Monthly Archives

March 2014

2014, جريدة النهار, مقالات

في مبرات الصيام / السبت ٢٩ آذار ٢٠١٤

تجوع قليلاً في الصيام من الإمساك لتتروض على اشتهاء ما هو أعظم من الطعام، لتقتنع ان الرب خبزنا الدائم. لا يمكن ان تكون لك حياة روحية بلا جوع، بلا فقدان شيء من جسدك لكي تتلقى من ربك طعامًا غير منظور. الشبع استغناء عن الله. كل قصة الصيام انه فراغ تملأه بالله. ما لم تفهم هذا تكون بدلت نظاما طعاميا بنظام طعامي آخر أي تكون بقيت في حدود الجسد. هل أنت جائع إلى الله معطي الحياة ومعطيها بكثرة حتى تصل إلى فهم انه كل الحياة؟

الضعفاء في الحياة الروحية يستهزئون بالصيام لادعاء روحانية عالية عنهم تقول ان هذا أمر جسدي. من قال لك يا أخي ان الأمور المتصلة بالجسد لا علاقة لها بأمر إلهي؟ أليس الله مطلا على الأرض، ساكنا في الأرض؟ احتقار الجسد نسك كاذب. ما كان من تعليم نساكنا. لكوننا نحن الصوامين نرى إلى الجسد جديا نروضه في الإمساك على رؤية وجه الله والإخوة. بهذا المعنى ما كان الصوم حرمانا. هو امتداد إلى اعتبار الرب خبز حياة ورؤية انفسنا شركاء للفقراء. لا يقصينا الصوم عن الجسد. يقصينا عن شهوته. الصوام يعرف طريقه وغاية طريقه وهو عالم بمشاركة الجسد والروح في ابتغاء الحياة التي في الله. الجاهل للحياة الروحية يستهزئ بالعلاقة الصميمية القائمة بين الجسد والروح. عندنا نحن اتباع يسوع الناصري الكلمة الذي صار جسدا وسكن بيننا وعند حلوله فينل رأينا مجده ورأينا الله مطلا به. واذا نزلنا إلى قاع الجوع وحرمان الطيبات نرى إلى الله خبزا سماويا. انت لا تشبع الا من الله.

الجسد يروض بتمارين الجسد والنفس بتمارين النفس. الذي يحرم نفسه طعاما ولا يبتعد عن الخطيئة لم يفعل شيئا. انت لن تكون صواما حقيقيا ان لم تحب الله. فلسفة الصيام في كنيستنا تقوم على الاتباط الصميمي بين النفس والجسد. ليس عندنا روحانية لا تقوم على مراقبة فكرنا الإلهي لجسدنا. لكن هذا ليس قهرا له. هذا تطويع له. ليس الجسد دون النفس قيمة. كلاهما معا في المخلوقية وكلاهما معا إلى الله. نحن لا نقول ان النفس اهم من الجسد. كلاهما معا في الطريق إلى الله.

غير ان الأهم في الصيام المسيحي ليس في الإمساك. الصيام فوق تعابيره الظاهرة. انه طريق إلى القيامة اذ لا يمكن ان ترى المسيح ان كنت ممتلئا من غير المسيح. لذلك كان الصوم تفريغا اولا. بعد هذا يجيء الملء. من هذا القبيل ما كان الصوم الا استعدادا لقبول الحب الإلهي ينزل عليك. ولا ينزل الحب الا على من اشتاقه. نحن في إمساكنا نقول للمسيح اننا اشتقناه. لذلك نحاول ان نتحرر مما عداه اذا استطعنا ان نؤمن ان المعلم الإلهي كان كل شيء. قدرنا ان نفهم انك لا تزيد شيئا على الله وان وجودنا كله ترويض النفس لتصل إلى هذا الفهم. والذي لم يدرك هذا لا يكون بصومه دخل إلى الرؤية. كل ما نقوم به تطويع للنفس كي ترى. نحن لا نحرم انفسنا شيئا من طيبات هذه الدنيا الا لأننا استلذذنا ما كان فوق الدنيا. الصوامون يدركون انهم بهذا الكيان الصائم يصلون إلى الرؤية ويستلذونها قبل ان تجيء. لذلك يطوعون النفس لكي ترى.

