Monthly Archives

April 1999

1999, مقالات, نشرة رعيتي

نقد وتوصيات / الأحد 25 نيسان 1999 / العدد 17

اعذروني لو كررت بقالب جديد ما كتبته إليكم قبل اليوم. ذلك أني أريد لكم أجمل تصرف وأن نتقوى بالمحبة التي هي رباط الكمال. وأنا لا أعاتب أو ألوم إلا لكون بعض الأخوة بلغوا غيرة ولكنها بلا معرفة.

1) يبلغني من وقت إلى آخر قول نفرٍ أخذ –والحمد لله- بالتضاؤل يقول: نحن ندير شؤوننا محليا ولا علاقة للمطران بنا. لست أردّ على هذا بقول غليظ ولكنه قانوني: إن من عينكم له لأن يفصلكم وأنتم فقط مستشارون.  المطران يترك لمجلس الرعية القرار لكونه لا يستطيع أن يكون في كل مكان. ولكن في الحقيقة لا يصدر عن مجلس الرعية سوى توصيات يمكن للمطران نقضها إذا علم بها ورآها غير صالحة أو غير حكيمة. ليس أحد في اللاهوت الأرثوذكسي منفصلا عن المطران وليس للرعية المحلية استقلال عن الأبرشية ككل. الكنيسة هي الأبرشية ويرعاها واحد في المشورة والفهم وبما آتاه الله من محبة. فالتصور أن أحدا يمكنه أن يستقل عن المطران ويبقى في الكنيسة مردود أرثوذكسيا.

2) في هذا الخط يبلغني المرة تلو المرة قول بعضهم: أوقافنا لنا. ما شأن المطران فيها؟ الجواب أوقافكم ليست لأحد.  بنظر الدولة هي ملك للكنيسة الأرثوذكسية. بنظر الله هي لله. أنتم تستفيدون منها محليا (الكاهن, الفقراء, الإعمار…) ولكن يقرر فيها قرارا نهائيا واحد, ما عدا البيع والشراء, يقرر في شانهما البطريرك. ولذلك يدقق المطران في الحسابات وهو يقرر نسبة المال التي تعود إلى الكاهن وتلك التي تعود إلى الفقراء وما إلى ذلك. ومجلس الرعية لكونه يعرف الوضع يقدّم المشورة.

3) لرعية كلمة أساسية في موضوع الكاهن. إذا أجمع رأيها على رفضه أو كانت الأكثرية رافضة له لا يستطيع المطران فرضه على رعية رافضة. هذا في القوانين. وإذا نشب خلاف حول شخص الكاهن فالكلام الأول في الرعية للحكماء والأتقياء, والمسعى مسعى الصلح. ولكن ينقصنا كهنة وأخذ الجميع يتطلبون مستوى عاليا من التقوى والعلم في الكاهن. والتراث الأرثوذكسي لا يعرف نظام انتقال الكاهن من رعية إلى رعية إلا في حالات استثنائية جدا.  نحن نلتمس الآن نظام الاستيداع إذا بلغ الكاهن شيخوخة تعطل عليه العمل. ولكن هذا لا يمكن تحقيقه إلا بإيجاد مشروع مالي تساهمون فيه بسخاء كبير. والسخاء لم نبلغه إلا في رعايا قليلة جدا على رغم وجود بحبوحة هنا وهناك. يا ليتنا نصل إلى القناعة أن راتب الكاهن هو الأولية الأولى وأن المشاريع العمرانية تأتي بالدرجة الثانية بما في ذلك إقامة كنيسة جديدة. لا أحب أن أسمع كلاما كهذا:عندنا مشروع عمار, ولا نستطيع أن نزيد للكاهن راتبه. البناء الروحي ورعايتكم من قبل كاهن ورع أفضل من أي شيء آخر.

