Category

1997

1997, مقالات, نشرة رعيتي

السلوك الفصحيّ / كلمة الراعي «رعيتي»، الأحد 4 أيار 1997، العدد 18

يوم الفصح ظـهر السيد للتلاميذ مجتمعين “وقال لهم: السلام لكم. ولما قال هـذا أراهم يديه وجنبه فـفرح التلاميذ حين أبـصروا الرب”. وكان توما غائـبًا فلم يؤمن. ولكن في الأحـد اللاحـق للـقـيامة ظـهـر السيد لهم ثانية وتوما معهم. وتكـرر المـشهد نفسه عند دخول الرب: السلام لكم، والرب مشـرق بالـنور الفـصحي وآثار آلامه عليه.

كل منا آلامه فيـه بادية أو غير بادية، جسـديّة أو نفسيّة. انه ليس وحده. يكـلّمه يسـوع، ولمـجرد انعطافه عليه يعطيه سـلامًا، يقيمه في السلام. ولكن هـذا الإنسان المتـوجع يـستضيء بنور للمـسيح غـير منظور، بتعزية. يحسّ بقربى يـسوع، ويصبح بدوره مضيئًا. الألم والفـرح يترافقان ويتعايشان في إنسان واحد.

المتألم مصلوب وقـائم معًا. ما جرى في الرب يرتسـم في نفوسـنا، في مـشاعرنا.ليس الموجع كغير الموجع، كيف يمكـنك ان تخفف من وجع الحصى في الكلى. هذا ليـس من الخيال. وفـي كثرة من الأحوال لا شفاء لك. مع هذا يمكنك أن ترمي نفسك على حضن يسوع إذ يبقى المعزّي إن لـم تحدث الأعجوبـة. وقد تكـون ملمًّا بحالتك وتعرف غالبًا ان المرض الذي اعتراك هو إلى موت. لا يبقى لك، إذ ذاك، الا مهمة واحدة، ان تسـتفيد حتى الأقصى من كل إمكـاناتك وان تقول للرب: هـذا ما يبقى من هذا الجسد. ليس عندي الا هذه الطاقات. تعال إليّ وأنا في حاجة اليك، وسـد الثغرات بنـعمتك، وكن أنت الـضـيـف العظيم في هذا الجسد المكسور وهذه النفس الحزينة.

يدخل عليك المسيح والأبواب مغلقة. نفسك حزينة وأَقفلت كل شيء حولها وتريد أن تنطوي في حزنها. إذا قرع يسوع باب نفسك افتح له، إذ ذاك يدخل ويتعشى معك ويُجلسك على مائدة حبه. يسوع قادر أن يقيم عرسًا مع نفسك التي ظنت انها متروكة.

من رآك متعزيًّا يعرف سرك. يفهم أن المسيح افتقدك وأعطاك سلامه وانه الآن قاعد عندك. ربما قضيتَ أسبوع الآلام والعيد على فراشك وكنتَ شاعرًا بحضور المسيح إلى جانبك. فصحك يكون قد كان كاملًا.

هناك ما كان أشد من المرض محنةً عنيتُ به الخطيئة التي تعاودك المرة تلو المرة. وهذه ليست الأفتك. أفتك منها الخطيئة المحبَّبة إلى نفسك والتي تقيم فيها. أمام هاتين تدخل في تهجئة الفصح إذا بدأ وعيك للخلل الذي أنت فيه. وتكون مشيتَ خطًى إذا قلت في نفسك: “اني أقوم وأعود لأبي”. لسنا بعد في فصح العمق.

أما إذا كفرتَ بنفسك وخطّأتها رجعتَ إلى حنو الآب وارتميتَ في حضنه حقا فيكون وجودك الداخلي قد عيَّد الفصح.

الذي خرج من القبر ظافرًا يترجم ظفره فيك حلاوةً في نفسك أو طراوة. فصحك، عند ذاك، يكون ممدودًا طوال العمر.

