1962, لسان الحال, مقالات

حديث الأحد / الأحد 11 آذار 1962

الحياة الروحية همُّنا في هذه الزاوية. والحياة الروحية هي أن نرى ما يكشف الله لنا خلال كلمته وخلال الحادثة، أن نشهد لحق الكلمة، أن ندعها تنحت لنا مسلكًا. سنكتب هذه التأملات فيما نستقبل الأحد، اليوم الذي خلق الله فيه النور وتمَّ فيه ظفر المسيح. انه اليوم الأول للخليقة واليوم الأول لتجدد الخليقة وقد سماه كتّاب النصرانية الأقدمون اليوم الثامن لأنه، بعد انقضاء كل الأزمنة المرموز اليها بالأسبوع، افتتاح للأبدية.

في وضح هذه الحياة الجديدة التي يمدنا الله بها سنتبيّن معالم الطريق، طريق حياتنا الآن وهنا. فالحياة الروحية ليست غيبية لأن الله إله لنا، إله معنا وفينا. هو الواقع الراهن الذي يفيض على كل الموجودات وجودها. فحديث الله أقرب حديث إلى الحياة التي نحيا. الله ألصق بنا من كل حادثة، من كل إنسان، من أنفسنا. والحديث عنه ليس بالضرورة حديثًا عن صفاته وأعماله ولكنه إدراك لما حولنا وفينا، لظروفنا ومشاكلنا، لآلامنا على ضوء تعليمه ونفحاته.

حقيقة الله فعل وخلاص ومتى صارت هكذا في لبنان حلّ اليقين والإخلاص محل الزيف، وانتقلنا من ديانة القشور والجدران الطائفية، من الرموز الحزبية وجفاف الأشكال إلى ديانة الحب التي نطلب فيها المخلوق كما نطلب الخالق، بل نلتمس فيها الخالق في المخلوق. ما يهمّنا في هذه الزاوية هي حقيقة الله في الصميم لأنها هي شفاء البشرية المعذبة. وقد يتعاطى المرء دينه وليس له في نفسه شيء من هذه الحقيقة لأنه لا ينفذ إلى قلب التعبد فتحجب عنه العبادات نفسُها أحيانًا ربه ويظل غريق ممارسات دينية لا سعي فيها إلى وجه الله الصبوح.

هذا السعي ليس اغترابًا عن الدنيا كما قلنا لكنه الوسيلة المثلى لتغيير الدنيا. هذا «الدين – الحب» ليس تحذيرًا للشعوب بل الهام للشعوب ولا هو اقتتال على الأرض لربح السماء ولكنه ربح للأرض تُعطى للجميع بسبب أوامر السماء. هذه المواجهة بين الأرض والسماء إذا تمّت في القلوب الصافية الحمِسة وفي الأذهان المقدامة كفيلة بأن تعطي للأرض كل خيرات السماء وبأن ترفع إلى السماء كل جهود الأرض.

Continue reading