذا استضافه قلبك وبلا هذه الاستضافة انت وكر أفاعٍ ووهم وجود. بالرب تحصل رؤيتك لنفسك ويبقى من صورته فيك على رغم الضلال ما يجعل فيك شوقا اليه. وذكرى بهائه القديم فيك يطلقك من جديد اليه. سر هو نقطة اللقاء بينكما. واللقاء يحدث برضاه وافتقاده اياك دائم ولكنك تؤثر لذاتك على إطلالاته عليك لأن الخطيئة جعلتك سطحيا واوهمتك انها هي الكيان اذ ظنت انها هي استمرار وجود وما كانت بوجود.

أنا لست مع القائلين ان ثمة انسانا طاهرا بالكلية. آباؤنا اشتهوا ذلك ولكنهم كانوا يحسبون انفسهم خاطئين. الاحتساب أدخلهم الى السماء. القلب البشري عند العظام بين فضائل ينهدون اليها ورواسب خطايا. لذلك كان عرين الصراع حتى يهدأ الانسان بالموت. ينقينا ذكر الموت ان كنا لله محبين. ذكر الموت التماس السماء حتى يستقبلنا الله فيها برحمته. قبل تفجرها فينا نحن مجرد توق. التوبة ان تحول التوق الى قرار واذا عرفك الله صادقا فيه يقبله. اذ ذاك يحل عليك التوق الأخير ان ترى المجد الإلهي.

#   #

#

التوبة ثمرة الإيمان فإن آمنت ان الخطيئة لطخة وان التوبة عمادة جديدة تبدأ مسيرة التوبة. واما اذا كان اشتياقك الخير تحركا عاطفيا، جماليا كان هذا نوعا من الشعر. ان استيطاب الخير كجمال للنفس ليس توبة. هذه استيطاب وجه الله. فيها عملية إبدال كل شيء بربك. فالنفس فيها رواسب الخطيئة ولو بكيت واسترحمت.

هؤلاء الذين نسميهم كاملين لا يبلغون النقاوة الكاملة ونحن في حدود الجسد ما يعني انه كتب علينا جهاد موصول. نصل الى الحد الأقصى في الفضيلة اذ بعد قيامنا بحركة محبة نلحظ ان هناك عنصر فساد في تصرفنا أحيانا. انت تُسر ان قال عنك الكثيرون حسنا وهذه درجة من درجات الكبرياء اي افتخار بعد إحسان يلطخ الإحسان. ان لم تقتنع انك لست بشيء كل ما يبدو لك فيك فضيلة هجمة من هجمات الادعاء فيك. من هنا ضرورة ما تسميه كنيستي فحص القلب في كل حين حتى لا تعود اليه الأفاعي.

تفحص نفسك على ضوء الوصية: احبب الرب إلهك … احبب قريبك كنفسك. في الجزء الأول من الوصية الوهم وارد كثيرا اذ تظن في نفسك التقوى لقيامك بالصلاة والصوم وتكون صلاتك كلاما مكرورا في بعض الأحايين ويأتي صيامك نظاما طعاميا لا انكسار فيه. وهنا تحتاج الى مرشد يعرف ما يفسد صلاتك والصيام. غير ان الامتحان الكبير محبة الآخر. هذه ايضا تداخلها اوهام ممكنة. المساءلة لا تنتهي بأنك غفرت له او لم تغفر. السؤال الرئيس هل جعلت قلبك مملوءا به لتجعل نفسك في خدمته الدائمة. والسؤال الكبير هو هل تفرق بين الناس فتخدم هذا وتهمل الآخر ام ان العطاء الإلهي الذي فيك تبدده على الجميع لأنهم بسبب من حنانك يعرفون حنان الله اي انهم يتوبون بتوبتك وتتألف، اذ ذاك، الكنيسة.

#   #

#

من أين لنا قوة التوبة او قوة استمرارها؟ من الرجاء اي من الثقة بالله، من اعتقادنا انه يصد عنا التجارب. لذلك كان عدو التوبة اليأس او هبوط الهمة ان كررنا السقطات. السر العظيم يكمن في هذا ان صلاة استغفار عابرة لا تنجينا. هناك سعي الى تركيز النفس بشدة على رؤية المجد الإلهي. ان لم يتأجج الشوق اليه فيزداد التعلق به لا نعود الى الفضيلة.

التوبة لهب في النفس هي عشق المسيح. هذا لا يعني انك ترمي نفسك بخفة في احضانه متوكلا على محبته. تحتاج دائما الى مخافة الله. يجب ان نخشى عودتنا الى الخطيئة. المخافة تربي وتحفظ واذا لازمتنا تدفعنا الى الحب الإلهي الذي هو التوبة.