Continue reading
1997, مقالات, نشرة رعيتي

محبة الوصايا/ الأحد 7 أيلول 1997/ العدد 36

أول خطوة الى عمل الصلاح ان تؤمن باللّه وعلى ان ما قاله في الكتاب المقدس هو الحق، اي ان تبتر كل علاقة بنزواتك وشهواتك وما هي توحي اليك. ففِكرُ الإنسان كثيرا ما أتى من أفعاله ولا سيما تلك التي يكرر. فإن مارستَ الكذب طويلا وظننت انه نجَّاك، تميل الى الاعتقاد ان الكذب خير وشطارة، وكذلك ان مارست الاحتيال والسرقة فتعمى عن الحقيقة الإلهية. خطاياك تصير مصدرا لفكرك. ولكون الانسان يميل الى الشر وأن يحوّل الشر الى فكر، تكلم الله ليستأصل التفكير الخاطئ من قلوبنا. الكلمة الإلهية قائمة لأننا غير قادرين بعقلنا وحده على الموقف الصائب أو لأن العقل وحده يزلّ لأن الشرّ يكون قد شوّهه.

          من اجل ذلك كانت الكلمة المقود، واليها نحتكم ومنها نأتي. عندئذ نصير في الحق او نصير الحق. ولكن عليك أن تألف الكلمة، ألاّ تنقطع عنها اذ سرعان ما تنتصب كلماتك انت في عقلك ويجيء تصرفك من هذا. لا كلمتك انت ولكن كلمة الكتاب التي تعرف الصالح لك اكثر مما تعرفه انت. وإذ جعلت إلفة بينك وبين الكلمة وأقامت فيك فارتاحت نفسك اليها، تلجأ اليها وتجعلها على لسانك وفي أذنيك. فإذا جاءك الشرير ليجربك تصدّه بما صار فيك حقا وتَقَوْلَبَتْ نفسُك به وتكون هي الدرع والسيف والخوذة والسلاح الكامل.

          لقد انتبه صاحب المزامير الى هذا في المزمور ال 118، المُرَقم في الطبعات المتداولة 119، فحدَّثَنا عن محبتنا للوصية. قبل نضجنا الروحي، عندما كنّا نتصرف كأولاد في الحياة المسيحية، نكون كأولاد المدرسة. نحس ان الله مثل معلم الصف، يعطي الأوامر، وتكون لذّتنا بمخالفة الأوامر. الإنسان لأول وهلة يجعل عداوة بينه وبين الوصية، وقد يرى انها تقلق حريته. انه هو إله لنفسه. يريد أن تأتي قراراته منه لا من سلطة بشرية كانت ام إلهية. ولكن يأتي يوم ينضج التلميذ فيه ويفهم ان في مصلحته ان يطيع، وان المعلم هو الذي يقرر المعارف التي يجب ان يلقنها لتلميذه.

          الثقة بالله -وهذا هو الإيمان تحديدًا- توحي الينا ليس فقط ان نقتنع بالوصية، ولكن ان نحبها ليقيننا بأن النفس تصح بها وتتجمل، وان ما عدا الوصية إغراء. ولذلك قال داود في هذا المزمور العظيم: “أَخفيتُ كلامَكَ في قلبي لكي لا أخطئ إليك”. ليس فقط قرأته مرّة أو مرات، ولكني أكلته أكلا. استدخال الكلمة الإلهية الى ثنايا القلب حتى تطرد منه الخطيئة لو حاولَتْ ان تتسلل.

          ويتحدث النبي المرنم عن الحب الذي نقتبل فيه الكلمة فيقول: “اشتاقت نفسي الى اشتهاء أحكامك”. قابل بين هذا القول وما نفعله عادة. نحن نشتاق الى الخطايا. داود يشتاق الى وصايا الله اشتياقا.

          ومن بعد التوق الودّ. وهنا يقول: “رفعتُ يدي الى وصاياك التي وددت”. ينتقل بهذا الود الى العمل حيث يقول: “انه وقت يُعْمَل فيه للرب وقد نقضوا شريعتك. لأجل هذا أحببت وصاياك أفضل من الذهب والجوهر”. كلمتك سلاح أحارب به الأشرار. ولن يكون في يدي سلاح ضدهم وقوة كافية لمحاربتهم الا اذا أحببت وصاياك فجذبَتْني وحركَتْني لأخوض معركتك في الكون.

