الإمام موسى الصدر / النبي شيت، 17 أيلول 2000
حدّد لي أن يأتي كلامي “قراءة” في محاضرة الإمام في كنيسة الكبوشية في بيروت وألقيت في الثامن عشر من شباط السنة الـ 1975 والمحاضرة -الموعظة إنما هي زاوية من زوايا مقاربتنا لعلاقة السيد موسى الصدر بالمسيحيين وعلاقة الجميع بالإنسان وهي لا تستغرق كامل البحث في موقف الإمام من المسيحية والمسيحيين. أظن ان من نحيي ذكراه فكريا عرف المسيحية والمسيحيين في لبنان. قبل ذلك يزين لي ان معرفته بهم استمدها بخاصة من الكتب وما أتى في القرآن والتراث الإسلامي عمَّن يسمَّون النصارى. في بلدنا فَهِم ما تقوله المسيحية عن نفسها. هذا التحول المعرفي كان ثمرة لرؤية الواقع. السيد موسى الصدر كان هاجسه الإنسان واستنهاضه وتحريره من الاستكبار والظلم وأعطي ان يحتك بالعيسويين الذين تجاوزوا المسيحية الطوائفية. وبفضل هذا التلاقي الكياني بين القلوب لم يبق الإمام أسير الكتب واستبق الخيرات في اليقين واستشراف إنسانية تتجدد بالحق.
ويبدو لي ان مجرد القاء هذه المحاضرة في بيعة من البيع ذو مدلول كبير فهذا جديد عند الطرفين. عند الآباء المسؤولين عن الكبوشية هذا اجتراء على كل مألوف وتخطي حدود القانون الكنسي أضف إلى هذا ان الفترة الزمنية كانت فترة الصيام الكبير وان الرهبان الكبوشيين لم يريدوا محاضرة عادية ولكنهم كانوا يسعون إلى عظة يتطهرون بها على طريقتهم في تنظيم محاضرات الصوم الكبير. المفارقة هي ان يقبل الكاثوليكي موعظة دينية في المعبد لا في قاعة الرعية المجاورة تأتيه من مسلم ليجاهد بها نفسه. اما المفارقة من قبل المحاضر فقبوله ان يتكلم في كنيسة فيها رموز عقيدة اخرى من منحوتات وصور اهمها هذا الصليب الذي بدا الإمام ملتصقا به -واذكر الصورة الشمسية تماما كما نشرت في الصحف- وهذا الالتصاق لم يقصده احد ولكن الكاميرا لم تسجل البعد في المدى بين الواعظ والمصلوب.
لماذا أحب المسيحيون هذا الإمام؟ في حسباني انهم رأوه رجلا محبا لا أثر عنده لأية عدائية، اجل كثير التهذيب حتى دماثة نادرة وخطا به الراجح انساني يهدف الى وحدة المواطنين بل الناس جميعا. احسوا انه يذوقهم بعضا من اهل الله. الكاثوليك آنذاك كانوا ورثة لمجمع الفاتيكان الثاني الذي بلغ الحد الأقصى من فكره في تقدير الإسلام نفسه وورثة للفكر الاجتماعي عند باباوات القرن التاسع عشر والقرن العشرين. قد يذهب المسيحي الارثوذكسي أبعد في مسعاه الى الفقراء وعنده ان ليس عند البشر ملك فالأرض ملك الله اي ملك الفقراء. والانسان منتدب الله في ادارة الملك ومؤتمن عليه. كان المسيحيون حساسين للفكر الاجتماعي عند الإمام وتاليا كانوا مباركين لحركة المحرومين. هم كانوا عالمين ان السيد موسى يرعى الشيعة اولا ولكن ما كان الشيعة وحدهم همه اذ كان يطلب الانسان اولا وفي صور ساعد الفقراء المسيحيين. في تأمل بعض منا كانت رعاية المحرومين منطلقا لتحرير كل المحرومين.