الصيام زمان التوبة الكبير لأنه يحيطنا بالكلمة الإلهية ويجعلنا نمتصها حتى لا يبقى فينا الا حضورها وفعلها. واذا لم نسقط في اليأس تلوح أمامنا ملامح القيامة.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

أحد الدينونة/ الأحد 19 شباط 2012/ العدد 8

«أحد الدينونة» المُسَمّى ايضًا «مرفع اللحم» هو آخر يوم من الموسم نأكل فيه لحمًا ويحق لنا أكل السمك والبياض. اتّخذته الكنيسة فترة انتقال ليّن من الزفر الكامل الى الإمساك الكامل.

قرأت علينا الكنيسة فصلا من متّى متعلّقًا بالدينونة لكي نفحص قلوبنا قبل ولوج الصيام ونتنقّى أخلاقيا بحيث إنه قبل دخول الصيام نعرف هدفه وهو تطهير النفس من خطاياها. فأراد السيد أن نعرف اننا سنُدان وأن علاقتنا به ليس فيها مزح. لذلك أعطى عن الدينونة الصورة الواردة في إنجيل متّى. استعار صورة الجداء ليتكلّم عن الذين ارتكبوا الخطيئة طوعًا، وأخذ صورة الخراف ليتكلّم عن الأبرار الذين عملوا الصالحات. وهو عرّف عن نفسه انه جالس على العرش.

في هذا الإنجيل يسوع ديّان. يعطي الأبرار الملكوت المعَدّ لهم منذ إنشاء العالم، وينسب اليهم أعمالا حسنة مذكور بعضها في التطويبات (متى 5). في هذه يقول: «طوبى للجياع والعطاش». يوضح ايضًا أن همّه العريان والمريض والمحبوس لـمّا سأله الصالحون: متى رأيناك جائعًا وغريبًا إلخ…؟ قال ما هو محور هذا الفصل الإنجيليّ: «بما أنكم فعلتم ذلك بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه».

السيد يوحّد نفسه مع كل هؤلاء المحتاجين، ويسمّي المحتاجين إخوته الصغار وهذه صيغة تحبّب.

بالتوازي مع أسئلته للأبرار، يقول للأشرار «جُعتُ فلم تُطعموني… كنت غريبًا فلم تؤوني». يسأل الأبرار: متى رأيناك عطشانًا او غريبًا او عريانًا؟ من الطبيعي أن يأتي جوابه: «بما أنكم لم تفعلوا ذلك بأحد هؤلاء الصغار فبي لم تفعلوه».

ربما يعيش الكثيرون كأن الدينونة لن تحصل. نُكرّر الخطايا على أمل أن نتوب، ولا نتوب. التوبة لا تؤجَل لأنها اذا أُجّلت ففي حالات كثيرة تبقى مؤجّلة ويموت الإنسان بخطيئته.

اذا كنا نفرّق بين الخير والشر، فالمحاسبة طبيعية، وإلا كان الله نفسه لا يفرّق بين الخير والشر. اذا غاب الله عنك بسبب شر ارتكبته، تبقى نفسك بعد موتك على حالتها. تتّكل على رحمة الله؟ هذا شغل الله. انت شغلك التوبة.

حقيقة الدينونة واردة عقليًا. فمن الطبيعي إذا واجه الصالح بعد موته ربه أن يفرح بهذه المواجهة. هذه هي السماء. واذا واجهه وهو ضده، يضطرب او يخاف، وهذه هي الجحيم. لا يكون الله عادلا اذا ساوى بين الصالح والطالح.

في الحقيقة أنت تختار سماءك او جهنّمك. ليس الله يحكم عشوائيا او تعسّفًا. السماء فيك او جهنم فيك حسبما كان وضعك على الأرض.

هناك مَن تأمّل أن الله سيُلغي الجحيم بحسب رحمته. جُلّ ما أقوله أن كلامًا كهذا غير وارد في الإنجيل.

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

اللبناني / السبت 18 شباط 2012.

اللبناني مشكلتي وككل مشكلة يوجعني الخلل الذي يحدثه في رؤيتي اياه ان مواطنه لا يداخله فلا يلاصقه. اللبنانيون واقع ركام وليسوا واقع جماعة. ان رأيت الى نفسك فقط تذبل حتى الانعدام وان رأيت الى التواجه تقوم به وهو يقيمك في ذاتك ولا يلغيك اما ان بقيت في عزلتك لا تقدر ان تقرأ المشاركة التي تجعلك شخصا اي كائنا تخطى الفرديّة لتكون في الكل ومع الكل.