Continue reading
1997, مقالات, نشرة رعيتي

الكتمان/ الأحد في 17 آب 1997/ العدد 33

قـول سائر عندنا: “المجالس في الأمانات” اي انك لا تذيع امرا تسلمْتَـه في مجلس اصدقاء وأَسَرُّوا لك به لأنهم اطمأنوا الى كونك تحفظ الأسرار. ما من شك ان كثيرا من الأخبار يتعلـق بأمور الناس الشخصيـة ويـؤذيهم أن تُعرَف. ما يمتّ بصِلـة الى الحياة العائلية والى أتعاب الناس او ما يواجههم من صعوبات في حياتهم المهنيـة تُكشف لك لكـونك قادرا على النصيحة او من باب بث الشكـوى او وصلت اليك لكون الناس يتسلَّون بما يحلّ بالناس.

         قد تعـرف تفاصيل ائتُمنتَ عليها لتساعد على حلها. إن نقلتـها لمن كان الكلام عنـه وسَمَّيتَ من نقلها اليك تجعل خلافا بين من حدَّثك ومن انت تحدثـه، ولهذا قال الكتاب: “الساعي بالوشايـة يفشي السر، والأمين الروح يكتم الأمر” (امثال 11: 13). قد لا تقصد الوشاية ولكنها الثـرثـرة ساقتـك الى الحكي.

         عنـدما تشعر بجـو حار وأنّ كبيـرا في القــوم روى لك شيئا عن كبير آخر فامتنعْ عن روايـة هذا الكـلام حتى تبـقى موضوعَ ثقـةٍ وحتى يجتنب الكبيران الخصام. اذا أَسَرَّوا لك بأمر وأحسستَ انك قادر ان تساعد  فاستعمل من هذا الكلام ما يفيد وما لا يُدخل التشنـج الى النفـوس.

         ليس الكاهن وحده مرتبطا بسرّيـة الاعتراف. كل منا مقيَّد بكتم ما عَلِمَ به الا اذا آذى سلامة الدولة او كان فيه تخريب للكنيسة. لا ينبغي مثلا ان يحدث صِدام كبير في الرعية دون ان يعلم به المطران حتى لا تتصدع وحدة المؤمنين. غير هذا يكون من باب الثرثرة. كل إفشاء لمتاعب الناس وخطاياهم نميمة. النميمة خبر صحيح لا تجوز روايتـه.

         النقد البنّاء يجري بينك وبين من تريد إصلاحه. احيانا يجوز لك ان تحلل كلام الناس من حيث انه كلام أُذيعَ، وان تنقده موضوعيا، ولكن لا يجوز لك ان تذم قائلـه. ربما ساغ لك احيانا ان تحلل تصرفا بات مكشوفا او مواقف عُرفَتْ، ولكن لا تدع الناس يحزنـون بسببٍ من انتـقاد لاذع كثيرا ما أخفى حقدا.

         المجتمع الكنسي مليء بالأخبار الباطلـة.  وعند الفحص يتبين لك ان الكثير الكثير عارٍ من الصحة. لماذا مَن عَرَفَ خبرا عن اكليريكي لا يذهب اليـه ويعاتبه بدل ان ينشر الخبر في مجالس الثرثارين؟ هذا باع وهذا تَمَلَّـك باسمه الشخصي. كيف تثبت هذا؟ القال والقيل تجعل النفـس في حزن، وكثيرا ما كان الحزن شديدا.

         الخلاص في الصمت. “ان كان احد فيكم يظن انه دَيِّنٌ وهـو ليس يلجم لسانـه بل يخدع قلبـه فديانـة هذا باطلـة” (يعقوب 1: 26). وقمـة القـول: “اللسان نار. عالم الإثم. هكذا جُعل في اعضائنا اللسان الذي يدنس الجسم كلـه ويضرم دائرة الكون ويُضرَم من جهنم” (3: 6).