استهل الإمام محاضرته بدعاء والأدعية الإسلامية تحرك قلوب المسيحيين كثيرا بسبب من الروحانية التي تشع فيها وبسبب من الشعور الإلهي الصافي الذي لا يتقيد يتقليد مذهبي واحد. النص في استهلاله قيل فيه عن الله انه “يرفع المستضعفين ويضع المستكبرين”. هذا القول شبيه جدا بما ورد في انجيل لوقا: “شتت (الله) المستكبرين بفكر قلوبهم. أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتواضعين”. نحن نعلم ان ثمة أحاديث قدسية قريبة جدا من العهد الجديد.
من اللافت قوله لله: “ووحدت قلوبنا بمحبتك ورحمتك”. من الواضح ان المراد بها محبة الله للبشر. هذه المفردة وردت مرة واحدة وذلك في صورة طه ولو جاء جذر “احب” كثيرا بمعنى حب الإنسان لله. المفردة القرآنية هي بامتياز “رحمة” ويبدو ان الإمام يجعل للكلمتين مدلولاً واحدًا.
وبعد الحمدلة التي وردت اربع مرات يقول: “ها نحن نجتمع بين يديك في بيت من بيوت تنسب اليك، وفي أوقات الصيام من أجلك”. هنا اعتراف بأن الكنيسة بيت من بيوت الله اي مكان يهيمن الله عليه وتقوم فيه الصلاة. وهنا اعتراف بأن الصيام الذي يقوم به المسيحيون انما هو من اجل الله بمعنى ان الإنسان يقوم به وان الله يتقبله.
بعد ذكر الله يعبر الإمام الى اننا “نسير جنبا الى جنب في خدمة خلقك” وكأنه يقول: ان هناك طائفة من الموحدين لهذا الإله تعمل معا لخير الخلق جميعا الى ان يقول: “الى بابك اتجهنا، وفي محرابك صلينا”. هنا لا يتكلم عن باب منظور او محراب مبني. انه يتكلم عن مسجد كوني قائم على العمل المشترك. نجتمع في هذا المسجد الشامل الذي لا يقوم عمارة هندسية وذلك في ما يعتبره وحدة الأديان ويريد بها طبعا ديانات التوحيد. وحدة هذه الأديان عنده قائمة على دعامتين: الدعوة الى الله وخدمة الإنسان وهما وجهان لحقيقة واحدة.
الاختلاف بين الأديان لا يراه قائما على اختلاف في المضمون او في العقيدة. يقول: اختلفت الأديان عندما اتجهت الى خدمة نفسها وعندئذ ازدادت محنة الإنسان وآلامه وكأنه يوحي بأن الحالة الدينية في كل دين تسمو او تهبط. تسمو الى حقيقة واحدة لاهوتية وناسوتية معا أي اذا عرفت ربها والإنسان معًا.
الحالة البدهية يحصرها في غاية واحدة: “حرب على آلهة الأرض والطغاة، ونصرة للمستضعفين والمضطهدين”. الفساد في النفس او في القلب ولا حديث عن تباين في العقائد وتبرز وحدة الأديان من حيث ان المبدأ واحد وهو الله والهدف واحد وهو الإنسان والمصير واحد وهو الكون. هناك لحمة اساسية عنده لا تنفرط بين عبادتنا لله وخدمة الانسان. الكارثة عنده حصلت لما نبذنا الله فأصبحنا فرقا قِدَدا اي كنا جماعات متفرقين. ونتيجة نبذ الله ان وزعنا الكون الواحد وخدمنا المصالح الخاصة وعبدنا آلهة من دون الله. وسحقنا الإنسان. عند الإمام تلازم بين عبادة الله وخدمة الإنسان وتلازم نقيض بين الشرك وقهر الإنسان.