لست أعلم السبب التاريخي لعدم تجاوز الفرد انغلاقه. فلو قلنا انه منضم الى طائفته دون الكتلة الوطنية فهذا غير صحيح لأنه في طاذفته منعزل ولا يرى نفسه موصولا الا بعائلته. وهذه ليست، ضرورة، مكان اللقاء الكبير، لقاد قلبي الزوج والزوجة.

نحن وارثو البداوة في مظاهر لها كثيرة. نرث الصدامية والتكتل المبغض ولكن القبليّة ارقى منا لأنها تقوم على اجتماع الأفراد والشورى ورعاية شيخ القبيلة. القبليّة تمتمة حياة الحضر إلى أن تكتمل هذه في تجمع أوسع. هل بدأنا بجماعية انطفأت بسبب من خوف أو كنا مرميين في صحارى وجود لم يقم على تفاعل فيه تعددنا  ووحدتنا بآن. ذلك ان الوحدة لا تبنيها الا مشقات اي جهد روحي لم نكن مستعدين للقيام به. لذلك يأنف اللبناني من التآلف والتعاضد ويقبل المودات التي تحميه من العزلة.

مع هذا يربى الانسان على اكتساب روح التعاون فينتعش والروح الوطنية تأتي صدى لروحية المشاركة التي يعيشها المرء في الحي، في الضيعة. مجموعة اهل المهنة التي هي السوق في تنظيم المدينة المشرقية لا تقع تحت هذا الوصف اذ لم يكن فيها روح المنافسة كما أدرك ذلك المستشرق لوي ماسينيون بل قامت على التعاون بين المحترفين حرفة واحدة. في طفولتي ومطلع شبابي كنت ألاحظ هذا في بعض مدننا. يجب ان يساعدنا علماء الإناسة لنعرف كيف تشرش الانكفاء عندنا ولماذا لم نقفز فوقه لنرسم حياة سياسية على صورة التآخي.

#   #

#

ربّ معترض يقول ان تفتّت الأحزاب في اوربا الغربيّة يشبه تفتّتنا. جوابي ان اعضاء الحزب متعاونون ولو تباعدوا عن الأحزاب الأخرى. والجواب الأدق ان الحياة الحزبيّة على تنافسها هي قبول بالأحزاب الأخرى اي قبول جماعية ما لها مزايا مختلفة.

ليس الإنسان منفتحا في طائفته ومنغلقا دون الطوائف الأخرى. الطوائف تحد مواهبها بسبب من السياسة لا من زخم في القلوب. لا علاقة للتكوين الطوائفي بطبائع اللبنانيين. فاذا الغيت التركيبة الطوائفيّة لا ينتقل اللبناني آليا الى المشاركة. القضية روح والروح هو في حاجة الى تهذيب. والتهذيب مرتبط بالتربية ولكن التربية لا تنشئ الانسان تنشئة جديدة. هو في حاجة الى حب ينزل عليه من فوق.

يستنزل الانسان الحب الإلهي اذا شاء ربك ان يسكبه علينا. من هنا ان تغيير العقل اللبناني ثمرة أعجوبة او صلاة ان كنتم مؤمنين. هذا لا يعني اني أشك بعمل الدولة في تربيتنا. ما اشك فيه هو اجتهاد اهل الأديان لتقويم الانسان حتي يظهر ما يسميه بولس »الانسان الداخلي«، هذا الذي لا يرتضي المظاهر حياة له. عشنا حقبة زمان ليس ببعيد كان للقيم مكانة في هذا البلد وللوقار مكانة ولطراوة القلوب مكانة. وهذه كانت ترافق استقامة السلوك الى حد بعيد وكان في المظاهر اختزال ،كان المال قليلا الا عند فئة صغيرة من الناس.

افهم ان العلوم الجديدة والتكنولوجيا وسياسات كثيرة تؤثر في تدنّي الأخلاق احيانا وانك في حاجة الى صراع مع الشر شديد لتبقى سليما. والسؤال المطروح علينا هو كيف تحافظ على انجازات الحضارة وسلامة نفسك من الأذى الكبير. هل السقوط محتّم ام ان ابداع نفوس طاهرة يمكن جمعه الى حضارة في حالة التطوّر السريع.

انا أعرف ان الخطيئة وجدت منذ البدء وان اهواء الانسان هي هي وان المعاصي تجرحنا كما جرحت الأقدمين كما أعرف ان ثمّة ما يغري اليوم ويداعب شهواتنا ولكن ايماني بالله الحي الدائم الوجود والإحياء يدعوني الى القول بأنه ليس محكوما علينا بالموت الروحي بسبب من سيئات بدت جديدا في حياتنا اليوم.