         القاعدة في هذا ان تمـدح الناس في غيابهم وان تكتم ذنـوبهم حتى يحجب الله عن عينيه ذنوبك. لا تَقُلْ إلا ما هـو نافع للبنيان. واذا لم يُفشَ ما قلتـَهُ في الخفاء فأقلُّـه انـه يعثّر. اذا عَرفـتَ شيئا من هذا القبيـل فانسَهُ لئلا يصيبـك انت قنـوط وتقع بواقعيـة مريرة وتهـمل رجاءك. اذا تأكد لك خطأُ واحدٍ من الناس فاذكر هذا الأخ في دعائك وانسَ الخطيئة، لأنك ان أَقمتَ على احد خطيئتَهُ فالخشية ان تقع انت فيها. لا تذكر سيئـة ولا تحاسب عن سيئـة لأن هذا باب للحقد.

Continue reading
1997, مقالات, نشرة رعيتي

سلام المسيح/ الأحد في 3 آب 1997/ العدد 31

تبدأ الطلبة السلامية الكبرى في القداس الإلهي والخِدَم الأخرى بقول الشماس: “بسلام إلى الرب نطلب”، اي نرجو ان نكون في سلام مع الله لنتمكن من الصلاة. ثم نقول “من اجل سلام كل العالم”. وهنا يبدو للسامع اننا نطلب السلم العالمي بين الدول، ولكنه سرعان ما يفسر: “من اجل السلام الذي من العلى وخلاص نفوسنا”. وهنا يتضح انه ان كان صلح بيننا وبين الرب نتمكن من إشاعة الهدوء حولنا في العلاقات الشخصية، في العائلة وفي المجتمع. السلام الذي لا يتصدع بمصالح الدول والأفراد والخصومات ضمن العيلة او الرعية هو الذي ينزل عليك من فوق.

          المؤلم ان في الدنيا صالحين في كل الشعوب ولكن السياسة ليست في ايديهم. والفاهمون كثيرون، وما السياسة في أيديهم “والإنسان ذئب للإنسان”. وسوف تبقى الحروب بين الشعوب القوية والشعوب الضعيفة ما لم تتحول الشعوب في رقي اخلاقي عظيم وتنمية وازدهار لتفهم ان مصالحها هي في ان تنمو جميعا وتنمو معا ويظل كل شعب على فرادته وأصالته وحقه في الاختلاف. ان نؤمن بحرية الآخرين شرطا للسلام، واكتمالا لسلامنا نحن، هذه قمة في حياة الشعوب.

          وهنا يبدو من المعقول ان تبقى مجموعة بلدان فيما بينها في سلام موطد بعد ان تكون اكتشفت أن الحرب يدمرها جميعا ولا يبني شيئا ولا يؤمّن سيطرة وأن من تستبعده سوف يثور عليك ليستعبدك. هكذا اخذت تتجلى – بعد مخاض عسير- ان الطمأنينة عبر الحدود ممكنة لأن القيم الانسانية صارت اقوى في النفوس من التوحش. ربما كانت المجموعة الاوربية مثالا على ذلك. سعي الى تعاون وربما الى توحُّد نتج عندها من كونهم ذاقوا مرارة حروب وتبنّوا مبادئ من الإنجيل ترجموها قِيَما اجتماعية عندهم. طبعا هناك قناعات اساسية ذات مصدر ديني تتشبع بها المجتمعات وتتحول سياسة.

          في الأساس ما حاولَتْ هيئة الأمم ان تعمله سلام مؤسَّس على حقوق الإنسان التي صارت عند اهل الغرب قيما مقبولة، موضوعة في تعبير بشري، دنيوي دونما صلة ظاهرة مع الإنجيل ولكنها آتية من الإنجيل ما في ذلك ريب.

          هل نحلم بسلام عالمي؟ هذا كله متوقف على الصدق وليس في معظم الدول صدق. والصدق بدوره ناتج من التعفف عن العنصرية وشهوة التوسع والسيطرة الاقتصادية. اجل، سيبقى على عشرات بل مئات من السنين امرا ضبابيا.

          نحن إلحاحنا على العدل. لا سلام بلا عدل للجميع. قد يُفرَض السِلم ولكنه لا يبقى. بطريقة او اخرى، إن لم يكن “سلاما من العلى” لا يستقر في الأرض. هذا هو معنى البشارة عند مولد يسوع. “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام”. إن تَنزَّلَ نزل عليك شيء من فوق تنشره هنا سلاما.