يزين لي ان الإمام يقرر ان التوحيد اسبق من الشرك ومن تعدد الآلهة وفي هذا يختلف عن المؤرخين ودارسي الأعراق البشرية. وفي الواقع عرفت الحضارات القديمة شعورا انسانيا مرهفا. غير ان رؤية الواقع بينت في العصر الحديث ان غياب وجه الله يغيب الانسان ايضا. ترى ذلك في الفن المعاصر. اجل هناك ظاهرة تضحية وبذل كبير عند ناس لا إيمان لهم كما تجد عند بعض المؤمنين قسوة وقمعا واضطهادا. ولكن ما يمكن تأكيده ان الله تاريخيا كان مؤسسا للإنسان. بكلام آخر وبصورة عامة تزامل الله والرفق والحنان والخدمة.
لعل اقوى عبارة اتت في هذه الموعظة: “نلتقي لخدمة الانسان المستضعف المسحوق والممزق لكي نلتقي في كل شيء ونلتقي في الله”. افهم هذا هكذا: ذروة العطاء هي بلسمة الجراح للمعذبين في الأرض فاذا كانت الشهادة الاولى ان “لا إله الا الله” فإنها تبطل الآلهة الكاذبة وتبطل معهم الطغاة والمستغلين ضعف الضعاف فاذا بذلت نفسك للمهمشين يكون الله معطيك هذا ويكون ربك معطى بك للضعاف. ولا يبقى شيء آخر يُعمل.
بعد هذا أقر الإمام شرعية الوجود المسيحي باستناده الى الآية الـ 84 من سورة المائدة: “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة”. يقولها للمسيحيين مباشرة في قعر دارهم: اجد نفسي في وسط الطريق الى جانبكم. اجد نفسي واعظا ومتعظا، قائلا ومستمعا”. ارى في هذا منتهى التواضع ومنتهى العلم ايضا. لأنك ان لم تقف بآن معلما ومتعلما فأنت في صفوف المستكبرين ولست في صفوف العلماء. ان تحاور المسيحيين مسلما يفترض انك ترتضي ان تتعلم منهم. ان يرى موسى الصدر نفسه في الكنيسة لا تعني فقط انه ضمن بنائها الحجري ولكنها تعني في قراءتي انه تمنى في ان يكون روحيا داخل الرؤية المسيحية لله والإنسان والكون. هذا أبعد من التعاطي الذهني الذي لا يخلو من سجال. هذه رؤية القلب للقلب.
من أين يأتي ما في القلب؟ يجيب الإمام وكأنه كان يتوقع السؤال: اقتربنا من الينابيع. وهنا يذكر غضبة السيد في الهيكل على المتاجرين بالمقدسات ويذكر الحديث الشريف: “ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعانا وجاره جائع” ويرى صدى لهذين الصوتين عند بابا رومية: “ان المسيح والفقير شخص واحد” ويتخذ هذه المواقف صرخة ضد الأنظمة الغاشمة ثم يستشهد بما يبدو حديثا قدسيا: “انا -اي الله- عند المنكسرة قلوبهم. انا كنت عند المريض عندما عدته، وعند الفقير عندما ساعدته الخ… هذه طبعا صياغة اخرى لما جاء لعظة الجبل في الإنجيل: “كنت جائعًا فأطعمتوني”.
ترى الإمام يتهادى بين الإيمان والانسان. يجيء من واحد الى آخر ليبين ان للإيمان بعدا سماويا من حيث انه “يعطي الإنسان اللانهائية في الإحساس واللانهائية في الطموح”. هذا الايمان يقيم في الإنسان وحدته ويشفيه ويقيم بينه وبين الموجودات لحمة ويقيمه في الجلال والجمال.
في هذه التأكيدات يرى السيد موسى الصدر الإيمان في عظمته ومطلقه. ولكن هل صحيح ان الكثير من المؤمنين متشحون بهذا الجلال ومتسربلون هذا الجمال. هذه الرؤية تزكي الإيمان ولا تزكي كل المؤمنين نحن نشهد لإيماننا ونخشى عليه الزوال او الضعف. لم يكن هينا على هذا المؤمن العظيم ان يرى مأساة المؤمن العادي، غير المُحيا بالايمان، غير المركِّز وجوده كله على الله.