#   #

#

لن نبني هذا البلد الا بشروط الإحياء الديني وأعني بذلك حضور الله في القلب نورا لا ينقطع. ليس الظرف للكلام عن الممارسة الدينية التي قد تكون عظيمة هنا وهناك ولكني اريد هذا التواصل الحقيقي بين قلبك والجمال الإلهي. هي الذوق او الخبرة العميقة للمحبة الإلهية فيك. في المصطلح المسيحي ان تكون في الله ويكون الله فيك. ان تحيا في التنزه الكبير عن »الطمع الذي هو عبادة أوثان« وعن مجد هذا العالم يجعلك ملتمسا لمجد الله ورحمته وحنانه فيصير هذا حياة مجتمعية قائمة على المشاركة الصادقة المعطاء ويصير هذا سياسة بكل تعقيداتها ولكنها سياسة معقولة بما يدعمها من روحانية واستقامة.

سياسة عملية، ممكنة ليست اوتوبيا وليست ميكيافيليّة. ليست الزرض بعد سماء ولكن السماء تتجلّى في الأرض اذا أراد ذلك بنوها. يمكن ان تظهر الخليقة الجديدة التي الله يرعاها ويجعلها تنطق بكلمته.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

الابن الشاطر/ الأحد 12 شباط 2012 / العدد 7

هذا المَثَل الإنجيلي لعله أفصح مَثَل عن التوبة. «إنسان كان له ابنان». الصغير منهما يطلب لذائذه. وهذه لا يستطيع احد تنفيذها بلا مال. مصدره الوحيد حصته في الإرث. طلبه الى أبيه وحصل عليه. هذا القسم من الإرث فيه أشياء كثيرة ومنها المال. أخذه وسافر الى بلد بعيد وعاش بهذا المال في الخلاعة. كانت نفسه تطلبها منذ تركه البيت.

حصلت في هذا البلد مجاعة شديدة. مَن يطعمه وقد أنفق ماله كله؟ اضطرّ أن يعمل فسعى الى وظيفة في هذا المنفى. الوظيفة كانت أن يرعى خنازير، والخنزير محرّم أكله في شريعة موسى. الكلمة تدلّ على الدنس الذي غرق فيه هذا الفتى. يبدو أن أَجره كان قليلا ولم يستطع أن يشبع.

إذ ذاك تحرّكت مشاعره وتذكّر أباه عارفا ان أباه سوف يستقبله ويُطعمه من بعد جوع. «أَقومُ وأَمضي إلى أبي». كان القيام من الخطيئة الحركة الأولى. والحركة الثانية: «أمضي إلى أبي» واعترف له بخطاياي. والخطيئة الأُولى كانت ترك المنزل الأبويّ الذي يتبعه بالضرورة الارتماء في أحضان الزواني. ولكن الخلاص الكامل من الخطيئة يحتاج الى اعتراف باللسان. سأقول لأبي: «لستُ مستحقّا أن أُدعى لك ابنًا فاجعلني كأحد أُجرائك». مشى طويلا «وفيما هو بعد غير بعيد، رآه أبوه فتحنن عليه وألقى بنفسه على عُنقه وقبّله».

أتصوّر الأب واقفًا طويلا كل يوم على سطح من سطوح البيت يدلّه قلبه على أن ابنه الضالّ لا بد له أن يعود. لم يتفوّه الوالد بكلمة لوم. لم يقُل له أنّ ترك المنزل يتحمّل الخطر بعد الترك، وكان الخطر خطرين: الجوع والتهتّك. عبّر الوالد عن شوقه لابنه ليس فقط بحركة العناق والقبلة ولكن بشكل محسوس إذ ألبَسه الحُلّة الأولى ووضع خاتمًا في يده وحذاء في رجليه وذبح له العجل المسمّن قائلا للخدام: «إن ابني كان ميتًا فعاش وكان ضالا فوُجد».

حزنَ من هذا الاستقبال الشاب الأكبر لأن أباه ميّز الخاطئ التائب عن ولده الذي لم يرتكب خطيئة وما خالف أمرًا لأبيه، فقال هذا له: «ينبغي أن نفرح ونُسَرّ لأن أخاك هذا كان ميتًا فعاش وضالا فوُجد».

الحكاية كلها في حقيقتها هي حكاية الأب الحنون الذي يضمّ الى صدره الولد العاقّ ويُحافظ على الابن المطيع الذي بقيت سيرته بلا عيب. الجودة هي عند الوالد وعنده الحنان.