كل رحلتنا في الامساك ترويض على الرؤية. الجسد لا يبقى جسدا محضا. يصبح مكانا للرؤية. الروحانية التراثية اي الوارثة للقديسين تعرف ان ما تروض نفسك عليه يستدعي نزول النعمة. الصوم ليس إمساكا عن طعام وحسب. انه محاولة للرؤية، للاتصال بالرب. نحن الذين ادركنا القديسين نعرف ان كل شيء رؤية ولكن بعد ترويض. وميزة الكنيسة التراثية انها فهمت ان الجسد والنفس واحد بعد ان نزل علينا التجسد الالهي ليس من صيام قائم بذاته. كل شيء إلى الرؤية، رؤية المخلص قائما من الموت. ولكن المؤمن المتواضع يرى نفسه في حاجة إلى الترويض.

سطحيا يكون من فكر ان الكنيسة جعلت الصيام مجرد ترويض على التقوى. في الحقيقة ان كان من أمكنة التقوى لأنه ارادة لحب الله عندنا. يخطئ الذين يظنون ان المسيحية في الفكر وحده. هي ايضا في تطويع الجسد لأن هذا من الانسان. نحن لا نسعى إلى التحرر من الجسد. هو ليس دون النفس قيمة لأنه رفيقها على دروب الرب. هؤلاء المسيحيون الذين يحتقرون الصيام لا يقيمون مكانة للجسد. المسيح لبس جسدا وسكن فينا بجسده.

غير ان الصيام يبقى مجرد طعامي ان لم نأخذه إلى رؤية قيامة المسيح. كل شيء في هذه القيامة. ونحن نستعد لها بالحرمان لأنها هي الطعام السماوي. الإله المسيحي يؤكل اي انه نزل من العلى إلى الواقع الانساني ليقول لنا انه في المسيح صار معنا.

الصيام يعلمنا ان الانسان نفس وجسد نحن الذين حسبنا ان المسيحية من مملكة الروح فقط. نحن نعرف ان ابن الله صار جسدا اي كائنا ساكنا في الناس ليجعلنا ساكنين مجده. ونحرم هذا الجسد شيئا من حقه لنتعلم اننا فقراء إلى الله وحده. الرياضة في المسيحية شيء هام لأنها درب إلى الرؤية. والرؤية الكاملة تنزل علينا بعد قيامة اجسادنا وتنزل قليلا في النسك هنا. المبتغى وجه الله والصيام مسلك من المسالك اليه حتى يتم الكل.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

الصوم رؤية / السبت في 22 آذار 2014

لن تفهم شيئا من الصوم ان ظننته إمساكًا فحسب. تفهمه اذا شعرت انه اتحاد. قال أسلافنا الصيام لله. الإمساك بدء منتهاه الانضمام. ولكن الله يتروض الانسان من أجله. بلا رياضة ليس من رؤية. انه ليس إماتة لهذا الجسد العظيم الذي يقول بعض من آبائنا ان الله اذا خلقنا على صورته ومثاله لا يريد النفس المجردة فقط بل يريد الانسان كله بما فيه الكيان الجسدي.

يخطئ من ظن ان الصيام مجرد جهد بشري اذ ليس من جهد لا تنشئه فيك النعمة. أنت لا تمسك الا لأنك تحب. فليس من ألم عند المحبين. المحب يطرد ما يؤذي الحبيب. أنت تطرد عن الله ما ليس يرضيه، ما ليس وجهه. لقد نزل الرب اليك قبل ان تباشر الإمساك. أنت لا تسير خطوة إلى الله بلا الله. هو رفيقك في دربك اليه. كل حركة تقديسك لنفسك هي منه إلى يوم يستردك اليه.

لذلك ليس من حركة هي الامساك ثم الرؤية. الإمساك نفسه يبدأ بالرؤية. كل شيء عندنا حب وليس من خطوة إلى الله ليس هو حاضرا في مبادرتها. الله فيك يتمم صيامك. ليس عندك اية حركة اليه مستقلة عن روحه. والحب عندنا في البدء وفي المنتهى. كل رياضة روحية منطلقها رؤيتنا للحب الإلهي ومنتهاها ارتماؤنا في الحب الإلهي. والله هو الذي يحب فينا اذا أحببنا. كل ما حسبناه رياضة هو حضوره. لذلك صدق قول الرب انه البداءة والنهاية. أي انه هو رفيق الدرب وهو الدرب إلى ان ينتهي كل شيء إلى وجهه.

هو الوجه والويل لك ان حسبت ان ثمة وجوها اخرى.

ان رأيت هذا فإنك في ضلال مبين. ليس من شرعية لجمال مخلوق ان لم تحسبه انعكاسا للجمال الإلهي. لا يضاف جمال على الجمال غير المخلوق.