Continue reading
1997, مقالات, نشرة رعيتي

فضيلة الصبر/ الأحد في 27 تموز 1997 / العدد 30

هذه فضيلة ناتجة من اعتقادنا ان الله يترك الحرية للإنسان ويصبر عليه حتى يتوب. يدع له مجالا للخطيئة ولا يقهره على البر. ينتظره ليقبل النعمة النازلة عليه. الله يطلب محبة الإنسان له ولا يرغمه ان يحبه. الله توجعه خطايا الناس.

          على هذه الصورة نصبر على الآخرين حتى يعودوا الى رشدهم وهدوئهم. لا نغضب عليهم ولا نتأفف. ونبقى على وداعتنا والتواضع على الآخرين يتروضون على الوداعة والتواضع. ننتظرهم حتي آخر رمق فيهم او فينا. صَبْرُنا على الناس يأتي من صبر الله على الناس.

          عندما قال الرب: “لا تقاوموا الشر بالشر” كان يعرف ان صَدَّ الغضب بالغضب لا يشفي الغاضب ولا المغضوب عليه. لا يمكنك ان توقف الانفعال اذا وقعتَ انت في الانفعال. انت يُطلب اليك ان تشفيه، ولا شفاء للآخر الا اذا سكنك السلام. واذا استقر فيك السلام ينتهي انفعال الآخر.

           هذا لا يعني انك تهرب وانك تعتزل. الهروب لا يحل مشكلة والاعتزال لا يحل مشكلة. انت لا تتفرج على الخطيئة. تعالجها. لا يمكنك ان تحيا بمنأى عن الناس. تزج نفسك في مشاكلهم وانت حر من هذه المشاكل. تزج نفسك فيها بمداواة من كان مصابا بها. تداويه بالمحبة، بالتأني، بالحلم. الصبر فيه صلاة، انتقال الى الله. واذا انت ارتفعت ورحمت، تزيد حظ الآخرين بالارتفاع. اذا انت تغيرت، يقوى حظ الآخرين بالتغير. التغيير لا يكون بقتال الآخرين. تصير انت انسانا جديدا فيتجدد الآخرون.

          الصورة هي هذه انك تصعد الى الله وتنزل من الله الى الآخر بحيث يكون الآخر في علاقة ثالوثية وهي هذه: انت والله والآخر. هكذا يتم خلاصك بالله، ويتم خلاص الآخر بالله. هذه المسيرة تتطلب الرفق. اذا انت رفقت يحس الآخر انه محبوب. لا تلهيك معصية الآخر عن الآخر. تذهب اليه في معصيته. تضمه اليك ولا تضم معصيته. اذا احسّ انه محبوب يترك معصيته ويرى نفسه في حضرة الله، ويتحول، اذ ذاك، الى وجهه المبارك.

          بأي مقدار تصبر، الى اي حد؟ “انت تصبر على كل شيء” (2تيموثاوس 2: 10) لأن الناس، كل الناس قادرون على كل هفوة، على كل جرم. انت تتوقع كل خطيئة من كل انسان ولا تقاطع احدا. الخاطئ في ايامنا لا يحتمل اي غضب واي عزل. الكنيسة في ايامنا لا تمارس الحرم، وأظن انها لا تستطيع لأن الروح الدينية صارت ضعيفة والتماسك ضعيف. والحرم لا ينجح الا في كنيسة قوية، يعرف الخاطئ فيها انها تؤدبه لمنفعته ويخشى اذا حرمَتْه ان يفقد حقا رضاء المسيح عليه. الواقع ان كنيسة اليوم فيها مؤمنون ضعاف ومؤمنون اقوياء. ويحس من تحرمه انك غاضب عليه وانك لا تحبه. من هنا اننا بتنا اليوم في الكنيسة احوج الى الصبر على كل الناس مما كنا في الماضي. من تقصيه يفقد صبره، ولا يقبل احد ان تُخرجه عن الطائفة. يحس انك تعمل هذا اعتباطيا، كرها به. المحروم في الأزمنة الاولى كان يحس -اذا أقصيتهُ من الجماعة- انك تقصيه لكونك تريد تأديبه بالعزل، حتى اذا صار خارجا يشعر بضرورة العودة.