فيما نحن نتدرّج الى الصيام المبارك ذكّرَتْنا الكنيسة أن جوهره هو التوبة وأننا في كل أيام هذا الجهاد العظيم نطلبها لكي نكون مستحقّين لرؤية الجمعة العظيمة ويوم القيامة.

الرب حاضر لاستقبالك برحمته إن كنتَ خاطئًا، واذا ضمّك اليه تشعر بحنانه ولا شيء يبعدك عن هذا الحنان. واذا أَحسسته كثيرًا تكون قريبًا من توبة عميقة صادقة ولا تخرج من بيت أبيك السماويّ أي محبته، وتألف هذه المحبة التي تزداد فيك يومًا بعد يوم إن ثابرت على الصلاة بنوع خاصّ في الصيام الآتي.

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

طوائف ومذاهب وعلمانية / السبت 11 شباط 2012

درست ولاية الفقيه في كتاب فارسي معرّب يقع في 299 صفحة. مناقشة النظرية هذه ليست هدف هذا المقال. ولكن لفتني قوله في الصفحة 162 الى ان من كان على رأس الأمور هو من لا يرتكب معصية وانه صاحب العدالة وانه ينبغي ان لا يتبع هوى النفس حتى قال ما مفاده انك ترى هذا على امتداد العالم. افهم من هذا الكلام ان رؤساء الدول خارج العالم الاسلامي يمكن ان يتحلوا على المستوى الخلقي خارج كل عقيدة دينية بالفضائل النازلة على الفقيه حتى لا نضطر ان نحكم على كل روساء الدول وحكامها باللاخلاقية.

اذهب من هذا لأقول مع عالم شيعي كبير في هذا البلد انه ليس هناك من دول دينية. في المنطق الصوري العبارة لا معنى لها لأن الدائن (المؤمن بدين) فرد ذو عقل وقلب والدولة بنيان حقوقي ليس له وجود حسي ويستحيل ان يكون لها دين او الا يكون.

انا افهم ان يسيطر اهل دين ما على الحكم ويستلهموا عقيدتهم ليسوسوا الامة. من هذا المنظار الدول العلمانية تأخذ من العقيدة الدينية السائدة في شعبها بما يفسر سلوكها وبعضا من أحكامها. فأول دولة غارقة في العلمانية مثل فرنسا تتعطل دوائرها في ثلاثة أعياد كاثوليكية في السنة ويوم العطلة الاسبوعي الاحد. واذا قرأت القانون المدني الفرنسي ترى الكثير من دعائمه قائما على القانون الكنسي الكاثوليكي. تجيء من تراث لتحكم. لا احد يأتي من العدم. ادرك بالمنطق نفسه اذا كان المسلمون الكثرة انهم يجيئون في عقلهم الحقوقي من الاسلام ويبقى هو قناعة الافراد.

الناس يعيشون طوائف طوائف بما فيها طائفة الملحدين ويسعون الى احكام وقوانين تنطبق على وضعهم الحياتي الدائم التطور. السؤال المطروح على الدولة التي تظن نفسها اسلامية هو كيف توفق بين المطلق الإلهي وتقلبات الإحساس البشري المتصل بالحدث وهو بتحديد الكلمة خارج عن المطلق. كل شرع إلهي او المظنون هكذا انسكب على البشر في تاريخ اي كان ملائما لزمانهم وما نشأ في الزمان تكيف. اذا قرأت شيئا من علم النفس وعلم الإناسة (الانثروبولوجيا) وعلم الاجتماع والتاريخ تدرك ان الانسان في دوام التغير وفي دوام تحدي هذا التغير لعقله.

انا لا ابغي تحريف الكتب المقدسة ولكني اريد ان افهمها في إطار الزمن  وما إطلاقيتها وعدم إطلاقيتها. ان جعلت تلازما بين كل حرف منها وكل زمان تكون عديم الإحساس بحقيقة الزمان ومكانته من التدبير الإلهي لشؤون الأرض. الزمان ايضا كتاب الله.

اوربا لم ترجع الى الإنجيل لتقوم بثورتها الصناعية فتخترع القطار والسيارة والطائرة ودرس الجسم البشري وعلاجه. للبحث العلمي استقلال.

استغرب جدا هذه النزعة الحديثة التي تفتش عن الاكتشافات العلمية تحت نصوص ليست الدلالة فيها على أشياء لم يفكر بها احد من قبل ولا يحشر الإله الأبدي الكامل في امور هي بنات العقل البشري في سير تمخضاته. لماذا لا يسمي الله الأشياء بأسمائها ويضطر الى كلمات اخرى تغطيها قبل ان تظهر هذه الأشياء!