4) كثيرا ما يواجهنا سؤال حول تبديل الأشخاص في مجلس الرعية. الجواب هذا هو نص القانون الذي صدر عن المجمع لأن المجمع المقدس أراد أن يتمرن الجميع على إدارة شؤون الرعية. وليس أقرب إلى التواضع من أن يعرف أيّ مَن عمل في مجالس الرعايا أنه يمكن الاستغناء عنه. هذا من باب ترويضنا جميعا على أننا زائلون. فقد مات الرسل ومات الآباء الكبار الكبار ومات اللاهوتيون القدامى جميعا وبقيت الكنيسة. من يمنع أصحاب الخبرة والحنكة إسداء النصح للمجالس الجديدة؟

أما لماذا  لا يعيد المطران هذا وذاك إلى المجلس؟ هذا متعلق برؤيته للأمور. ثم كل مجلس خاضع للفحص. يمكن حله عند الضرورة بصورة كاملة أو جزئية ويمكن إضافة أعضاء جدد. هذه أشياء مرنة. نحن لا بيأس من رحمة الله ومن إمكان كل مؤمن على التحسن. “وطالب الولاية لا يُوَلّى”. نحن لا نهين إنسانا قلنا له أن انتدابه – بالمعنى الشكلي – انتهى. ذلك أن نصيحته مرحَّب بها دائما.

والأهم أن تتعاونوا بروح المحبة وأَلا تُغضبوا بعضكم بعضا وأَلا تشكّلوا كتلا ضمن كل مجلس لأنكم مجلس لكنيسة يسوع لا مجلس بلدي.

هذه الملاحظات ليست للجميع. فالحمد لله أننا صرنا أفضل بكثير من الماضي وأن كثيرا من المجالس جيدة. كلامي هو تنبيه للبعض كيلا يقعوا في حبائل إبليس وأن يلازموا المسيح.

Continue reading
1999, مقالات, نشرة رعيتي

أحد توما / الأحد 18 نيسان 1999 /العدد 16

في مساء الفصح ظهر الرب للتلاميذ ولم يكن معهم توما. فعند عودته إلى العلية قالوا له: “إننا قد رأينا الرب”. هذا هو الفرح الأعظم. ماذا ينتظر المؤمن بعد هذا: “فقال لهم إن لم أعاين أثر المسامير في يديه وأَجعل إصبعي في موضع المسامير وأَضع يدي في جنبه لا أومن”.

توما كان يريد أن يفهم. كان حديثه إلى الرسل وكأنه يقول لهم: من قال لكم إن هذه الرؤية التي حصلت لكم هذا اليوم هي رؤية العلم نفسه الذي صُلب؟ لذلك أَصرّ على أن يرى أثر المسامير في جسد الرب.

بعد ثمانية أيام من الظهور الأول دخل السيد عليهم “والأبواب مغلقة ووقف في الوسط وقال السلام لكم. ثم قال لتوما هاتِ إصبعك إلى ههنا وعاين يدي, وهاتِ يدك وضعها في جنبي….”

توما هو الشاهد الأكبر إذ أثبت شيئا فريدا وهو أن الكائن الذي ظهر له ولرفاقه هو إياه الذي رُفع على الخشبة. كان الشك نافعا لنؤمن نحن. نحن إذاً أمام انبعاث حقيقي, أمام استمرارية بين الجسد المصلوب وإياه مُقاما.

إذا انتقلنا من هذا المشهد إلى فحص أنفسنا نرى أن الحياة خليط من الفرح والحزن, من الصحة والمرض. هذا في كل إنسان فرد. حياة الكنيسة في كل رعية, في كل أبرشية, في العالم. هناك نور وهناك ظلمة. هناك تعب شديد وهناك تعزيات. ترى ناسا ينمون أمامك بالمسيح, تتجدد قلوبهم, وترى غيرهم يسبّب لك الصدمات والخيبات. وتخرج من الخيبة بالرجاء ومن الشتيمة بالغفران ومن الضجر بمتابعة الجهد.

الإيمان يتطلب أن يتجاوز كل واحد عناده وانغلاقه على نفسه وتمسكه برأيه الخاص. لا شيء يقتل مثل الرأي الذي يتحجر به الإنسان ليرفض الآخرين. لا شيء أساسي فينا إلا الاعتقاد بأننا عابرون إلى الموت وإن كل واحد يُستغنى عنه في حياته ومماته وتبقى الأرض تدور حول الشمس والنبات ينبت والحيوان يعيش والإنسان يسمو.

لا شيء أساسي مثل قبولنا الآخر بجراحه, بنقائصه, ببهائه وسقوطه معا. لا شيء مهم مثل اعترافنا بحقه في الاختلاف. لا شيء مهم مثل المحبة. إنها هي القيامة الدائمة. المحبة وحدها تمكننا من تناول الرب كلمة وجسدا ودما وإن نتناول الأخ في سره.