ما الصوم الا تمرينا على تذوق الوجه الإلهي. المهم هذا الوجه إلى ان تنتهي كل الطرق إلى الله مع هذه الدنيا ولا يبقى غير وجهه ذي الجلال والإكرام. يلفتك قول المسيح المبارك: «أنا هو الطريق والحق والحياة» كلام فيه مفارقة يعني بها انه هو الطريق وغاية الطريق. هو وحده سبيل إلى ذاته وليس يسبقه أحد.

أجل يمكنك ان تنتقل الى الله توا بالحب. لكن الوسائل يتنزل اليها الحب اذ لا يمكنك ان تحب الله الا اذا وضع فيك لهفة اليه. سره انه هو المبدئ والمنهي لتبقى في الحنين. صح ان الرب نهاية المطاف ولكنه هو أيضا الحنين. الرب هو الطريق الى ذاته. هو الملهم والمنهي ومن تذهب انت اليه. وهذا هو معنى قوله انه البداءة والنهاية.

آخر قولة عن الله انه هو المحبة اذا فهمنا ان المحبة هي ذاته. المحبة وجه. صحيح ان الله قائم بذاته من حيث الجوهر ولكنه قائم في الحركة، في الانعطاف وانت تعرفه بعد ان صرت حبيبه. كلمك وناداك فرأيته فيك. تدركه بالتعاطف. واذا ازداد التعاطف تحس بنفسك مندمجا. صحيح ان لكما وجهين ولكنك تحس انك تجيء منه.

في الكنيسة وسائل، ورياضات للتقرب من الله ورجائي الا نبدل الله بالوسائل. واسم الله المحبة. هي ذاته. ولكن لا ينبغي ان نهمل الرياضات إلى الرب لئلا نقع في الشاعرية. الحب فيه تمارين. ينبغي الا نهمل التمارين والتمارين على المحبة تضمن ديمومتها.

العواطف لا تصل بك إلى المحبة. المحبة تقوم على الطاعات، على دقائق الطاعة. «من أحبني يحفظ وصاياي» تنبيه مستمر على ان قولك للرب انك تحبه قد تعني شوقا وقد لا تعني التزاما. لا محك للمحبة الا الطاعة.

اغراء المؤمن مجرد الشعور. «من احبني يحفظ وصاياي». مجرد الاختلاج الروحي ليس طاعة. المبتغى تطويع النفس بكل ما فيها من ميول. فالمهم ان تطلب إلى الله ان يحول محبتك إلى ميول دائمة فيك فتتربى على الله لتذكره على الدوام.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

الصوم / السبت ١٥ آذار ٢٠١٤

كل الديانات الكبرى التوحيدية وغير التوحيدية مارست الصوم واعتبرته تقربًا من الله. أظن ان الفكرة في هذا ان محبتك للخالق تقتضي ابتعادك عن الكون المخلوق وأساسه عند الإنسان الطعام. تريد ان تصبح أنت طعامًا لله اذ تبتغي الاتحاد والابتعاد عن طعام الجسد يبدو للإنسان اقترابًا من طعام الروح ووسيلتان الصلاة والصوم. فإن كنا في الصلاة نطلب الله يبدو لنا اننا لا نستطيع ان نطلب شيئًا آخر. وبما ان الطعام تربية لهذا الموجود فينا الذي نسميه الجسد نمسك عنه للانصراف إلى ما هو فوق الجسد ومن هذا الفوق إلى الله.

المسيحية قالت بأن المؤمن يأكل جسد المسيح ويشرب دمه لأن الجسد والدم عند العبران هما مظهر الكيان أو بعض منه. أحبب الرب إلهك من كل قلبك جاء في العهد الجديد بعدها ان تأكل جسد ابن الله ولكن هذا الجسد هو في السماء ولا وصول لك إليه.  ان تأكل جسد المسيح أسلوب عبراني يعني ان تأكل المسيح نفسه المنقول إليك في دنياك بوجهين: كلمته والقربان الذي هو نوع من الكلمة.

ان تمسك في هذا الموسم عن طعام هو ان تمثل الموت وتاليًا ان تبتغي الحياة والحياة هي المسيح. فالإمساك عن طعام من أجل المسيح لا يغنيك عن هذا الذي قال: «أنا خبز الحياة». في أعماق نفسك أنت لا تأكل خبزًا، أنت تأكل المسيح اذ المبتغى ان تصبح مسيحًا وهذا ليس عن طريق التشبة ولكن عن طريق الاندماج. الأرثوذكسيون لا يقولون أنت تصبح إلهيًّا. يقولون أنت تصبح إلهًا. ولكن من تلك الألوهة التي ليست منفصلة عن ألوهية السيد. ليس ثمة ألوهيتان. يجب ان تقرأ الروح لتفهم هذا. نحن أهل الروح لنا لغتنا ويجب ان تصبح من الروح لتفهمنا.