آن الأوان لنفصل الأبحاث العلمية على ما نظن ان الكتب المقدسة متعلقة بها. آن ان نؤمن ان العقل حر. يبقى هناك سلوكيات ادرك العلم انها ذات طابع أخلاقي. هنا ترد المناقشة مثل هل يجوز الاختبار على الجنين. الباحث يبحث كما يستطيع. الأفكار تبدو في الفكر على جواز التطبيق. ولكن ليست كل الاكتشافات لها مساس بالأخلاق.

#   #   #

عودا الى الدول الدينية انا لا اعرف واحدة منها ليس فيها علمانيون او ليبراليون. لست اصدق الذين يرفضون لفظة العلمانية لاحتسابهم انها ضد الدين ولا اعذرهم لعدم اطلاعهم على دلالة الكلمة. غير اني اود ان اسائل الإسلاميين عما اذا كانوا يعتمدون كثرة عددهم لفرض تشريعهم على الأمة واقصد بالامة مجموعة المواطنين. هل نحن بعضنا مع بعض نشرع ونحكم ام ان الأقليات اهل ذمة؟ في نهاية المنطق الأقليات يجب ان تهاجر. انا المسيحي في رعاية الله وحده وفي مشاركة المواطنين جميعا ونسن معا قوانين الدولة. انا في اشراف الله عليّ وفي بحث دائم عن الحقيقة السياسية بعقلي الحر المواجه للعقول الحرة.

ضمن هذا الاختلاط تقضي عليّ محبتي لحرية الغير الا افرض عليه باسم ديني قانونا. انا ليس عندي مشكلة في ذلك لأن ديني ليس فيه قانون يرعى الحياة المدنية. انا أجيء روحيا وثقافيا من حيث أجيء وسواي يجيء من حيث يجيء ونتعاشر ونتكلم. هو يهتدي بالفكر الذي يشاء واهتدي انا بالفكر الذي أشاء.

تبقى بعض الامور المتعلقة بالأحوال الشخصية. كقانون الإرث الذي لا يتصل بضميري، ابي وامي عاشا في ظل هذا القانون حتى صدر آخر لغير المحمديين. سكت المسيحيون عن نظام الزواج بأربع نساء. ألغته تونس المسلمة. سكت المسيحيون عن قطع يد السارق. ليس فكرا مدنيا ان يقول فريق من الشعب مثلا: ان زواج الاخرين شأنهم. ليس من فريق عنده شأن مستقل في دولة موحدة.

ماذا تعني اذا الدولة المدنية بعد الربيع العربي؟ حتى الآن لست اعلم. الديموقراطية التي يتشدق بها العرب هي تحديدا نظام المناقشة التي تكلم عليها الفلاسفة الانكليز قديما ومفكرو الثورة الفرنسية. عند هؤلاء تعني نظام العدد اذ لا دخل عندهم للمشكلة الدينية. اليهودي صار رئيس وزارة في فرنسا وكذلك البروتستنتي. ولكن كيف تجعل الديموقراطية ملازمة لنظام الاكثرية والاقلية والاقلية خرساء.

افهم انها ليست هكذا في لبنان حتى الآن. هذا بلد تحكمه المناصفة التي تدل عندي على كرم المسلمين. لا يمكن للمواطن ان يعيش في ايديولوجيات دينية. الدين للفرد كما قال صديقي الشيعي الكبير.

Continue reading
2012, مقالات, نشرة رعيتي

حديث في الفضائل/ الأحد 5 شباط 2012 / العدد 6

هذه هي الرسالة الرعائية الثانية الى تيموثاوس الذي وضعه بولس أُسقفا في أَفسس في آسيا الصغرى. قال له الرسول «لقد تتبّعت تعليمي» وبولس يهتم كثيرا بصحة التعليم، وهذا ما سمّاه إنجيله، ويهمّه كثيرًا أنه كان قدوة لتلميذه. واتّباع تيموثاوس لسيرة الرسول تعني أيضًا: طريقتي في إدارة الكنيسة. واستعماله لكلمة «قصدي» يمكن ان تعني: نيّاتي وقناعاتي.

ثم يذكر بولس إيمانه وأناته (طول الأناة) ومحبته وصبره، وهذه الفضائل عاشها وسط الاضطهادات، ويوضح أنه تألم في أنطاكية وإيقونية ولسترة (ثلاث مدن في آسيا الصغرى). وهذه المدن الثلاث مذكورة معًا في سفر الأعمال 14: 21، والى المؤمنين في هذه المدن ذكر بولس «أنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل الى ملكوت الله».