          ان في كنيستنا من يكره الكاهن والأسقف ويريد ان يتسلط عليه. لا يمكن الرئيس الروحي ان يزعل المؤمن لئلا يهج. يأخذه بالرأفة والتأني والأبوة ليرى ابوة الله.

          نحتاج الى امتحان كبير، الى ترويض كبير، الى آلام لنتعلم الصبر الذي يريده المسيح منا. واذا نشأ فينا هذا القدْر من الصبر ينقل لطف الله لى القلوب.

Continue reading
1997, مقالات, نشرة رعيتي

الكذب/ الأحد في 20 تموز 1997/ العدد 29

أَحصيتُ 178 آية ضد الكذب في العهدين القديم والجديد هذا يدل اولا على انتشاره والكتاب ينطلق من ان الله لا يكذب وان الشيطان كذوب وابو الكذاب (يوحنا 8: 41)، وكأنه يقول ان صدق الله ينبغي ان ينعكس في صدق الإنسان، وان الذي يكذب ليس الله أبوه دائما يقيم الكتاب المقدس علاقة بين الكذاب والروح الشرير لذلك يقول: «ملأ الشيطان قلبك لتكذب» (اعمال 5: 3)

والكلمة الإلهية لا تكتفي بأن تعرِّف عن الكذب في انك تظهر عكس ما تضمر تذهب الى أعمق فتقول: «نكذب ولسنا نعمل الحق» (1يوحنا 1: 6) تتكلم عن طريق الكذب فهناك انسان ملتو، مغلوط في تصرفاته وليس فقط في كلامه هذا الإنسان لا يحب ان يقيم في حضرة الحق، في النور

الا ان العهد الجديد يتكلم عن الإلهام الروحي الذي ينزل علينا لنتسلح بالصدق فبعد ان يهدينا بولس على ان «نلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق»، يمكنه ان يدعونا الى طرح الكذب عنا «لأننا بعضنا اعضاء البعض» (افسس 4: 32-52).

المسألة اذاً انك ان تجددت بالمسيح يمكنك ان تَصدُق وفي تجددك تعلم انك عضو في جسد المسيح الذي هو الكنيسة، والصدق يجعلك موحَّدا بإخوتك، وهؤلاء يشفونك من خطاياك اذا لم تُخفِ عنهم شيئا أنت لست أخا لمن تكذب عليه الأُخوَّة تعني التواصل والتكاشف والعلاقة المباشرة التي لا مواربة فيها ولا لبس.

مرة سألتُ ابنا روحيا اذا كان يكذب قال ولكني لا اؤذي احدا قلت له افرض ان هذا صحيح الا انك تؤذي بالأقل واحدا قال: من هو؟ قلت انت لأنك تقزّم نفسك القوة في ان تعترف والقوة في ان تجبه لأنك تصير قويا باعترافك وقويا بصدقك.

ما من علاقة ممكنة، سليمة الا اذا اتكل الآخر على ما تقول، وأقام معك اتصاله بناء على ما تقول، فإنه يقرر اموره استنادا على ما سمع منك.

قد تظن انك ترتب اشياءك اذا اخفيت بعض الحقائق قد تنجّي نفسك من الورطة مرة او مرتين، ولكن سرعان ما تفتضح فيحتقرك الناس ويعاملونك بحذر او يُبْطِلون التعامل واياك يكذب الكثيرون ولكنهم لا يحبون الكاذب الآخر تدخل اذاً في وحلة الخروج منها في كذبة جديدة.

انا أفهم ان ما يدفعك الى الالتواء قسوة الناس ولهذا لا علاج للكذب في الكنيسة الا اذا قبِلْنا بعضنا بعضا ورحمنا الخاطئ. فمَن عَرَفَ انه يبقى محبوبا مهما ارتكب يتجاسر على الصدق يتكل مسبقا على انه محضون المحب لا يحاسِب احدا على ضعفاته يُخَطِّئه في وقت مناسب في روح الوداعة ولكنه لا يراه اسوأ الناس.

اذا شاهدنا صورة الله في الخاطئ وأيقظناه ليراه،ا ورأيناه قاعدا في صبر الله عليه وصبرنا. لا بد له ان يتشجع ليبقى في نهار الحقيقة ونهار التعامل.

Continue reading