أن تحب هو أن تمد المسيح في نفسك وفي نفس الآخرين. وإذا يسوع دخل إليهم – وأبواب النفس مغلقة – فإنه يكسر هذه الأبواب ويقيم هناك بالروح القدس.

الجهد الذي يطلبه إلينا السيد في موسم قيامته هو ألا تبقى بؤر بغض وحزازات وتشنجات هي خراب هذه الأبرشية حيثما هي خربة. هذه الأبرشية لم تقم بعد مع المسيح في كل مكان. مكسورة في كل رعية لأننا لا نقبل بعضنا بعضا. يُجبَر الكسر إذا نهض بعض بالمحبة. متى تأتي تعزيتنا بالمصالحة العامة لكون المسيح أحد أوصافه السلام؟

Continue reading
1999, مقالات, نشرة رعيتي

أحد الشعانين/ الأحد 4 نيسان 1999 / العدد 14

انتهي الصوم الأربعيني منذ يومين. مع سبت لعازر أمس دخلت أبعاد أخرى إلى جهادنا. انتقلنا من النسك والتعليم إلى سر الشكر, إلى القربان في انتظار العريس الإلهي. نزداد استعدادا للقاء العريس (“ها الخَتَن يأتي في نصف الليل…”, يجب تعريبها “ها العريس يأتي”). ويتم العرس سريا بموت الرب وقيامته لأن الموت هو اتحاد المخلّص بالكنيسة – العروس. طقسيا منذ يوم الجمعة الماضية لا يبقى ذكر للقديسين كما يخفف ذكر والدة الإله لنبقى متركزين على الآلام. يبقى شيء من ذكر التوبة في الأسبوع العظيم حتى يوم الأربعاء ولكن منذ الخميس العظيم ننخطف إلى سر المسيح كليا.

في آخر الصيام نجمع كل القوى التي كانت مبعثرة فينا. نكون قد وحّدنا الكيان بالصوم والتطهّر ونذهب للقاء المسيح حاملين صليبه ونمجّده بسعف الفضائل. “اليوم نعمة الروح القدس جَمَعَتْنا, وكلّنا نرفع صليبك ونقول: مبارك الآتي باسم الرب, أُوصَنّا في الأعالي”.

منذ اليوم ننتظر الصليب, هذا الذي من أجل اقتباله دخل يسوع إلى أورشليم. فرح الشعانين لا يختلف عن فرحنا بما سنرسمه بين الخميس العظيم وسبت النور. كذلك في صلوات الخَتَن الثلاث نرتجي العرس الذي سيعيشه المسيح معنا يوم الجمعة العظيمة بانتظار العرس المكمَّل في الملكوت.

غير أن أحد الشعانين بالذات مع كونه بداءة للأسبوع العظيم متّسم بذكرى إقامة اليعازر. في اليومين ننشد: أيها المسيح الإله لمّا أقمتَ لعازر من بين الأموات قبل آلامك…” سبت لعازر تأكيد للقيامة العامة في اليوم الأخير. غير أن هذه لا يمكن أن تصير إلا لكون السيد قد قام.

ينتهي الصوم وغاية الفضائل التي نكون قد استقيناها فيه تصب في المسيح الآتي وبه ينكسر الزمان الرديء ويبدأ زمان الأبدية ونبدأ حياتنا الجديدة في الثلاثية الفصحية (من الخميس إلى السبت العظيم) التي تؤلف مع الفصح حقيقة واحدة.

في الدارج يقولون عندنا إن الشعانين عيد الأطفال كأن القصة في مظاهر البهجة, في ثياب الأطفال. غير أن الكتاب لا يقول إن الأولاد وحدهم استقبلوه. متى يذكر إن الصبيان كانوا يصيحون في الهيكل ويقولون “أوُصَنّا لابن داود…”. إنه تحجيم للعيد أن نجعله عيدا للصغار أو كأننا نحن البالغين نستقيل من استقبال المعلّم. أيضا فولكلور الأطفال يغزونا كما يغزونا في الميلاد.