ما حصل له يحصل لكل المؤمنين، وعبّر عن هذا بقوله: «جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى يُضطهدون». لا بد أن بولس هنا يتكلّم على بعض المسيحيين ولا سيما القادة. في التاريخ المسيحيّ كل من قام باضطهاد يُعذّب القادة أعني الأساقفة والكهنة لاعتقاد أعدائنا أن مَن قتَل القادةَ إنما يُبيد الكنيسة، وهذا غير صحيح لأن الكنيسة بقيت حيّة بالرغم من قمع الرؤساء الروحيين وسجنهم أو قتلهم.

ثم يُوصي الرسول تلميذَه بأن يستمرّ على استقامة الرأي التي استمدّها من العائلة اذ يقول: «منذ الطفولة تعرف الكتب المقدسة». العبارة «الكتب المقدسة» تعني العهد القديم لأن الأناجيل لم تكن كُتبت بعد، ولا يشير بولس الى رسائله لأنها لم تكن قد عُدّتْ كتُبًا مقدّسة بعد.

ويُنهي صاحب الرسالة هذا المقطع برجائه أن يصير تيموثاوس حكيمًا للخلاص. والحكمة -يقول الكاتب- تأتي من «الإيمان بالمسيح يسوع» والمسيح هو حكمة الله وقوة الله (1كورنثوس 1: 25). المسؤول عن الإنجيل في الكنيسة يأخذ ممّن سبقه التعليم والقدوة. لا نكتفي بمدرسة اللاهوت لنتعلّم الإيمان إذ نحتاج الى قدوة المعلّمين وطهارة سيرتهم.

الأمر الثاني في اختيار تلاميذ اللاهوت أن الأفضل أن ننتقي الذي يعرف الكتب المقدسة قبل أن يدخل المعهد، وأن يكون مستعدّا لقبول العذاب من اجل المسيح وأحيانا يجيئه العذاب من أعضاء الكنيسة أنفسهم. وإصرار بولس على التعليم يجعلنا حريصين على أن يكون الكاهن مثقّفًا لاهوتيا وطاهر السيرة معًا. الطهارة وحدها لا تكفي، والعلم وحده لا يكفي. ينبغي أن يكون المسؤول في الكنيسة على صورة تيموثاوس. حيوية الكنيسة تأتي، الى حد كبير، من المسؤول الأول والذين يوجّههم.

Continue reading
2012, جريدة النهار, مقالات

الحب فينا / السبت 4 شباط 2012

لماذا لا تجذبني الديانة الهندوقية ولا البوذية وهذا ما يفسر اني، سائحا، لا أتوق الى زيارة الهند. البوذية وهي التي أطلت ثانية اي بعد البرهمية لا إله لها او فيها وهذا يعسر على أهل بلادنا ان يفهموه لأن جوهر الدين عندنا هو الإله الذي يكوّنه او يسكنه. ماذا في الهند اذًا؟ الله الممدود كونا اي الحال في كل اجزاء هذه الدنيا وهذا ما يسمى الحلولية بحيث لا يمكنك ان تفرق بين الواجد والموجود، بين المرئي وغير المرئي. الهند اندماج، انصهار، ذوبان وليس من مواجهة بين اللاهوت والناسوت. انت  لست هو وهو ليس انت اذ ليس من مخلوق ازاء الخالق. ليس من اعلى ولا من ادنى. الوجود كله مد عظيم كالقارة الهندية.

هذه الرؤية لا تمنع ان يأتي البوذيون من خيرة الناس لأن الدين عندهم اخلاق وهم يجدّون في النسك ويتطهرون بلا إله. المركز هو هم واذا تنقوا فما حاجتهم الى إله؟ هكذا يفكرون.

اظن ان الفرق الاساس بيننا وبينهم انهم يبدأون بأنفسهم ونحن نبدأ بالله ونجيء من تأملنا به ونحس اننا ننشأ خلقيا منه واننا «به نحيا ونتحرك ونوجد» (أعمال الرسل 17: 28). نفحص عما اذا ارتضى ان يسكن فينا كما يقول انجيل يوحنا. وما نسميه تقوى ان هو الا تعبيرا عن سكناه فينا. وما نسميه فضيلة ان هو الا تجليا له. ليس اننا نحن موضعه اذ لا يتموضع ولكنا حضوره اذ لا يحضر في دنياه الا بنعمة سكبها فينا والكلمات التي كلمنا بها وصارت منا.