واذا صمت تصبح من مملكة الروح ولو بدوت جسدًا. المهم ان تعرف انك تجيء من فوق. الذي نزل يبقى من مملكة الرؤية ويتكلم بلغة السماويين. المهم الا يشدك الجسد إلى أسفل. تبقى في الجسد مستقلاً عنه لأن قلبك في الله والله في قلبك. تصوم لتقتنع بكلام الذي قال: «أنا هو الخبز النازل من السماء». واذا أخذت شيئًا من غير السماويين تكون ابتلعت الأرض. كل القضية ان نفهم في العمق ان الرب هو ما تأكل وتشرب وان كل شيء آخر رمز.

الصوم تاليًا تدريب على ان الرب هو مأكلك ومشربك أي انه اذا أخذته هو يكونك ويجعلك بشرًا سويًا. تتروض في الصوم ان تعرف انك لا تتكون مما تأخذ ولكن بما تعطي. وبهذا المعنى أأمسكت أم لم تمسك أنت صائم الدهر. أي المؤمن ان الله وحده هو الذي يندمج بك وانك تصبحه. لذلك كان هو في العمق الحبيب الوحيد.

أنت صائم الدهر اذا أدركت وأحسست انك لا تدخل الا الله إلى نفسك. هذه هي مرتبة الحب التي تفوق كل معرفة. كيف تصير إلهيًا وأنت بشر هذا هو السؤال الوحيد إلى ان يخطفك ربك إليه في اليوم الأخير ولا ترى الا وجهه.

كل ترويض الصوم يعني شيئًا واحدًا ان ترى وجه الله وحده. هذا هو الحب الأخير. عند ذاك لا تسأل عما هو لك وعما هو له. أنت وما عندك وما فيك له. فقط اذا أدركت ذلك تكون صائم الدهر.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

نحن قياميون / السبت في ٨ آذار ٢٠١٤

ولجنا أبواب الصيام منذ أيام ناظرين إلى القيامة. والقيامة رؤية الحياة الجديدة وتواصل بالصالحات التماسًا لغفران الخطيئة، والإمساك رمز لتعهد البر وسلوك طرقه. أنت تعف لتكون مؤهلاً لاقتبال النور.

يبدأ الصيام انقطاعًا حتى يتحول القلب إلى طلب الصالحات. الكلام على ما يؤكل وما لا يؤكل بدء كلام والسؤال الأخير هو هل تريد ان تعاين وجه الله في ما تأكل وتشرب وتكتب وتعمل وتقول وتصمت والعاشقون لا يكتفون بأن ينطووا في صيامهم. انهم دائما إلى وجه الحبيب. أنت تحل حيث حل الحبيب وتتبعه إلى حيث ذهب والسير إليه مهما طال السير.

الصوم ما كان رياضة الا لأننا أردناه التماسا لوجه الله. الرياضة الروحية على أشكالها طلب لوجه وما قبل الوجه كلام. أنت تعف لإدراك الوجه والبقاء على معاينته لأنه الوجود.

أنت تقول لجسدك في جوانب الفناء الذي هو عليه لئن كنت متكأ لست كل شيء. تعال معي إلى حيث ينتهي السراب. حسب الإنسان ان يفهم انه لا يقوم بالطعام والشراب وان التماس قلبه يفوق كل هذا. الذي لا يشعر انه يوجد بما يفوق جسده وما له لم يبلغ الفهم. ما قال أحد انه ينبغي ان نهمل الجسد. انه عطاء الله. قلنا لا بد من تطويعه.

إماتة الجسد كلمة ملتبسة. انها تعني عندنا إماتة الشهوات. الجسد من حيث هو بدن خليقة الله وحسن. اما الكلمة فتعني أحيانا الشهوات المؤذية وليست كل الشهوات مؤذية.

