سكنى الكلمة فينا/ الأحد 29 آذار 1998/ العدد 13
نسمع كلمة الشهوة فينا. تصرخ فينا، تضج، تخاطبنا أن اتبَعوني. وإذا أطعناها نقتنع بها أو نُقنع نفسنا بها. المسكر يقول لك امشِ ورائي. وإذا أدمنتَ كثيرا تفكر ان الأمر جيد. وإذا أدمنتَ السلطةَ وتحكمتَ بالناس وعرفتَ مكانتك، تذوق لذة السلطة وتصير الى التفكير بأن هذا جيد. تتكون فيك مجموعة قناعات، شبكة قناعات تصل الى وقت تدينُ انت بذلك، واذا كنتَ صادقا يصير هذا دينك الحقيقي.
عبثا تحاول ان تُسكت صوت الشهوة فيك إن لم تؤمن انها ضارة. ولا يسعك ان تصل الى هذا الاقتناع الا اذا لمست ان هناك ما هو انفع من الشهوة المؤذية وأبقى. ولكن من هو الذي يقول لك ان الصدق انفع لك من الكذب بمعنى انه ينجيك حقيقة؟ لعلك تعترض عليّ وتقول كيف ينجيني صدقٌ أخسر به وظيفتي ونجاحي في الدنيا؟ لا يمكنك ان تقتنع بضرورة الصدق الا اذا شعرت انك بالكذب تؤذي آخرين أو أقله انك تخسر شجاعتك وتتقزم. إن أحسستَ ان موقف صدق يصل بك الى انتعاش داخلي والى سلام، تدخل فيه طريق الصدق.
يجب ان يظهر مـن يقول لك ان هـذه الفضيلـة او تلك تحيي هذا الجانب او ذاك من شخصيتك. يجب ان يـرشدك الى ذلك كائن مقنع، كائن لا يخطئ بكلامه، لك فيـه مـلء الثقة لأنك موقـن انه يعرف وانـه فهيم وانـه يحبك.
هـذا الكائن الفريد مـن نوعه هو المسيح. هـذا تكلم مرة واحدة ونهائية في الإنجيل. وهـو يخاطب فيه شخصَكَ كما أنت في كل ضعفاتك ليجعل منـك انسانا عجبا. فإن شئتَ أن تتخلص مما يـؤذيـك تُسْلِم لـه لِعلـمك بأنـه يحب لك ما لا تحبه لنـفسك وانـه يعرف مصلحتك الحقيقية وانت لا تعرفها. كيـف تسأله عـن مصلحتك؟ هـو قال لك في إنجيلـه وفي كلام رسلـه ما يجعـل منـك انسانا سويّا. قال لك انـه يجب ان تترك ما يعرقل وصولك الى حياة صالحة كما قال لبطرس وأنـدراوس أن يتركا شباكهـما ويـلحقـاه وكما قال ليعـقـوب بـن زبـدى وأخيه يوحنا ان يتركا شباكهما وأباهما ليتبعاه.
هناك دائما انسلاخ عما كان يبدو لك من لذة، عن عشق المال الذي يعرقل بناء شخصية لك مستقلة، سائدة على المال. يقول لك اترُكْ عشق السلطة وتواضَعْ وانت في السلطة لأن فيها عشقا لنفسك يكبّلك. ويقول لك أن اترك الجنس الذي خارج الزواج مهما بدا لك مغريا لأنه يدمرك ويزيل حريتك.
المسيح فيك هو كلمته فيك. وهذه تؤتاها انت من الإنجيل ان قرأته كل يوم وجعلت عقلك يتكيف به. ولهذا قال بولس: “فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع” (فيليبي 2: 5). جهادك ان تترك الفكر الذي كوّنَتْهُ فيك الخطيئة وجعلتك تنطق به. فكر المسيح اذا نزل في قلبك يُصيّر عقلك مثل عقل المسيح. ولهذا قيل: “خبأتُ كلامك في قلبي لكيلا أخطئ اليك” (مزمور 118: 11).
هذا هو مفتاح التوبة أن تختزن فيك كلمات الرب كي تَرُدَّ بها الكلام الذي يريدك الشيطان ان تسمعه. فإذا قال السيد ان الإنسان يحيا بكل كلمة تخرج من فم الله (متى 4: 4) يريد أن هذه الحياة الجديدة فيك تجعلك ترفض توّاً كلمات الموت التي يوحي لك الشرير بها. أن تسكن فيك كلمة المسيح تلك هي التوبة اليه.
Continue reading