بيننا وبينه اتحاد ومن قال اتحادا قال باثنين اذ لا تتحد مع نفسك والمسيحيون يجرأون على تسمية ذلك مشاركة او شركة الروح القدس. لقد زال الانفصال بعد ان اعلن الله محبته لنا. والاتصال-الشركة يجيء من مشيئته ورحمته ونحن نتقبله تقبلا وتقابلا عملا بقوله: «لا احد يعرف الابن الا الآب ولا احد يعرف الآب الا الابن ومن أراد الابن ان يكشف له» (متى 11: 27). الثالوث هو الذي يعرف ذاته بمعنى انه قائم بالمحبة الدائرة فيه وهي وحدانيته. ثم بالانعطاف الإلهي يستدخلنا هو المشاركة الثالوثية. الاتحاد بيننا وبين الله هبة. وهذا يكشف استقلاله عنا ومحبته بآن.

#   #

#

يجب ان يكون مفارقا كما يقول الفلاسفة المسلمون. استعير كلامهم فقط لاؤكد إمكان الاتحاد بيننا وبينه والإسلام ليس عليه.

واذا كان الله غير قابل للاتحاد بي فما أمري معه واذ ذاك يكون كلامه فوقي وليس فيّ. يكون عليّ مشرفا ويهمه ان اراه فوقي وليس معي. اذ ذاك لا يحمل كلامه قوة الصلة الا بفهمي اياه. ويكون ارتباطي بكلامه وليس به وهو غير كلامي ولو كان ضامنا لكلامه.

أنا وبينه في تواجه اي ان له وجها وهولاهوته ولي وجه وهو ناسوتيتي واذا كانت اللاهوتية والناسوتية لا تفنى احداهما بالاخرى فنحن اثنان ولكنا قادران بحبه ان نلتقي.

ولكون الابن قائما في بشريته اصبح قادرا ان التقي بالبشر الآخرين اي اني اعطيهم ربي بحبي اياهم بمعنى اني امدهم بالحب الإلهي الذي يسكنني ولا بمعنى اني امدهم ببشريتي. يجب ان اعطيهم الله نفسه ليصير كل منهم بشرا سويا، لكي يخرجوا من خطاياهم التي تحدرهم الى هلاك بشريتهم. من هنا ان الله اساسي في التبادل البشري.

الملحد لا يفهم هذا وان لم يكن خاليا في صفائه وطهارته من الله ولو لم يرتبط عقله به. ولكن الملحد لا يعطي البشر بشرية. يعطيهم ألوهة حالة به ولو لم يعرف.

الشركة بين المؤمنين شركة إلهية تفسدها الخطيئة ولا تلغيها. تحمل هذه الشركة امة الله التي تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر.

بعد ان تنازل الابن الوحيد الى العالم تبنانا الله اذ كنا قبل ذلك ابناء الغضب وكشف ليس محبته لنا وحسب ولكنه كشف انه يحبنا بالمقدار نفسه الذي يحب به مسيحه. تبنينا ليس كلمة »شعرية«. انه جوهر العلاقة بيننا وبين الرب باعتباره مخلصا.

الله تاليا ليس جالسا فوق اذ ليس من فوق الا الهواء او ما بعد الهواء. ليس الله في مكان. لذلك ليست السماء مكانا. الله ساكن تحت اي في قلوب الناس الذين يحبونه والذين لا يحبونه اذ لا يستطيع الا ان يسكن بحقيقته الإلهية اي بالقوى غير المخلوقة الصادرة عنه أزليا كما يتكلم المسيحيون الأرثوذكسيون. لا تخلو لحظةً، النفس من الله فإن خلت تموت موتًا جوهريا. كل ذرة فينا قائمة بسبب العطف الإلهي المحيط بها. كل جسدنا متماسك بالنعمة المنحنية عليه. انه يقوم في اليوم الآخر او اليوم الأخير لأنه لبس النعمة ولا تفارقه. على ضوء هذا افهم الكلام القرآني: «الله يتوفى الأنفس حين موتها» (الزمر 42). المعنى ان الله لا يتركها ويضمها الى أجسادها في القيامة. فبعد ان استردها اليه بالوفاة يسترد لها اجسادها.

كل حياتنا لا معنى لها ما لم نعِ ان الله معنا والمسيحية تقول انه فينا وهو مصدر حبنا له وقوة طاعتنا وحبنا يأتي من حنانه وبين حبه وحبنا تماس وهو بدء الحب فينا ومنتهاه. «ادين بدين الحب انى توجهت ركائبه» اذ من اعطى هذا الحب بمجانية شفقته مصدر كل شيء فينا ومرجع كل شيء.

Continue reading