نحن فوق إماتة الشهوات. نحن إلى وجه يسوع. هذا الوجه هو مجد الله. ان آلام السيد كانت طريقه إلى القيامة. اما نحن فانتصارنا على الخطيئة بدء اتحادنا بالسيد والاتحاد ويأتي من هبه لنا. نعاين الصليب دومًا لأنه محل القيامة. تبدأ قوتها عنده إلى ان تتجلى كاملة في الفصح. بالصليب «قد أتى الفرح لكل العالم». الصليب ليس إعدامًا للجسد. هو بدء التجلي. لذلك كان المسيحيون الأولون يقيمون بقوة واحدة أيام الجمعة وسبت النور والفصح. كل هذا الموسم موسم انتصار. كل شيء يأتي من الفصح حتى يأخذنا الرب إليه.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

الإله المتجسد / السبت في 1 آذار 2014

جاء المسيح ليقضي على الخطيئة، ليقدم عرضه هذا على الإنسان لأن المسيح لا يريد اقتحام الإنسان. هو مخلص ولكن لا يخلص إلا من ارتضى الخلاص واعتنقه وابتهج به. الله لا يقتحمك، لا يغتصبك، يعرض نفسه عليك فيصبح الخلاص حقا نتيجة حوار بينك وبينه. يتنازل الله إليك ليصير محدثك. لعل كل سموه انه جعل نفسه على سوية واحدة معنا. قبل ان يجعل اتصاله بنا حديثًا معنا. يتواضع الله ويبقى الله.

ان يقضي المسيح على الخطيئة هو ان يفتح لنا باب البر. البر ليس انتصارًا على الخطيئة فحسب. انه دخول الله إلى ذاتك وتجديده إياك ودعوتك إلى رتبة الألوهة وأنت على بشريتك. الله فوق ويصير إلينا بتواضعه. أنت تصير إلى فوق برضاه مع تطوعك. قضاء الله على الخطيئة يتطلب قبول الإنسان لهذا القضاء لكن الإنسان يحب خطيئته ويفعلها استلذاذًا. الإنسان قبيح. ولا يقضي على الخطيئة الا البر تستطيبه. هذا لا ينحصر في الحسرة. البر فيه الفرح وإيثاره عقليًا على الدنس وليس فقط تمنيًا أي يجب ان تحب البر لتفعله. هكذا يصبح برك بر الله.

اذا قلت ان المسيح جاء ليقضي على الخطيئة أكون قد قلت ان القضاء عليها من حبك لله أي ان تراه أبهى من ملذاتك. اللذة مستطابة فإن لم تؤثر الله عليها تغلبك. اذا قوي فرحك بالله على كل لذة يجذبك. لذلك يجب ان تغذي فرحك به لأن الإقامة ان لم تكن عنده فهي عند الشرير.

الموت عدو كما قال الرسول لأن «أجرة الخطيئة هي الموت»، لأن الحياة مع المسيح هي الحياة. المسيح أتى بالحياة الجديدة التي لم نكن عليها.

عندما نقول ان يسوع جاء ليقضي على الخطيئة نكون راجين ما هو أبعد من هذا. نكون راجين فرح البر وهو معايشة الله. لا يكفي ان نرجو القضاء على الخطيئة والمكوث في الخطيئة. المهم ان نكون مع وجه الرب. ليس المهم التماس البر من حيث هو بر. المهم التماس وجه الرب لأن كل الوجود في وجهه.

المكوث عند المسيح شعور يجب ان يكون أقوى من التحرر من الخطيئة. التحرر من الخطيئة هو بدء الفرح. أما الفرح الكامل فمعاينتنا وجه يسوع.

يمكن ان تقول أنا اكتفي بوجه المسيح اذا فهمت ان هذا الوجه يقودك إلى وجه الآب. المنتهى ليس المسيح في الجسد. المنتهى الآب حسب تأكيد السيد: «من رآني فقد رأى الآب».

من كان مسيحيًا يفهم ان المسيح هو الوسيط بينه وبين الله. نحن لا نكتفي بذكر الله مفصولاً عن مسيحه. «لا أحد يأتي إلى الآب إلا بي». ان لم تذكر المسيح في كلامك عن الله تكون من أهل العهد القديم. المسيحية هي هذا ان ترى الله في مسيحه.

اذا شدك الله إليه أطلب ان يكشف لك وجه مسيحه. وان رأيت هذا الوجه لا تنسَ الآب. كل شيء يصبّ في الآب. لا تنسَ انه هو المنتهى وان مسيحه يحيا به إلى ان يخطفنا وجه الآب في منتهى الدهور.

يسوع هو الذي سكن فينا وأسكننا مع الآب. داخلية المخلص فينا شرط سيرنا معه إلى الآب. واذا رأينا وجهه تبدأ المسيرة.

Continue reading