تحية الشعب للسيد كانت “هوشَعْنا” أي يا الله أعطِ السلام (مأخوذة من المزامير). لانعدام بعض الحروف العربية في الأبجدية اليونانية صارت في العهد الجديد أُوصَنّا. ونلفظها هكذا في القداس نقلا عن اليونانية. كذلك “مبارك الأتي باسم الرب” مأخوذة من المزامير. الشعب أضاف “ملك إسرائيل” أي ماسيّا المرتجى في شعب اليهود منقذا سياسيا. نحن إذا قلناها اليوم نفهم إنه ليس كذلك, إنه المخلّص. أما قول الإنجيل: “لا تخافي يا ابنةَ صهيون” فمأخوذة من زكريا النبي (9: 9). هذا الدخول المتواضع كان صورة عن دخول السيد إلى ملكوته وإلى القلوب بتواضع الموت. ليس لنا طريق آخر.

Continue reading
1999, مقالات, نشرة رعيتي

الحب المذبوح / الأحد 11 نيسان 1999 / العدد 15

“روح أفواهنا مسيح الرب”, “الذبيح قبل إنشاء العالم” حبّا, الذي زاملنا في اللحم والدم وغدا عريس الكون, ساقه حبه وحده إلى الصليب كي لا يبقى محبّوه مسمَّرين على خطاياهم. فإذا أحبّوه انعتقوا من أنانيتهم وضيق صدرهم والأحقاد التي هي وكر الأفاعي التي تأكل قلوبهم.

هذا الموسم الطيب يقول لنا: “كل من يعمل الخطيئة هو عبد للخطيئة. والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد. أما الابن فيبقى إلى الأبد. فإنْ حرَّركم الابن بالحقيقة تكونون أحراراً” ( يوحنا 8: 34-36 ). الفصح الذي يكشف لنا نصر المسيح وتحرير المسيح إيانا تكمن كل معانيه بين الخميس العظيم وسبت النور. في هذه الثلاثية نلتمس القربى, والقربى يعطيها هو إذ يقول لنا دمُه المراق أننا بعد أن كنا عبيدا بتنا أبناء وإننا مدعوون إلى أن نجالس السيد عن يمين الآب ونحن في الأرض لأن أفكارنا صارت تنزل علينا من السماء.

هذا جعله الله الآب ممكنا لأن المسيح وهبنا مجانا, ونحن فجّار, أن نتكئ على صدره وأن نتناوله خبزاً سماويا وحياة دائمة فينا. لقد تمتم الله بالأنبياء قديما أنه معنا وأنه أبونا. ولكن لم نذق معيّة الرب حقا إلا لمّا رأينا المسيح يمشي على أرضنا ويشفي مرضانا ويحتضننا أية كانت معاصينا. الله لا نراه بعيدا أو فوقيا كالشعوب القديمة وليس فزاعة لأحد ولكنه بات في صميمنا, قلب كل قلب ونفحة كل حياة وتعزية لكل حزين ولحمة كل مكسور.

ونحن لم نستحق َ ذلك إذ لم نصنع شيئا حَسَنا على الأرض وليس في هذا الطين أي بر. غير أنه لما سيق إلى الذبح مثل شاةٍ, عَرَفْنا أنه قادر على إحيائنا من موت, وفهمنا أن سر الوجود هو المحبة التي أحبَّنا بها. هذه هي التي تبعثنا من القبور لأن من أحب َّ بالحب الذي وضعه فيه يسوع لن يموت إلى الأبد ولن يتسلط عليه الموت.

نحن صرنا فيه وبه فصحيين أي عابرين كل يوم الهوّة التي تفصلنا خطأةً عن الذي لا أثر فيه للعيب. هذا الذي ذاق من أجلنا مرارة خطيئة لم يرتكبها يذيقنا اليوم حلاوته ويجعلنا قائمين كل يوم وليس فقط في اليوم الأخير. ذلك أننا دُفنّا معه بالمعمودية لنصير إلى موته حتى كما أقُيم هو من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في حياة جديدة ( رومية 6: 4 ).

هذه دعوة النصر ودعوة الفرح. ولكنها أيضا دعوة اليقظة حتى لا نعود نُستعبَد للخطيئة. لا يبطل الجهد بالفصح ولا نضعف في محاربتنا للشيطان. الفرح لا يعني إهمال الوعي. الفصح عيد الوعي بامتياز. المسيح قام. رجاؤنا إليه أن يجعلنا في كل حين مغتسلين بضيائه.

Continue reading