غير ان ملاحظتي الأساسية ان الجاحد ليس دائم التعلق بالضرورة وليس بلا تنسيق بينه وبين الوجود وليس بلا فلسفة للوجود. وهناك ملحدون على قدر كبير من الأخلاق وبنوا مؤسسات انسانية تقوم على تضحيات عظيمة. في التحليل نرى ان لهم ايمانا ما غير الإيمان الديني يجعلون منه دينا لأنفسهم وهم يحسون بحاجتهم الى الله. في لبنان نتحرك في بيئة دينية ولكن من عاش في الغرب وقرأ آدابه يمر بأدبيات إلحادية واسعة وذات بنيان فلسفي جدي لا بد من مقابلة حججه.
وبعد ان يعرض الطاقات البشرية المولدة للحضارة يركز على موضوع الحرية. هنا تحسه مجروحا من غياب الحرية ويصور لك ان الإنسان بغيابها هذا يتقزم ثم تتقزم الجماعة. وتبلغ حماسته اوجها عندما يرى الاستبداد في سياسة الأفراد والشعوب، في ضغط اقتصادي او ثقافي او فكري، في سياسة الإهمال لإبعاد الفرص عن الناس، بعض الناس، وعن المناطق، بعض المناطق، في التجهيل.
لقد اختل نظام التوازن بين الاتجاهات المختلفة التي تصنع الحضارة. يقول: “السياسة والإدارة والسوق والعمران، لأنها لم تكن مبنية على القاعدة الايمانية، بدأت تنمو بصورة غير منسقة فتحولت الى الاستعمار والى الحروب وما الى ذلك.
ثم يضرب حب الذات وعبادة الذات والأنانية العائلية والقبلية، “الطائفة التي حولت بأنانيتها السماء الى الأرض”، الوطنية العنصرية. “هذه الأنانيات الموسعة كانت احاسيس بناءة لما كانت باقية ضمن حدودها الصحيحة ولكنها تضخمت وغدت دمارة. هذا الكلام عينه نجده عند الآباء النسكيين في الكنيسة الشرقية وكأن هناك تلاقيا بين اهل الزهد من الديانتين كأن الحياة الروحية مياه جوفيه تجري في القلوب المتطهرة لله.
لن اترك هذا المفصل دون ان اطرح سؤالا تاريخيا عن العنف الديني اعني العنف المنبثق من بيئات مؤمنة برّأت ابادة الشعوب الأخرى او قمعها باسم الله. الاستعمار الغربي في القرن التاسع عشر دعت اليه شعوب مؤمنة وافتُتح باسم الرسالة التمدينية وظهر من يجمع بين التبشير والاستعمار. واذا اردنا بحث موضوع العنف بصورة موضوعية فلِحظ بأسى كبير ان الدماء التي سكبتها الشعوب المؤمنة بالله اثقل بكثير من تلك التي سكبت خارج إطار التوحيد. القلب البشري مزاج من الإيمان والكفر، من المحبة والكراهية، من البذل والأنانية. التاريخ البشري ليس تاريخ اديان ولكنه تاريخ شعوب لها مطامعها وشعوب تتمرد عليها. التاريخ ذبح كله باسم الرب والقيم والرسالات او باسم العرق واللون والتفوق الحضاري او باسم ديكتاتورية الشغيلة او الحرية او تحرير الأرض. النفوس البشرية تقود ازمنة الناس وهذه النفوس فيها كل المشاعر ومنها الديني. حينا هو يطوع النفس واحيانا كثيرة هي التي تطوعه او تسكنه.
بعد رسم السيد موسى هذه اللوحة الحضارية يصل الى لبنان، الى انسان لبنان، الى كل انسانه ويريد كل طاقات هذا الإنسان وكل أبعاده. ويربط كل هذا بممارستنا احساسنا الديني الناتج من المبادئ التي عرض.
ينتقل من هذه الرؤية الشاملة الى ذكر الحرمان ومسؤوليته على الجميع. كان لا بد له ان يواجه مسألة العنف. في هذا يقول: “العنف، كما سمعنا، في سبيل الانسان، وبقدر الحاجة، وشريطة عدم الخروج على انسانية الانسان، مسموح بنص الكلمات”. هل أراد بقوله “مسموح بنص الكلمات” الكلماتِ الإلهية او شيئا آخر؟ وجب جلاء ذلك بالرجوع الى نصوص اخرى منه. السؤال الذي يطرح نفسه من هذه الفقرة الصغيرة هو من يقدّر الحاجة الى العنف او من يتحقق “عدم الخروج على انسانية الإنسان”.
هناك بالتأكيد النصوص القرانية المتعلقة بالجهاد الذي يقوم به المسلمون من حيث انهم مسلمون. ولكن هل من أساس لاهوتي للحرب القومية او الوطنية على عدو الوطن وهل هذه الحرب يقوم بها المواطنون على اختلاف دياناتهم؟ واذ ذاك لا يكون تحرك المسلمين ضمن مقولة الجهاد القرآنية. هذه تساؤلات تطرح نفسها من بعد ان قبل المسلمون باوطان متعددة الأديان.
في المقطع الأخير من المحاضرة-الموعظة ينتقل الخطيب من انسان لبنان الى مناطقه ليقرر انها أمانة في اعناقنا واعناق المسؤولين. “الجنوب والأماكن الأخرى أمانات يجب ان تحفظ بأمر من الله وأمر من الوطن”.
أمام هذه التحديات يستنتج الى انه علينا ان نحفظ وطننا لا لله ولإنسانه فحسب بل للإنسانية جمعاء ولنكون صورة متحدية امام صورة البلد العدد وكأنه يريد ان الصراع بيننا وبين اسرائيل ليس على مساحات اراضٍ، ليس صراعا سياسيا وحسب ولكنه صراع حضاري.
ربما كان من حق الإمام الصدر في مطالع السنة 1975 ان يرى للبنان وجها اجمل من هذا الذي عايناه في الحرب وفي السنوات العشر التي تلتها. واذا عدنا عشر سنوات في الذاكرة قبل تاريخ محاضرته لما أمكننا ان نفهم ان تصويره للإنسان اللبناني ونشدانه الإنسان كله كان قريبا من الواقع. ما كان البلد يخشى الثقافة وتحسس الحوار وكان الإمام من اولئك الذين اخترعوا الحوار المسيحي-الإسلامي.
ربما مكّنه هذا الحوار واتصالات اخرى كثيرة ان يتوجه الى المسيحيين الجالسين امامه في كنيسة الكبوشية في بيروت وان يسميهم مؤمنين ومؤمنات. هذا يتجاوز حدود المجاملة ليبلغ قناعة ليست كثيرة الانتشار وعبر عنها بقوله: “فلنحافظ على انسان لبنان لكي نحفظ هذا البلد أمانة التاريخ وأمانة الله”.
لا يرى الإمام أفقا سياسيا او حدودا سياسية خارج لبنان وكأنه يقول قبل غيره ان لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه ويولي البلد اهمية كبيرة اذ يجعله وديعة من التاريخ ووديعة من الرب في ايدينا. هذا يحسب فضلا كبير لرجل لم يولد في لبنان واكتملت نشأته الفكرية خارجه. هذا الشعور لا يأتي الا من انفتاح رسالي عظيم ومن اندماج داخلي بهذا الوطن. يمكن ان يأتي بعض هذا من الفقراء. وقد يكون الرافد الآخر انه عرف محبوبيته لدى ناس من دينه وناس على دين آخر. المسيحييون الذين أخذوه إلى قلوبهم سمعوا منه لهجة لم تكن مألوفة في سماعهم وحركت قلوبهم دماثته النادرة وود لديه عظيم. كان يصغي كثيرا ويقول انه يتعلم من اصدقائه. اظن انه فهم ان لسان حال المسيحيين الذين اقتربوا منه كثيرا هو هذا: نحن نتمنى ان نتعامل مع إسلام هذا الرجل. لذلك يبدو لي ان موسى الصدر كان أعظم بكثير من خطابه وان الخطاب لم يكن ممكنا لو لم يصدر عن هذا القلب الكبير.
Continue reading